المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مغامرات كويتية في طهران



مجاهدون
08-14-2003, 11:09 AM
بقلم / منى ششتر

قبل يومين حططت الرحال في مدينة مشهورة بسلسلة جبال دماوند ... طهران ... تلك المدينة التي اختارها الغاجار (أيام الدولة الغاجارية التي حكمت بلاد فارس قبل أكثر من مئة عام أي قبل حكم آل بهلوي لهذه البلاد) عاصمة لبلادهم ... ولكن قبل أن أسترسل في الكلام عن هذه المدينة دعوني أصحبكم أعزائي القراء في رحلة مع الزمن إلى الوراء قبل أن أجلس والأسرة على مقاعد طائرة الخطوط الجوية الكويتية رحلة رقم 511 المتجهة إلى طهران ...

وصلنا لسبب ما إلى المطار متأخرين وكان علينا الجري للحاق بالطائرة التي اعتقدنا بل وجزمنا أنها سترحل بدوننا إن لم نسرع الخطى للحاق على الأقل بذيلها ... والحمد لله على كل حال فقد وصلنا بعد جهد جهيد نظرا لبعد المسافة بين موقف السيارات وصالة المغادرين ... ووطئت أرجلنا أرض الطائرة واتخذنا أماكننا استعدادا للسفر فربطنا الأحزمة وامتنعنا عن التدخين (وفق إرشادات الكويتية بل أوامرها التي كنا سننفذها على أي حال من الأحوال لأننا والحمد لله لسنا من المدخنين) وفي الساعة العاشرة وعشر دقائق مساء ودون أن نشعر طرنا في الجو (كما طار في الهوا شاشي وأنت ما تدراش ...

مع الاعتذار للأغنية) وأبلغنا قائد الطائرة باللغتين العربية والإنكليزية تحياته وسلاماته هو وأفراد الطاقم ثم أخذ يشرح لنا وجهة الطائرة وعلى أي ارتفاع والوقت الذي تستغرقه الرحلة وغيرها من المعلومات اللازمة لنا لنتأكد من أننا نركب فعلا بساط الريح للقرنين الماضي والحالي ... وبعد نصف ساعة من بدء الرحلة ... طل علينا القائد مرة أخرى بصوته (نورت الفضائية المصرية بصوتك يا أفندم) ليعلن لنا وبكل هدوء أعصاب (حسدته عليه) أسفه إبلاغنا أنه وبسبب عطل فني بسيط سيضطر إلى العودة بنا وبالطائرة (والحمد لله ليس بدونها) إلى مطار الكويت الدولي ... يا للأسف ... هذا ما قلته في نفسي لقد تأخر موعد الوصول إلى تلك المدينة التي حفرت قلب التاريخ وشهدت الثورات وقدوم الإمام الخميني في شهور الشتاء والثلوج كذلك ... لكن لا بأس ... وكما يقول المثل ... كل تأخيرة فيها خيرة .

ووصلنا إلى مطار الكويت .. وأسرعت بحسي الصحافي الذي تحرك فجأة بعد نوم عميق بسبب الإجازة لأخبر »كونا« بالأمر الخطير كوني شاهد عيان على الواقعة وأن العطل كان في أجهزة التكييف... وخرجت والعائلة بعد ذلك كما خرج الركاب إلى صالة الانتظار لنستلم بطاقة الترانزيت التي يحق لنا بها الحصول على قنينة ماء فقط (يا لكرم الكويتية الباهر) وانتظرنا وطال الانتظار وتعرفنا على غيرنا من الركاب في ردهات السوق الحرة (لأننا نطبق حقيقة كويتية وهي ... لابد أن نستغل وقت فراغنا وانتظارنا في شراء أي شيء وإلا .. نموت) كما تعرفنا على عدد آخر من الركاب حين كنا نسأل عن موعد الإقلاع المنتظر وعدد آخر أيضا فيما بعد في المطعم بعد أن قررت الكويتية أن ترحم جوع الأطفال وجوعنا لاسيما أن الساعة تعدت الواحدة صباحا ...

