لماذا نشعر بقيمة من حولنا الا بعد فوات الاوان ؟
https://i.ytimg.com/vi/klodCDq-LGs/maxresdefault.jpg
تحقيق: ثائرة محمد
لماذا لا نشعر بقيمة من حولنا الا متأخرا، او بعد فوات الاوان بافتقادهم؟ فالزوج يرى زوجته تعمل امام عينيه ليل نهار من اجل اسعاده، لكنه لا يشعر بقيمتها واهميتها الا اذا نبهه الاخرون وامتدحوها امامه، او سافر من دونها، او تزوج بأخرى فيعرف محاسن زوجته الاولى التي لم يكن يرى محاسنها.
وغالبا ما يندم البعض على ردود افعالهم تجاه امهاتهم وآبائهم، ولكن بعد ان يصبحوا آباء، او يرحل عنهم آباؤهم وامهاتهم، كذلك الحال مع الصديق الوفي الذي كان بالامس مخزن اسرارنا، فلا نشعر بأهميته الا بعد ان نجرب الاخرين، بعد غيابه او ابتعاده لاي ظرف.
اذا لماذا لا نشعر بقيمة الاشخاص الا متأخرا؟ ولماذا نندم جميعا على عدم تقدير قيمة رأي انسان قريب لنا في حياتنا؟ وعلى اي مشجب نعلق سوء تقديرنا لقيمة هؤلاء الاشخاص في حياتنا؟
كثير من الازواج لا يشعرون بقيمة زوجاتهم الا بعد غدرهم بهن، اوانتقالهن الى جوار ربهن.
ويعترف انور الديحاني بان زوجته لم تكن امرأة عادية، بل كانت نعم الزوجة والام المربية، تقف الى جانبه والى جانب ابنائه. ويقول:
ـ كانت تضحي بوقتها وصحتها من اجل اسعادهم وكان الاهتمام بجمالها يعني الاهتمام بجمال ابنائها وبيتها، وكانت المرآة عندها هي النظر الينا والاستمتاع بحديثنا.. همها الوحيد ارضاؤنا وسعادتنا.
ويضيف الديحاني:
ـ بصراحة سيطر الشيطان على عقلي فتأثرت كما تأثر غيري بموضة العصر وبسيداته، ورحت اقارن بين جمال نساء القنوات الفضائىة وبين زوجتي التي كان همها الاوحد ارضاءنا لا ارضاء نفسها.. مما جعلني اشعر باني متزوج بخادمة تعمل ليلا نهارا من دون كلل.. وجعلني افكر في الزواج بأخرى وكنت كلما ذكرت الامر امام احد يقول لي «اذكر ربك فحرمتك لا تعوض» الا ان الشيطان سيطر علي ولم يتركني الا بعد الزواج بامرأة اخرى كانت على الموضة، واشترطت كذلك تطليق زوجتي الاولى وكان لها ذلك، وهنا بدأت افيق يوميا.
كانت الزوجة الجديدة لاهية بين عملها خارج المنزل والاهتمام بالزيارات والصديقات والذهاب الى الصالونات، وكنت في اخر جدول اهتماماتها.. ووجدت فيها انانية في الشخصية ومبالغة هائلة في الاهتمام بالكشخة والمظهر. عندها بدأ الندم يأكل قلبي.. فاين الزوجة التي كانت تسأل عني وعن حالي وماذا اريد وماذا احب؟ تدعو لي بطول العمر وتسهر على راحتي اذا مرضت؟
كل هذا تبدل وتبدد من اجل الشكل الذي تعودت عليه واصبحت اراه امرا عاديا. كنت ابحث عن امرأة عصرية لكني وجدت شكلا مزيفا صنعته التكنولوجيا الحديثة وضيعت منه روح الانثى الزوجة والام والاخت.. ولم استمر معها اكثر من سنة وطلقتها، وعدت الى زوجتي اقول لها سامحيني يا ام اولادي فانا كنت مخطئا بحقك.
فائدة ثامنة للسفر
يقولون ان للسفر سبع فوائد، ويقول البعض ان في سفر الزوج فائدة ثامنة لانه يزيد من تقديره لزوجته والاشتياق اليها.
