المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشُّروط العُمريَة.. الخميني بعدَ ابنِ تيمية



المهدى
07-12-2005, 09:50 AM
رشيد الخيُّون

الشُّروط العُمريَة هي مجموعة الأحكام التي وردت في معاملة أهل الذمة. والذمة مصطلح يعتقد العديد من الفقهاء قد تجاوزه الزمن، وحلت محلها مفهوم الإنسانية وروابطها وفق دستور مدني. لذا لا تجد لهذه الشُّروط أثراً في معظم الرسائل الفقهية. فالشعوب اختلطت وأصبحت الرابطة الإنسانية هي المقياس في التعامل. يضاف إلى هذا أنه من الصعوبة بمكان إثبات هذه الشُّروط، أو ما يشير إليها، في القرآن والسُنَّة. فهي حسب اسمها مرفوعة إلى أحد الخليفتين:

عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز. وهناك مَنْ يحاول تأكيدها بقوة بنسبتها إلى ابن الخطاب (قُتل23هـ) ونسبة إحيائها إلى ابن عبد العزيز(ت 101هـ).
ظلت تطبيقات تلك الشُّروط خاصة بالمذهب الحنبلي والمذهب الشافعي. ووردت عند ابن تيمية (ت 728هـ) في "مسألة الكنائس"، ثم تلميذه ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) في "أحكام أهل الذمة". وتكررت بعدهما في كتب الحسبة كافة، وعادة ما يكون المحتسب حنبلياً أو شافعياً.

وفي خلافة الناصر لدين الله (ت 622هـ) اقترح الفقيه الشافعي محمد بن يحيى بن فضلان (ت631هـ)، أستاذ المدرسة المستنصرية ووالي الجوالي أو رئيس ديوان أهل الذمة، تطبيقها، بعد فرضها من قبل عدد من الخلفاء العباسيين. إلا أن الناصر لم يعط اهتماماً لرسالة ابن فضلان (وردت الرسالة كاملة في الحوادث الجامعة المنسوب لابن الفوطي، وأوردتها في كتاب الأديان والمذاهب بالعراق).

لكن من الغرابة بمكان أن يجعلها آية الله الخميني في رسالته "تحرير الوسيلة". وهو بهذا شذ عن مراجع الشيعة بداية من شيخ الطائفة الطوسي (ت 460هـ) وحتى المراجع المعاصرين مثل آية الله السيد محسن الحكيم في "مستمسك العروة الوثقى"، وآية الله أبي القاسم الخوئي في "مباني العروة الوثقى". كذلك لم نجدها في رسالة المرجع الأكبر أبي الحسن الأصفهاني "وسيلة النجاة".

ورسالة الخميني جاءت على هديها. وماذا يقول آية الله الخمينى، وهو يدعو إلى تطبيق تلك الشُّروط المؤذية في أهل الكتاب إذا تاكد له أن سفير الإمام علي بن أبي طالب إلى الخوارج كان يهودياً عراقياً. "رجلاً من يهود السَّواد"(مروج الذهب). وما عساه يقول في الصداقة العامرة بين المرجع الشيعي جامع "نهج البلاغة" ونقيب الطالبيين وتلميذ الشيخ المفيد، الشريف محمد حسين الرضي (ت406هـ) وبين الصابئي أبي إسحاق إبراهيم بن هلال (ت384هـ)؟ وماذا يقول الجميع حول صلاة النصارى في مسجد الرسول وبحضوره (سيرة ابن هشام)؟

قدم الدكتور صبحي الصالح في كتابه "شرح الشُّروط العُمريَة"، المستلة من "أحكام أهل الذمة" لابن قيم الجوزية، متابعة لأصل تلك الشُّروط. لكن لم يتوصل إلى أكثر مما جاء به ابن عساكر (ت 572هـ) في "تاريخ دمشق". ثم ابن قيم في كتابه المذكور. وقد وردت ضمن رسالة كتبها مسيحيو دمشق، حسب ابن عساكر، ومسيحيو الجزيرة، حسب ابن قيم، إلى عمر بن الخطاب عبر والي الجزيرة عبد الرحمن بن غَنيم. وبدورنا فتشنا في العهود النبوية والراشدية الممنوحة إلى أهل الذمة فلم نجد أثراً فيها لتلك الشُّروط.

