المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لكل أزمة حل.. بأزمة أخرى ....كيف تغلب كلينتون على فضيحة جنيفر فلاورز



زوربا
01-16-2006, 12:35 AM
«التكرار» و«التمويه» و«استغلال الإعلام» و«كبش فداء» و«خلق الأزمات» طرق يستخدمها الرؤساء للحد من آثار أزماتهم


واشنطن: محمد علي صالح


اعلنت جنيفر فلاورز، المغنية التي كانت عشيقة للرئيس الاميركي بيل كلينتون، عندما كان حاكما لولاية آركنسو، الثلاثاء الماضى، أنها ستستأنف الحكم في قضيتها ضد زوجته السيناتور هيلاري كلينتون، وضد جورج ستيفانوبولس، الذي كان مستشارا له. وقالت ان الاثنين شوها سمعتها، بعد ان كشفت علاقاتها السرية مع كلينتون. وكانت فلاورز، اقدم عشيقات كلينتون، لأن علاقاتهما بدأت في عام 1978، بعد سنوات قليلة من زواج كلينتون وهيلاري.

وكشفت فلاوزر العلاقة بعد ذلك بثلاث عشرة سنة، عندما ترشح كلينتون للرئاسة. انكر كلينتون، في البداية، وجود اية علاقة جنسية بينهما، وقال انهما كانا مجرد صديقين، لكن فلاوزر قدمت للصحافيين ادلة اثبتت كذبه. ومؤخرا أصدر، ستيفانوبولس كتاب مذكراته بعنوان، «كلنا بشر»، وفيه جزء عن الطريقة التي واجه بها مستشارو كلينتون فضيحة فلاورز عام 1992. قال ستيفانوبولس انه وبقية المستشارين فوجئوا بتصريحات فلاوزر، التي نشرتها جريدة «ستار» الاسبوعية الفضائحية. وقال «كنا في نيويورك، ولم يتردد كلينتون في نفي التصريحات. قال ان فلاورز كانت مجرد صديقة، لكن الصداقة لم تصل مرحلة الجنس. كان كلام كلينتون واضحا ومباشرا ومقنعا جدا. لكننا ناقشنا احتمال ان تذيع شبكات التلفزيون الخبر في نشرات اخبارها في المساء، ويحاصرنا الصحافيون. ولهذا اتفقنا على ان يعقد كلينتون مؤتمرا صحافيا، وينفي تصريحات فلاورز، وقلنا ذلك للصحافيين المرافقين لوفد الحملة الانتخابية».

لكن، لحسن حظ كلينتون ومستشاريه، لم تنقل اخبار المساء في التلفزيونات الخبر. وقال المسؤولون عن اعداد هذه الاخبار ان جريدة «ستار» جريدة فضائح، ولا يثق كثير من الناس في اخبارها، وربما تريد الاساءة الى كلينتون، لأن ناشرها من كبار مؤيدي الحزب الجمهوري. وقال ستيفانوبولس «تنفسنا عميقا، وألغينا المؤتمر الصحافي، وعدنا الى ليتل روك عاصمة آركنسو». لكن، بعد اسبوع، فجرت جريدة «ستار» قنبلة اخرى، عندما نشرت تفاصيل العلاقة، مما اثبت وجودها. (تعمدت الجريدة الاسبوعية الا تنشر كل التفاصيل في المرة الاولى). ونقلت اخبار التلفزيون هذه المرة الخبر. كان كلينتون وهيلاري ووفد الحملة الانتخابية في ولاية نيوهامبشير، وبدأ الصحافيون يسألونهما عن الموضوع، وسببا لهما كثيرا من الحرج.

