المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فريدة ملكة مصر تروي أسرار الحب والحكم برومانسية حزينة



جون
08-07-2005, 01:16 AM
هل كان لها دور في ولادة ثـــــورة يوليو؟!


http://www.alqabas.com.kw/images/060805/th3.jpeg

بيروت - جهاد فاضل

يجمع كل المؤرخين المصريين الذين كتبوا عن فاروق ملك مصر السابق على ان زوجته الاولى الملكة فريدة كانت امرأة صالحة، بل نقطة بيضاء وسط السمعة السوداء التي التصقت بالملك اللاهث وراء ملذاته الشخصية. ويرى هؤلاء المؤرخون ان طلاق فريدة الذي تم في 19 نوفمبر سنة 1948 كان الشرارة الاولى للثورة المصرية التي اندلعت صبيحة يوم 23 يوليو من سنة 1952. فقد الهب هذا الطلاق الشعور الوطني، وفتح الاعين على فساد الملك وحاشيته. وبذلك اعلن المصريون الثورة على فاروق وجدانيا قبل ان يعلنها الجيش عمليا، وباسمهم، بعد ذلك بأقل من اربع سنوات.


ولكن تظاهرات كثيرة سارت في شوارع القاهرة وبقية المدن المصرية، نددت بطلاق فاروق لفريدة، وهتفت ضد الملك وتحية للملكة. ولم توفر هذه التظاهرات نازلي والدة فاروق التي لاكت الألسن سمعتها قبل ان تهجر مصر نهائيا لتعيش في اميركا مع بناتها متحررة من كل رقابة على سلوكها.

ورفعت تلك التظاهرات يومها شعارات غاضبة منددة وصريحة:

- اين الكساء يا ملك النساء!

- من لا يحكم أمَّه لا يحكم أمة!

ويبدو ان الملكة فريدة رغم مرور سبعة عشر عاما على وفاتها لا تزال تسكن وجدان المصريين بدليل هذه الكتب التي تصدر عنها في مصر وتروي سيرتها الحزينة، وكان آخرها كتاب «فريدة ملكة مصر تروي اسرار الحب والحكم» لمؤلفه المستشار فاروق هاشم.


رومانسية حزينة
تظهر فريدة في هذه الكتب بمظهر رومانسي حزين. فهي منطوية على ذاتها، هادئة، رقيقة، ولكن عالية الصوت وحازمة. وهي انيقة بلا تكلف، وبسيطة.. فتاة مغرمة بالطبيعة لا تخفي انزعاجها من تحول المدن الى غابات اسمنتية. في نظرها اختفى اللون الاخضر من المدن، وتضاءلت فيها مساحات الفضاء والانفراج حتى فسدت ارواح ساكنيها. ولأنها انصرفت بعد طلاقها من الملك للرسم، فقد جعلت من الطبيعة موضوعها الاثير. فكثيرا ما رسمت النيل، والقرية المصرية بفلاحيها، من الذاكرة.

فريدة لم تكن تحمل هذا الاسم قبل خطوبتها من الملك فاروق. فقد كان اسمها صافيناز ذو الفقار. وكانت والدتها وصيفة في القصر. اما والدها فعمل مستشارا في القضاء المصري. ولكن الملك الذي اخذ بها، وهو فتى، غير اسمها الى فريدة انطلاقا من اعجابه الشديد بجمالها وصفاتها الخلقية. وقد اختارها فاروق من بين اجمل بنات مصر لتلد له ولي عهده. وفي سويسرا، وفي مناخ اسرته واسرتها، ولد حبهما. رحلة عائلية الى سويسرا وضعها فيها فاروق تحت الاختبار ليتأكد من صلاحيتها للملك. وفي هذه الرحلة بدأت فريدة تحس بالحب يتسلل الى قلبها، وتشعر بأن الدنيا تكاد تطير بها. لم يكن فاروق يومها هو فاروق الذي عرفه التاريخ فيما بعد. فتى في السادسة عشرة من عمره تحمر وجنتاه اذا ما التقى بفتاة. وعلى ظهر الباخرة «فكتوري اوف انديا» التي اطلقت عليها فريدة اسم زورق الحب، عرفت فريدة اجمل لحظات حياتها «كان قلبي يخفق بحبه، وقد كان لطيفا ودودا. وكنت انا لا ازال احمل كتبي ودفاتري على صدري كطالبة في مدرسة نوتردام ديسون بالاسكندرية».


وتحققت الأحلام
وتحققت الاحلام تزوج الملكان الحبيبان في 30 يناير من عام 1938 وقصدا انشاص التي كان يسميها فاروق «كوخ الحب الملكي». في انشاص كان هناك قصر للملك، وفي جنته قضى الحبيبان 14 يوما كانت من احلى ايام زواج استمر بعد ذلك احد عشر عاما وانتهى بالطلاق.

