المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تريد مصر أن يحكمها الإخوان المسلمون ؟



سمير
10-07-2005, 08:58 AM
التغيير والإصلاح والظروف الإقليمية والدولية في كتاب مصري


القاهرة: محمد أبو زيد


بدءأ من أواخر خمسينات القرن الماضي وحتى الآن تشتتت مصر بين تجربتين؛ الاشتراكية والرأسمالية، بما ساهم في جمودها أكثر. وفي حالة الجمود أو التجمد التي بقيت فيها مصر ردحا من الزمن، فقد المجتمع الاتجاه وغلبت عليه حركة عشوائية. والآن هل تريد مصر أن تجرب حكم الإخوان المسلمين، كما يقول نجيب محفوظ؟

في حفلة صغيرة أقيمت في مناسبة بلوغ الأديب المصري جمال الغيطاني سن الستين في مايو (أيار) الماضي، سئل نجيب محفوظ عن تصوره لمصر في الفترة المقبلة في ضوء التطورات المتسارعة فيها، فأجاب بعد لحظات تأمل: «يبدو أن مصر تريد أن تجرب حكم الإخوان المسلمين».

هذه الحكاية التي ـ قد تبدو طريفة ـ يرويها الكاتب المصري الدكتور وحيد عبد المجيد في كتابه «التغيير طريق مصر إلى النهضة»، الذي صدر أخيرا عن دار «مصر المحروسة» بالقاهرة. وهو يرى أن هذه الإجابة لم تصدر عن تصور يجول في خاطر محفوظ فحسب، بل أراد أن ينبه إلى ما يمكن أن يحدث في حال أدى التباطؤ في الإصلاح الديمقراطي إلى أزمة سياسية تفتح الباب أمام تغيير جذري.

وربما كان في خلفية هذه التصور التحذير من اتجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى مراجعة نظرتهما السابقة إلى الحركات الإسلامية في العالم وخصوصا من زاوية إمكان وصولها إلى السلطة. وليس محفوظ وحده هو الذي يتصور إمكان «حكم إخواني»، بل يشاطره في عدد لا بأس به من المثقفين والسياسيين في أن هذا السيناريو وارد في حال أسيئت إدارة عملية الإصلاح السياسي.

يطرح كتاب عبد المجيد الجديد العديد من الأسئلة الخاصة بالتغيير والإصلاح في العالم العربي والجديرة بالبحث عن أجوبة شافية لها، ولعل أهم هذه الأسئلة: لماذا يبدو الإصلاح والتغيير في مصر والدول العربية صعبا من دون العالم كله؟ ولماذا بقينا لسنوات لا نعتبر مما يحدث حولنا في العالم فننفض عنا جمودها الذي اشتد وطال أمده، ونصلح أوضاعنا لنخفي عوراتنا التي انكشفت أمام العالم وأتاحت لأصحاب المصالح من كبار التدخل في شئوننا؟ الإجابة عن هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، يمكن تلخيصها في جملة أوردها عبد المجيد في نهاية مقدمته للكتاب: «لقد خلف الجمود السياسي جمرا تحت الرماد بدأ يتأجج تدريجيا في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، هذا الجمر يمكن أن يتقد ويمكن أن يطفأ، وليس غير الإصلاح سبيلا لإطفائه».

لكن بالرغم من هذا تظل الإشكالية الأساسية التي تطرح في دولنا العربية عند الحديث عن الإصلاح: الإصلاح من الداخل أم من الخارج؟ ويبرر عبد المجيد زيادة وتيرة هذا الحديث بأن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) كان لها اثر كبير في تحول السياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، فأصبح نشر الديمقراطية هو الهدف الرئيسي لهذه السياسة ـ كما تدعي. وبعد أن كانت هناك مسافة كبيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن مسألة الإصلاح في العالم العربي، أدى سوء إدارة نظم الحكم العربية لهذه المسألة إلى تقارب تدريجي بين الأميركيين والأوروبيين.

التركيز على الخارج وحركته وأهدافه صرف نظرنا، في رأي عبد المجيد، عن تغيير تتراكم دوافعه ومشكلاته تحت السطح، بعد أن أخذت التعددية المقيدة، التي استمرت لنحو ثلاثة عقود، تستنفد أغراضها وتصل إلى نهاية تأخرت بسبب نجاح نظام الحكم في إطالة أمدها، وضعف الجماعة السياسية المعارضة والمجتمع المدني.

المشكلة الخطيرة التي يلفت عبد المجيد إليها الانتباه، هي أن ما يطرحه الأميركيون والأوروبيون في مطلع القرن الحادي والعشرين بشأن الإصلاح الديمقراطي ليس جديدا، ولكن الجديد والخطير في آن معا، هو ممارسة ضغط من اجل هذا الإصلاح على نحو يجعله يبدو وكأنه مشروع غربي يراد فرضه علينا، في حين أنه مشروع وطني، بل هو رمز الوطنية ـ في اعتقاده ـ لا يمكن بدونه التقدم في ظروف إقليمية ودولية معاكسة، ويزداد خطر الضغط الخارجي كلما بقي نظام الحكم جامدا يتعامل معه بطريقة المناورة ومحاولة تقديم تنازلات في قضايا إقليمية، معتقدا أنها قد تدفع من يضغطون إلى الحد من ضغوطهم، وبالتالي مواصلته الهرب من إصلاح حقيقي لم يعد المتجمع يتحمل إرجاءه.

