إننا عندما نختلف في قضية الخلافة والإمامة، وهذا الفقه وذاك الفقه، فنحن نختلف فيه، لا على أساس أنه شيء فوق الإسلام أو شيء زائد عن الإسلام، ولكن نحن نختلف في فهم ما قاله الرسول وفي وعي ما تحدث به. القضية ليست قضية أن هناك شيئاً زائداً عن الشهادتين. الشهادتان هما التعبير الحيّ عن كل ما في الإسلام من عمق. وإذا كنا اختلفنا في الخلافة، فهو اختلاف في ما قاله رسول الله، هو جزء من تفاصيل حركة الرسالة في ما بيّنه الله. وقد دلنا الله على أننا إذا تنازعنا في شيء فنرده إلى الله والرسول. إذا تنازعنا في الخلافة والإمامة فنرد ذلك إلى الله والرسول، وإذا تنازعنا في بعض الجبر والتفويض وحرية الإرادة فنرد ذلك إلى الله والرسول، وإذا تنازعنا في هل نسبل في الصلاة أو نكتف فنرده إلى الله والرسول.

إذاً، قصة المذهبية ليست شيئاً خارجاً عن معنى الرسالة، ولكنها شيء ينطلق من خلال الحديث عما هو موضوع الرسالة. وذلك هو الفهم الحق للوحدة الإسلامية. الوحدة الإسلامية أن نتفق على أساس أن نؤمن بالكتاب والسنّة، كتاب الله الذي ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه﴾ (فصّلت؛42)، وسنّة الرسول ﴿ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ (الحشر؛7). عندما نضمن هذين العمودين ونتمسك بهما، عند ذلك، نقرأ ماذا قال الرسول (ص) في أهل البيت (ع)، وما موقع أهل البيت من الرسول، وما موقعهم من الإسلام؟ ماذا قال الرسول في هذا، وماذا فسر الرسول هذه الآية أو تلك؟ عند ذلك، إذا عشنا مسؤولية وعقلانية وروحية الإسلام وواقعيته، نستطيع أن نصل إلى نتيجة.

لماذا يتعصب بعضنا لموروثاته؟

الفكر ليس نحن،

الفكر شيء ورثناه

أو شيء اقتنعنا به،

عندما تقتنع بشيء ويقتنع الآخر بشيء، إذا كنت واثقاً أنك على الحق، لماذا تخاف أن تحاور الآخر؟

وإذا أقنعك الآخر، لماذا تخاف أن تلتزم قناعتك الجديدة؟

إن قضية العقيدة لا بد أن تنطلق من عمق القناعة،

ولذلك كلما كنا موضوعيين أكثر،

وكلما كنا عقلائيين أكثر،

وكلما كنا مسؤولين عن سلامة الإنسان أكثر؛


عرفنا كيف نتحاور بالحكمة والعقل والحجة والبرهان. وكلما عشنا المسؤولية، استطعنا أن نقدم التنازلات عندما تكون الأزمة تسقط الأمة.

علي (ع) مبدع فكر وقائد مسيرة

وهذا ما نتعلمه من عليّ (ع)، مشكلتنا أننا حوّلنا علياً إلى ضرّاب سيف، ولكننا لم نفهمه كمبدع فكر، وكقائد مسيرة، وكإنسان يعيش لله وبالله ومع الله. إن سيف عليّ (ع) جزء من رسالته، ولذلك كان يحركه عندما تريد الرسالة أن يحركه، ويغمده عندما تريد الرسالة أن يغمده، «لأسلّمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت بيدي، حتى إذا رأيت راجعة الناس عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما زال كما زال السراب وكما ينقشع السحاب فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه»(6).

ومن خلال هذه التجربة، سمعنا قائلاً يقول «لولا علي لهلك عمر»(7)، وسمعنا قائلاً يقول «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن»(8). وعندما يكون الإسلام في خطر، عند ذلك لا مجال للسلبيات ولا مجال للتحفظات؛ علينا أن نندفع، لأن الذين يكيدون للإسلام يستغلون خلافات المسلمين في الأوقات العصيبة.

