المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آية الله السيستاني يدعو واشنطن لجعل العراقيين يحكمون أنفسهم



لا يوجد
06-25-2003, 01:49 AM
آية الله السيستاني يدعو واشنطن لجعل العراقيين يحكمون أنفسهم

رفض مقابلة الحاكم الأميركي في العراق ورد بأجوبة مكتوبة على أسئلة لصحيفة أميركية

الشرق الأوسط - بغداد: أنطوني شديد*

عبر آية الله العظمى علي السيستاني، أكبر المراجع الشيعية بالعراق، وأكثر الشخصيات نفوذا بالبلاد، عن «ضيقه الشديد» بالاحتلال الأميركي الذي استغرق حتى الآن عشرة اسابيع، وطالب الولايات المتحدة بأن تسمح للعراقيين بحكم أنفسهم بأنفسهم. وتمثل اجابات السيستاني على أسئلة مكتوبة وجهتها اليه صحيفة «واشنطن بوست»، سباحة نادرة من قبل الزعيم الديني المولود في ايران في مياه السياسة المتلاطمة. ولم يصل السيستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة قوة أساسية لبسط الاعتدال في السياسة العراقية، الى درجة المطالبة بانسحاب القوات الأميركية. ولكن كلماته عكست نوعا من الضيق والتبرم المتناميين داخل القيادات الدينية في البلاد حول مصير الاحتلال الأميركي.

قال السيستاني وهو يتحدث من منزله في مدينة النجف الجنوبية: «نحن نشعر بضيق شديد ونشك في أهدافهم، ونرى أن من الضروري أن يفسحوا المجال للعراقيين لحكم أنفسهم بأنفسهم دون تدخل أجنبي».
والسيستاني في السبعينات من عمره حاليا وهو رجل يميل الى الدرس والعزلة ولم يظهر في مناسبة جماهيرية منذ الغزو الأميركي للعراق. وقد كتب اجاباته التي وصلت يوم السبت، بواسطة ابنه والناطق باسمه، محمد رضا السيستاني، الذي يعمل بتوجيهات والده. وكان السيستاني يعكس مشاعر كثير من رجال الدين الشيعة الذين صاروا أكثر عنفا في ادانتهم للنفوذ الغربي، عندما قال ان أخطر ما تواجهه البلاد هو «طمس هويتها الثقافية».

ورغم أن السيستاني يصرح بأنه لا يلعب أي دور سياسي، فان المسؤولين الأميركيين، حتى قبل نهاية الحرب، كانوا يسعون الى فتح قنوات الاتصال به، باعتباره أكثر الزعماء الدينيين في النجف احتراما ونفوذا. وقد رفض لقاء المسؤولين الأميركيين، ولكن القادة العسكريين الأميركيين قالوا ان السيستاني اصدر بعد سقوط النجف، فتوى تطلب من الشيعة عدم التعرض للقوات الأميركية. ومع أنه لم تنشر أية نسخة لهذه الفتوى الا أن أوامر أخرى صدرت عن السيستاني سهلت كثيرا من صعوبات فترة الانتقال بعد سقوط نظام صدام حسين، وبقيت الأقاليم الشيعية العراقية في الجنوب أهدأ بكثير من المنطقة الشمالية الغربية من البلاد التي يسيطر عليها السنة العرب. وقد أصدر أوامره بوضع حد للنهب الذي ألحق أذى جسيما ببغداد وغيرها من المدن العراقية وطالب باعادة المسروقات الى السلطات المحلية وحظر أعمال الثأر والانتقام ضد أعضاء حزب البعث، الذي كان حكمه للعراق على درجة لا توصف من العنف وخاصة في الجنوب.

وفي خطوة وجدت ترحيبا خاصة من القوات الأميركية، وعلى عكس ما هو سائد في ايران، أمر رجال الدين الشيعة الا يشاركوا في الحكومة. وهذا الموقف له مرجعيته في فكر السيستاني نفسه، وهو الرأي الذي يقول ان دور رجال الدين ينحصر في الجوانب الروحية، ولا يمتد الى الجوانب الادارية أو السياسية. ومع أن بعض الزعماء الدينيين العراقيين تحدثوا بوضوح عن طموحاتهم السياسية الا أن السيستاني قال انه لا يطمح الى أي دور سياسي في اية حكومة مقبلة. وجاء في اجابات السيستاني، الذي يرتدي العمامة السوداء ويقول انه ينحدر من أسرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): «ان العلماء الدينيين ينبغي أن ينأوا بأنفسهم من مواقع المسؤولية الادارية والتنفيذية».

وصرح بول بريمر، رئيس الادارة المدنية في العراق، اول من أمس، بأنه طلب مقابلة السيستاني ولكن الأخير رفض المقابلة. ومثله مثل المسؤولين الأميركيين الآخرين يعترف بريمر بأهمية السيستاني، وقال عند عودته الى بغداد بعد حضور اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي : «اعتقد ان آراءه ستكون لها قيمتها الكبيرة».