كذلك فتشنا في أمهات كتب التاريخ "تاريخ الأمم والملوك" للطبري (ت 310هـ) و"تاريخ اليعقوبي" لابن واضح(ت 297هـ) وغيرها فلم نجد لهذا أثراً يذكر. كذلك فتشنا في كتب الأموال مثل كتاب "الأموال" للقاسم بن سلام (ت224هـ) فلم نجد شيئاً. لكن نجد جملة من الأحكام في "خراج" أبي يوسف (ت182هـ) خاصة في "لباس أهل الذمة وزيهم" (راجع الخراج 127)، وهي أكثر ما خصت نصارى العرب من قبلية تغلب، وليس النصارى على العموم. ومعلوم أن أبا يوسف خالف إمامه أبا حنيفة في أمور عديدة، منها القرب من السلطان، وقبول وظيفة القضاء، ومسايرة أمزجة الخلفاء. ومع ذلك لم يورد أبو يوسف في العهد النبوي شرطاً من شروط اللباس أو القهر الشخصي على أهل الذمة(راجع الحاشية).

قلنا يصعب إثبات الشُّروط العُمرية، لأنها لم ترد في عهد عمر بن الخطاب، ولا في عهود الخلفاء الراشدين الآخرين، بل هي أحكام متأخرة على تلك الفترة. والأكثر من هذا أنها أتت من أهل الذمة أنفسهم. ويرد السؤال: لماذا يقيد أهل الذمة أنفسهم بمثل تلك الشُّروط؟ ومصدر الرسالة، حسب "أحكام أهل الذمة" هو عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل، الذي ينسبها بدوره إلى أهل العلم عن أهل الجزيرة. الرسالة طويلة، وقد وضع ابن تيمية، على ضوئها، واحد وعشرين شرطاً. وننقلها حرفياً من (مسألة في الكناس 134-136): 1

- أن لا يتخذوا من مدائن الإسلام ديراً ولا كنيسة ولا قُلية (قلاية الراهب)، ولا صومعة لراهب، ولا يجددوا ما خرب منها.

2- ولا يمنعوا كنائسهم التي عاهدوا عليها أن ينزلها المسلمون ثلاثة أيام، يطعومهم ويؤوهم.

3- ولا يظهروا شركاً ولاريبة لأهل الإسلام.

4- ولا يعلوا على المسلمين في البنيان.

5-ولا يعلموا أولادهم القرآن. 6

6-ولا يركبوا الخيل ولا البغال، بل يركبوا الحمير بالكُف (غطاء على ظهر الحمار وليس بسرج) عرضاً من غير زينة ولا قيمة، ويركبون أفخاذهم مثنية.

7- ولا يظهروا على عورات المسلمين.

8- ويتجنبوا أواسط الطرق، توسعة للمسلمين.

9- ولا ينقشوا خواتمهم بالعربية.

10-وأن يجذَّوا مقادم رؤوسهم.

11- وأن يلزموا زيهم حيث كانوا.

12- ولا يستخدمون مسلماً في الحمام، ولا في الأعمال الباقية.

13-ولا يتسموا بأسماء المسلمين، ولا يتكنوا بكناهم، ولا يتلقبوا بألقابهم.

14- ولا يركبون سفينة نوتيها مسلم.

15-ولا يشترون رقيقاً مما سباه مسلم.

16-ولا يشترون شيئاً مما خرجت عليه سهام المسلمين.

17-ولا يبيعون الخمور.

18-ومَنْ زنى منهم بمسلمة قُتل.

19-ولا يلبسون عمامة صافية، بل يلبس النصراني العمامة الزرقاء عشرة أذرع، من غير زينة لها ولا قيمة.

20- ولايشتركون مع المسلمين في تجارة، ولا بيع، ولاشراء.

21- ولايخدمون الملوك، ولا الأمراء، فيما يُجري أميرهم على المسلمين من كتابة، أو أمانة، أو وكالة، أو غير ذلك. كذلك وردت، مع بعض التغيير والتقديم والتأخير، في "أحكام أهل الذمة" و"تحرير الوسيلة". وعندما تسأل عن مصدر هذه الشروط يجيبك ابن قيم الجوزية وغيره بالقول:

"وشهرة هذه الشروط تُغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول"(أحكام أهل الذمة 2ص663). لكن يعود ابن قيم ويعتبر رسالة نصارى الجزيرة إلى عبد بن غَنيم هي الأصل.
وجاء في المسألة العاشرة من "شرائط أهل الذمة": يكره السلام على الذمي ابتداءً، وقيل يُحرم، وهو أحوط. ولو بدأ الذمي بالسلام ينبغي لأن يقتصر في الجواب على قولك (عليك). وينبغي أن يقول عند ملاقاتهم:

