المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آخر كتاب لحسن العلوي ................العراق الأميركي



سلسبيل
08-05-2005, 09:58 AM
صدام حسين: الشيخ سعد هو الأخطر لأنه مرجع للإنكليز والشيخ صباح "عنده شوية عروبة"!

جريدة السياسة الكويتية

سقوط الدولة لحساب وطنية السلطة وسقوط سيادة التراب لحساب الإنسان وبقائه
أهم ما في العراق الاميركي انه جريء ويتحدى كل الموروثات القيمية والتعريفية وينجح في تبريرها, وبهذا الجهد يمكن القول ان كتاب حسن العلوي يعيد الكائن العراقي والعربي الى ماهية نفسه. وفي هذا السياق الجريء يصبح العربي في التعريف عروبياً ام وطنياً ام قومياً, ويصبح المذهبي في الضفتين الشيعية والسنية في حالة تخلصه من الالتباس حيث يتم التأكيد على ان المتمذهب خضع للاستخدامات السياسية, منذ نشأته, وليس ناتجاً من نواتج الاختلاف العقيدي, اي عقيدة الاسلام بحد ذاتها. والمهم الملفت ان حسن علوي يواجه العراقي بماهية نفسه لافتاً الى ان خصوصية المكونات البشرية العراقية لا تمنع وحدتها, مظهراً ان »الكردية« تؤشر الى سمة اجتماعية يحاول المواطن الكردي تبريرها, وليس الى اصل عرقي مقصود بحد ذاته, وكذلك الحال بالنسبة للسرياني والاشوري والتركماني.

»العراق الاميركي« في فحواه كتاب يصدم الراكدين على التعريفات الديموغرافية والجغرافية المتصلة بكيان العراق, اذ يثبت ان العراق كان كياناً مصنوعاً من تعاقب الأمم منذ الاشوريين الى الامويين والعباسيين, الى العثمانيين والانكليز الى ان انتهى الان الى الحقبة الاميركية التي اسهم العراقيون انفسهم بالتمهيد لها منذ ثورة العشرين, وقرروا ان العراق الانكليزي لم يكن هو المطلوب لهم, وباللجوء الى ادوات السياسة السلمية, والى ادوات الحرب في وقت واحد, وبهذا المعنى فان عراق حسن العلوي الاميركي هو عراق عراقي تمت ترسيته على ركائز واقعية جديدة لا يجب ان تبعث على الشعور بالهزيمة, لا عند العربي أو الكردي, الشيعي أو السني ذلك ان المكونات العرقية للبلد لم تعد تتداول ادوار الغلبة والهيمنة على بعضها البعض, ولم تعد تلجأ الى ثقافة التلفيق والمجاملة التي لم يعد لها وجود الآن.


»السياسة« تنشر كتاب »العراق الاميركي« باتفاق خاص مع صاحبه, والذي جاء في سياق حواري مباشر غير مألوف يقربه من لغة الاستماع ويبعده كثيراً عن استعلاء المتفلسف او المتثقف, او هواة التنظير, ويقول بصراحة ان منطقة الشرق الاوسط دخلت الزمن الاميركي كلها, وليس العراق لوحده, وان هذا الزمن هو آخر الازمنة ريثما تقوم حضارة جديدة وارثة اقوى بكثير من الحضارة الاميركية.

أشعر انك لم تتوقف عند شخصية مثلما توقفت عند الجلبي.
هو قريب احمد الجلبي, يتحدر عن عائلة وزارية شيعية في العراق الملكي وهو مثله يحمل لقب دكتور ومثله رجل اعمال ومثله منسجم مع السياسة الاميركية, وكل منهما في الابجدية ينتمي الى حرف واحد , فهذا اياد وهذا احمد.

اياد علاوي وجه طفولي, يضفي على مشاهديه شعورا بالطمأنينة والارتياح والثقة وكان هو كذلك طيلة تسلمه المسؤولية, فلم يعد كثيرا ولم يتحجج وكان متوازنا بين فعله وكلامه, وقد غلبه التواضع, فلا تشعر وانت معه بانك تتحدث مع رجل العراق الاول ورئيس الوزراء الذي يحمل مفاتيح قضاياه الاساسية.

لا يحب حضور الاجتماعات, فكان ينيب عنه دائما من يمثله ليس استنكافا بل ضجرا من المناقشات العقيمة. ولم يسجل عليه في تاريخه الحزبي مثلبة مشينة او فعلا او تصرفا انفعاليا ضد الاخرين وهذا يعود الى تربيته العائلية, وانحداره من طبقة برجوازية شبعانة ومالا وحالا ووسامة.
لكن السؤال الذي يدور هو عن اشخاص في الحكومة الكويتية يمتلكون قدرا معينا من المناورة بتحويل الكويت الى معسكر اميركي.

في السنوات التي كان الوضع الصحي للشيخ سعد العبدالله مريحا, كان القرار الاهم يصدر عن مكتبه باعتباره اكثر رجال العائلة اصرارا على معاقبة الاجتياحيين الذين اخترقوا حرمة الكويت يوم 2 اغسطس 1990 ومن وقف معهم من دول سميت دول الضد, وكان نائبه الشيخ صباح الاحمد يميل الى مواقف اكثر مرونة بحكم التأثيرات الديبلوماسية عليه كوزير عتيد للخارجية, لكن ذلك لا يعني ان الشيخ صباح المتساهل مع دول الضد سيكون متساهلا مع دولة الاجتياح ورئيسها وحزبها.
واذا كان الشيخ سعد رجلا على الطبيعة سريع التأثر بالمشاهد المزعجة, فان الشيخ صباح يمتلك سيكولوجية كاظمية (اي له قدرة على كظم الغيظ) وهذا جانب مطلوب في الشخصيات التي تحمل مشروعات خطيرة.

