مغاربة وأندلسيون هاجروا إلى الشام المملوكية وفقدوا هويتهم
كتاب يلقي أضواء جديدة على هذه الهجرة في العصر الوسيط ودورها الحضاري
https://www.independentarabia.com/si...?itok=y3Sisquf
علي عطا
الجمعة 22 مارس 2024
https://www.independentarabia.com/si...?itok=AEjKPZGF
من المعالم المملوكية في بلاد الشام التي لم تنج من القصف
خلال العصر الإسلامي الوسيط أو المملوكي، هاجرت جماعات من بلاد المغرب العربي والأندلس إلى بلاد الشام. لكنهم على مر الزمن اختلطوا مع أهل تلك البلاد راحوا يفقدون ملامح هويتهم، لكنهم استطاعوا أن يؤدوا دوراً حضارياً مهماً في تلك الحقبة .
كان التقسيم الإداري لبلاد الشام في العصر المملوكي يتم طبقاً للظروف والأحوال. في البداية قُسِمت إلى سِت نيابات هي:
حلب، طرابلس، حماه، الكرك، صفد. ثم في العصر الجركسي أضيف إليها نيابة القدس وغزة ونيابة ملطية. لم يكن المغاربة والأندلسيون وخاصة علماءهم الذين استقروا في بلاد الشام في العصر المملوكي عند قدومهم قليلي الخبرة أو في حاجة لاكتسابها، بل إنهم انفردوا بوظائف دون غيرهم وخاصة فيما يتعلق بالمذهب المالكي وهم أصحابه؛ كما وجد بعض من جاءوا منهم حديثاً إلى بلاد الشام يقوم السلاطين بجعلهم في كبرى وظائف دولتهم مثل القاضي ابن خلدون والقاضي ابن الأزرق وغيرهما، في دلالة على أنه وجد من المغاربة والأندلسيين من تمرَّس في العمل الإداري وأداء المهام الوظيفية الكبرى، وقد استفادت منهم الدولة المملوكية باعتبارهم علماء وموظفين متمرسين.
ورد هذا في كتاب "المغاربة والأندلسيون في بلاد الشام في العصر المملوكي 1250 – 1517م" (الهيئة المصرية العامة للكتاب)، للباحث حسن أحمد بركة.ولا شك أن طول إقامة المغاربة والأندلسيين في بلاد الشام واندماجهم مع بقية السكان جعلت من العسير، ومع مرور الزمن، التعرف على الأصول المغربية والأندلسية لبعضهم؛ ممن لم يشتمل اسمه على كونه مغربياً أو أندلسياً صراحة.
لأن بعضهم لقب بأسماء المدن التي عاشوا فيها والعائلات التي انتموا إليها في المهجر.
إن هجرة المغاربة والأندلسيين إلى بلاد الشام - كما يؤكد المؤلف - أنعشت الحياة العلمية والثقافية، وكان الرحّالة المغاربة نموذجاً لمدى التقدم الذي عرفتْه الحضارة الإسلامية في العصر الوسيط، ففي رحلاتهم وردت خلاصة أكثر العلوم التي عرفها هذا العصر.
وبالطبع نالت العلوم الدينية الاهتمام الأكبر مقارنة بغيرها من العلوم.
ويرى حسن أحمد بركة أن المشرق الإسلامي مدينٌ للمغاربة والأندلسيين بالمحافظة على كثير من تراثه المعرفي؛ بفضل رحلاتهم إليه. وحينما عاد بعضهم إلى بلاده قام على التأليف في هذا التراث وشرحه.
كما رصدت رحلاتهم صورة صادقة عن طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في بلدان المشرق الإسلامي. الحج والجهادكان لإحساس المغاربة والأندلسيين بالتبعية الدينية إلى المشرق الإسلامي وخاصة إلى بلاد الحجاز دوره في كثرة هجراتهم ورحلاتهم إليه. ولم تكن هجراتهم إلى بلاد الشام في العصر المملوكي مقصورة على أماكن محدَّدة منها، بل إنهم اتخذوا من أكثر بلاد الشام وطناً لهم. ولذلك كان دورهم ممتداً في مختلف الجهات.