وهذا ما تنبه إليه السيد محسن الأمين (رض)، الذي أحب لجيلكم وللأجيال من بعدكم أن تدرسوا سيرة هذا الرجل الكبير. لأن هذا الرجل – يمكن أن نقول – هو الذي صنع تاريخ هذه الجماعة بكل عمق

. جاءه فرنسيون في عهد الاستعمار الفرنسي

وقالوا له: إننا نريد أن ننشئ مجلساً ملياً للشيعة، ونريد أن نجعلك رئيس هذا المجلس. ونحن مستعدون لأن نؤمن لك كل المصاريف. قال لهم: «أولاً ليس هناك فرق بيننا وبين المسلمين. نحن لا نفصل أنفسنا عن المسلمين في سوريا، لنا ما لهم وعلينا ما عليهم، نشاركهم الآلام والأفراح ويشاركوننا، لن نميز أنفسنا عنهم، حتى لو اختلفنا في بعض النظريات كما يختلف السنّة بعضهم مع بعض وكما يختلف الشيعة بعضهم مع بعض».

وقال لهم وهم يحدثونه عن المال وعن الرئاسة
«إنني موظف عند الله، فلا يمكن أن أكون موظفاً عند المندوب السامي الفرنسي».

هذا الرجل كبير في مواقفه،ونعرف أن كل قادة الرأي والسياسة في هذا البلد من غير طائفته ومذهبه من صحافيين وسياسيين، كانوا يأتون إليه ويستشيرونه وكان يشارك في دفع الكثير من الحركات في وجه الاستعمار الفرنسي.

ولذلك فإن تجربته هي التجربة الرائدة، التي لا بد لنا من درسها جيداً، لا ندرسها لنشيد باسمه ولا لنعظمه؛ ولكن ندرسها لندخل في تجارب جديدة، لأن قضية الطائفية لا تزال تتحرك من خلال الاستكبار العالمي والأعداء الذين يستغلون نقاط ضعفنا، ويستغلون كلاماً حاداً قاله شخص من هنا، ليكون الرد كلاماً حاداً يقوله شخص من هناك؛ ويستغلون سباباً وتكفيراً من هنا لينطلق سباب وتكفير من هناك. ونسبُّ ويسبّون، ونكفِّر ويكفِّرون، وماذا تكون النتيجة؟ إن الاستكبار يقهقه عندما يرانا مشغولين بتكفير بعضنا بعضاً ويلعن بعضنا بعضاً، وهو يأخذ كل ثرواتنا ونفطنا وكل بلادنا، وهو يصادر كل عنفواننا ويفرض علينا كل ما عنده من الاستكبار.

التخطيط للحاضر والمستقبل

المرحلة التي نعيشها هي من
أصعب المراحل التي مرّ بها المسلمون في كل تاريخهم،
لأنها المرحلة التي يراد من خلالها إسقاط كل روح –
أن لا تكون لنا روح – ويراد لنا إسقاط كل عنفواننا
كما يراد لنا أن ننطلق في الحديث عن الواقعية
في السياسة، بمعنى أن نخضع للأمر الواقع.
ونحن نفهم أن الواقعية هي أن تغير الواقع
بأدوات الواقع، لا أن تسقط أمام الواقع.


علينا أن نعي جيداً طبيعة اللعبة الدولية واللعبة الصهيونية، وأن ندرك جيداً كل التطورات وكل المتغيرات القادمة، لأن هناك كهوفاً ومغاور وزلازل لا يُعرف إلى أين تنتهي، لذلك فلنعمل على تدريب أقدامنا على الثبات، ولندرب رؤوسنا على الارتفاع، وإرادتنا على التصلّب، ومواقفنا على الحسم... ولننطلق لنكون مع المجاهدين.

