ولكن مؤلف الرواية يزعم أن عليا "تصدق" بخاتمه على السائل ولم يزكي،
إليك هذا البحث عن الصدقة والزكاة لعله يزيح الغشاوة عن عينيك:
اجتهاد الخليفتين أبي بكر وعمر في الخمس

ومن موارد إجتهاد الخليفتين أبي بكر وعمر منعهما اهل البيت حمسهم كما ذكروا ، وخاصة حق ابنة الرسول فاطمة ( ع ) .
ولابد لنا في معرفة كيفية اجتهادهما في هذا المورد أن ندرس :
أولا : الزكاة والصدقة والفئ والصفي والانفال والغنيمة والخمس لغة وشرعا .
ثم ندرس شأن الخمس وحق ابنة الرسول ( ع ) - في عصر الرسول ( ص ) - ليتيسر لنا بعد ذلك درس اجتهاد الخليفتين في الخمس عامة وفي حق ابنه الرسول ( ع ) خاصة ، فنقول :

أ - ، ب - الزكاة والصدقة :
الزكاة في اللغة : الطهارة والنماء والبركة والمدح 1
مثل قوله تعالى : " أيها أزكى طعاما " اي أطهر ،
وما روي عن الامام الباقر أنه قال " زكاة الارض يبسها " اي طهارتها يبسها .
وقول الامام علي " العلم يزكو على الانفاق " أي ينمو ،
وقولهم " زكا الزرع " إذا حصل منه نمو وبركة ،
وقوله تعالى : " الذين يزكون أنفسهم " أي يمدحونها .

وفي الشرع : ما يخرجه الانسان من حق الله تعالى إلى مستحقيه ، وتسميته بذلك لما يكون فيها رجاء البركة أو لتزكية النفس اي تنميتها بالخيرات والبركات أولهما جميعا فان الخيرين موجودان فيها. وزكى أدى زكاة ماله .

هذا ملخص ما ذكره أهل اللغة في بيان معنى الزكاة 2 .

اما الصدقة فقد قال الراغب في مفرداته : " الصدقة ما يخرجه الانسان من ماله على وجه القربة كالزكاة لكن الصدقة تقال في الاصل للمتطوع به والزكاة للواجب . "

وقال الطبرسي في مجمع البيان : " الفرق بين الصدقة والزكاة ان الزكاة لا تكون إلا فرضا ، والصدقة قد تكون فرضا وقد تكون نفلا . "

ومن ثم نرى ان الزكاة لوحظ فيها معنى الوجوب وقصد منها حق الله في المال كما لوحظ في الصدقة التطوع اي اعطاء المال قربة إلى الله تعالى وقد تلحظ فيها الرحمة على المعطى له مثل قول اخوة يوسف له " وتصدق علينا " .

وبما ان الزكاة لوحظ فيها الوجوب اي حق الله في المال نرى انها تشمل أنواع الصدقات الواجبة والخمس الواجب وغيرهما من كل ما كتب الله على الانسان في المال .

ويشهد لهذا ما ورد في كتاب رسول الله ( ص ) لملوك حمير : " وآتيتم الزكاة من المغانم خمس الله وسهم النبي وصفيه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة " . فان لفظ " من " بعد الزكاة لبيان انواع الزكاة المذكورة بعدها وهي :
أ - من المغانم خمس الله .
ب - سهم النبي وصفيه .
ج - ما كتب الله على المؤمنين من الصدقة .
أي القسم الواجب من الصدقة .
وهكذا جعل الصدقة الواجبة قسما واحدا من أقسام الزكاة .
وقد حصر الله الصدقة بالمواضع الثمانية المذكورة في قوله تعالى : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل
فريضة من الله والله عليم حكيم " ولم يحصر الزكاة بمورد ما ، وقرنها بالصلاة في خمس وعشرين آية من كتابه الكريم وكلما قرنت الزكاة بالصلاة في كلام الله وكلام رسوله قصد
منها مطلق حق الله في المال والذي منه : حقه في ما بلغ النصاب من النقدين والانعام والغلات اي الصدقات الواجبة ، ومنه حقه في المغانم اي الخمس ، وحقة في غيرهما .
وإذ قرنت في كلامهما بالخمس ، قصد منها الصدقات الواجبة خاصة .
وكذلك إذا أضيفت في الكلام إلى أحد موارد أصناف الصدقة مثل " زكاة الغنم " أو " زكاة النقدين " قصد منها عند ذاك أيضا صدقاتها الواجبة .

ويسمى العامل على الصدقة في الحديث والسيرة بالمصدق ولا يقال " المزكي " ويقال لمعطي الصدقة : " المتصدق " 4 ولا يقال المزكي أو المتزكي و " الصدقة " هي التي
حرمت على بني هاشم 5 وليست الزكاة ، ولم ينتبه مسلم إلى هذا وكتب في صحيحه " باب تحريم الزكاة على رسول الله ( ص ) وعلى آله . . . "

واورد في الباب ثمانية احاديث تنص على حرمة الصدقة عليهم وليست الزكاة كما قال ، وعلى هذا فكل ما ورد في القرآن الكريم من أمثال قوله تعالى " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " ، فهو أولا أمر باقامة كل ما يسمى صلاة سواء اليومية منها أو صلاة الآيات أو غيرهما .
وثانيا أمر بأداء حق الله في المال سواء حقه في موارد الصدقة الواجبة ، أو حقه في موارد الخمس أو في غيرهما .

وكذلك المقصود في ما روي عن رسول الله انه قال " إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك " أنك إذا أديت حق الله في مالك أي جميع حقوق الله في المال فقد قضيت ما عليك ،

وكذلك ما روي عنه انه قال " من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول الحول " أي لا حق لله في ماله .
وورد في احاديث أئمة اهل البيت : ( وحق في الاموال الزكاة ).

ولعل سبب خفاء ذلك على الناس ، أن الخلفاء لما أسقطوا الخمس بعد رسول الله ولم يبق مصداق للزكاة في ما يعمل به غير الصدقات ، نسي الخمس متدرجا ، ولم يتبادر إلى الذهن من الزكاة في العصور الاخيرة غير الصدقات !