ولأنه لا يمكن الجزم بأعداد المغاربة والأندلسيين الذين توجهوا إلى بلاد الشام واستقروا فيها أو أعداد مَن عادوا منهم إلى بلادهم مرة أخرى، عمد المؤلف إلى الاكتفاء بذكر ما أتاحته المصادر عن أعلامهم والمشاهير منهم وما أكدت عليه تراجمهم ووظائفهم.
وبالنظر في تراجم المغاربة والأندلسيين الذين زاروا بلاد الشام في العصر المملوكي أو أقاموا فيها، نجد أنهم جاءوا من مناطق مختلفة، ودليل ذلك انتهاء تراجم بعضهم بلقب الأندلسي والغرناطي والإشبيلي والمالقي والجياني والتلمساني والسلجماسي والتونسي، وغيرها من الألقاب التي تدل على انتماء كل منهم إلى إحدى هذه البلدان المغربية والأندلسية.
https://www.independentarabia.com/si...6-69375776.png
الكتاب التاريخي (الهيئة المصرية)
وخلصت الدراسة إلى أنه إذا كان الوجود المغربي الأندلسي في بلاد الشام في العصر المملوكي قد بدا محدوداً للغاية في المجال السياسي، فإن وجودهم في المجالات الاقتصادية والعلمية والإدارية كان أكثر وضوحاً. وبما أنهم كانوا أهل خبرة في ارتياد البحار، فإنه كان لهم دور كبير في الجهاد البحري ضد الصليبيين. فضلا عن المتصوفة البارزين منهم لعبوا دورا كبيرا في تعبئة أفراد المجتمع لمقاومة الهجمات العدائية على بلاد الشام في تلك الحقبة الزمنية من العصور الوسطى.
وكان منهم من أسهم في التفاوض مع الغزاة في فترات غابت فيها السلطة الحاكمة مثلما حدث أثناء حصار تيمورلنك لدمشق. لو أن الدافع الرئيسي للمغاربة والأندلسيين من رحلاتهم المشرقية، كان الحج والزيارة وطلب العلم فقط وبعدها يكون استقرارهم في بلاد الشام في العصر المملوكي، لكانت هناك بلدان أخرى أكثر أمناً لهم مثل مصر، لكن المؤكد أن دافع الجهاد ضد الصليبيين والتتار كان سبباً رئيسياً في وجودهم في بلاد الشام ودون غيرها على اعتبار ما فيها من أماكن مقدسة وجب الدفاع عنها، بحسب المؤلف.
ومن هنا كان حرص كثير منهم بعد أداء فريضة الحج على الذهاب إلى بيت المقدس للدفاع عنه والمجاورة به.توتر واستقرارولعبت الدعاية دوراً كبيراً في هجرة المغاربة والأندلسيين إلى بلاد المشرق الإسلامي ومنها الشام. حيث كان لما ذكره ابن جبير عن الاهتمام والرعاية التي يلقاها الغرباء في تلك البلاد، أثره الكبير في هجرة العديد منهم.
وسبق ابن جبير ولحقه عدد من المغاربة الذين وصفوا المشرق وما فيه من مميزات تغري بالهجرة إليه، خصوصاً في ظل توتر الأوضاع في الجهة المقابلة من العالم الإسلامي على نحو أشد فظاعة مما هي عليه في المشرق الذي كان يواجه الصليبيين والتتار، من حين إلى آخر، ويشهد في الوقت نفسه فترات من الاستقرار، تعين على الازدهار في مجالات عدة، اقتصادية وعمرانية، واجتماعية. ينصف الكتاب العصر المملوكي الذي امتد لنحو 350 عاماً؛ منذ أن تأسست الدولة المملوكية الأولى في مصر، وامتدت إلى بلاد الشام وأجزاء من آسيا الصغرى والحجاز.
فملوك هذه الدولة أظهروا – كما يؤكد المؤلف - اهتماماً كبيراً بالمحافظة على الدين وإقامة شعائره، مع كثرة بناء المنشآت الدينية والتعليمية. وبفضلهم استطاعت الحضارة الإسلامية أن تعوض بعضاً مما خسرته من تراثها الحضاري على أيدي التتار، بظهور الموسوعات الضخمة التي تجمع بين التاريخ والجغرافيا والأدب والعلوم النظرية والتطبيقية والتراجم.