كان صدام حسين لا يحب الكويتيين شعبا وحكومة ومعارضة وعائلة, ولا يفضل واحدا منهم على اخر, لكنه كان يعتقد ان اخطر شيخ عليه هو سعد العبدالله, ويعتبره مرجع الانكليز, ويحسب لقدرته الامنية اكثر من حساب, وحين سألته عن الشيخ صباح قال: هذا عنده شوية عروبة. اخذها من الجامعة العربية.
وعندما كنت في الكويت استدعاني الشيخ سعد العبدالله, وكانت الحرب العراقية - الايرانية في ايامها الاولى فاستعرضت وجهة نظري في ان الحرب »اعتماداً على ما هو معروف من تاريخ الايرانيين ستطول« وأسررته بأني قد اختطف او أقتل غداً وأنا في وضع حرج فاذا قتلت فاعلم ايها الشيخ اني لم امت على دين صدام حسين, وانما اسعى لطمأنه الحكومة العراقية حتى يكتب الفرج وتصل عائلتي الى الكويت, عندها ستسمعني في احدى الاذاعات السرية متحدثاً عن مشروع صدام حسين لاحتلال الكويت, وهو ما فعلته حال وصولي الى دمشق.

فقال: استر على نفسك ايفجروننه تره بعض ذوي النفوس المريضة يفجرونه قنبلة هناك في الكويت بخمسين ديناراً وحثني على الاستعجال بحفظ حياتي.

فضائيات سنية في مواجهة الشيعة العرب
الإعلام ساحتك ومسبحتك تصول فيه وتجول لماذا لم يظهر في العراق إعلام علمي او اعلام يتأثر بالاعلام الاميركي لماذا لم تقم اميركا اعلاماً اميركياً في العراق?
طبيعي انك لا تقصد المحاولة المتواضعة المتمثلة بالشبكة العراقية او شبكة الاعلام العراقي وانما تريد ان تسأل عن فلسفة الاعلام وادائه وتجهيزاته ومؤسساته.

كتبت في جريدة المؤتمر قبل سقوط النظام بعام, مقالاً عن الاحزاب والاعلام في عراق المستقبل قلت فيه ان الطابع العام للاحزاب وللصحف والمؤسسات الاعلامية انها ستكون كثيرة جداً وصغيرة جداً بعد ان اخرجت من الاحزاب من الاحزاب التيارات التقليدية المتجذرة من القوميين والشيوعيين والاسلاميين ان الاعلام العراقي مرعوب ولم يعبر حتى الآن عن ارادته الديمقراطية الحرة, بسبب التهديد المباشر من الارهابيين ولان تجربتنا الليبرالية بالأساس تجربة ناشئة.
ولهذا فلم يستطع الاعلام العراقي ان يشكل قوة ضغط او قوة تعريف لمواجهة الارهابيين ولا ضير عندي ان اعتبر الاعلام العربي قد انتصر لاول مرة في العصر الحديث على الاعلام الاميركي.

كيف?
بإحصائية اوعزت لمكتبي اعدادها تبين لي ان هناك 700 ساعة بث تلفزيون يومياً, لاسناد منظمات الذبح, او تقديم التبرير لها, او ملاطفتها بايجاد تحوير لغوي ليصبح فيه الاعتداء على طلاب كلية الهندسة بقذيفة هاون هو هجوم, وهذه المفردة لمنح المهاجم حقاً لانه يهاجم معسكراً آخر وليس حرما جامعياً فيما المعسكر هو
صف دراسي, لابناء العراق الذين يشتركون في اعمار العراق في المستقبل لقطع دابر الكفاءات العراقية التي قد تساهم في اعمار البلاد, ومنهم المهندسون, وهم طلاب على مقاعد الدرس.

وتسمي الفضائيات العربية, ذبح صحافيين في قناة الراي بأنه- كما تقرأ امامك على شاشة العربية والجزيرة و»ال بي سي« اللبنانية- مفردة (مقتل صحافيين جنوب العراق) والقتل قد يكون في حادث سير, فيما هو في الواقع اكبر من القتل.. لانه الذبح.

فقد وجد رأس في الجانب الايمن على الطريق والجثة على الجانب الايسر.
في »700« ساعة بث, هناك تحريض على الولايات المتحدة الأميركية, وعلى الشيعة, وعلى السلطة ايا كانت, وتشهير شخصي ضد رئيس الوزراء, عبر صحف ممولة من الجوار العربي.
ما الذي يقابل هذه الحملة الشاملة الكاملة? ان الفضائيات العراقية اما ان يكون بعضها جزء من الاعلام العربي, لانها ممولة من ذات المصادر, او انها شبه بدائية وشبه عاجزة عن اداء وظيفتها, حتى تلك التي تدافع عن -حق الحياة للعراقيين وتدين الارهابيين بأسمائهم.

لكن ظهرت من ناحية اخرى فضائيات عراقية عن أحزاب وجماعات اسلامية.
مع تقديري للدوافع النبيلة وراء تأسيس هذه الفضائيا, لكنها لا تقوم بدور يذكر في الصراع الاعلامي, لاسيما ان هذه الفضائيات ذات طابع ديني وهو طابع شيعي ايضا, بقواعد وتقاليد الاعلام الاسلامي, وكان ممكنا ان يخصص بث مستقل من زمن الفضائية الطويل, لما هو اعلامي محض, مثلما تفعل الفضائيات العربية الفاعلة والمؤثرة.
لكن هناك فضائيات اخرى مثر سحر (1) وسحر (2) والمنار والعالم وهي وان لم تكن عراقية لكنها معروفة بتشيعها وتمويلها الايراني الواضح?

ما دمت تفترض ان تمويلها ايراني اوافقك فيما يتعلق بسحر (1) وسحر (2) فهي تخدم سياسة الممول, وما دام الممول ايرانيا فالايرانيون يعملون لحساب دولتهم وأمتهم وشعبهم وهم مخلصون ونزهاء وهم في معركة مع أميركا, ومصالحهم مهددة, بالاحتلال الاميركي للعراق, فلماذا تتوقع ان ينتصروا للعراق الأميركي, رغم انه شيعي, انهم يحاولون ان يدقوا اسفينا ما بين شيعة العراق والعراق الأميركي, حتى لو تحول هؤلاء الشيعة الى مطاردين, منزوعي الهوية, كما كانوا في عهد النظام السابق.