ذلك المطعم الذي لا أعرف كيف أسبغ في وصفه وأقل ما يقال في حقه ... ترى النظافة زينة يا كويتية ... ولن أسترسل أكثر .. لكن والحق يقال إن الأكل كان طيباً ونظيفاً ... والحمد لله على كل حال ... وبعد ما أكلنا قررت الكويتية أخيرا (في الساعة الثانية والنصف صباحا) أن تأوينا في فندق المطار (الله يزيد النعمة) بعد أن تم إبلاغنا بأن موعد سفرنا سيكون في التاسعة والنصف من صباح اليوم الذي بدأنا قبل قليل نعيش ساعاته ... وسافرنا بعد نوم قلق وصداع رهيب ورنين للهاتف لا ينقطع في الساعة السادسة وعشر دقائق يذكرنا بأن علينا أن نكون في الأسفل قبيل السابعة والنصف ...

وبعد أن طار الطائر الميمون تبادلنا مع غيرنا من الركاب (الذين ارتبطنا معهم بصحبة) كل ما نملك وما لا نملك من أرقام للهواتف والنقال .. ووصلنا بحفظ الله ورعايته إلى طهران لنسمع هناك من الجميع »خوش آمديد« أي أهلا وسهلا ونلحظ احتراما خاصا للقادمين الكويتيين وترحيبا بهم لدخول المدينة ... وأنت تحث الخطى للخروج من المطار يطل في وجهك بين الخطوة والأخرى أحدهم ليقول لك »تاكسي ميخاي« أي أترغب في سيارة أجرة لتوصيلك إلى وجهتك ?? فما عليك إلا أن تجيب ... خيلي ممنون (وليس مينون) أي شكرا جزيلا ..

طبعا هذا إن كنت تنتظر أحدهم ليستقبلك في المطار .. وهذا ما كان بالنسبة لي ... حيث كنت أنتظر صديقتي سهيلة التي تركتني وحدي أواجه سائقي سيارات الأجرة وأتمرن على ترديد الكلمات الفارسية القليلة التي أحفظها ... وأفاجأ وأنا في الخارج أستمتع بحرارة شمس طهران الحانية بوجه مألوف لامرأة تقبل من بعيد ... فإذا بها أختها ... ولن أكمل لكم ما حصل بعد ذلك ... لأن هذا سيكون موضوعي في المقالة التالية ... حتى نلتقي حينذاك لكم أجمل تحياتي وأقول لكم الآن بالفارسية »خدا حافظ« أي في أمان الله.

مجاهدون
08-14-2003, 11:26 AM
بقلم / منى ششتر

الجزء الثانى

في المقالة السابقة صحبتكم أعزائي القراء في رحلتي من الكويت حتى وصلت إلى خارج أرض مطار »مهرآباد« الدولي في العاصمة الإيرانية طهران ... حيث كنت أستمتع بشمس المدينة الحانية وأنتظر صديقتي سهيلة التي تركتني (سامحها الله) أواجه إلحاح سائقي سيارات الأجرة ... وقدمت إلي بعد ذلك أختها بدلا منها ...

واليوم أكمل لكم مغامراتي لأقول لكم ... اضطررنا بسبب عدد الحقائب (التي تصحبنا) وحجمها إلى تأجير سيارتين وانطلقنا أنا والأسرة ومستقبلتنا وأطفالها نقطع الطرق المزدحمة بالناس والسيارات والديزل لننصهر أولا ونذوب ونختفي ونصبح بعد ذلك رقما من أرقام المصطافين في هذه البلدة الجميلة ونتعرف فيما بعد على معالم المدينة الذي كان أولها »برج آزادي« الواقع قرب المطار ويتوسط دوارا كبيرا يسمى ميدان آزادي ... هذا البرج (الأبيض) الذي اكتسب شهرة عالمية عندما ظهر في شتاء عام 1979 على شاشات التلفزة المحلية والعالمية بمناسبة نقل قنوات هذه الشاشات حينذاك قدوم زعيم الثورة الإيرانية الإمام روح الله الخميني إلى إيران واحتشاد جموع الشعب لاستقباله وهم يحيطون بذلك البرج الذي كان يسمى قبل الثورة »شاهياد« أي »ذكرى الشاه« ليغيره الشعب بعد انتصار ثورته إلى »آزادي« أي »الحرية« كما غيروا أسماء أخرى لمعالم تختص بتاريخهم تم تسميتها أيام حكم آل بهلوي على أسماء الشاه وعائلته ...