السلام على مَنْ أتبع الهدى، ويستحب أن يضطرهم إلى أضيق الطرق"(تحرير الوسيلة 2ص453). فكيف سيعش هؤلاء بين وسط لا يرد التحية عليهم، ويضطرهم إلى أضيق الطرق والأرصفة؟

ترددت عبارة "الشُّروط العُمريَة" في اعترافات الجماعات السلفية، وأنهم يقاتلون من أجل تطبيقها في أهل الكتاب. وتطبيقها بحد ذاته يمحو الرابطة الإنسانية بين البشر على اختلاف دياناتهم واعتقاداتهم. واختلاف الأديان، قبل كل شيء، إرادة إلهية، وردت واضحة في القرآن الكريم. فمن غير آية "لا إكراه في الدين"، ورد في حكمة الاختلاف: "لكل جعلنا منكم شِرعة ومِنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"(المائدة 48). و "ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من رَبك لقضى بينهم فيما فيه يختلفون"(يونس 20). و"ولو شاء ربك لجعل الناس أُمةً واحدة ولا يزالون مختلفين"( هود 118). هذا ما يخص حكمة الاختلاف، وما يراد من الشُّروط العُمريَة هو مخالفة بل منازعة هذه الحكمة. كذلك كيف يُراد للشُّروط العُمريَة التطبيق فيمَنْ قال القرآن فيهم: "ولتجدن أقربهم مودَّة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسّيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون"(المائدة 82).

تبدو رواية الشُّروط العُمرية واحد من ملفقات الأحداث، وأكثر من هذا نسبتها إلى ضحيتها، مثلها مثل الاعتراف بالإكراه، أو تزييف الاعتراف. فماذا يبقى من إنسانية المسلم إذا حُرم عليه تبادل السلام مع الآخر، وتهنئته بعيده أو فرحه، وتعزيته بحزنه. لماذا الشدة والعسر بالدين إلى حد يُعد التضييق على الآخرين في الطريق ثواباً. لقد وصل حد القسوة، والبعد عن فسحة الدين، إلى الإفتاء بما هو هائل القسوة. قال الفقيه محمد الأمين بن محمد الجنكي الشنقيطي في تفسيره: "لو وجد مضطراً آدمياً غير معصوم كالحربي والمرتد فله قتله، والأكل منه عند الشافعية، وبه قال القاضي من الحنابلة. واحتجوا بأنه لا حرمة له، فهو بمنزلة السباع. والله أعلم تعالى"(أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 1ص 115).

كيف لنا تخيل الحياة لو عُممت مثل هذه الفتوى، وتحققت شُّروط ابن تيمية والخميني، ومثلما يريدها السلفيون؟ وماذا لو أعلنت الدول الأخرى، التي يحتمي في ظل علمانيتها حتى السلفيين سياسياً واقتصادياً، المعاملة بالمثل والتخلي عن علمانيتها السياسية، وتخترع شُّروطها العُمرية؟ ما أتوقعه أن الكراهية ستعم، والحروب الدينية ستقوم، والدين سينُتزع من القلوب.



r_alkhayoun@hotmail.com


* "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، لأهل نجران، إذ كان عليهم حكمه، في كل ثمرة وفي كل صفراء وبيضاء ورقيق، فأفضل ذلك عليهم، وترك ذلك كله لهم على ألفي حلة من حلل الاواقي في كل رجب ألف حل. وفي كل صفر ألف حلة مع كل حلة أوقية من الفضة، فما زادت على الخراج أو نقصت عن الاواقي فبالحساب.

وما قضوا من دروع أوخيل أو ركاب أو عروض أخذ منهم بالحساب. وعلى نجران مؤنة رسلي ومتعتهم، ما بين عشرين يوماً فما دون ذلك. ولا تحبس رسلي فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعاً وثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً إذا كان كيد باليمن ومعرة. وما هلك ما أعاروا رسلي من دروع أو خيل، أو ركاب أو عروض فهو ضمين على رسلي حتى يؤدوه إليهم.

ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته وليس على دينه، ولا دم جاهلية، ولا يخسرون ولا يعسرون ولا يطأ أرضهم جيش. ومن سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين، ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر.

وعلى ما في هذا الكتاب جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله أبداً حق يأتي الله بأمره، ما نصحوا وما صلحوا ما عليهم غير متغلبين بظلم، شهد أبو سفيان بن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف من بني نصر، والأقرع بن حابس الحنظلي، والمغيرة بن شعبة. وكتب لهم هذا الكتاب عبد بن أبي بكر"(كتاب الخراج 71- 72).