المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهنود الحمر يعودون الى واشنطن



سمير
08-21-2005, 08:57 AM
واشنطن: محمد علي صالح


فقدوا اول ما فقدوا اسمهم، لأن كولومبس سماهم «هنودا»، حين اعتقد انه وصل الى الهند، وظل اسمهم كذلك حتى بعد تأسيس الولايات المتحدة، ثم اصبحوا «الهنود الحمر» حتى لا يكون خلط بينهم وبين هنود آسيا (الهنود السمر)، الذين بدأوا يهاجرون الى جزر البحر الكاريبي، بل والى الولايات المتحدة نفسها.

وغيرت الحكومة، قبل اربعين سنة تقريبا، اسمهم الى «الاميركيين الاصليين»، وغيرت اسم «السود» الى «الاميركيين الافارقة»، وذلك لأن المجموعتين احتجتا على وصفهما باوصاف الالوان. لكن الحكومة غيرت، قبل سنوات قليلة، الاسم الى «الهنود الاميركيين»، وذلك بعد ان احتج كثير من الاميركيين، خاصة البيض الذين ولدوا وولد آباؤهم واجدادهم هنا، بأنهم «اصليون» ايضا. ويبدو ان الاسم الاخير سيثبت لأن المتحف الجديد اسمه «المتحف الوطني للهنود الاميركيين».

شمل مهرجان الاسبوع الماضي في واشنطن مختلف انواع النشاطات الثقافية والفنية، وسموه «باو واو» (معناها «لقاء»)، ولم يجادلهم الناس في اختيار الاسم، تأكيدا، كي يكون لهم، على الاقل، حرية تسمية مهرجانهم كما يريدون.

حمرٌ بلون الأرض

* ماري راندل، مؤلفة كتاب «قصص جزر السلحفاة»، وتعيش في تجمع «باين ريدج» التابع لقبيلة «لاكوتا» في ولاية ساوث داكوتا، وصفت لـ «الشرق الاوسط» ثقافة قبيلتها بانها تقوم على الايمان بما يسمونه «الروح العظمى». وقالت راندل ان هذه الروح هي التي «خلقت الناس والطبيعة، وعلمتنا ان لا نؤذي هذا الذي يحيطنا. الروح العظمي هي سر ما نأكل ونشرب، وسر الدواء الذي نصنعه والطب الذي نمارسه، وهي التي ترعى اطفالنا». وقالت راندل، وهي جدة لعشرة اولاد وبنات، ان لون الهنود احمر «بلون تراب الأرض». ومن القصص التي تحكيها لاحفادها وحفيداتها ان «فتاة بيضاء قالت لأطفال حمر ان لونها جميل، ولونهم قذر. فردوا عليها بأن لونهم هو لون الارض التي ولدت منها الفتاة، والتي ستعود اليها».

وتضع قبيلة «لاكوتا»، بالاضافة الى فخرها بعقيدتها ولونها، اعتباراً هاماً للثور الاميركي الهندي (بفالو)، وتراه جزءاً من تراثها، وتفتخر بأنه كان هنا قبل هجرة الاوروبيين. لكن الرجل الابيض احضر معه اول حصان، واستفاد الهنود من الخيول في رعاية ثيرانهم. لكن ثور «بفالو» يكاد ان ينقرض الآن، ويحمل الهنود الحمر الرجل الابيض مسؤولية ذلك.

الجمال يحيطنا من فوق ومن تحت

* وقالت ليوندا لفشاك لـ «الشرق الاوسط»، وهي خبيرة في متحف الهنود الاميركيين في واشنطن، ومن قبيلة «نافاهو» التي تعيش في ولاية نيو مكسيكو، ان قبيلتها تؤمن بإله غير إله قبيلة «لاكوتا»، ويسمونه «الجمال المحيط». وقالت ان «الجمال يحيط بي من فوقي ومن تحتي، وعلى يميني وعلى يساري، وانا اصلي له سرا، صباحا ومساء»، وقالت ان ثقافتهم تعتمد على ركنين: اولا، حب الطبيعة ولهذا يحملون الرجل الابيض مسؤولية قطع الاشجار وتدمير البيئة وثانيا، كراهية الحرب، ولذا فإن لهجات بعض القبائل ليست فيها كلمة «حرب»، رغم ان فيها كلمات مثل «مواجهة» و«اختلاف». وبهذه المناسبة، تشترك في حركة معارضة الغزو الاميركي للعراق منظمات تمثل الهنود الحمر، ومن الذين تحدثوا في مظاهرة جرت أخيرا في واشنطن نيكي مارش (اسمه القبلي «الذئب الابيض»)، وقال ان الهنود الحمر «يعارضون هذه الحرب، نحن نتكلم 750 لهجة، ولا توجد في اي لهجة كلمة حرب».