ويعرف السيستاني، الرجل النحيل بلحيته البيضاء وحاجبيه السوداوين والذي يتكلم العربية بلكنة فارسية بـ«مرجع التقليد» وهي مكانة يعد الذين يتقلدونها على أصابع اليد الواحدة. وبالنسبة الى اتباعه فان من حقه تحديد الموقف الاسلامي من كل قضايا الحياة اليومية، وبطريقة لا سابق لها ولا مثيل، مما يعطيه سلطات غير محدودة. وبالنسبة لهؤلاء الاتباع فان رأيه لا يراجع. ويحيط بمقره المتواضع في زقاق غير مميز من مدينة النجف، وبصفة دائمة، عدد من اتباعه الذين يريدون قضاء حوائجهم والحصول على الفتاوى في مختلف شؤون حياتهم.

ولكن توجيهاته حول القوات الأميركية لا ترقى الى درجة الفتوى الملزمة. كما أن تصريحاته تجيء في وقت شكا فيه بعض اتباعه من عزلته، خاصة أن مجموعتين أخريين، لهما أجندة سياسية واضحة، تبذلان جهودا غير عادية لنيل تأييد الأغلبية في البلاد. قال كمال عبد الله بحر العلوم، 62 سنة، من اتباع السيستاني ومن سكان النجف: «نتمنى لو أنه يتحدث بقوة اكبر، ولكنه لا يقبل ذلك مطلقا. واذا ما أصدر فتوى غدا تدعو الناس الى التحرك، لما بقي شخص واحد بمنزله».

ومع أن الزعماء الشيعة لا يتحدثون بايجابية في العادة عن الاحتلال الأميركي، الا ان أغلبية الزعماء الأكثر أهمية بينهم لهم علاقات بهذه الدرجة أو تلك مع الادارة الأميركية. وتذكر بالخير مجهودات ممثل السيستاني في مدينة كربلاء، لانه ساعد من وراء الكواليس في اقامة وارساء الحكم المحلي في المدينة وتعاون بصورة جيدة مع القوات الأميركية لاعادة الخدمات وحفظ الأمن والنظام.
شارك المجلس الأعلى للثورة الاسلامية بالعراق، بقيادة آية الله محمد باقر الحكيم، في المحادثات التي تديرها الولايات المتحدة حول الحكومة الانتقالية. وكانت لديه بطبيعة الحال بعض التحفظات. كما أبدت مجموعة موالية لمقتدى الصدر، ابن الزعيم الديني محمد صادق الصدر الذي اغتيل بالنجف عام 1999، ميلا واضحا في الأسابيع الأخيرة لتخفيف عدائها للولايات المتحدة، مع أنها تعتبر الأكثر شراسة من كل المجموعات الشيعية.

ولكن النيران لا تزال تومض تحت الرماد. وهناك توترات شديدة وادانات قاسية تصدرها هذه المجموعات بحق بعضها البعض وبحق القوات الأميركية. وفي يوم 10 أبريل (نيسان) الماضي طعن اثنان من الزعماء الدينيين حتى الموت في ظروف لا تزال غامضة. ويعلق على ضريح الإمام علي (رضي الله عنه) الذي يعتبره الشيعة الخليفة الشرعي للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، شعار لحسن نصر الله، السكرتير العام لحزب الله اللبناني يقول: «نحن نراقب افعال الأميركيين في العراق، وليس اقوالهم». وقد اصدر آية الله كاظم حسيني الحائري، الزعيم العراقي المقيم في ايران والقائد الروحي لجماعة الصدر، فتوى أدان فيها القوات الأميركية وقال عن الأميركيين انهم «محتلون وليسوا محررين». وقد أدت هذه الفتوى الى القاء مزيد من الوقود على اشاعة كانت تجتاح بغداد، تتهم الصهاينة بشراء الممتلكات في العراق تمهيدا لاحتلال البلاد. وقال حائري: «أريقوا دم أي يهودي يحاول منذ الآن شراء الارض أو المنازل في العراق».

ويسود وسط المجموعتين المنظمتين التابعتين للصدر والحكيم، شعور بالسخط من خطط بريمر بتكوين مجلس استشاري من 25 الى 30 عراقيا يبقى خاضعا لسلطته. وتخشى هذه المجموعات أن يكون هذا المجلس وسيلة لعرقلة وصولهما الى السلطة. وقد قامت القوات الأميركية، بغارات على مقرات لمجموعة الحكيم ببغداد وكان آخرها يوم السبت الماضي. وقال الحكيم في مقابلة أجريت معه مؤخرا في النجف: «الناس يقولون ان الأميركيين يتصرفون مع الشيعة كما يتصرفون مع العدو».

أما بالنسبة للمجموعات الأخرى، وكأنها صدى لتحذيرات السيستاني، فان التصورات العلمانية للعراق التي تحملها السلطات الأميركية هي الخطر الحقيقي. وقد قال كاظم العبادي، وهو من اتباع الصدر، في خطبة الجمعة ببغداد أمام آلاف المصلين في مسجد المحسن، ان العراق يخوض «صراع حضارات». واضاف: «أود أن أعرف هل نحن مستعدون لهذا الصراع؟».
* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»