عن ذلك يحدثنا منصور الرفاعي قائلا:
ـ هناك فائدة كبيرة للسفر خصوصا للمتزوجين، فعندما يسافر احدهما ويبتعد عن الاخر فان ذلك يمنح فرصة لتحريك المشاعر وايقاظ الحب وتجديد الشوق كما ان الابتعاد المكاني يمنح الزوج فرصة للتفكير في زوجته وما كانت تتحمله من اعباء من اجل راحته.. ويشعر بذلك كل زوج ذاق طعم «العزوبية» من جديد، فبعد الراحة جاء التعب وتحمل المسؤولية.. يشعر الزوج هنا بقيمة زوجته ويتمنى ان تنتهي اشهر الفراق ليعود اليها معبرا لها عن مكانتها لديه.
ولكن دنيا موسى ترى ان الزوج لا يشعر بقيمة زوجته الا اذا افتقدها «بالموت» او الطلاق. وتقول:
ـ السفر يشعر الزوج للحظات بقيمة زوجته، لكن هذا التقدير سرعان ما يتبدد بمجرد الالتقاء بها.
عندما يمتدحها الآخرون
وترى جيلان عمر ان طبيعة الحياة تجعل الانسان عندما يتعايش مع الاخرين من زوجة او صديق او اهل يتعود عليهم بحكم العشرة، وبالتالي يتعود على كل ما يقدمونه اليه من تضحيات في سبيل ارضائه.. فيراها امرا عاديا، وتضيف:
ـ لا يشعر الانسان بقيمة ما تعود عليه الا اذا ابتعد عنه، فيشتاق ويحن الى الزوجة التي كانت تقدم وتعمل، والى الصديق الذي كان يغسل همومه ويخفف عنه وطأة معاناته ويشاركه المسؤولية في قراراته.. ولا يجد في الوقت نفسه عوضا عنه ما يشعره بالضياع وفقدان الحياة التي سبق ان تعود عليها وارتضاها.. واصبح يجد صعوبة في تغيير نمط حياته مع اشخاص اخرين يختلفون عمن تعود عليهم وعلى طباعهم.. وهنا يأتي الاعتراف بتقديرهم وقيمتهم.
لكل ميزة خاصة به
ويقول تيسير بركة:
ـ لكل منا ميزة خاصة به، ولهذا يكون لكل انسان قيمة لدى الطرف الاخر ويشعر به الاخرون عندما يرحل عنهم لاي سبب من الاسباب.. فهذا صبور نشتاق الى صبره، الثاني خدوم نتمناه بجانبنا، والثالث كتوم نفضي اليه بأسرارنا ولا نخشى ان يبوح بها، والرابع عبقري يمنحنا القرارات السليمة ويدعمنا في اتخاذها...
وهكذا لكل شخص خصوصيته التي يمتاز بها عن الاخرين، وتدفعنا الى الاشتياق اليه عندما نفتقد هذه الخاصية او الميزة، ولذلك يقولون انه لا يمكن لاحد ان يأخذ مكان احد آخر.
ظروف الحياة المادية
وقد تبلد ظروف الحياة المادية المشاعر فلا تجعلنا نفكر كثيرا في قيمة الاشخاص الذين نلتقيهم. هذه الظروف يعتبرها جوزيف ملك سببا من اسباب عدم تقدير قيمة من هم امامنا، ويقول:
ـ الحياة العصرية ملهية كثيرا بسبب اعباء العمل والجهد والتعب مما يجعلنا اسرى دائرة البحث عن لقمة العيش اكثر من البحث عن المشاعر.. وقد لا يقدر البعض قيمة زوجاتهم وما يقدمنه من تضحيات لانهم يعتبرون ذلك امرا مفروضا وطبيعيا ،ولا يشعرون بقيمة هذه التضحيات الا عندما يبتعدون عن مقدميها.