انها فضائيات ايرانية قبل ان تكون شيعية, الا ترون بعض الفضائيات المسيحية تدافع عن طالبان وعن الملا عمر والزرقاوي, فيما هي ليبرالية من المفترض ان تكون مفتوحة على العصر, وان يكون لها موقف ليبرالي واضح من التجربة المتخلفة للطالبان في

أفغانستان
هل تعتبر من واضعي اسس الاعلام العراقي المعارض?
الاصح ان نقول من الاعلاميين الذين واجهوا نظام صدام حسين منذ عام .1980
لكني اعرف ان الطابع العام آنذاك كان اسلاميا وانت تصر على اعلام ليبرالي?
عندما كنت اتهيا لمغادرة السلطة نهائيا بعد مغادرتي العراق الى الكويت كنت حسمت امري واضعا امامي شطرا من بيت لشاعر الصعاليك عروة بن الورد: اوزع جسمي في جسوم كثيرة.
ولم اخرج عن هذه القاعدة وانا اوزع جهدي الاعلامي على جميع صحف ومؤسسات الاعلام الذي يتسع لمعارضة صدام حسين فساهمت في اعمال تحرير وتطوير صحف معارضة اسلامية وديمقراطية وليبرالية مثل:

1 ¯ جريدة الغد الديمقراطي.
2 ¯ الجهاد الناطقة بلسان حزب الدعوة وكانت ايامها الذهبية مرتبطة بتلك الامسيات التي اقضيها مع الدكتور علي التميمي في سورية ونحن نصمم للجريدة عناوينها الرئيسية ومقالاتي الاساسية فيها وقد نشرت كتابي (قتلى في طور الانتظار) و(قتلى في طور التنفيذ) مسلسلا على احدى صفحاتها.
3 ¯ التيار الجديد التي اصدرها السياسي العراقي سعد صالح جبر, وزميله المرحوم صادق العطية وكنت اكتب في بعض اعدادها اكثر من عشرين عمودا وخبرا وتقريرا.

4 ¯ لواء الصدر التي يصدرها مكتب السيد محمد باقر الحكيم.
5 ¯ نداء الرافدين التي وضعنا مع الصديق بيان جبر لبناتها الاولى وقد اصبحت جريدة المعارضة بلا منافس.
6 ¯ تشرين السورية: نشرت فيها كتابي ديمقراطية الموت.
ثم انفتحت ابواب النشر بعد غزو الكويت في المناطق المحرمة سابقا على المعارضة العراقية. فنشرت على فصول في مجلة المجلة اللندنية كتابي العراق دولة المنظمة السرية.
وكتبت في السياسة الكويتية والرياض السعودية والراية القطرية ومجلة اليمامة السعودية ثم عمودا يوميا في جريدة الشرق الاوسط قبل ان استلم مهمة الاشراف على جريدة المؤتمر في لندن والتي اترك امر تقييمها للقراء.

ان القاسم المشترك للنشاط الاعلامي الموزع على ما يقرب من ثلاثين جريدة ومجلة كان يعتمد الطريقة الليبرالية التي اوصل فيها افكاري الى القراء وهي هذه التي تدون اجاباتي على اسئلتك فيها.
الليبرالية الطائفية
أنت تعرف أستاذ حسن أن لا مجال للمقاربة بين الليبرالية والطائفية..إننا نشهد اليوم اقتراباً قد لا يكون بالضرورة منهجيا بين الليبرالية والطائفية بصور ومظاهر مختلفة في المجتمع العراقي..هل تشاركني توصيفا كهذا?

الطائفية هي القانون الذي يحكم العراق والمنطقة منذ العهد العثماني, وهي التي جعلت من المحرم على العربي إذا كان شيعيا أن يكون وزيراً أو رئيسياً للوزراء أو سفيرا بنسبة تزيد على ال¯ 5 في المئة في الفترة ما بين عامي 1921 إلى ,2003 وهنا أدعوك إلى مراجعة جداول كتابنا (الشيعة والدولة القومية).

لكن بعض العمل الطائفي كان في باطن الأرض, فخرج إلى ظهر الأرض مستفيدا من الجو الجديد الذي وفره العراق الأميركي فاعتقد بعض الناس ان الطائفية دخلت العراق مع دخول قوات الجنرال فرانكس الطائفية في العراق أقدم نظام سياسي في المنطقة. وليس بامكان الاميركان ان يغيروا من اتجاهاتها بسهولة.

والطائفية ليست خطرا بل الخطر في التمييز الطائفي, الذي يوزع الامتيازات على فئة وحرمها على الأخرى. والتمييز الطائفي, يرتبط دائما بامتلاك قوة السلطة, ومن هنا فقد لا يجوز أن يسمى أبناء المذهب المحكوم من الشيعة بأنهم طائفيون, لكنهم في العراق الأميركي وقد أتيحت للشيعة فرص السيادة فقد يصلح أن يكون الشيعي طائفيا لأنه يمتلك السلطة وأدواتها وامتيازاتها. ولم يعد الشيعة مذهبا محكوما في العراق الأميركي. ولا أتمنى أن يصبح السنة هم أبناء المذهب المحكوم, بعد تلك المعاناة الطويلة للشيعة عندما كانون محكومين حتى في كمية الدم النازل من عيون الثكالي!!

إنني كإسلامي أشعر بخدش حين تتحدث عن الليبرالية في الإعلام بإعجاب واضح وانسجام?
الليبرالية ليست عقيدة أو أفكار, وإنما منهج يعترف بالآخر, فهي ليست كالماركسية ومشتقاتها بل حتى الماركسي يمكن ان يكون ليبراليا, وكنت ترى أن الحزب الشيوعي العراقي وكثيرا من الأحزاب العربية ذات منهج ليبرالي, وكان الإسلاميون في عصر النهضة, هم الذين وضعوا لنا أسس الليبرالية الحديثة, قبل ظهور الأحزاب الثورية, والأنظمة الشمولية, التي صادرت الآخرين.

وكان الكواكبي ليبراليا وجمال الدين الأفغاني زعيم الليبراليين, وكان محمد سعيد الحبوبي والشيخ النائيني وهم فقهاء كبار ليبراليين .
أما السيستاني فهو يختزن جميع هؤلاء الفقهاء , الذين تحدثوا عن الليبرالية, ولم يكونوا يمتلكون قدرا من السلطة والحكم, بينما السيستاني أثبت ليبرالية في الدعوة لمشاركة الجميع في الانتخابات, وفي صياغة الدستور, وفي إدارة الدولة.

