المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سامي المنيس... «يا بعد حيي شمري»



زهير
07-16-2005, 11:21 AM
كتب فرحان سالم

يغمض النائب الراحل سامي المنيس عينيه على صورة الكويت التي لا تفارق صحوه ومنامه، ويخيط من ثقوب الوطن عباءة عشق سرمدي كانت كفنه حين تلحف بثرى الكويت، ويكظم المنيس انفعالاته حيث تنهش نار الخلافات اطراف ثوبه، اذ اعتاد على اطفاء كل نار تقترب من ثوب الوطن، فعلى مدى العقود الاربعة الماضية التي قضاها في رحاب السياسة والبرلمان والصحافة كان محط احترام خصومه قبل اصدقائه.

اعتلى المنيس منابر عدة، فقبل ان يخوض منبر الحياة البرلمانية كان في منبر الانسانية حيث عمل في الجانب الصحي وكان مسؤولا في المستوصف القبلي، وفي عام 1965 انخرط في منبر الكلمة وحصل على امتياز صحيفة الطليعة التي ترأس تحريرها حتى العام 1985، ولم يهمل المنبر الاجتماعي فكان أحد مؤسسي نادي الاستقلال الثقافي والاجتماعي وترأس ادارته لاكثر من دورة، ومن منبر الرياضة ساهم المنيس في تأسيس نادي الجزيرة في عام 1952، وانتخب عضوا في مجلس ادارته في عام 1961 بعدما اصبح يعرف بالقادسية.

الدكتور أحمد نجل الراحل سامي المنيس يقلب في صفحات والده الملأى بالفخر والزهو، ويتحدث عن تحدر عائلته: تنتمي عائلة المنيس الى قبيلة شمر العريقة،وتحديدا من فخذ عبدا من اليحيى من الفضيل،وقد نزحنا من نجد من السدير من منطقة الروضة، ولقب المنيس اطلق على احد اجدادنا من آل الدويرج».

أين تلقى الراحل تعليمه؟
- في البدء التحق بالمدارس الكويتية، ودرس المرحلة الابتدائية والمتوسطة ولم يكمل تعليمه، وان كان حصل على دورات عدة في مجالات متنوعة، فوالدي تكفل برعاية عائلته وانخرط في مجال العمل بعد وفاة والده في لبنان في عام 1937، اذ كان يعمل بالتجارة ويتنقل بين البلدان، وتوفاه الله في بيروت.

أين عمل الراحل؟
- في عام 1946 وكان عمر والدي وقتذاك 14 عاما عمل في شركة نفط الكويت حين انشائها، وكان مشرفا على العمال، وفي عام 1952 ذهب الى الهند ليدرس اللغة العربية، ومكث هناك اشهرا عدة، وتاليا عاد الى الكويت ليعمل في وزارة الصحة بعدما اخذ دورات في علوم الصيدلة، وعمل في المستوصف القبلي، ويبدو ان عمله في القطاع الصحي دفعه الى انشاء صيدلة وكان ذلك في عام 1962، وهو أول كويتي حصل على وكالة حليب سيماليك، ولزقة الفكس الحارة.

حين بلوغة الواحد والثلاثين عاما، انخرط الراحل في العمل السياسي؟
- اهتم والدي بالشأن السياسي من خلال التجارب التي عاصرها في فترة الخمسينات، وخصوصا اثناء سفراته الى مصر، فتشرب النزعة القومية وتزامن ذلك مع ثورة الضباط الاحرار في مصر، وحركات التحرر في الوطن العربي ضد الاحتلال والصهيونية، مما ساعد في تكوينه القومي، وتأثر بالموجه التي هيمنت على العالم العربي، فضلا عن الخصوصية التي تتمتع بها الكويت فقد كانت اكثر انفتاحا وتنويرا مقارنة بالدول المحيطة، مما دفع والدي الى الانخراط في المعترك السياسي، كما ان والدي ارتبط بالمفكرين والمثقفين العرب الذين عاشوا في الكويت وقدموا اليها هربا من بلدانهم التي قامت باضطهادهم.