وتوقع الناس مؤتمرا صحافيا يرد فيه كلينتون على الاتهامات. لكن ستيفانوبولس قال، ان المؤتمر الصحافي سيكون «مسرحية»، وسيسأل الصحافيون كلينتون وهيلاري «اسئلة حرجة، عن مواضيع خاصة، وتفاصيل جنسية». وقال انه يعرف المسؤول عن برنامج «ستون دقيقة» الاسبوعي المهم في قناة «سي بي اس»، ويفضل ان يظهر كلينتون وهيلاري في البرنامج، ويجيبا على اسئلة مقدم البرنامج، بدل ان يجيبا على اسئلة خمسين او ستين صحافيا.

وافق كلينتون وهيلاري على الاقتراح (عارضه بعض المستشارين، وقالوا ان البرنامج التلفزيوني مهم، وسيحسب الشعب الاميركي كل كلمة يقولها كلينتون فيه). ورتب ستيفانوبولس المقابلة التلفزيونية في فندق «ريتز كارلتون»، في بوسطن، الذي سينزل فيه الوفد الانتخابي قادما من ولاية نيوهامبشير. وعقد المستشارون، ليلة المقابلة التلفزيونية، اجتماعا في نفس الفندق، لبحث ما سيقوله كلينتون وهيلاري. جاء، اولا، الى غرفة ستيفانوبولس مساعدون منهم جيمس كارفيل، ودي دي مايارز، وماندي غرونولد، وبول بيغالا (كلهم اصبحوا في ما بعد مسؤولين في ادارة كلينتون). وجاء من شيكاغو بالطائرة، تومي شابلان، صديق كلينتون منذ ايام الجامعة. وجاءت من هوليوود سوزان توماسس، صديقة هيلاري. وفهم المستشارون ان كلينتون وهيلاري يثقان في شابلان وتوماسس اكثر من ثقتهما فيهم.

كانت الساعة العاشرة مساء، عندما دخل كلينتون وهيلاري الى الغرفة، وتبادل الجميع التحيات. وفى البداية عم صمت كامل، وكان كل واحد يعرف ان الاسئلة هي: هل سيعترف كلينتون، في المقابلة التلفزيونية، بعلاقتة مع فلاورز؟ هل سينكرها؟ ماذا ستكون نتائج الاعتراف او الانكار، على حملته الانتخابية؟ بدأ ستيفانوبولس النقاش، وسأل: «لا بد ان المذيع سيسأل بيل سؤالا مباشرا: هل كانت لك علاقة جنسية مع فلاورز؟ ماذا سيكون الجواب؟»، قال مستشارون ان كلينتون يجب ان ينفي، لان فلاورز مغنية مغمورة، وليس لها وزن اجتماعي ولن يصدقها كثير من الاميركيين. وقال آخرون ان التفاصيل التي نشرتها جريدة «ستار» في عددها الأخير تثبت العلاقة الجنسية، ولا بد ان يعترف كلينتون.

وقال واحد: «ليعترف، ويطلب الغفران»، وأيده ثان:

«الشعب الاميركي يغفر لمن يخطئ ثم يعترف». وقال ستيفانوبولس، في نهاية النقاش الذي استمر ساعات، «هناك حل وسط: اعتراف بالخيانة الزوجية، بدون اعتراف بعلاقة مع فلاورز». وشرح رأيه في حديث طويل، كان كتب نقاطه على ورقة، ومما جاء في الورقة: اولا، «سيحس الشعب الاميركي بأن الاعتراف بالخيانة الزوجية يدل على انك لا تريد الكذب عليه». ثانيا، «اصبحت الخيانة الزوجية في مجتمعنا شيئا مفهوما، رغم انها ليست مقبولة. وسيفهم الشعب الاميركي، رغم انه لن يقبل».

ثالثا، «هناك فرق بين زوج اعترف بخيانة زوجته، ومغنية اعترفت بأنها عشيقة رجل متزوج. وسيفهم الشعب الاميركي الفرق بين الاثنين». لكن ستيفانوبولس اقترح على كلينتون ان يستعمل، في المقابلة التلفزيونية، كلمة «خيانة زوجية» (ادلتري)، لا كلمات اخرى استعملها في الماضي، مثل «مشكلة في زواجي» و«تصرفات غير لائقة»، ثم جاء دور هيلاري (صمت كلينتون خلال حديثها، وتحدث بعدها حديثا قصيرا، وايدها). رفضت هيلاري رفضا قاطعا ان يعترف زوجها بالعلاقة.