يتحدث مشاهدو الفضائيات ذات الطابع الإسلامي الشيعي أنها أقرب إلى الحسينيات منها الى المؤسسات الاعلامية والثقافية?
كانت الحسينية مدرستنا الاولى. تعرفنا من خلالها على تاريخ مدرسة أهل البيت, وزودتنا بحس نقدي يتعامل مع التاريخ بمنهج غير مقدس, وقد اصدم القارئ إذا اشرت الى ان بعض كتابات في مثالب حدثت في التاريخ الاسلامي وانتبه اليها كتاب علمانيون في السنوات الاخيرة لم تكن تساوي أكثر من اسبوع من الأمسيات نقضيها في الحسينية للاستماع الى قارئ مطلع على التاريخ.

ان الشيخ الوائلي هو ابن الحسينية وابن المنبر فأية فضائية يمكن لها ان تنجب وائليا آخر? وتذكر كاظم نوح ومسلم الحلي وحميد المهاجر وهادي العلوي نفسه خرج من الحسينية, وأنا من هذه المدرسة.
إن الحسينية أدت دورا في تشكيل وعينا الأول وصورة وجدان نقي خالص يترسم نقاء الدم في بطاح كربلاء.

إنني يا أبا أكثم لم أكن سوى ناقل وجهة نظر لي تحفظات عليها لكنها وجهة نظر كثير من الاسلاميين على اداء تلك الفضائيات.

\ قل انها تشبه أي شيء, لكنها لن تشبه الحسينية. لأن الحسينية والمشرفين عليها كانوا يتحركون بالدور المخصص لهذا المكان, وهم يحاسبون على ما أنجزوه أو ما لم ينجزوه داخل هذه المساحة وإمكاناتها وتجهيزاتها يوم لم يكن هناك ما يكرفون.
إن الفضائية شيء آخر, وعليها ان تلتحق او تؤدي دورها التكنولوجي على الاقل.
الحسينية تقاس بمعيار الحسينية والفضائية تقاس بمعيار فضائي .

الفردي والديكتاتور
كيف ترى الفرق الجوهري بين الفردي والديكتاتور
إن الديكتاتور العربي , هو وطني وبطل قومي عند فريق, وهو عميل عند فريق آخر, سواء كان صدام حسين أم غيره.

أعتقد ان هذا الالتباس يعكس مسالك الديكتاتور الذي قد لا يكون عميلا لكنه ليس وطنيا وهذه مفارقة.
ان الزعيم الوطني يعمل لحساب وطنه وشعبه ناذرا حياته وجهده لهذا الهدف كما هو معروف, وان العميل يشقى لحساب غيره دولة ثانية أو جهة
اما الديكتاتور فانه يعمل لحسابه الشخصي ولتكريس سلطته وسطوته وقد يحتاج في مرحلة من مراحله الى اصدار قرارات واجراءات وربما الدخول في مواجهات مع الدول العظمى وتحالفات مع القوى الشعبية والاشتراكية لكسب مشاعر الناس ونيل ثقتهم.

انه يفعل كل ما يفعله البطل الوطني والقومي لكنه فعل مرضي فقد يرى الديكتاتور ان حماية سلطته واستمرار حكمه يرتبط برضا قوة خارجية حتى ولو كانت استعمارية فيسعى لخطب ودها ونيل ثقتها.
الحق انه عندما يتحالف مع القوى الوطنية فقد لايكون مقتنعا بمشروعها والا لسار معها الى النهاية وانه وبالقدر ذاته فقد لا يكون عميلا خالصا مع القوى الاجنبية ما دام مؤمنا ان التحالف مع هذا المعسكر أو ذاك سيعود بالفائدة عليه وعلى سلطته.
\ اطمح بمواصلة هذا التوصيف للديكتاتور قبل ان اعرض سؤالا اخر عليك.
بلغة تراثية اقول: ان الديكتاتور لا يرضى بالقليل ان سمعه ثقيل ولسانه طويل مقتحم غير متردد ونسيجه محبوك غير قابل للاختراق وهو دائما ضحية قراره فهو ان قرر لاينثني وقراراته تتصاعد بوتائر عالية انه لايعود الى نقاط البداية والمرحلة التي يغادرها تصبح رخوة امام المرحلة التي هو عليها انه لا يخدع نفسه ولعله مثال للانسجام مع الذات المنفصلة عن المحيط حيث الاتصال هنا يضعف فرديته ومن هنا يصدر عن الديكتاتور قرار بغلق الابواب.

هذه الصفات قد تكون اقرب لديكتاتورية صدام لكن صدام ليس وحده من تميز بهذه الخصائص ألم يكن السعيد ديكتاتورا يعمل بلا برلمان ألم يكن ياسين الهاشمي كذلك ألا يدخل عبدالسلام عارف بنفس هذا السياق?
حتى الان لا اعرف ماذا تريد
ما اريده بالتحديد هو احراجك او اخراجك من التناقض فأنت في هذا المقام دافعت عن قاسم مثلما جرى ذلك في محاضراتك وكتاب خاص عنه وكأنه لم يكن ديكتاتوريا او كأنك تتستر على دكتاتوريته التي كنت تتحدث عنها عندما كنت حزبيا يوما ما مثلما تتحدث عن ديكتاتورية صدام حسين .

التناقض الذي تعتقد انني وقعت فيه سبق لي ان فككته عن عبد الكريم قاسم, وانت اسلامي لا تميل كثيرا الى عبدالكريم قاسم, ولهذا لا اظن انك قرأت كتابي عنه, ولو كنت قرأته لوجدت فيه مقارنة تسبق كلامي هذا في 22 عاما عند اجريت مقارنة بين الديكتاتور والفردي, وهي مقارنة بين صدام وعبدالكريم قاسم.
والفردي قد لا يكون ديكتاتورا, وان كان لابد للديكتاتور ان يكون فرديا.
ان الفردي نرجسي بسيط يعتقد ان جميع الناس يحبونه, وهذا ما لا يعتقد به الديكتاتور الذي يشك في ولاء من هم حوله, ولهذا يفتك بالحاشية دائماً.
وان الفردي نسيج مهلهل قابل للاختراق من اي السواحل جئته, فيما الدكتاتور كما اسلفت نسيج واحد متماسك.