وهكذا هي إرادة الشعوب ... وفي السيارة التي احتللت مقعدها الخلفي أنا ومستقبلتي سميرة تحادثنا وتسامرنا وكما النسوة بالطبع مارسنا هوايتنا المفضلة في تداول أخبار فلانة وعلانة وتقطيع لحوم جميع من نعرف ومن لا نعرف من الحش ... ومن ثم كنا نسكت لنقول بنفس واحد »دع الخلق للخالق« وكأننا نكفر عما نفعل ونقول .. لكن هيهات ... وبعد برهة من الزمن وصلنا إلى بيت صديقتي سهيلة في منطقة ميدان نور واحدة من أحدث المناطق في طهران ... واستقبلنا أهلها الذين كانوا إلى عهد قريب من المقيمين في الكويت وتربطني بهم صداقة عمر منذ أيام الدراسة الجامعية أي منذ »عهد الأولين« بالترحاب وبكؤوس من شراب »آلبالو« المثلج أي الكرز الحامض ... وقدموا لنا بعد ذلك وجبة الغداء وضرسنا منها حتى شبعنا وعضضنا اللحوم والجلو كباب بالنواجذ حتى تعبت فكوكنا...

وبعد أن ارتحنا من وعثاء السفر وحمدنا الله على نجاتنا من سوء المنقلب في الأهل والمنظر... قررت أن أنهي عددا من المشاوير المهمة وأرى في الوقت ذاته بأم عيني صديقتي سهيلة وهي تسوق (لاسيما أن السواقة بسلام في شوارع طهران معجزة من معجزات آخر الزمان) .. فركبنا السيارة التي يعود تاريخ ميلادها أو صناعتها (لا يهم) إلى العصور الوسطى... ووصلنا إلى المشوار الأول بعد خمس وأربعين دقيقة »فيما يستغرق ذات المشوار في العادة عشر دقائق سيرا على الأقدام« ... وترجلت من السيارة قبل صديقتي التي كانت لا تزال في الداخل .. وفوجئت وأنا أقف بجانب بابها بعصا طويلة عجيبة ترقد بجانب رجلها وسألتها بعفوية ...

لمن هذا العكاز? لأفاجأ بإجابة أكثر عفوية ... إنها قفل للسيارة, ثم بدأت سهيلة بتقطيع أوصال السيارة من الداخل لتضع كل ما تقطعه في حقيبتها اليدوية .. وكان أصغر هذه الأشياء مسجلة السيارة ... لماذا ? اتقاء لسرقتها! وحتى أكون صريحة معكم ... تملكني الغضب ولعنت الساعة التي قررت فيها الخروج بعد أن استغرقت عملية تقطيع السيارة المسكينة وقفلها من خلال »تعميد المقود« بذلك العكاز أو القفل العجيب قرابة الربع ساعة ... وتساءلت ... أي أحمق هذا الذي يفكر في سرقة سيارة أثرية يتجاوز عمرها عمر أجداد أجداد أجداد أجداده? اللهم إلا إن كان اللص الظريف من عشاق الآثار المتحركة.

المهم انتهينا من مشوار السلحفاة العجيب الذي هيأ لي الظروف لتصفح وجوه جميع سائقي السيارات بجانبنا وجميع المارة واستطعت بموجبه أن أرى وبتمعن عيوب ومميزات المباني التي مررنا بها ... وتأكدت كم كان هذا اليوم جيدا من أوله بدءا من رحلتي مع الكويتية ومرورا باختبار المعلم الأثري المتحرك الذي تملكه صديقتي وانتهاء بالتعرف على المعالم التي تزدحم بها تلك الشوارع التي وطأتها عجلات السيارة وكذلك الناس ... وسأكمل لكم بعد ذلك بعضا من مغامراتي ... وحتى ألقاكم مرة أخرى أقول لكم ... »بخدا سبوردم شما را« أي في رعاية الله ... ومع السلامة من طهران .

مجاهدون
08-16-2003, 10:41 AM
الجزء الثالث - منى ششتر

مغامرات كويتية فى طهران

في طريقنا إلى مدينة كرج التي تقع على بعد 35 كيلومترا شمال العاصمة الإيرانية طهران ... كانت سلسلة جبال آلبرز في انتظارنا ... جبال جرداء تحف الطريق من الجانبين وتتلون تبعا لفصول السنة فما ان يحل الصيف حتى تكتسي حلة صفراء يميل لونها إلى الرمادي لكنها تخفي خلفها جسدا صلبا بحلة ثلجية ناصعة البياض متى حل الشتاء ... إنها جميلة وأنيقة دائما...