ولم يكن الاضطهاد داخليا فحسب، وانما هناك مفكرون هربوا من نير الاستعمار انذاك، والكويت احتضنت مثل هؤلاء، وهم من اسسوا اتحاد القوميين العرب، والمنظمات الاخرى التي اصبح لها وجود على مستوى اقليمي ودولي، وعلى سبيل المثال فان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات انطلقت ثورته من الكويت، وعموما نحن احتضنا اكبر جالية فلسطينية بعد احداث 1948 لان الكويت قدمت فرص العمل وتسهيلات اخرى كثيرة لاستيعاب الفلسطينيين لدرجة ان الحركات النضالية سواء المظاهرات او المنتديات الثقافية كانت تنطلق من الكويت، ولا ريب ان الجو العام المحيط حينذاك اثر في الراحل سامي المنيس واصدقائه من السياسيين، امثال جاسم القطامي والدكتور احمد الخطيب وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي وغيرهم، في تبني النظرة القومية والتحرر من الاستعمار والاضطهاد.

من وجهة نظرك ما العوامل التي كانت وراء تشكيل فكر الراحل؟
- هناك ثلاثة عناصر شكلت تفكيره رحمه الله وهي سفراته المتكررة إلى القاهرة وتأثره بالساحة السياسية في مصر، وطبيعة الوضع الداخلي في الكويت، ناهيك عن استعداده وتبنيه لفكرة الخوض في المعترك السياسي سعيا للتطوير وبناء البلد، وحبه للكويت التي يرغب ان تكون في الصدارة من ناحية النهضة الفكرية والسياسية والديموقراطية والصحافية.

هل انضم الى تجمع معين قبل ان يصبح نائبا؟
- كانت هناك تكتلات تمثلها بعض المجالات التي تصدر في مطلع الخمسينات، وكان الراحل احد العناصر الرئيسية التي وقفت وراء اصدار مثل هذه المطبوعات.

الراحل كان شاهدا على المجالس التي حلت؟
- والدي رحمه الله عاصر المجالس النيابية التالية مجلس 63، 67، و71 و75 و86 و99، ومن ضمن الملاحظات انه كان نائبا في المجالس التي حلت، وربما انها مصادفة ومع ذلك كان له دور في حل مجلس 86 على خلفية استجواب وزير المالية آنذاك، ووزير آخر من الاسرة الحاكمة، وعموما العمل النيابي جماعي ولا يتعلق بشخص واحد، ولكن القوى الوطنية في المجلس لعبت دورا كبيرا في الحل وكان والدي من ضمن هذه القوى.

المنيس رحمه الله لم يصل الى مجلس 81 و96، هل تصف حالته النفسية حين اخفق في الوصول الى البرلمان؟
- كان يردد دائما ان الديموقراطية هي التي تحكم، وهذه ارادة الشعب الكويتي اذا لم تتشوه الارادة، ولم تدخل عليها عناصر تأثير غير مشروعة، وكان لا يزعل حين لا يوفق، وفي انتخابات 1992 لم يصل الى قبة البرلمان، ومع ذلك لم ينزعج، وقابل الحزن الذي ساد مقره الانتخابي بعد اعلان النتائج بالابتسامه، فهو يؤمن بالعمل الديموقراطي روحا وفعلا، وليس من منطلقات نظرية.

حين تنحى رفيقا دربه الدكتور أحمد الخطيب وجاسم القطامي هل راوده شعور بالاحباط او,,,؟
- الخطيب ترجل من البرلمان، ومع ذلك احتفظ بمكانته السياسية، وظل المرجعية التي تقصدها القوى الوطنية التي تسعى الى الاصلاح، وكان والدي يجتمع مع الخطيب للتنسيق بعد تنحيه عن المجلس، والامر نفسه ينسحب على العم جاسم القطامي، فوالدي كان يتشاور معه بشكل دائم، وحتى هذه اللحظة هناك تشاور من قبل القوى الوطنية مع الرموز السياسية من خلال المنبر الديموقراطي.