ان الفردي ربما يقدم وينثني ويقرر ويلغي القرار, وهو مطمئن النفس والبال ان ثناء الآخرين عليه يصدر من قلوبهم وانه سيستميل قلوب خصومه بالعفو, فيما الديكتاتور يرى في العفو في الخصوم فرصة لهم لترتيب اوضاعهم ومعاودة الكر عليه.
والديكتاتور رهين قصره إلا في سيناريوهات سينمائية معقدة ومفبركة, فيما يحاول الفردي ان يفهم الناس انه جزء منهم يحبهم كما يحبونه.
وقلت مرة عن صدام حسين ان الالف اغنية التي اعدت للثناء عليه لم تحرك نبضاً في قلبه ولم يخدع بها, فهو يعرف انها لم تصدر عن قناعة, ولهذا ترى الديكتاتور دائماً يضرب صانع الاناشيد وصانع مجده وان كان صادقاً.

اذا ما تذكرت مصطلح التخادم السياسي الذي استخدمته اول مرة في كتابي اسوار الطين, وهو جزء من نظرية العمل لنظام صدام حسين, فربما ستشكل انطباعاً اولياً او ربما تتراءى لك ملامح لهذا المشروع. كنت في ذلك الكتاب أجيب على سؤال فيما اذا كان صدام حسين عميلاً للمخابرات الاميركية وهي جملة قرأتها قبل أيام منقولة على لسان صهره المغدور حسين كامل يخاطب ابن عمه علي المجيد في آخر لحظات من حياته وهو يقول:»لا ينبغي ان تدافعوا عن صدام حسين لانه عميل اميركي«.
واذا كان حسين كامل قد صرح بهذا الاتهام فمن المتوقع ان يكون كثيرون قد وصفوا صدام حسين بالعميل الاميركي.

قلت في اسوار الطين: ان بامكان اتباع صدام حسين ان يشيروا الى الكثير من مواصفاته كزعيم وطني مثلما يمكن لفريق اخر ان يصفه بغير ذلك. معنى هذا ان شخصية صدام حسين قابلة لان تكون في هذا الموضع او ذاك. وقد يكون فيه كل ما في الزعيم الوطني من سمات. وقد يكون فيه كل ما في العميل من تلك السمات.

سلسبيل
08-06-2005, 06:56 PM
صدام غزا الكويت ولم يستدرج لها وكان يعتبرها جائزة مستحقة له مقابل تحجيمه للثورة الإيرانية

العراق الأميركي


صدام حسين العميل والوطني

\ هل تعتقد أن صدام حسين له وجهان أو عملتان او شخصيتان!
/ دعني اكمل استطرادي وان وافقتك ان تقيم الشخصيات المهمة قابل للقراءة المتعددة, اما انا شخصياً وعلى حدود معرفتي به التي تمتد الى اربعين عاما اكثر من نصفها قضيتها متابعا لنشاطاته السياسية بعين المعارض, فأرى ان شخصية صدام حسين لا تصلح ان تطوع لشخصية العميل لكنها بالتأكيد ليست شخصية الزعيم الوطني, انه اقرب الى ياسين الهاشمي وليس لعبدالكريم قاسم الوطني القح ولا لنوري السعيد الذي ما زلت اؤكد انه لم يكن يعمل لا لصالح العراق ولا لصالح نفسه بقدر ما كان مخلصاً ومجاهداً في السياسة البريطانية وما زلت اعرض استعدادي لمناظرات علنية مع اي فريق سياسي وعلى اي مستوى لتأكيد قناعتي هذه لم يكن ياسين الهاشمي يعمل لصالح بريطانيا لان شخصيته لم تكن طيعة, وهو غير سهل التدجين وكأن اقرب الى الجانب الوطني لكنه ليس كشخصية جعفر ابو التمن الواحدة غير القابلة للتجزئة. فقد كشفت وثائق بريطانية عن اسرار لقاءات خاصة للهاشمي مع مسؤولي العراق البريطاني عرض فيها استعداده للسير في مشروعهم لكنه سرعان ما يعود الى نفسه ونفسه تواقة لان يكون بطلا. وحتى يكون كذلك فالبطولة المرجوة لا تصنع مع المس بيل وبريس كوكس وولسن وانما مع الناس.

وصدام حسين كذلك لكنه اكثر مهارة من ياسين الهاشمي في الحرص على اوراق اللعبة.
انه يعمل بما اسميته بنظرية التخادم السياسي, وهو يعتقد ان بالامكان تبادل الخدمات بما يشبه المقايضة بين طرفين سياسيين او دولتين انه مستعد وقد فعل ذلك. ان يبدو رجل السوفيات في الشرق الاوسط ويكون اول دولة عربية تعترف بالمانيا الشرقية ويقيم تحالفا مع الحزب الشيوعي العراقي ويعقد معاهدة خطيرة مع السوفيات.

بعد ان يكون قد اعاد الشيوعيين المفصولين الى وظائفهم واشراك الحزب الشيوعي لاول مرة في حكومة عراقية وهو ما لم يتحقق لهم رسمياً حتى في سلطة عبدالكريم قاسم.

\ فهل كان صدام حسين كريماً الى هذا الحد مع الشيوعيين والسوفيات وهل هو من هؤلاء الذين يمكن ان يعطوا كل شيء لوجه الله دون مقابل?

/ إن الناس ربما يعرفون هذا الوجه الذي اغرى الحزب الشيوعي واغرى السوفيات واليسار العربي لكني اشك واشك انهم لا يعرفون الجانب الاخر من الالتزامات السوفياتية تجاهه, كلجم اي معارضة له وتمكين حكمه والاعتراف بقيادة البعث للمجتمع والسلطة وتشكيل سور سوفياتي حول العالم لحماية سلطته وهو ما التزم به الاتحاد السوفياتي حتى ساعة تفكيكه.


هذا هو التخادم السياسي
بدأ مع السوفيات وكنت ألمسه فقرة فقرة اثناء وجودي في الحزب وكنت معجباً بهذا النمط وربما يعجب آخرين لما فيه من ندية وبراعة وقدرة على تعريف العمل السياسي وبهذا الفهم كنت اراقب نمو العلاقات العراقية الاميركية بعد

خروجي الى المنفى. وقد تيسر لي الكثير مما يمكن أن أمنحه الى نظرية التخادم السياسي.
كنت واحداً ممن يفضلهم صدام حسين في المحادثة الثنائية, مما لا يتاح لاعضاء في القيادتين القطرية والقومية حتى بدأ عدنان الحمداني عضو القيادة القطرية- المقرب من صدام حسين يسألني بما يثير استغرابي.