ما الذي حصل حتى انهارت احلام العروس بعد ذلك؟

فريدة تقول انها سرعان ما شعرت بأن حروبا سرية وغير سرية بدأت تشن ضدها. نازلي، ام فاوق، بدأت تغار من فريدة، وتخاف من سيطرتها عليه. والحاشية ضاقت بدورها بهذه الملكة التي كان من شأن ممارستها لنفوذها على ما في القصر، ان تحد من نفوذ هذه الحاشية الفاسدة التي يهمها لا صلاح فاروق، بل افساده وشغله بأمور الملذات (نساء وقمار على الخصوص) حتى تتحكم بزمام القصر. وقد نظرت الحاشية الى فريدة على انها خصم لا حليف، وبدأ الصراع في يومها.

كان فاروق يحب فريدة، ولكن هذا الحب بدأ يقل مع الوقت، الى ان تبخر في النهاية. وضعت الملكة نازلي على عاتق فريدة مسؤولية عدم انجاب ولي عهد لابنها الملك، وكأن الامر بيدها. رزقت فريدة من فاروق بثلاث بنات هن فريال وفوزية وفادية. وعقب كل ولادة كانت نازلي تقول لفريدة امام الاميرات والوصيفات بالقصر: «انا جبت لفؤاد ولي العهد، لما نشوف امتى حتجيبي لفاروق ولي عهده»!

ومات الفرح في قلب فريدة. حتى من كان اكثر ادبا من نازلي كان يقول لها عقب ولادة كل بنت من بناتها الثلاث: «ان شاء الله المرة الجاية تجيبي لنا ولي العهد» واصبحت كل ولادة تشكل لفريدة هما كبيرا. وشاء الله ان يكون آخر ما انجبته من فاروق بنتا لا ابنا. وهنا بدأ الويل والثبور والعد العكسي لتخلص كل من في القصر من فريدة!



حكاية ناهد رشاد
من ابرز نجمات هذا الفيلم امرأة استولت على قلب فاروق اسمها ناهد رشاد زوجة الدكتور يوسف رشاد طبيب الملك الخاص. بدأت قصة فاروق مع ناهد عندما وقع حادث تصادم مع سيارة الملك في محلة القصاصين حيث صحب الدكتور يوسف رشاد الملك الى المستشفى وظل بجانبه طوال فترة علاجه. وبعد هذا الحادث عينه الملك طبيبا خاصا له. وكانت ناهد تحضر لزيارة زوجها فأعجب الملك بها إلى درجة الجنون، واصدر قرارا ملكيا الحقها بالقصر بصفة وصيفة للأميرة فوزية، واختار لها فاروق غرفة للنوم غير بعيدة عن غرفته، واصبحت الملكة غير المتوجة نظرا إلى تأثيرها الطاغي على الملك، وبلغ من نفوذها عليه انه لم يكن يستطيع فراقها، وبسبب من افتتانه الشديد بها وضع صورة عارية لها وبالحجم الطبيعي في قصر انشاص.

وزاد فاروق من تقريب ناهد رشاد اليه فأصبحت ترافقه حتى في زياراته الرسمية وغير الرسمية الى الخارج، مما جعل امكان زواج الملك منها حلما يراودها. وقد عملت ناهد رشاد على تسميم العلاقات بين فاروق وفريدة، بل وعلى نسف كل الجسور بينهما. وكانت هناك نساء كثيرات في حياة الملك من ابرزهن الممثلة المصرية اليهودية كاميليا واسمها الاصلي ليليان كوهين.

رأى فاروق كاميليا لأول مرة في «اوبرج الاهرام» فبعث بمستشاره كريم ثابت ليدعوها للقاء الملك، ولكن اين؟ في جناحه بقصر عابدين.

ثم قام «بوللي» ـ سكرتير فاروق للشؤون الخاصة ـ بترتيب رحلة غرامية بحرية للملك تكون بمنزلة شهر عسل يقضيه الملك في احضان كاميليا، وبالفعل اختفى فاروق شهرا عن الأنظار ليظهر في قبرص بصحبة الممثلة اليهودية التي نزلت في احد فنادق الجزيرة باسمها الأصلي في حين سجل فاروق اسمه في الفندق باسم مستعار هو فؤاد باشا المصري.


رحلة مأساوية
ولكن الرحلة التالية للملك المخطط لها مع كاميليا كانت رحلة مأساوية، كان فاروق قد تعاهد مع كاميليا على ان توافيه بالطائرة الى دوفيل في فرنسا، وقد نفذ فاروق وعده، ولكن كاميليا هي التي تخلفت، ولم يكن الأمر بيدها، بل بيد القدر، فقد تحطمت الطائرة التي كانت تقلها من مصر واحترقت واحترق كل من فيها ومنهم كاميليا! ومع كاميليا احترقت اسرار كثيرة بعضها سياسي، فقد كان يشاع في القاهرة ان كاميليا لم تكن مجرد امرأة فاتنة أُعجب بها الملك، بل كانت اداة في يد المخابرات الصهيونية الناشطة يومها لإنشاء دولة اسرائيل.