وسألت في غضب «ماذا سيقول عنا اصدقاؤنا في ليتل روك، عندما يروننا في برنامج تلفزيوني من نيويورك، يشاهده ثلاثون مليون اميركي، نتحدث عن مواضيع جنسية؟». واستمر غضبها، مع حزن حقيقي، عندما سألت «ماذا سيقول عني ابي؟ وماذا ستقول عني امي؟». صمت المستشارون، لكن واحدا منهم تشجع، وقال ان فلاورز ستعقد مؤتمرا صحافيا في اليوم التالي (نفس يوم اذاعة المقابلة)، وستقدم للصحافيين ادلة تؤكد العلاقة، لكن هيلاري لم ترد علي المستشار، واستمرت في دفاع قوي ومنطقي عن زوجها وعن رغبته في ان يصبح رئيسا لأميركا.

وانتهى الاجتماع في الواحدة صباحا، وكان ستيفانوبولس قد اعد ورقة صغيرة فيها ثلاث نقاط قصيرة، اعطاها الى كلينتون عندما غادر الجناح مع زوجته: «اولا، قل انك من عائلة فقيرة في ريف ولاية آركنسو، وابن يتيم». «ثانيا، قل انك لست غاضبا على فلاورز لما اعلنت، لكنك حزين لأنها اعلنته». «ثالثا، قل ان كل عائلة اميركية فيها مشاكل». واستمرت المناقشات والتخمينات والتوقعات طول اليوم، حتى جاء ميعاد المقابلة التلفزيونية.

سأل المذيع اول سؤال عن العلاقة مع فلاورز، ونفاها كلينتون. وسأل ثاني سؤال عن الخيانة الزوجية، بصورة عامة، ونفاها كلينتون. واكتفي كلينتون باستعمال عبارتي «هناك مشكلة في زواجنا» و «الشعب الاميركي سيفهم مشكلتي».

وصدق كلام كلينتون، لأن الاستفتاءات الشعبية في اليوم التالي اثبتت ان اغلبية الاميركيين لا تعتقد ان كلينتون يجب ان ينسحب من الحملة الانتخابية بسبب هذه المشكلة. لكن بعد ذلك بسنوات، وعندما ظهرت فضيحة علاقة مونيكا لوينسكي، المتدربة فى البيت الابيض مع كلينتون، لم يستطع كلينتون اللجوء الى الاعلام للتغطية على الخطأ وتحسين صورته، بل لجأ الى «الخارج»، فقد قام، بناء على تسريبات من الاستخبارات الاميركية، فحواها أن السودان يتعاون مع العراق لانتاج اسلحة كيماوية، بضرب ما اسماه «مصنع لانتاج اسلحة كيماوية» في السودان 2000، وذلك بعد يوم واحد فقط من ظهور كلينتون في التلفزيون، واعترافه بـ«علاقة غير لائقة» مع مونيكا. (تأكد في وقت لاحق ان المبنى الذي ضرب كان مصنع ادوية).

وبعد ذلك، وعلى ضوء اخبار بأن العراق رفض التعاون مع مفتشي الامم المتحدة، امر كلينتون بضرب العراق في ديسمبر (كانون الاول) 2000، باكثر من مائتي صاروخ «كروز»، وقال في حديث في التلفزيون انه فعل ذلك «لضمان امن الشعوب في كل مكان»، حدث ذلك بعد شهر من موافقة مجلس النواب على محاكمة كلينتون، وتحويله الموضوع الى مجلس الشيوخ لبدء المحاكمة، لكن مجلس الشيوخ «اسقط» التهمة.