وتهتم الدراسة التي يضمها الكتاب بتسليط الضوء على دور المغاربة والأندلسيين في إنجازات حضارية، خصوصاً في بلاد الشام، في مقابل ما فعله الإسبان ضدهم وضد معالم حضارتهم في الأندلس. وتزامنت بدايات الوجود المغاربي والأندلسي في بلاد الشام مع نهاية الدولة العباسية في المشرق الإسلامي بسقوط بغداد عام 1258 م.
حصار المسلمينثم حدث بعد نحو عشر سنوات أن سقطت دولة الموحدين في المغرب الإسلامي، ومن ثم انقسم العالم الإسلامي سياسياً إلى ثلاث مناطق تختلف شكلاً وتتشابه في الضعف مضموناً.
ففي القلب مه مصر والشام تحت يد سلاطين المماليك، وفي الغرب الأندلس تحتضر، وبلاد المغرب تموج بصراعات بين قبائل تسعى كل منها لإثبات الوجود إضافة إلى بلد ما وراء النهر حيث الأرض المحترقة نتيجة للغزو التتري.
فكان قيام الدولة المملوكية في ذلك الوقت استجابة لظروف عاشها العالم الإسلامي منذ منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، فقد كان بشطريه الشرقي والغربي، يعاني مما يتعرَّض له. وهناك في الأندلس حرب قاسى فيها المسلمون ونجحت في تقليص أطراف الدولة الإسلامية في الأندلس مع سعي البابوية جاهدة لعقد تحالف مع المغول في الشرق لحصار المسلمين هناك. ففي الوقت الذي كان فيه لويس التاسع يتجه بجيشه نحو دمياط للسيطرة على مصر كانت جيوش التتار بقيادة هولاكو تطوي أرض المشرق طياً، فتدمر الدول وتبيد الشعوب مقتربة من بغداد عاصمة الخلافة العباسية.
وبحسب تقديم أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية في كلية الآداب – جامعة طنطا، أحمد عبد السلام ناصف، فإن هذا الكتاب يعد فريداً من نوعه؛ لأنه يقدم معلومات غاية في الأهمية عن المغاربة والأندلسيين الذين هاجروا إلى بلاد المشرق الإسلامي بعامة وبلاد الشام بخاصة. ولاحظ ناصف أن المؤلف تتبع هجراتهم وصاحبهم في حلهم وترحالهم معتمداً على مادة علمية كثيفة شملتها مصادر متنوعة.
ومن نقاط قوة الكتاب أن المؤلف لم يكتف بسرد هجرات المغاربة والأندلسيين إلى بلاد الشام وحسب، بل تتبع أدوارهم في جميع نواحي الحياة، وتخطى ذلك إلى ربط وجودهم بتاريخ كثير من البلدان في المغرب والمشرق في محاولة لإعطاء نظرة شمولية عن تاريخ العصر الوسيط وهجرات المغاربة والأندلسيين إلى المشرق خلاله، والأدوار التي قاموا بها وأسهمت بقسط وافر في الحضارة الإسلامية شرقاً وغرباً، والتي لا يزال عطاؤها مستمراً.
جاء الباب الأول تحت عنوان "دور المغاربة والأندلسيين في الحياة السياسية والعسكرية"، وتناول في فصله الأول: علاقات السلطة مع هؤلاء من حيث اتصالهم بها ودورهم في مساعدتها على المحافظة على نفوذها ثم تعرض لوجودهم في سفارات الدولة المملوكية.
وفي فصله الثاني: المغاربة والأندلسيون والصراعات في بلاد الشام في العصر المملوكي من حيث اشتراكهم في الجيش المملوكي وجهادهم ضد الصليبيين والتتار. الباب الثاني عنوانه دور المغاربة والأندلسيين في نظم الحكم والإدارة والحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفي فصله الأول عرض للوظائف التي تولوها وتميزوا فيها؛ دينية كانت أم مدنية. والفصل الثاني يتتبع دورهم في الزراعة والصناعة والتجارة.
الفصل الثالث يرصد طبقاتهم ومظاهر حياتهم وتأثيراتها على المجتمع الشامي مع التطرق لدور أوقافهم ومؤسساتهم الاجتماعية. الباب الثالث يتناول في فصله الأول دورهم في العلوم النقلية؛ الشرعية واللغوية، والثاني يتحدث عما قدموه في العلوم الإنسانية والتطبيقية والطبيعية.