بسم الله الرحمن الرحيم

{فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً} (النساء:65).
الإنسان ــ خلق الله الأكرم ــ مخلوق بجنبتين. خلقه الله وجعل فيه العقل والعاطفة، وكرّمه بأنْ جعله عاقلاً، وجعل العقل سيّد العاطفة يحرّكها في خدمة الهدف الأكبر وهو الأمانة التي تحمّلها الإنسان {إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً} (الاحزاب:72).
لكن أن تحكم العاطفة تصرّفات الإنسان، وأن يكون هدف الإنسان إشباع العاطفة فقط، وأن لا توظّف العاطفة في سبيل الهدف الأكبر فذاك مما لا يرضاه الله ولا العقل السوي.
إنّ المتتبّع لرسالات الأنبياء وأوصيائهم يلاحظ أنّ العاطفة تُخاطب للوصول إلى الإيمان وإلى العقل ولم توظّف يوماً ما من أجل العاطفة ذاتها.
مشكلتنا أننا استغرقنا في العواطف، مشكلتنا أننا ندور مع العواطف وكأنّها الهدف الأكبر. لم نرتق سلّم العواطف لتحقيق الأهداف التي ما خُلقنا إلاّ لأجلها. لم نعِ سنن الأنبياء والأوصياء لنصل إلى ما خلقنا الله من أجله.
لقد عشنا مئات السنين لم نغيّر ما اعتدنا عليه، حتّى أعطينا القدسيّة لغير المقدّس، أعطينا القدسيّة لأشياء قد تكون في وقت ما الوسيلة الوحيدة بأيدينا للوقوف في وجه الطواغيت والوسيلة الوحيدة للتعبير عن مبادئنا وأهدافنا؛ وأصبحت اليوم أبعد ما تكون عن القدسيّة. أضحت في نظر الكثيرين هي الدين، وسواها تُرّهات وخزعبلات. لم يكن ممارسوها أناساً غير متديّنين؛ بل انّ أغلبهم متديّنون، لكن مشكلتهم انّ العاطفة طغت على كلّ شيء في وجودهم.

لقد استغلّ الكثيرون إيمان الناس البسطاء ليحرّكوهم حول الظواهر بعيداً عن اللباب وعن الأهداف السامية المقدّسة، بعيداً عن أهداف الأنبياء. إنّها سنة التاريخ وكيد الشيطان وحيله الخفية. إنّه يعلم من أين تؤكل الكتف، لا يقول للإنسان إنّك على باطل، بل {يعدُهم ويُمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلاّ غروراً} (النساء:120).
لقد تحوّل الحسين(ع) ومن قبله أنبياء الله العظام(ع) إلى ظواهر تُقدَّس، لم يُعر أيُّ اهتمام لأهداف الأنبياء، لم يَتَّبع الناس سنن الأنبياء، بل راحوا يلهثون وراء ما لا يقي من برد ولا يُغني من جوع.
هكذا عشنا مع الحسين(ع) ونهضته المقدّسة. لم نمسَّ حقيقتها إلاّ قليلاً. شُغلنا بمأساتها العظيمة التي ما حدثت ولن تحدث بأدهى وأمرّ منها، شُغلنا عن اقتفاء أثر الحسين(ع) وأهداف الحسين(ع)، شُغلنا بالقشور عن اللباب.
حتّى جاءت صرخة ولي أمر المسلمين سماحة آية الله العظمى الخامنئي (حفظه الله) بعد دراسة متأنّية وشاملة لما يراد بهذه الأمة والمذهب الحقّ، وكيف استُغلّت بعض الظواهر لتكون وبالاً على الإسلام المحمّدي الأصيل. حتى غدا حريم الإسلام الأصيل هدف لكل من هبَّ ودبَّ. أصبحت هذه الظواهر حاجزاً بين الإسلام المحمّدي الأصيل وانتشاره، بل سيفاً يرفع في كلّ حين وفي كلّ أرض للقضاء على شعلته الوضّاءة.

لقد كان الحكم المناسب حقّاً في الوقت المناسب. وكانت بحقّ شجاعة قلّ نظيرها. إلاّ أنّ الخير كلّ الخير فيما وقع..

وكانت وقفة علماء الأمة الواعين ومن ورائهم كلّ المؤمنين في دعم هذه الخطوة المباركة. كانت بحقّ ثورة جديدة مباركة.
فسّر يا سيّدنا المفدّى على طريق أجدادك الطاهرين (ع) وسر على نهج إمامنا الراحل (رض) والأمة من ورائك..
]