وحيث كنا - صدام حسين وأنا والمصور محمد علي حسن- على الحدود العراقية- الايرانية في الاسبوع الذي وصل فيه الإمام الخميني الى طهران في رحلة اسطورية وقد نزل من الطائرة وكأنه يهبط من السماء. فأثار اعجاب صحافيي العالم وصانعي القرار واثار حفيظة الشعراء حتى اني وجدت بعد دخولي السعودية للمرة الأولى في اعقاب غزو الكويت اربعة شعراء من الوهابيين المتعصبين ولكل واحد منهم قصيدة عصماء يصف الإمام الخميني بانه إمام.


في تلك الرحلة سأل صدام حسين القائد العسكري للمنطقة عن اي مكان هش في هذه الحدود يمكن الدخول منه الى ايران? فارتجفت أرنبتا انفي ونزل الدم في اذني وأنا أردد مع نفسي:
لعله سيفعلها ويدخل في حرب ضد ايران? مما دفعني الى التلميح لهذه التصور فسألته عن الثورة الايرانية والموقف منها. كان جوابه ملتبساً غير واضح فسألته بسذاجة متناهية:
هل نحن جئنا هنا لكي يرى الاخرون هذه الشعبية التي تستقبل فيها?
فامتعض صدام وقال: لسنا في سباق مع الآخرين لعرض عضلاتنا, ولكل واحد منا شعبه وخصائصه لكنه لم يذكر الثورة الايرانية بخيراً!

اريد ان اقول ان الاميركان لم يكلفوا صدام حسين بشن الحرب على ايران. لان اميركا في ذلك الوقت الذي يسأل فيه صدام عن منفذ لدخول اي قوات عراقية لايران كانوا في زمن المراقبة والانتظار ولم يكونوا حتى الى جنب حليفهم التاريخي بهلوي الضائع على ظهر سفينة ولا يدري اين يتجه لولا حمية الرئيس السادات.

كان في ذهن صدام حسين والعراق مدجج بالسلاح السوفياتي والجيش الايراني الامبراطوري وقادته اما مهزومون او تحت احذية الثوار, ان يقوم بضربة شبيهة بالضربة الاسرائيلية لمصر 1967 ولم يضع في حسابه على الاطلاق اكثر من اسبوع لانتهاء الحرب. والدليل ان صدام حسين بعد الاسبوع الاول للحرب اعلن في التلفزيون العراقي ان الحرب انتهت وعلى ايران قبول شروطنا. ثم يفرض شروطه ويصبح شاهنشاه العرب بعد زوال امبراطورية اريامهر الايراني, وقد يطلب آنذاك ثمن انتصار ممن تتعارض مصالهم الوطنية والأمنية مع الثورة الايرانية. سواء كانت الولايات المتحدة الأميركية ام دولا عربية او خليجية.


ان المدة ما بين تلك الرحلة على الحدود الايرانية وشن الحرب استغرقت سنة وثلاثة اشهر, أعد نفسه فيها لازاحة الرئيس احمد حسن البكر والانفراد بزعامة الحزب والسلطة ولابد ان اموراً حدثت
وقد كشفت الثورة الايرانية عن ستراتيجيتها في المنطقة, وكان ذلك خطأ قاتلا حيث اعلنت انها ستسقط العروش وتحرر الخليج وتصدر ثورتها لاقامة دولة السلامية على غرارها وقد حدث كل ذلك بعد تلك الرحلة التي اشرت اليها والتي اشهد ان صدام حسين اتخذ قرارا مع نفسه بشن الحرب على ايران بسنة وثلاثة اشهر واغلب الظن ان صدام حسين كان يريد ان يباغت العرب بالنصر السريع المؤكد مما يعني انه لم يكن قد تشاور معهم بقرار شن الحرب وهذه من مزايا المغامرين!!


أعود الى سؤالي الاول عن علاقة ذلك كله بمشروع العراق الأميركي?
ان الحرب العراقية ¯ الايرانية اوجدت ظروفا لم تكن تدخل في التدرج التاريخي لتطور الاحداث والوقائع في حرب درامية ضخمة وكان التقادم فيها يخلق علاقات جديدة وتحالفات غير متوقعة ومن هنا دخلت الولايات المتحدة فبدأت ترسل ضباط السي.اي.ايه للعراق لتقديم الخدمات الفنية والايعاز لزعماء الخليج بتغطية النفقات المالية للحرب.


اتذكر ان امير قطر السابق والد الامير الحالي قد سرني ان السفير الاميركي في الدوحة طلب الالتقاء به على وجه السرعة, وعرض عليه رسالة اميركية تطلب دعما ماليا عاجلا بكذا مليون خلال ثلاثة ايام لدعم صدام حسين بمواصلة الحرب وقد استجبنا للطلب برضا وغير رضا.


وهنا يمكن ان تفتح امامنا ابواب التخادم السياسي الذي لابد ان يكون صدام حسين قد اخذ به من الطرف الاميركي الذي يحتاج في هذه الحرب بديلا للطرف السوفياتي الذي كان النظام العراقي في سباق مع سورية واليسار العربي للانفراد بالخطوة الاولى معه. وكان تبادل العراق والاتحاد السوفياتي فقرات التخادم السياسي بامانة ودقة وخلال عقد السبعينات وفي الثمانينات بدأ عقد التخادم السياسي مع الولايات المتحدة الاميركية.


واذا واصلنا السير في مدارج التخادم السياسي فسنكون وجها لوجه امام حقائق ولا اقول اسرار ¯ هذه المفردة التي امقتها وافقت من يستخدمها عن بدايات نشوء العراق الاميركي.
ان الولايات المتحدة الاميركية تقدم الرغيف للعراقيين بمعونة سنوية من القمح المجاني وتقدم المعلومات الاستخبارية للعراق في الحرب, وتضع القدرات المالية للنفط العربي تحت تصرف صدام بحيث كان العراقيون ومازالوا يتغنون بايام الرفاه في الحرب العراقية ¯ الايرانية حتى نسوا شهداءهم وكأن الولايات المتحدة الاميركية في هذا السياق ظهرت وكأنها هي التي تقدم خدماتها للعراق ولصدام حسين وليس العكس.