عندما نجوع نأكل
وعما اذا كان الحرمان سببا في الاحساس بقيمة من نحبهم تقول ناهد كاميل:
ـ عندما يشعر الانسان بالجوع لا يرتاح الا اذا اكل وهذا هو الحرمان، فعندما نحرم ممن نحبهم او من تربطنا بهم رابطة قوية نشعر بقيمتهم كقيمة الماء وقيمة الطعام للجائع.. وكذلك هي المشاعر تجوع وتعطش عندما تحرم ممن تحب.. فتتصاعد قيمة الشخص وترتفع محبته عندما نبتعد عنه، وعادة ما نتذكر في البعد محاسن الانسان وميزاته فترتفع قيمته ومقداره في الوقت الذي لو اشبعت هذه المشاعر لخمد نار الاشتياق والحب والتقدير لقيمة من نحبهم.
يؤكد ذلك احمد عرفات لكنه يضيف قائلا:
ـ البعد دائما يفجر الشوق والمحبة والتقدير ولهذا فقيمة الاشخاص تزداد في البعد، الامثال والاغاني التي تؤكد ذلك كثيرة لان الاقتراب من الحبيب يشعرنا بالامان والطمأنينة فلا نبحث عن كلام او مشاعر لان الاشتياق ينطفئ او يقل في الاقتراب ممن نحب.
الوالدان أكثر من نفتقدهم
وحول ابرز من نفتقدهم في حياتنا يقول الدكتور احمد وهيب:
ـ ان اكثر هؤلاء الذين عادة نتأخر في تقديرهم هم الوالدان لان الانسان لا يشعر بمدى اهميتهما والحاجة اليهما الا بعد الابتعاد عنهما سواء اختياريا او اجباريا، ومهما كان الشخص مخلصا او وفيا لوالديه لا يقدر تضحيتهما حق قدرها الا في وقت لاحق خصوصا عندما يحتاج الى رأي سديد او عاطفة جياشة.. وعندما يسافر الشخص او يبتعد يفتقد الحنان والحب والرأي السديد بل يبرز لديه الشعور بالنقص في المشاعر الفياضة والنصيحة الصادقة.
ويشير وهيب الى ان الابن عندما يواجه مشكلة في السفر او الاغتراب، فان اول صورة ترد الى ذهنه تكون صورة والديه، ويتمنى حينها لو كان قربهما ليقف على رأي صادق ونصيحة سليمة.. وعندما يتزوج ويرزق بالابناء يشعر حقا بمدى صدقهما ومعاناتهما في سبيله وعندها يزداد تقديره لهما.
رشدي: الاعتياد والمعايشة اليومية وراء عدم إحساسنا بمن حولنا
الباحثة هدى رشدي تناولت موضوع عدم الاحساس بالاشخاص الا عند افتقادهم او البعد عنهم فقالت: ان حالة الاعتياد والمعايشة اليومية عادة ما تلعب دورا مهما في عدم احساسنا بالاشخاص من حولنا، وعادة لا تبرز الحاجة اليهم الا في حالة افتقادهم سواء كان هذا الافتقاد بسبب السفر او العمل او الهجرة او الموت.
الاحتياج الى من كانوا حولنا يزداد حسب قرب هذا الشخص او ذاك منا. وكلما زادت درجة اقترابه كان الاحساس بأهميته اكبر عند الحاجة اليه. وعادة ما يكون هناك عدد من الاشخاص الذين نحتاج اليهم ونفتقدهم، ويعتمد ذلك على نوع الموضوع الذي نرغب فيه فالاحتياج العاطفي يتجسد في افتقاد الزوجة والام والاب والابناء في حين ان الاحتياج الى الرأي يتجسد في افتقاد الاب والصديق. اما الابتعاد بالموت فهذه الحالة عادة ما تفتح الذكريات على مصراعيها خصوصا اذا لم يجد هذا الشخص من يحل مكان المتوفى، وعندها ينتبه كثيرا الى مآثره سواء كان صديقا او اما اوابا او زوجة.
وبخصوص «استيقاظ» احاسيس الزوج عند امتداح احدهم لزوجته في نطاق المنطق والمقبول اجتماعيا وشرعا فان هذا الاستيقاظ يدفعه عاملان الاول حب التملك والسيطرة والثاني الغيرة، وعادة ينتبه الازواج الى امور قد يعتبرونها عادية في الاحوال الطبيعية، ولكن ما ان يبدي احدهم ملاحظة او اطراء فانه ينتبه الى ميزة في زوجته قد لا يكون سبق له ملاحظتها بحكم المعاشرة اليومية.