الكاريكاتير وعصاب التطرف: إني أصرخ .. هذا العالم ينحرف
وول سونيكا
روائي نيجيري حائز جائزة نوبل للأدب عام 1986
تقديري أن السؤال المحوري في هذه القضية الماثلة عن التدين وتبعاته هو: من هو المسؤول حقا عن إلحاق الاذى بالإسلام، هل هم الافراد والرعاع الذي استخدموا اسم الإسلام في ارتكاب جرائم تتمرد على انسانيتنا؟ الساخر هو الذي يرد بالطريقة الوحيدة التي يعرفها، ولكن في اطار قانون وطنه!
يجب علينا مواجهة هذا السؤال بكل موضوعية لنتساءل: من هو هذا الذي ادخل اسم ايقونة المقدس في مخاطبته للآخر، لتتحول الى مادة للخطاب المفتوح، ومرجعية وكبش فداء لجرائم المؤمنين؟ الاجابة الصادقة هي وحدها الي يمكن ان تهمش مضطربي الايمان، وليس محاولات اجبار دولة ذات سيادة على تطبيق قوانين لا تلتزم بدستورها.
في أبوجا، عاصمة نيجيريا قبل عامين، خرج متعصبون غاضبون الى الشوارع للاحتجاج على اقامة مسابقة ملكة جمال العالم هناك، وادعوا ان مثل هذا العمل يتعارض وثقافتهم. وبانتهاء الاضطرابات كان عشرات من الابرياء قتلى في الشوارع، وفي بيوتهم وأماكن عملهم. لقد كانت وجهات نظر وأذواق المتدينين الآخرين والعلمانيين، بل والملحدين، ليست مهمة بالطبع، فقد جرى حرق البيوت وتدمير الاحياء. ولضمان منع كل التعليقات، تم اعتبار صحافية بأنها مذنبة بالتجديف ضد الرسول محمد، وانضم نائب حاكم مجهول لولاية مجهولة اسمها زامفارا الى الحملة وأصدر فتوى بقتلها بتهمة التجديف. وكانت تعليقاتها، وهي محاولة واضحة لوقف موجة النفاق.
وبالطبع، ادنت عمليات القتل، ولكن لدهشتي، اختار عدد من اصوات الليبراليين في الغرب، ليبراليون على الدوام بدماء الآخرين، والليبراليون دفاعا عن المعتدي، التركيز على «خطأ» «استيراد الانحطاط الغربي» لنيجيريا البريئة وتلوث قيمها الفكرية. ولم يكن ذلك ضروريا، ولكني شعرت ان من واجبي تثقيف اصحاب وجهات النظر هذه بخصوص وجود مسابقات الجمال، سواء للرجال او للنساء، في عدة ثقافات تقليدية، بل ان بعضها تتضمن رقصات غزل وتودد. وقد ضاع جوهر الخطاب الرئيسي تقريبا، وهو ان قيمة الحياة الانسانية تتعدى ادعاءات أية ايقونة ثقافية، مهما كانت, ومن أي جهة في العالم جاءت, عبر هذا التشوش تولد اللامسؤولية، وقوانين الرعاع والذين يتحكمون فيها يحظون بإقرار الاسترضائيين في العالم.
بعد الإساءة إلى شخص النبي محمد في الدنمارك «النائية»، علمنا أن شيئا سيحصل في نيجيريا خلال أيام قليلة؛ فكل ما كان علينا القيام به هو الانتظار، ورصد أين جولة القتل ستقع. وبالتأكيد ما كان متوقعا حدث. ففي الزاوية الشمالية وفي مكان اسمه «ميدوغوري»، نفذ بعض الغاضبين فعلتهم، حيث اختاروا يوم الأحد لهجومهم، فهاجموا الأبرياء وبدأوا بارتكاب جريمة القتل. ومرة أخرى انتظرنا ردود فعل رسمية ولم تخيَّب آمالنا. فالحكومة وعدد من المؤسسات المدنية المعنية طالبت بضبط النفس. وفي كل التصريحات الرسمية كانت اللغة خالية من التعبير عن الغضب والاشمئزاز مما حدث، ولم يكن هناك أي تعبير رسمي يشير إلى وجود إرادة بتطبيق قوانين الأمة باستثناء الدعوة لـ «ضبط النفس». وكما هو متوقع انتشرت أعمال القتل. وإحدى خواص أعمال العنف التي وقعت هي أنها لا تقلد ما سبقها بل تتحسن في نوعيتها عن الحدث الأصلي لو صح التعبير.
فحرق السفارات في بلدان أخرى قد منح ضمانات كي تتصاعد وتتحول إلى أعمال قتل في بلاد الذين وصلوا متأخرين، على الأقل من أجل التعويض عن فشلهم في أن يكونوا البادئين وأن يحصلوا على مكافآت للحياة الأخرى.
والسؤال هنا: هل كل ذلك حقا موضوع حساسية دينية فقط، أم أن هناك عوامل أخرى، سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، أسهمت في تجذير هذه النوبات الجنونية؟ نحن نعرف الأجوبة على هذا السؤال حين يتعلق الأمر بنيجيريا، وربما هو سؤال ينطبق أيضا على الأوضاع الداخلية في أماكن أخرى.