غير ان كلينتون ليس الرئيس الوحيد الذي لجأ لـ«الخارج» بناء على نصائح مستشاريه لتحسين صورته والهروب من ازمة داخلية، أملا في ان ينسى الرأي العام او تخف الضغوط عنه. فقد ظن الرئيس الاميركى الاسبق ريتشارد نيكسون انه يقدر على انقاذ نفسه من فضيحة «ووترغيت» عام 1974، بالسفر في يونيو (حزيران)، في زيارات رسمية الى مصر والسعودية وسورية ولبنان واسرائيل. وكان واضحا انه يريد تحويل انظار الاميركيين عن الفضيحة، وربما يريد كسب اصوات يهود اميركا، اعتقادا منه بأنهم يقودون، في الاعلام، الحملة ضده. لكن نيكسون اضطر الى الاستقالة في اغسطس (اب).

ومن النصائح التى يقدمها المستشارون ايضا في التغطية على الاخطاء او التقليل من اثارها «التكرار» حول النقطة محل الخلاف، كي تثبت الحكومة وجهة نظرها، وتلغي تدريجيا تأثير وجهات النظر المعارضة، وهو بالضبط ما فعله الرئيس الاميركي جورج بوش في ديسمبر الماضي عندما تحدث عن العراق نحو 7 مرات في اقل من 3 اسابيع كي «يعزز» موقفه امام المواقف المعارضة، وبالفعل ادى التكرار الى ارتفاع نسبي في شعبية بوش. ولا تلغي هذه الاستراتيجية اسلوبا اخر متبعا، وهو ايجاد «كبش فداء» يكون محطا للانتقادات.

وفي هذا الاطار شن، نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني خلال حملة الانتخابات الرئاسية 2004 هجوما حادا على السناتور جون كيري، مرشح الحزب الديمقراطي، بعد ان اوضحت استفتاءات شعبية أن كيرى ربما سيفوز على بوش. فقد تعمد كيري الا ينتقد حرب العراق، وذلك خوفا من اتهام بوش وتشيني له بعدم الوطنية والخيانة. لكن كيري قال إنه، اذا فاز، سوف يشرك الامم المتحدة في حل المشكلة. لكن تشيني، القى في اغسطس، خطابا قال فيه «خضنا حروبا كثيرة في الماضي بشجاعة ورجولة، ولم نحارب أية حرب بحساسية وضعف. لكن هناك اليوم من يريد منا ان نفعل ذلك». وكان واضحا ان تشيني ينتقد قدرة كيري على شن الحرب.

ونجحت الخطة لأنها حولت انظار كثي من الاميركيين عن اخطاء بوش في العراق الى قدرة كيري على شن الحرب. لكن ليست كل الحكومات تلجأ الى اساليب التمويه السلمية للتغطية على مشاكلها، فقد شنت، قبل اكثر من سنة، حكومة الصين هجوما كاسحا على جمعية «فالون غونغ» المعارضة، واعتقلت قادتها، وفضت اجتماعاتها، وذلك لتحويل الانظار عن الغموض والتوتر بعد وفاة الرئيس الصيني. وهو نفس الاسلوب الذى اتبعته السلطات الباكستانية، فقد زادت، قبل سنتين في باكستان، مظاهرات المعارضين للرئيس برويز مشرف، بسبب تعاونه مع اميركا، ونظامه غير الديمقراطي. وأعلن مشرف، في اكتوبر (تشرين الاول) 2004، في حديث في التلفزيون، اطلاق الصاروخ «شاهين الاول» القادر على حمل اسلحة نووية. وقال انه فعل ذلك «لمواجهة اي هجوم من الهند»، لكن احزابا معارضة في باكستان قالت ان مشرف تعمد ذلك لتحويل انظار الباكستانيين عن المشاكل الداخلية، الا ان هذه الاحزاب لم تقدر على انتقاد اطلاق الصاروخ لحماية باكستان من الهند.