هؤلاء الذين عندما يُسقطون في كل يوم قتيلاً فإنهم يُسقطون روح العدو،

وعندما يدمرون دبابة لـ «إسرائيل» فإنهم يدمرون قوة من قواها

. أنهم يريدون نزع سلاح المقاومة، لأنهم لا يريدون للأمة أن ينطلق فيها أناس لا يخافون

. لقد أنتجوا لنا سياسة الخوف،

ولذلك علينا أن ننتج سياسة القوة {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين} (آل عمران؛175)،

لنكن الأقوياء بعقل،

ولنكن الأعزاء بثبات،

ولنكن الرافضين بوعي.

نحن لا ندعو إلى التحرك عشوائياً،

ولكنهم يخططون فعلينا أن نخطط،

ويستعدون فعلينا أن نستعد،

ويعملون لتنامي قوتهم فعلينا أن ننمي قوتنا.

نحن أقوياء كأمة،

لسنا ضعفاء

، أنا لا أتفق مع الذين يقولون إنه لو تمت التسوية فسوف تصادر «إسرائيل» سياستنا واقتصادنا وأمننا.

هذا كلام يوحي بأن الأمة ليس لها ما تستطيع أن تتمسك به. في الاقتصاد لنا عقول اقتصادية ولنا تجارب اقتصادية، في السياسة نملك الكثير مما نفهم به طبيعة اللعبة وحركتها. المهم أن نريد. مشكلة الكثيرين منا أنهم يخافون أن يريدوا، إذا ضاق بنا الحاضر فلن يضيق بنا المستقبل.

مشكلة الكثيرين منا أنهم يفكرون كأفراد. وأنا أقول لكم إن الفرد لا يستطيع أن يحمي نفسه إذا لم تكن أمته قوية،

لا يستطيع أن يكون قوياً اقتصادياً إذا لم تكن أمته قوية اقتصادياً.

إن قوتنا من قوة أمتنا،

لنجمع كل قوانا لنوحدها في قوة الأمة

ولنحرك كل طاقاتنا، لننطلق بها لتكون طاقة للأمة

﴿وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾
(الأنبياء؛92) إن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ (الأنفال؛46)

لا تتنازعوا على مستوى العائلة والمحلة والطائفة والوطن والأمة.

تعلموا كيف تديرون خلافاتكم إذا كان لا بد من الاختلاف، حتى لا تسقط خلافاتكم كل كيانكم


. قالها الإمام أمير المؤمنين (ع) لولده محمد بن الحنفية عندما انطلق في حرب الجمل، «أعرِ الله جمجمتَك تدْ في الأرض قدمك، ارمِ ببصرك أقصى القوم»(9) انظر في الأفق الواسع ولا تنظر في الأفق الضيق.

هذه هي قصتنا

وهذه هي قصة هذا الجيل، الذي كان فقيدنا أحد نماذجه الطيبة الخيرة، فقد عاش إنساناً متواضعاً، طيباً، بسيطاً في غير سذاجة، واعياً، منفتحاً، خدم الناس بكل طاقته ولقي ربه.

أيها الشباب،

إننا لا نريد للساحة أن تعيش الفراغ، عندما نفقد هذه النماذج التي تمثل القيم.

إن عليكم أن تملأوا هذا الفراغ،

أنا لا أقول لكم كونوا مثلهم،

أنا أقول لكم كونوا أفضل.

تعلموا منهم كل عناصر الخير والقيم الروحية والقوة، وحاولا أن تنتجوا لأنفسكم شيئاً جديداً في الخير والقيم الروحية والقوة،

ولا تقولوا كم ترك الأول للآخر،

ولا تسقطوا أمام هيبة الماضين.

إن هناك كلمة للسيد محسن الأمين، وهو يتحدث عن بعض الناس في الماضي الذي يختلف معهم في الحاضر

«هم رجال ونحن رجال»


﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت﴾ صنعت تاريخها ﴿ولكم ما كسبتم﴾ (البقرة؛134) اصنعوا تاريخكم ﴿ولا تُسألون عما كانوا يعملون﴾ (البقرة؛134)، بل ستُسألون عما عملتم ﴿وقفوهم إنهم مسؤولون﴾ (الصّافات؛24)، ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره﴾ (الزّلزلة؛7-8).
[/COLOR]