إذا أرادت الولايات المتحدة أن تساعد في تحقيق إصلاح ديمقراطي حقيقي، عليها أن تغير سياستها المنحازة إلى إسرائيل. هكذا يقوم عبد المجيد، ويتابع: ثمة علاقة قوية بين اكبر قضيتين تواجهان العرب في مطلع القرن الحادي والعشرين، وهما قضيتا الإصلاح وفلسطين، على نحو يتعارض مع نظريات أساسية في العلم السياسي والاجتماعي ويصطدم بالواقع حاضرا كان أو تاريخا قريبا.

ويقول المؤلف إن النظم العربية التي تعتبر الأكثر جمودا لا تريد إصلاح نفسها ديمقراطيا، لا إصلاح العلاقات بينها ولا إصلاح أداء الجامعة العربية، وربما لهذا اتسعت عبارة غياب التضامن العربي.

لكن الوجع الأخطر المرتبط بالعرب هو الجمود الشديد الذي أصاب نظم الحكم العربي الرسمية ومكوناتها، هذا الجمود هو الذي يفتح الباب واسعا أمام التدخل الأجنبي لتغيير المنطقة بذريعة أن أصحابها عاجزون عن الإصلاح، فالخطر المترتب على الجمود العربي لا يقارن به خطر آخر، ويستدل عبد المجيد على هذا بقمة الجزائر «كتجسيد لهذا الجمود».

ولا يعفي المؤلف الفكر العربية من المسؤولية، فهو يرى أن اثر الفكر السياسي العربي باتجاهاته المختلفة قد تضاءل في بناء الدول، وخصوصا في ما يتعلق بطابع نظام الحكم الذي تجمدت مجتمعاته على العلاقة بين الفكر السياسي العربي وعملية بناء الدولة ربما اكثر من أي جانب آخر من جوانب الحياة العربية في القرن العشرين.

وفي حديثه عن الأزمة المصرية يقول عبد المجيد إن مصر دخلت القرن الحادي والعشرين وقد تفاقمت أزمتها التاريخية بفعل الجمود الشديد الذي عاشت فيه لأكثر من عقدين من الزمن. ومع تفاقم هذه الأزمة ازداد الإحساس بها، وقد تراكمت آثارها طبقات فوق بعضها البعض، وبلغت في تراكمها ذورة تلو الأخرى حتى وصلت إلى مستوى ينذر بخطر شديد، وهي أزمة تاريخية لأن مصر لم تعش تطورا عضويا متصلا منذ أن دخلت مرحلتها شبه الحديثة في مطلع القرن التاسع عشر، ولم تعرف مرحلة إقطاع بالمعني الدقيق، سواء الأوروبي أو الشرقي، ولا مرحلة برجوازية حقيقية. عاشت مصر في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين حياة تجمع بين مجتمع ما قبل الرأسمالية التجارية والصناعية الحديثة والمجتمع شبه الرأسمالي، وبدءأ من أواخر خمسينات القرن الماضي وحتى الآن تشتتت مصر بين تجربتين؛ الاشتراكية والرأسمالية، بما ساهم في جمودها أكثر، وفي حال الجمود أو التجمد التي بقيت فيها مصر ردحا من الزمن، فقد المجتمع الاتجاه وغلبت عليه حركة عشوائية، وساده سلوك عدواني أثر في العلاقات بين الأفراد والجماعات وطبعها بطابعه.

القاسم المشترك الذي يعوق الانطلاق في اعتقاد عبد المجيد ـ هو ما يصفه بـ«العفن في جسد كل من الحكومة والمجتمع في ظل مستوى من الفساد يمكن أن يحجب ضوء الشمس لا أن يمنع فقط الاتجاه نحو الإصلاح، وفي ظل مستوى من التسلط يضعف الأمل في توفير مقومات التحول الديمقراطي، فضلا عن مستوى من العشوائية الضاربة أطنابها في العمق على نحو يصعب معه التوافق على خطط جديدة للإصلاح، بالإضافة إلى ذلك المستوى الرفيع من الخرافة أو التفكير الخرافي الذي يشيع في كل صعيد بدءا من نظرية المؤامرة في السياسة وحتى التفسيرات التي تفرغ الدين من محتواه إلى التقدم وتقوض قيمه التي تشجع الإصلاح وتحث عليه.

ويرى عبد المجيد أن التطور الديمقراطي في مصر افتقد إلى التراكم التاريخي، وانعكس هذا ليس فقط على ثقافة المجتمع التي ظلت مزيجا من القيم التقليدية والأبوية والتسلطية والنزعات الشمولية، ولكن أيضا على تكوين النخبة السياسية والثقافية في المعارضة والمجتمع المدني، وقد اتسم هذا التكوين بهشاشته وضعف التقاليد الديمقراطية فيه، مشيرا إلى أن المطالبة بالديمقراطية مسألة سهلة، ولكن الصعب هو ممارستها، لذلك كان أحد أسباب الجمود السياسي الذي شهدته مصر هو عدم قدرة الأحزاب على إصلاح أوضاعها أو عدم رغبة قادتها في ذلك، فالأحزاب تعاني اختلالات ناجمة عن ضعف الديمقراطية في داخلها بدرجات متفاوتة.

وضع الإصلاح والتغيير في العالم العربي تصدق فيه في رأي عبد المجيد جملة مشهورة تكررت في كثير من حكايات «ألف ليلة وليلة» وهي «حكاية عجيبة لو كتبت على آماق البصر لكانت عبرة لمن يعتبر».