الراحل كان امينا عاما للمنبر، هل حدثتنا عن هذه المرحلة؟
- المنبر تأسس في عام 1992، واعلن في العام 1994، ووالدي كان امينا عاما للمنبر الديموقراطي الى حين وافاه الاجل.

المنبر لم يعد قادرا على احتواء اعضائه، الى اي مدى تتفق مع هذه العبارة؟
- ربما انه بعد تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي تنامى الشعور بالاحباط من الاحتلال واسبابه، مما وحد صفوف القوى الوطنية التي كانت تسعى الى اقتناص الفرصة التي اتيحت لها لاعادة بناء الكويت على أسس سليمة، مبنية على الديموقراطية وحرية الرأي، والحماسة والزخم الوطني وحدا القوى الوطنية تحت مظلة المنبر الديموقراطي، وغالبية رموز المنبر كان لهم دور فاعل اثناء الغزو العراقي سواء داخل الكويت او خارجها، ومن بين الصامدين وادوا دورهم الوطني النائب السابق عبدالله النيباري والمحامي عماد السيف الذي كان وقتذاك طالبا، وان لم يعد منتميا الان الى المنبر.

ولكن بعض عناصر المنبر يحملون اجندة سياسية لا تعبر عن فكر التكتل,,,؟
- بالفعل، بعض عناصر القوى الوطنية، لديهم اجندة سواء كانت انتخابية او سياسية، تختلف عن التصور العام، للتوجه السياسي والفكري للمنبر، وعندما حدث نوع من الخلاف، بحكم ان المنبر تنظيم سياسي يطرح مرشحيه على الدوائر الانتخابية بناء على اختيار داخلي، بمعنى ان معايير الاختيار تكون بناء على القدرات في الطرح والتعبير والقدرة على التواصل، بخلاف الانتخابات الفرعية التي تعتمد على أسس قبلية وطائفية وعائلية، وبعض افراد المنبر من يرون ان لديهم الكفاءة للترشح البرلماني احتجوا، فكان تصورهم انهم يمتلكون القدرة على خوض الانتخابات حتى لو لم يكونوا تحت مظلة المنبر، وهذا الامر يؤثر على مرشحي المنبر، وهؤلاء الاعضاء طلبوا الابتعاد عن المنبر، وان لم يكن ابتعادا فكريا، وفسر ذلك على انه انشقاق في المنبر، علما بان القواسم المشتركة لم تزل تجمعنا، والتواصل لم ينقطع بيننا حتى هذه اللحظة.

ما هي الخلافات التي تحملها الاجندة السياسية التي تتحدث عنها؟
- الخلاف يتركز حول العلاقة مع الحكومة ومع الغرب، فإلى الآن في المنبر توجد وجهات نظر تميل الى مناهضة الغرب بشكل يميني متطرف، وهناك وجهات نظر تنحاز الى الاعتدال وتدعو الى التعامل مع الغرب من منظور براغماتي موضوعي، كما توجد وجهة نظر يسارية تميل الى الانفتاح مع الغرب لاننا نواجه خطرا افدح وهو التطرف الديني، ونحن ينبغي ان نستعين بالغرب لمواجهة هذا الخطر.

ماهي وجهة النظر التي تتبنونها؟
- نحن نريد التعامل مع الواقع بشكل عملي، بمعنى ان التواصل مع الغرب ليصبح من اجل مصلحة الكويت، فنحن يجوز لنا الاستعانة بالقوات الاميركية لحماية البلد من اي خطر، ومع ذلك لا يكون على حساب القضايا العربية المصيرية مثل قضية فلسطين او قضية التعسف الغربي تجاه الشعب الفلسطيني او الدعم الغربي غير المحدد لاسرائيل، فنحن نرفض ان نلقي بانفسنا في احضان الغرب دونما حماية مصالحنا وحقوقنا الوطنية، وحتما هناك اختلافات في وجهات النظر داخل المنبر الديموقراطي، وهذه طبيعة العمل السياسي داخل التنظيم.