وهنا أسال كما سألت عن التخادم السياسي مع السوفيات عن الالتزامات التي على العراق ان يؤديها مقابل هذه الخدمات الاميركية الكبرى والخطيرة والتي كان منها مثلا توفير سياج إعلامي آمن لصدام حسين من أي انتقادات صحافية ليس في أميركا بل في الصحف الأوروبية الغربية أيضا, وأن لا تقدم الولايات المتحدة أية تسهيلات لمعارضي النظام وأن تبرر-إن أمكن-بعض الموبقات الواضحة في السياسة العراقية, وقد فعل الأميركان ذلك في حملة الابادة الحكومية ضد أكراد حلبجة. وسأدون شهادتي هنا لتأكيد التزام الجانب الأميركي والأوروبي بعقد التخادم السياسي حتى الشهور الأولى لتوقف الحرب العراقية الايرانية وإعدام الصحافي الإيراني بازوفت, وقد كنت أشارك الصحافية الباحثة الأوروبية البريطانية السيدة هيلغا كراهام في كتابة أبحاث عن الشأن العراقي, وكان حسين حامد قاسم يترجمه لي ولها عندما هزتنا حادثة إعدام بازوفت المحرر في نفس الجريدة, وبدأنا بحملة صحافية ضد صدام حسين تدخلت رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك السيدة مارغريت تاتشر بعدة طرق, لايقاف هذه الحملة من أجل المصالح البريطانية كما فهمت إذا لوحت بأهمية عدم ازعاج الرئيس العراقي. وكنت ساعتها أشارك في برنامج قدمه ريتشارد كلاس (ريتشارد كلاس صحافي أميركي معروف اختطف في مطار بيروت مع صديقه نجل وزير الدفاع اللبناني آنذاك السيد علي عسيران وأطلق سراحه فاكتسب شهرة عالية أهلته لتقديم برنامج في التلفزيون البريطاني) للتلفزيون البريطاني عن العراق, فأوقفت العمل في هذا البرنامج وقلت له, اننا لسنا أدوات تستخدم في المصالح البريطانية متى شئتم, واتصلت بالمحامي لإرسال إنذار إذا ما بث هذا اللقاء.

أنت تقول دائما أن صدام حسين يجري اختبارات مبكرة لمعرفة ردود أفعال الحليف أو الخصم, هل أجرى مثل هذه الاختبارات لمعرفة التزام الولايات المتحدة وأوروبا بعقد التخادم حتى يطمئن على حاضره ومستقبله?
بالتأكيد..أنا أضع حادثة قصف الطائرات العراقية للباخرة الأميركية »ستارك« في هذا السياق ولم يكن القصف ناجما عن خطأ. فبلعت أميركا غضبتها وأطمئن صدام إلى ان عقد التخادم مازال ساري المفعول. ولعله في إعدام بازوفت كان يجري اختبارا مماثلا.
وعندي أن اعدام بازوفت هي الخطوة الأولى لاجتياح الكويت. إذا لم يسبق لنظام في العالم يتحالف مع بريطانيا أو يخاصمها بإعدام انسان محسوب عليها شكلاً أو مضموناً. دون أن ينتظر منها رد فعل.
إن إعدام بازوفت كان البيان الأول لغزو الكويت.


وفي لقاء سفيرة أميركا غلاسبي مع صدام حسين الذي سبق غزو الكويت كان صدام وحتى السفيرة الأميركية يتصرفان وكأن عقد التخادم بعد توقف الحرب العراقية-الايرانية مازال ساري المفعول. مما دفعها لمهاجمة صحف أميركية حاولت ان تغمز من قناة صدام حسين وسياسته, ولم يسبق في الاعراف الديبلوماسية في الدول الديمقراطية ان سفيرة تسمي صحيفة وتهاجمها دفاعا عن مصالح نظام آخر حتى لو كان البيت الابيض, لأن ذلك يدخل في اساس كيان الدولة الديمقراطية المتعلق بحرية الصحافة.
فإذا التفت الى مياه الخليج وقد تلألأت بأضواء حاملات الطائرات الاميركية, وبواخر الاساطيل الأميركية, لاسناد الرئيس العراقي في حربه ضد ايران سيكون واضحا للسذج من الناس أن العراق الاميركي بدأ يتلألأ بأضواء البوارج وان الحرب العراقية - الايرانية وعقد التخادم السياسي كانت بداية نشوء العراق الاميركي دون ان ابخس حق سياسيين عراقيين في المعارضة أبلوا البلاء الاسطوري لاصدار قانون تحرير العراق وفتح جسور مع الكونغرس والخارجية والبنتاغون, أمثال احمد الجلبي واياد علاوي والشريف علي بن الحسين وجلال الطالباني ومسعود البارزاني , ثم الاسلاميين الشيعة فيما بعد ولحق بهم ركب من الشخصيات السنية.

وكما دخل صدام حسين ايران بمشروع مرسوم في مخيلته ودون التشاور مع احد , دخل الكويت ولم يستدرج لها كما قيل لانه رجل عصبي على الاستدراج, وانما اندفع لاجتياح الكويت مدعوما باعتقاده الراسخ ان تلك البوارج سوف لا تتحرك ضده, بعد ان انجز المهمة الستراتيجية الكبرى في المنطقة, بتحجيم الثورة الايرانية ومحاصرتها بجدار عازل يحمي المصالح الغربية ودول النفط العربي من الخطر الثوري الايراني.

وكان يعتبر الكويت جزء مما يجب ان تقدمه الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج من التزامات داخل عقد التخادم السياسي , بعد ان انجز تلك المهمة الستراتيجية.
وهنا قد اشفق على صاحبي ولو كان قارئا للتاريخ, لاحترس من الوقوع في ما وقع به آخرون مروا بتجارب مماثلة.
بودي ان لا أقاطعك ونتركك تسيل على الاحداث والمناسبات والوقائع بهذه القراءات الجديدة وغير المسموعة فهل تريد ان تقول من عبارتك الاخيرة انك لو كنت الى جانب صاحبك القديم فماذا كنت ستقرأ عليه من تلك التجارب والاحداث?