طماطم وبطاطا

* ويبادر كل هندي احمر، ويذكر محدثه بأنهم اول من عرف الذرة والطماطم والبطاطس والفول والقرع والفلفل (من هنا انتقلت الى العالم القديم). لكن الرجل الابيض احضر الى هنا الارز والقمح والشعير وغيرها، واحضر المسيحية التي ساعدت كثيرا على التوسع وسط الهنود الحمر. هل انهزمت حضارة الهنود الحمر لأن الدين المسيحي والثقافة المسيحية كانتا اقوى من اديانهم وثقافاتهم، او لأنهم كانوا ضعفاء عسكريا؟

ردت الخبيرة لفشاك: «الاثنان. فرضوا علينا المسيحية، ودفنوا معابدنا (معظم معابدهم حفر تحت الارض)، وعمدوا اولادنا، وحلقوا شعورهم السوداء الطويلة الجميلة. وفي نفس الوقت، حصدونا، بالبنادق والمسدسات. ولا تنس سلاحا ثالثا استعملوه ضدنا، وهو الامراض التي احضروها معهم الى هنا (اشارة الى امراض مثل الجدري والدفتريا والحصبة. لكن مرض الزهري اصله من هنا)».

الاعتراف بالهزيمة خطوة إلى الأمام

* ولا تنكر لفشاك ان الرجل الابيض فرض ثقافته على الهنود الحمر، وقالت انها تعتبر ان مجرد هذا «الاعتراف» خطوة الى الامام، وذلك لانهم كانوا، لمئات السنين، غاضبين وحاقدين، او حالمين بعودة حضارتهم وثقافتهم. وقالت ان «الاعتراف بتفوق الآخر يجب ان يسبق محاولة اللحاق به». واعترفت لفشاك بأنها «محاولة»، وذلك لاقتناعها بصعوبة التفوق على الحضارة المسيحية البيضاء، لكنها اضافت: «نعم، هزمونا ودمروا حضارتنا، لكننا نجحنا في الحفاظ على اهم ركنين فيها: الاول، علاقاتنا العائلية. والثاني، روحانياتنا». واشارت هذه السيدة الى المشاكل التي تواجه العائلة الاميركية، بصورة عامة. والى ابتعاد بعض الاميركيين عن الكنيسة كأساس لعقيدتهم الدينية. والى انتشار ممارسات روحانية مثل الصوفية الاسلامية، والكبالة اليهودية، والشامانز (صلوات وادوية ذات صبغة دينية)، وقالت ان بعض هذه من تراث الهنود الحمر.

هندي أحمر وحيد في الكونغرس

* اشترك في افتتاح «متحف الهنود الاميركيين» في واشنطن مائة الف هندي تقريبا، جاؤوا من قبائل تعيش في مجمعات في بعض الولايات الاميركية. كان هناك «شيكالون» من ولاية الاسكا، و«اباشي» من ولاية اريزونا، و«شيروكي» من ولاية نورث كارولينا، و«سمنول» من ولاية فلوريدا. وكان هناك ممثلو قبائل على طول القارتين الاميركيتين، منطقة الاسكيمو الى البرازيل. وقال السناتور نايتهورس (حصان الليل) كامبل،(جمهوري من ولاية كولورادو)، وهو الهندي الاحمر الوحيد في الكونغرس، يوم افتتاح المتحف: «واخيرا، اكتملت الدائرة المقدسة، وتحققت صحوة سكان اميركا الاصليين». وقالت الجدة راندل انها تكرر على احفادها وحفيداتها ان ينقلوا قصص تراثهم الى احفادهم وحفيداتهم.

وقالت الخبيرة لفشاك: «صحوتنا عائلية وروحانية. صحوتنا سلمية».