كنا قد قررنا للذهاب إلى هذه المنطقة واستأجرنا حافلة صغيرة تكفينا أنا والأسرة والأصدقاء ... لنقضي يوما جميلا في المزارع المحيطة بها ... وكان لنا ما أردنا حيث شددنا الرحال وجهزنا »الشروكة« أو ما نسميه بالعربية زاد المسير من الفواكه والماء البارد وورق الشاي والسكر وموقد للنار صغير يعمل على الغاز (لزوم عمل الشاي بعد الغداء) ... ولم ننس (كما هي الحال دائما) أن نأخذ كل ما كنا نملك في الثلاجة .. لا أدري لماذا .. ولكن أعتقد حتى نشعر أننا لم نقصر بحق أنفسنا ونموت من الجوع في حال لم يتوفر الطعام اللازم ..

. مع العلم أن كل شيء متوفر في تلك المنطقة الزراعية ... وفي الطريق ترى أحد جانبيه قد اكتسى لونا أصفر فيما اكتسى الجانب الآخر لونا أخضر ... يصادفك بين الحين والآخر باعة متجولون يبيعون في سلال كبيرة مصنوعة من سعف النخيل المجفف حبات الفستق الأحمر والأخضر النيئ فتشتاق نفسك إلى قزقزة قليل منه فلا بأس لو توقفت الحافلة واشتريت كيلو على الأقل كما اشترينا نحن ... واستغرقت الرحلة إلى كرج نحو الساعة ...

فيما قررنا أن نسير مسافة أطول حتى نصل إلى المطاعم التي تزدحم بها تلك المنطقة الجميلة ... ووصلنا وتوقفنا عند أحدها وإذا بنا بواحة مغروسة بقدرة الخالق غرسا في تلك الجبال القفراء وكانت بحق جنة من جنان الدنيا وتساءلت حينها ... إذا كانت هذه جنة المخلوق فكيف بجنة الخالق ... يا سبحان الله ... دخلنا إلى المطعم العتيق الذي يطل على نهر كرج ... هواء عليل وخضرة تكحل بها ناظريك ويزيد في شعورك بالجمال والألفة مياه النهر المرحة التي كانت تجري موجاتها أمامك واحدة تلو الأخرى فيما تتناهى إلى أسماعك أصوات ضحكاتها العذبة فتتمنى لو كنت واحدا منها أو على الأقل تفهم لغتها لتجاريها في ضحكها ....

وعلى تخت كبير (يشبه السرير الكبير) جلسنا تظللنا أشجار »الجنار« (بتشديد الجيم) ... وكأن أوراقها أجنحة ملائكة ترفرف فوق رؤوسنا لتمنع أشعة الشمس من اختراق الحصار ... وعلى الضفة الأخرى من النهر ترى صيادي السمك وهم يتنقلون من مكان إلى آخر يحملون سناراتهم ويتبعون السمك أينما سار مع ذلك النهر الذي تتسارع مياهه كلما اعترضتها صخور وما أكثر هذه الصخور في تلك البقعة ... وبعد أن تناولنا الغداء الإيراني التقليدي المكون من جلو كباب وجلو كباب كوبيدة وجلو مرغ وكباب برغ وغيرها من الأطباق التي تحتوي اللحوم (وكأننا جوارح أو حيوانات ضارية) ...

قررنا أن نشرب الشاي في جنة ثانية أو مكان آخر .. وكان لنا ما كان فحملنا جميع أمتعتنا (وما أكثرها) مرة أخرى وكأننا عمال متخصصون في حمل الأمتعة ... وقاد بنا سائق الحافلة البارع في الطرق الملتوية لتلك الجبال ... لنصل إلى مكان أكثر شعبية يتوسط تخوته جدول ماء صغير يشجعك ومن معك على أن تغطس بقدميك فيه لتهدئ أعصابك وتشعر حقيقة بأنك في نزهة في جنان خلقها الخالق واستغلها المخلوق لمنفعته ... وفيما أنت تنتظر الماء حتى يسخن على موقد الغاز لعمل الشاي ... يتناهى إلى مسامعك من بعيد صوت »ناي« حزين يعزفه أحدهم .. فيبعث في نفسك الحزن والحنين في آن واحد ... لكن لماذا الحزن ولمن الحنين ... لا تدري ... لكنه شعور ينتابك على أي حال .