واندفع فاروق وراء ملذاته وقد ساعدته في ذلك أميرة من الأسرة المالكة اسمها شويكار، زوجة الملك فؤاد (والد فاروق) ومطلقته فيما بعد، طلقها فؤاد ليتزوج من نازلي، ولكن شويكار لم تنس لنازلي وبكل مكر وكيد وخبث ارادت ان تنتقم منها في ابنها فعملت على فساده بطرق مختلفة منها اقامة حفلات في قصر محمد علي في شبرا، تحت مسمى خيري هو حفلات «مبرة محمد علي»، وهي حفلات لم يكن فيها شيء من البّر، بل كانت شرا محضا، هذه الحفلات كانت سهرات صاخبة وليالي ماجنة تختار فيها شويكار لفاروق الفتيات الجميلات، بل الطاغيات الجمال والمثيرات من المصريات والايطاليات والتركيات واليونانيات.. فتيات اغراء واستعراض فني لهدف واحد هو اثارة نازلي وفريدة معا، وتقديم الفتيات للملك ليختار منهن من يشاء.

ومن أجل ابعاد فريدة ابعادا تاما عن هذه الحفلات اصدر فاروق امرا ملكيا منع بموجبه فريدة من حضورها.

وما لم تؤمِّنه الأميرة شويكار لفاروق امّنه له سكرتيره الشخصي بوللي وهو ايطالي كان يعمل كهربائيا في القصر ثم اختاره فاروق ليعمل سكرتيرا شخصيا له، وكان بوللي احد اعضاء «كتيبة الفساد» في القصر.

وصيفات فريدة كنّ يبلغنها اخبار الملك لا من اجل مصلحتها، بل لأجل اغاظتها وتحطيمها جسديا ونفسيا.


طلاق بائن
وجاء وقت اتخذت فيه فريدة قرارا بعدم الظهور مع الملك في اي مناسبة عامة او خاصة. قاطعت كل السهرات وصممت على عدم الخروج معه او الظهور في اي مناسبة حتى تلفت نظره الى سخطها على تصرفاته، لعله يرعوي او يرتدع. ولكن تيار الفساد كان اقوى منها ومن فاروق الذي قرر بدوره انهاء زواجه من فريدة. وقد حرص فاروق على ان يتزامن هذا الطلاق مع طلاق اخته فوزية من شاه ايران وذلك خوفا من ردة الفعل لدى الشعب المصري والعربي والاسلامي. وبالفعل تم هذا الطلاق يوم 19 نوفمبر سنة 1948. صدر بيان من الديوان الملكي اعلن طلاق فاروق من فريدة، وطلاق شاه ايران لفوزية طلاقا بائنا.

بعد طلاقها انتقلت فريدة الى منزل اهلها مصطحبة معها صغرى بناتها الاميرة فادية لحضانتها، واشترط فاروق ان تعود فادية اليه في حال زواج فريدة.

ولم تتزوج فريدة بعد فاروق، بل عاشت في اكثر من عاصمة عربية واجنبية بعد طلاقها، منها باريس وبيروت. في باريس تلتقي يوما بالرئيس المصري انور السادات فيدعوها للعودة الى مصر ويعدها بتلبية كل متطلباتها. عندما زارته في القاهرة بعد ذلك قالت له انها لا تطالب بعودة قصرها الذي صادرته الثورة اليها، وانما كل ما تطلبه هو ان تؤمن لها الحكومة المصرية شقة معقولة تطل على النيل. ويجيبها السادات بأن ما تطلبه امر متواضع وهو اقل ما يجب وسيحقق رغبتها حالا. وطلب السادات من زوجته جيهان التي كانت حاضرة ان تعمل على تلبية طلب ملكة مصر السابقة.

بعد ذلك اتصل مكتب الرئاسة بفريدة ودعاها لزيارة الشقة الموعودة، تزور فريدة الشقة وتوافق عليها، ولكن لتتلقى بعد ذلك مكالمة هاتفية من جيهان السادات تخبرها فيها بظهور عقبات واشكالات حالت دون تخصيص الشقة لها.

في سيرة فريدة صفحات حزينة ابعد حدود الحزن ومرة ابعد حدود المرارة.

عندما خلعت ثورة 23 يوليو فاروق عن عرش مصر، صحب معه الى المنفى الايطالي بناته الثلاثة من فريدة، وهن فريال وفوزية وفادية، كما صحب معه ولي عهده احمد فؤاد الذي رزق به من زوجته الثانية ناريمان. ويبدو ان فاروق استطاع ان يؤثر على بناته اللواتي عشن معه في المنفى، فأوغر صدور هؤلاء البنات على امهن، مستغلا بعد هذه الام عنهن.

وقد ظهر ذلك عندما قابلت فريدة بناتها فيما بعد في سويسرا، اذ احست بفتور اللقاء معهن. تابعت فريال وفوزية وفادية حياتهن في سويسرا الى جانب اخيهن احمد فؤاد، في حين عادت فريدة الى مصر حزينة مكسوفة دون ان تستطيع الايام ان تمحو من ذاكرة الأم هذا اللقاء.

وامضت الملكة فريدة سنوات ما بعد فاروق في ممارسة الرسم فأقامت عدة معارض لها الى ان لاقت وجه ربها في 17 اكتوبر 1988.