هذا سؤال افتراضي للغاية. فصدام حسين بعد ان اصبح رئيسا كما فهمنا من المقربين إليه فيما بعد انه لم يعد طويل البال, مسترخيا للاستماع الى احاديث المتحدثين معه وبالتالي فان احتمال ان يكون احد المقربين اليه سيقدم مشورة لم يقرأها صدام حسين امرا صعبا ولكني سأقدم الان لك وللناس وجهة نظر لا اعرف مدى دقتها ولتكن توصيفا لمشتركات في تجربتين بينهما نصف قرن من الزمن وألوف الكيلو مترات.

تحضرني وانا اراجع يوميات تجربة الحزب في العراق ابتداء من عام 1963 في حركة فبراير ان تجربة موسوليني في ايطاليا تتكرر في العراق ثم تصل الى نهاياتها المشتركة كان بينتو موسوليني صحافيا اشتراكيا لكنه ترك الاشتراكيين وبدأ بتأسيس حزب خاص به جعل شعاره حزمة من العصى فوقها فاس وهو شعار الدولة الرومانية واظن ان فاشي هي من فاسي وهي قريبة من الفأس وان كان هنالك مجال لتفسير لغوي اخر تصبح فيه كلمة فاسي هي مجموعة العصي واختار لتنفيذ مشروعه اشخاصا يسمونهم ذوي القمصان السود وهم من المتعطلين والبلطجية والقساة واصحاب السوابق القادرين على ذبح البشر باسهل من ذبح الدجاج.

ورفع شعار ان الدولة والحزب فوق الفرد وبدأ ذوو القمصان السود بمطاردة اعضاء الحزب الشيوعي والاشتراكيين بشكل عام واعلن نفسه زعيما وحيدا يستعيد امجاد الدولة الرومانية كانت الى جانبه في اوروبا الوسطى انظمة ديكتاتورية وشبه ديكتاتورية تستولي على النمسا وهنغاريا واسبانيا والبرتغال اما الدول الديمقرطية مثل اميركا ودول اوروبا الغربية والاسكندنافية فقد تركوا موسوليني ومشروعه الفاشي وكأن الامر لا يعنيهم والسبب ان موسوليني وديكتاتوريات اوروبا الوسطى شكلا جدارا عازلا للاتحاد السوفياتي انذاك وهذا بحد ذاته مكسب كبير في الستراتيجية الاميركية والغربية فلم يطرح الاميركان والغربيون مشروعا ديمقراطيا لاعرق شعب في اوروبا حتى اذا بدأت الحرب العالمية الثانية وقضت الضرورات العسكرية بتحالف الاتحاد السوفياتي مع الحلفاء ضد النازيين والفاشيين الذين ساندوا المانيا الهتلرية صار موسوليني هدفا للديمقراطيات الاوروبية فانتعشت القوى الاشتراكية ومنها الشيوعيون في ايطاليا بعد نجاحات الحلفاء في الحرب واكتسحت الجماهير الجديدة الحزب الفاشي واتباعه وطاردت موسيليني الهارب مع عشيقته على الحدود فأمسكوا بهما واعدما وعلقت جثتاهما في الهواء بالمقلوب.
كما اتمنى لو ان اي عراقي او عربي قد وضع هذا المقطع السريع عن تاريخ ايطاليا امامه وهو شاهد حركة 8 فبراير والحرس القومي يطاردون الشيوعيين الاشتراكيين بلا قمصان سود ويقتلون عبدالكريم قاسم ورجاله ويشكلون جدارا يمكن ان يؤدي ذات الوظيفة التي كان الجدار الشاهنشاهي يؤديها لعزل الاتحاد السوفياتي وحماية منبع النفط العربي. واميركا ان لم تؤيد فهي راضية في اعماقها.

الأميركان يخذلون الملوك
انتخابات كانون الثاني العراقية 2005 اخرجت الأساسي وأسست بعض القوى الهامشية. وقد اصاب ذلك الحركة الملكية الدستورية التي تسعى لاعادة النظام الملكي القريب من ليبراليته الى ليبرالية النموذج الذي تسعى الولايات المتحدة الاميركية الى تكريسه في العراق?

الانتخابات, وهي اجمل نصر للديمقراطية, تعتمد على الهيئة الكمية وليس على الهيئة النوعية ومن يحصل على أوراق أكثر في صندوق الاقتراع سيفز, سواء كان عالم ذرة ام راعي ضأن ولأن الانتخابات العراقية جرت على أساس القوائم وليس الترشيح الفردي فقط خسرت اسماء مكافحة واخرى بارزة واخرى تتحلى بمنظومة قيم ليبرالية وهكذا غاب زعيم الحركة الليبرالية في المعارضة العراقية سعد صالح جبر وزعيم الحركة الدستورية الملكية الشريف علي بن الحسين وأهم المفكرين الليبراليين أمثال كنعان مكية وغسان العطية.

وكان صادماً لي شخصياً ان لا تمثل الحركة الملكية بمقعد نيابي في عراق ليبرالي او على الاقل في عراق يسير نحو الليبرالية.
كيف حدث هذا الاخفاق, وأين هم الملكيون, ولماذا لم يدعم الاميركان حلفاءهم التاريخيين?
إنها مؤشرات مزعجة لكنها دلالة على النزاهة في الانتخابات, وكونها لم تكن انتخابات على الطريقة العراقية في العهد الملكي.

اعتقد ان أكبر نكسة منيت بها الحركة الملكية ليست في انقلاب 14 تموز 1958 على فداحة هذه النكسة, وانما في كانون ثاني ,2005 معنى هذا ان على الشريف علي بن الحسين ان يواجه نفسه ويستذكر شهوره العشرين الماضية وطريقة تحالفاته, وعلى من اعتمد, ولماذا خلت الحركة الملكية الدستورية من جميع الملكيين العراقيين الذين عملوا مع الأمير عبدالإله وفيصل الثاني.

لقد كانت الحركة الملكية تفتقر الى شخصيات ملكية, لم يوفق الشريف في التفاهم معها, مع الاعتراف بأن بعض أبناء العوائل الملكية فضلوا ان يعملوا لانفسهم في تجمعات واحزاب وهو ما حدث لعائلة علاوي الملكية وعائلة الجلبي الملكية وعائلة صالح جبر الملكية وسواها.