وعلى مرمى البصر ترى أطفالا فقراء يحملون في أيديهم الصغيرة طيورا صغيرة ملونة نعرفها نحن في بلادنا بطيور الحب وفي اليد الأخرى علبا ورقية تحمل الكثير من المظاريف مرسوم عليها وجه رجل طاعن في السن وبعض كلمات مكتوبة بالفارسية ... أتعرف من هؤلاء ??? انهم بائعو »فال حافظ« أو أوراق الحظ التي تشتهر بها بلاد فارس ... فما عليك إلا أن تدفع بقليل من النقود للطفل حتى يقوم الطير بسحب مظروف ما مكتوب فيه حظك ...

وقررت أنا بالطبع أن أعرف ماذا يقول حظي في أمر ما فكرت فيه منذ أيام قليلة ... ولن أسترسل أكثر ولن أقول لكم بماذا كنت أفكر وماذا كان حظي .. لأن ذلك سيكون موضوع مقالتي المقبلة ... ولكن حتى أنهي هذه المقالة .. لا بد أن أخبركم بأننا رجعنا إلى مضاربنا في طهران (قبل أن ينقشع قرص الشمس عن المغيب) منهكو القوى مثقلو المعدة بعد أن قزقزنا كيلو من الفستق النيئ وتذوقنا كل ما أحضرنا من الثلاجة من فواكه وبسكويت وأكلنا غداء دسما وحبسنا بشاي أصلي معتبر عملناه بأنفسنا وغسلنا أقدامنا بذلك الماء البارد ... والآن أقول لكم »خوش باشي« أي يوما سعيدا وإلى لقاء .

مجاهدون
08-21-2003, 07:34 AM
الجزء الرابع - منى ششتر

بل أيام راودتني فكرة خطيرة ستقلب موازين الدنيا عندنا في الكويت وتجعلني في الوقت ذاته وخلال أيام (كما أعتقد) من أغنى أغنياء الديرة , وقبل أن أسترسل في الحديث عن فكرتي التي أخاف أن يختلسها أحد بمجرد البوح لها (حالها حال الأفكار الجيدة الأخرى في بلدنا) , دعونا نرجع معا عقارب الزمن قليلا إلى الوراء حيث كنا نشرب الشاي في إحدى جنان مدينة كرج حين قدم إلينا أطفال يحملون بيد عصافير الحب وفي اليد الأخرى علبا ورقية تحمل في بطنها الكثير من المظاريف مرسوم على كل واحد منها وجه رجل طاعن في السن إضافة إلى بعض الكلمات الفارسية , وقلت لكم إن هذا »فال حافظ« أو ورق الحظ التي تشتهر بها بلاد فارس , فاسمحوا لي اليوم أن أحدثكم قليلا عن حافظ وماذا يعني فاله ...

هو شاعر فارس العتيد .. اسمه الحقيقي هو خاجة شمس الدين محمد ولقبه »حافظ« ولد في أوائل القرن الثامن الهجري وعاش في مدينة شيراز الإيرانية (التي كانت يوما ما عاصمة للحكومة الزندية) حتى وفاته في عام 792 هجرية , ولا يزال قبره حتى هذه الساعة مزارا لأبناء البلد والسائحين وجميع الراغبين في معرفة حظهم في أمر ما .. وتزدان الجدران الأربعة المحيطة بالقبر بأبيات شعره العجيب فما على الراغب بمعرفة حظه إلا أن يغمض عينيه ويتمنى ما يريد ويفتحهما بعد ذلك ليقرأ بيت الشعر الذي يقابله فيكون هو حظه ... وكما هو معروف عند الإيرانيين فإن حافظ لم يطلب من أحد منذ ذلك الزمان حتى يومنا هذا إلا قراءة سورتي الفاتحة والإخلاص على روحه قبل الشروع بقراءة شعره لمعرفة الحظ , وتنوعت أشعار حافظ بين حب الذات الإلهية ومدح الله سبحانه وتعالى والتغزل في جلاله وخلقه ... وله مؤلفات كثيرة ترجمت معظمها إلى عدد من اللغات العالمية ومن بينها العربية ...

