المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للشباب : جرِّبوا هذه المادة الجديدة



زهير
08-12-2005, 08:13 AM
ديفيد بروكس


http://www.asharqalawsat.com/01common/teamimages/376-david-brooks.gif

فلنتخيل لبرهة انك صبي في الثامنة عشرة من عمرك وتتمتع بذكاء غير عادي، وتحاول معرفة أي المجالات الدراسية يجب ان تدرس، لكي تفهم القوى التي ستشكل التاريخ في العقود القادمة.

ادرس مجالا لا يكاد يكون موجودا: الجغرافيا الثقافية. ادرس لماذا وكيف يتجمع الناس معا، ولماذا تستمر بعض المميزات القومية على مدى القرون، ولماذا يحتضن البعض الثقافات التكنولوجية والنمو الاقتصادي بينما يقاوم البعض الاخر.

هذه هو المجال الذي اصبحت دراسته ومتابعته من الامور غير المهذبة. فدعاة التعدد الثقافي يؤكدون ان كل الجماعات والثقافات رائعة بنفس الدرجة. ويوجد عدد من البلطجية محدودي الافق، ولا سيما في الجامعات، ممن يتهمون أي شخص يطرح اسئلة ذكية حول جماعات من الناس وبعض السلوكيات بأنه شخص عنصري. ويميل الاقتصاديون والعلماء الى الاعتقاد بأن العوامل المادية هي التي تنشط التاريخ، الموارد وكيمياء الدماغ ، لان ذلك هو الامر الوحيد الذي يمكنهم قياسه.

واذا ما نظرت حول الولايات المتحدة فستجد شرائح ثقافية مدهشة. فقد «تعولمنا» في الولايات المتحدة (اي اندمجنا اقتصاديا) منذ قرون عديدة، ولكننا بعيدون كل البعد من الاندماج في ثقافة متجانسة، بل اننا نتحول الى شرائح من حيث اسلوب الحياة. فأسواق الموسيقى والأخبار والمجلات والتلفزيون قد تشعبت، بحيث انكمشت وسائل التوحيد الثقافي مثل مجلة «لايف» او «وولتر كرونكايت» (المعلق التلفزيوني).

ان 40 مليون اميركي يتنقلون سنويا، وينتقلون عادة الى مناطق يعيش فيها اناس مثلهم، وكما كان يقول الراحل جيمس تشابين كل مكان يصبح مثل ذاته اكثر من ذي قبل. فالأماكن الليبرالية مثل بولدر تجذب نوعيات متشددة وتزداد تشددا. والأماكن المحافظة مثل ضواحي جورجيا تجذب الجماعات المحافظ وتزداد محافظة.

وقبل وقت ليس بالطويل، كان كثيرون يعملون في المزارع او المصانع حتى تكون لديهم انماط حياة مشابهة. إلا ان الاقتصاد بات يقدم المزيد من التخصصات حتى تصبح أماكن العمل وأنماط الحياة متمايزة. فالمراكز المدنية والعسكرية متمايزة، وحتى في الحياة السياسية يبدو الديمقراطيون والجمهوريون وكأنهم يعيشون في كوكبين مختلفين.

وفي نفس الوقت اذا نظرت حول العالم يمكن ان ترى كيفية دفع الأحداث بواسطة مختلف المجموعات التي ترفض الثقافة المعولمة. المتطرفون الاسلاميون يرفضون الثقافات الاوروبية الحديثة وأوجدوا نموذجا متشددا للدين على نحو اكثر اختلافا، لكنه اقل عنفا فيما انتقل يهود اميركيون الى الخليل واصبحوا صهاينة متطرفين.

من اميركا الى سياتل يرفض طلاب الدراسات الدينية ما يعتبرونه ثقافة رئيسية لا اخلاقية وأسسوا من جانبهم حركات إحياء دينية. ومن روما الى اورويغون أوجدت الجماعات المناهضة للعولمة ثقافاتها الخاصة بها.

اعضاء هذه المجموعات وأخرى كثيرة لم يورثوا هوياتهم، وإنما استفادوا من الحداثة والانفتاح والحرية وأصبحوا يمارسون نوعا من القبلية يعتمد الشخص فيه على نفسه، ليشكلوا بذلك جزءا من إعادة تشكيل للهويات وإيجاد تجمعات جديدة اكثر ، فيما يتسم أتباعها في الكثير من الأحيان بالتشدد والجمود.

الأحلام العابرة للحدود، مثل توحيد اوروبا والوحدة العربية، اخفقت، وتباينت أنماط السلوك عبر الدول. فعلى سبيل المثال تتباين معدلات الخصوبة في دول مثل الولايات المتحدة وكندا. كما ان عادات العمل تختلف في الولايات المتحدة عنها في اوروبا. والى ذلك أخذ عدم المساوة على المستوى الكوني في الاتساع في وقت تزدهر فيه دول لديها سمات محددة وتتدهور دول اخرى لها سمات مختلفة.

اشخاص مثل ماكس فيبر وادوارد بانفيلد وصامويل هنتينغتون ولورانس هاريسون وتوماس سويل مهدوا لنا الطريق لكيفية التفكير في مثل هذه الأشياء، إلا ان هذا المجال يعتبر فضاء مفتوحا.

اذا كنت في الـ 18 من عمرك ولديك عقل كبير، فإن حقل الجغرافيا الثقافية بكامله في انتظارك.