بالتأكيد يواجه الآخر سؤالا أكثر مباشرة: من هم البعض الذين شوهوا صورة النبي محمد حقا؟ إنهم أولئك الذين يذبحون الأبرياء باسم النبي، وأولئك الأبرياء الذين لم يذوقوا يوما الزبد الدنماركي، بل ورسام الكاريكاتير الذي أساء للنبي وهو الذي لم يكن له ولآخرين من أمثاله في أي وقت صلة روحية بالنبيين عيسى أو محمد أو ببوذا أو أوريسنلا .
نعم، فحتى شخص كهذا مع غياب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، عليه التزام اخلاقي لاحترام قيم الآخرين العميقة، لكن علينا أن لا ننسى أن ما فعله كان موقفا شخصيا منه، ولم يكن باسم يهوذا أو ايكنغا أو مريم العذراء. إذن كيف يتم صب الغضب على أتباع الديانات الأخرى على يد أولئك الذين شعروا بالضيم بعد الإساءة العميقة التي لا يمكن إزالتها إلا من خلال تنظيم مجازر منظمة؟
الحكومة الدنماركية تجنبت تحمل مسؤولية أحد مواطنيها الذين لا يحتلون أي منصب رسمي، واعتذرت عن خطأ يتحمله الآخر الذي لم يكن بأي من الأشكال ممثلها أو الناطق باسمها.
ومن هنا فعلينا جميعا أن نستمر في الاصرار على الصحافة المسؤولة وغرس تقاليد جيدة تمتد حتى إلى ما وراء الحدود الوطنية. ومع ذلك علينا أن نرفض محاولة أي قطاع من السلطة لفرض إرادته على أولئك الذين لا يتفقون مع قيمها أو قناعاتها أو ثقافتها.
لم يكن من المفترض أن تصبح مبادرة رسامي الكاريكاتير المبتذلة مع محررهم قضية عالمية. ففي أحسن الأحوال لن يشاهد تلك الرسوم إلا عدد قليل من الأفراد على المستوى المحلي. وما فعله الأصوليون الدينيون هو توسيع «ساحة الاساءة» إلى أطار غير محدود. فهم, وبشكل غير مباشر, وسعوا انتشار الصور المسيئة للإسلام ونبيه عبر نشر رسوم الكاريكاتير على مستوى عالمي.
والى ذلك فقد وقعت أعمال القتل الانتقامية في أونيتشا الواقعة في جنوب شرقي نيجيريا حيث أثار تكرار وقوع جثث ذكرى مذابح سابقة. ولذلك ظلت الظاهرة تنتشر وتنتشر فيما تمّ ترك البلد في حالة تساؤل عن أين ستندلع أعمال العنف مرة أخرى.
يجب أن أؤكد أن البلد كان مملوءا بأصوات بادرت إلى إدانة أعمال القتل من زعماء وطنيين هم مسلمون. وما كان غائبا دائما هو لغة واضحة وحازمة تطالب بعزل أولئك القتلة والكشف عن وجوه أولئك الذين يتلاعبون بنفسية الغوغاء من سياسيين.
أنا أؤمن بصدق تلك الأصوات القادمة لا من بلدي فقط بل من العالم كله، حينما تتحرك لا كي تدين بل أن تبادر بتحريك ردود فعل ضد أولئك الذين يخرقون حرمة الحياة الانسانية. بصيغة أخرى، حان الوقت أن يصدر الزعماء المسلمون في كل أنحاء العالم فتوى ضد أولئك الذين يقتلون تحت اسم دينهم، وتحويل أي فرصة كي يطلقوا رغباتهم بحالاتها المريضة بالقتل.
فبينما يهتاج الغوغاء يجري ارتكاب المذابح ضد الأبرياء حتى ضمن من يتبعون الدين الإسلامي نفسه، وذلك يستمر بدون خفوت في دافور مثلا، حيث لم يكن في الذاكرة الحديثة أن يصبح الاغتصاب روتينيا بهذا الشكل وتتم إزالة المجتمعات القديمة يوميا وبشكل علني ضمن حملات وحشية وهي تسعى وبشكل واضح إلى محو الهوية العرقية. وتبرز مشكلة ضخمة جدا في القارة الأفريقية اليوم تتمثل بمشكلة اللاجئين، هذه القارة التي تعاني من التمزق الذي نجم عن حروب أهلية متعددة.
وأخيرا، أتساءل: هل وسط هذا الاهتياج والفحش العنصري يدعى العالم لنسيان أو قصاء حتى مجرد تركيزه عليه، ولإغلاق نافذة على المخاوف الأساسية الناجمة عنه، والتمرغ في حالة جماعية من الندم، بينما توقف الأمم المتحدة عمليات الإغاثة بالنيابة عن البشرية المصدومة، كل ذلك على حساب رسام كاريكاتير نكرة مسكون باستلهام خال من الوقار؟ بالتأكيد يعيش العالم حالة انحراف، لكن ليس بالطريقة التي يراها البعض.