وحتى لا أطيل عليكم فإن فكرتي كما قلت لكم من قبل ستجعلني في مصاف الأغنياء في بلدنا لا سيما إن تم التعامل معها بطريقة اقتصادية وسياسية واجتماعية وما إلى ذلك من أمور, وتتلخص في استيراد سيارات (مسكربة) أي قديمة يتم (قبل استيرادها) تهيئتها للعمل في الكويت لأسبوع واحد فقط (مع تقديم ضمان رسمي من قبلنا بذلك) وبيعها بأرخص الأسعار حيث تبلغ قيمة الواحدة منها عشرين دينارا لا غير... والغرض من استيراد هذا النوع من السيارات هو القضاء على غلاء أسعار السيارات وملء الفراغات التي تعاني منها الشوارع الكويتية وإضافة بعض الزحمة عليها .. واستعمالها للمشاوير القريبة جدا (أي من البيت للجمعية) في الصباح الباكر لزوم شراء الخبز والآش والنخي والباجلا وكذلك في المساء حيث يكون الجو مقبولا للخروج بالسيارة التي لا تحوي مكيفا .

وبعد انقضاء الأسبوع وانتهاء الضمان الذي نقدمه للمشتري يمكنه أن يستخدمها ملحقا في البيت (دون الحاجة إلى ترخيص من البلدية) فيوسع بذلك على نفسه وعياله .. كما يمكن استخدامها بيوتا متحركة (شاليهات) على السواحل التي تمتاز بها الكويت والتي بالكاد يراها أهل هذا البلد من ذوي الدخل المتوسط والمحدود .. كما يمكن استخدامها للتأجير في البر , وقد يعتقد البعض أن هذا المشروع موجه لهذه الفئة فقط , لا ... حيث يمكن لذوي الدخل المرتفع أيضا (أي عيال الجخ الذين لا يعرفون إلا السيارات الكشخة) امتلاكها لاستخدامها في الحفلات التنكرية مثلا.. وغيرها من الفوائد التي لا تعد ولا تحصى ... ولكن هناك العديد من المشكلات التي اعترضتني والتي كنت حتى لحظة قراءة حظي أفكر وأخطط في كيفية حلها ومنها قانون وزارة التجارة الذي يمنع الكويتي العامل في القطاع الحكومي من الحصول على رخصة استيراد وتصدير »لا أدري لماذا« ويعطي ذات الحق لغير الكويتي بشرط المشاركة مع كويتي ..

وقرار ذات الوزارة بشأن منع استيراد السيارات القديمة التي مضى على تصنيعها أكثر من خمس سنوات إلا باستثناء من وزير التجارة نفسه ولسيارة واحدة فقط .. وعلى افتراض أننا استطعنا إدخال هذه السيارات وعرضها للمشترين في المنطقة الحرة فكيف ستتعامل معها الجهات المختصة ورجال الجمارك بعد ذلك ... أما بالنسبة للبلدية (فحكايتها حكاية طويلة على حد قول المرحوم فريد الأطرش) وستحاربنا في عقر دارنا لاسيما إن استخدمها المشترون ملاحق لهم في بيوتهم .. وماذا عن إدارة المرور? عقبات كثيرة أمامنا وإذا افترضنا أننا تجاوزناها بطريقة أو بأخرى .. فمن أي ميناء من موانئ الكويت ندخل?

(كلها الله بالخير لا صيانة ولا أرصفة ولا حتى رافعات) وحتى لا يتشتت تفكيري وتتلاشى فكرتي لابد من فتح مظروف الحظ لنرى ماذا يقول ... أتدرون ماذا كان حظي? يقول حافظ ..»آينة باك وبي ألايش قلب تو نبايد با أز دست دادن جيزي بي إرزش در هم شكسته شود« أي يا صاحب القلب الطاهر لا تلوث قلبك بأمور لا تستحق التفكير فيها .. وخلصت بعد معرفة حظي (طايح الحظ) إلى حقيقة واحدة على حد قول إخواننا المصريين »جات الحزينة تفرح مالقتلهاش مطرح« .. وحتى ألقاكم في مقالة أخرى أقول لكم ... »باميد ديدار« .. أي إلى لقاء.