ماذا عن دوره الصحافي؟
- والدي رحمه الله كان محبا للمجال الاعلامي، وكان من اوائل الذين قاموا باصدار مطبوعات وحصل على امتياز صحيفة الطليعة في عام1965 وترأس تحريرها حتى العام 1985، وانضم ايضا الى الامانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب عام 1973، واختير نائب رئيس الاتحاد في عام 1985، ورئيس اللجنة الدائمة للحريات الصحافية عام 1984، وبعد وفاته حصل على جائزة افضل شخصية اعلامية من نادي دبي للصحافة.

من هو الصديق الذي كان يفضي له الراحل المنيس باسراره؟
- أقرب شخصية الى والدي كان العم الفاضل حمد القصار فقد كان شقيقه وصديقه ومحل ثقته، وحين تتكالب عليه الهموم يذهب الى العم حمد ليبوح بحزنه ، وكان القصار لديه رؤية ثاقبة بمشاعر المرحوم، فهو أكثر شخص يستشف حالته النفسية من النظر اليه، والقصار من الاشخاص الذين يعرفون خلق اجواء الثقة، فكان والدي يعتمد عليه في ترسيخ الديوانية واستمراريتها، بالاضافة الى التواصل مع الاصدقاء والاعداد للندوات من حيث المضمون الفكري او تجهيزها من الناحية التنظيمية، والقصار كان مدير حملات والدي الانتخابية وكاتم اسراره، وهناك اسماء كثيرة عاصرت خط والدي الوطني منذ شبابه ومنهم عبدالعالي عبدالعالي والدكتور الخطيب وجاسم القطامي وأحمد النفيسي وعبدالله النيباري.

هل اقتصرت قراءات الراحل على السياسة؟
- والدي ترك مكتبة كبيرة تحتوي على العديد من الكتب الادبية والسياسية والفكرية، وكان يقرأ بشغف لكل الكتاب حتى من يختلف معهم فكريا، ومن بين هؤلاء فهمي هويدي وكان يستمتع بالكتب التي تحكى تطورات الاحداث السياسية من الناحية التاريخية، فقد تابع الاحداث التي حصلت في ايران بعد وصول الخميني، وركز على قراءة التاريخ الايراني منذ ايام الشاه.

هل صحيح انه كان مغرما بالكاتب محمد حسنين هيكل؟
- والدي ربما قرأ كل كتب هيكل رغم اختلافه معه في بعض وجهات النظر، وتعمق خلافه معه بعد موقف هيكل من غزو العراق للكويت.

لماذا يفضل مصر على سائر البلدان في سفراته؟
- مصر هي الدولة التي يستمتع بها كثيرا حين يزورها، وله الكثير من الاصدقاء المصريين، واقربهم الى قلبه احمد بهاء الدين الذي تألم كثيرا حين نقل اليه خبر وفاة والدي.

الراحل كان يحمل علاقات طيبة مع التكتلات كافة رغم الاختلاف الفكري الواضح؟
- النائب السابق مبارك الدويلة رثى والدي عند وفاته، وذكر انه لايرثي احدا، وانما الراحل اجبره على رثائه، والدويلة يمثل القوى السياسية الإسلامية، وهناك الكثير من القوى التي تختلف مع والدي فكريا، ومع ذلك تكن له كل حب واحترام وتقدير لانه يحمل الكثير من الصدقية والشفافية، وخصومته غير شخصية، ويحمل الروح الاجتماعية المرحة، ولديه قدرة على التواصل مع الآخرين بغض النظر عن اعمارهم، وهناك الكثير من الشباب الذين آلمهم خبر وفاته، وحين وفاته حرص الكثير من رموز الاسرة الحاكمة على تقديم العزاء، والشيخ سالم الصباح كان من ضمن المشيعين.

كلمة أخيرة؟
- بعد مرور خمس سنوات على وفاة النائب سامي المنيس، لم تخلد ذكراه من خلال تسمية مدرسة او شارع باسمه، ونحن قمنا بمناشدة سمو رئيس مجلس الوزراء بذلك، ونتمنى ان تكون الاستجابة مع ذكرى وفاته الخامسة.