المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولادة أسطوانة فريــــدة لأغـان فلسطينية من أواخر العهد العثماني



yasmeen
06-24-2005, 12:01 PM
تسجيـلات أنقذت بسحبها عن شريط عتيق


القدس: أسامة العيسة

http://www.asharqalawsat.com/2005/06/24/images/books.307522.jpg

والاسطوانة لموسيقي فلسطيني غير معروف جماهيريا هو واصف جوهرية، ووزعت كمرفق للكتاب الأول من مذكراته، الذي صدر عن «مؤسسة الدراسات المقدسية» تحت عنوان (القدس العثمانية في المذكرات الجوهرية: الكتاب الأول من مذكرات الموسيقي واصف جوهرية 1904 ـ 1971). الذي حرره وقدم له الباحثان سليم تماري وعصام نصار، وصدرت طبعة ثانية منه في بيروت عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية».واصف جوهرية ملحن وعازف عود ومؤرخ ولد عام 1897م داخل أسوار القدس القديمة وتوفي عام 1973م في بيروت لاجئا بينما ما زال منزله في حارة السعدية بالقدس القديمة موجودا ولكن يسكنه مستوطنون يهود أضافوا إليه طابقا جديدا.

وجوهرية واحد من مجموعة من الموسيقيين الفلسطينيين الذين عاشوا في القدس وبيت لحم ويافا، عرف بعض منهم عربيا مثل رياض البندك وحليم الرومي ومصطفى اللبابيدي (صاحب لحن يا ريتني طير لفريد الأطرش)، ولكن ظروف النكبات المتتالية ضربت مشاريعهم الموسيقية وشردتهم، وغابوا ضمن الصورة التي ظهر فيها الفن الفلسطيني المصاحب للمقاومة الفلسطينية، ولكن هناك من شكل امتدادا لهم، بشكل أو بآخر، مثل باتريك لاما الذي يعيش اليوم في باريس ويزور فلسطين بين الوقت والأخر والمايسترو سليم سحاب الذي يعمل في دار الأوبرا المصرية.
وتوجد إشارة على الاسطوانة إلى أنها سحبت عن شريط مغناطيسي قديم، وهي بمثابة اعتذار غير مباشر عن أي شوائب في الصوت يمكن أن يلمسه المستمع.وأهمية اسطوانة واصف جوهرية، المنقولة عن تسجيل أنجزه لحفيده (واصف الثاني)، في مدينة لجوئه بيروت، كما المذكرات أنها تكشف عن وجه غير سياسي بالمعنى المباشر للقدس لم يعرفه أحد قبلا، وفي مذكراته، تبرز أسماء فنانين من مصر كانوا يترددون على فلسطين بشكل دوري لتقديم فنهم على مسارحها مثل: زكي أفندي مراد، ومحمد العاشق، والشيخ احمد طريفي، وبديعة مصابني التي كانت تقدم أغنياتها الراقصة بلباس شفاف على مسرح قرب باب الخليل بالقدس، وعرفها جوهرية عن قرب ورافقها بالعزف على عوده في قصور أعيان القدس في حفلات خاصة حميمة.

وفي هذه الاسطوانة نحن أمام صوت قوي ومتمكن يقدم مقطوعات لأساطين الفن في عصره مثل داود حسني، اليهودي المصري، والذي يعيش ابنه الآن في إسرائيل باسم عبري، وأبو العلا محمد، وعبده الحامولي وغيرهم.ويبدأ واصف جوهرية بالتنويه بأنه سجل هذه المقطوعات لحفيده واصف الثاني كذكرى من جده، ثم يقدم في الجزء الأول من الاسطوانة، أو ما يسميها الوصلة الأولى، عزفا لافتا وشجيا لمقام بيات ومقطوعة استقبال للعروسين في الأفراح باسم (البدر لما زار) مشيرا إلى انه يستقبل فيها حفيده واصف، ثم يعزف ما يقول انه رقصة الفرجالة، ويختتم هذا الجزء بأداء طقطوقة مصرية قديمة بعنوان (أمان يا يمة على المصرية)، وهي خليط بين الفصحى والعامية المصرية ولكن بشكل غير منفر ومن كلماتها: (أمان يا يمة على المصرية سافر حبيبي يوم ما وصى عليه).ومثلما نجح بتقديم هذه الطقطوقة يقدم، في الوصلة الثانية موشحا، على مقام رصد بعنوان (احن شوقي إلى دياري) ويقدم له بشهقة أسى وحنين جارحة «…أي والله احن شوقا إلى دياري». ويتبعها بتقاسيم ثم قصيدة قديمة يصفها بأنها «من القصائد الخالدة»، وتعود لعبده الحامولي ومن (تسجيل المندلاوي) ـ كما يشير، وهي لحن مميز يكشف عن قدرات عبده الحامولي التي صنعت شهرة له ما زالت تتردد حتى الان.

ويقدم واصف جوهرية في الوصلة الثالثة مقام حجاز على الدبى في موشح اسمه (ليالي الوصل عندي عيد)، وهو موشح كما يقول «يتصل بسبعة موشحات منسجمة مع بعضها البعض وهي في غاية الطرب». وفي الوصلة الرابعة توجد قصيدة بعنوان (يا صاحي الصبر) على مقام بيات دوغا، ويقول بان هذه الأغنية كانت معروفة في القدس، وتحوي كلمات غزل جريئة حسية ولكنها مغلفة بوجد روحي تجاه الحبيب، ويقدم قصيدة «افديه إن حفظ الهوى أو ضيعه» من نظم وتلحين الشيخ أبو العلا محمد صاحب الفضل الكبير على أم كلثوم في بدايتها.

ويطلق واصف، الذي يعتقد انه سجل هذه الاسطوانة في سن متقدمة، لصوته العنان يجوب دواخل هذا اللحن، الذي يقدم كل شطر بيت في القصيدة بجمل موسيقية مختلفة. وتحوي الاسطوانة أيضا عدة موشحات وقصيدة من تلحين الشيخ أبو العلا محمد، وأيضا تتضمن دور (أشكو لمين ذل الهوى) من ألحان داود حسني، وكان يغنيه كما يقول واصف «السلطي وأيضا عبد الحي»، ويقدم أيضا طقطوقة مقدسية بعنوان (يا ميمتي آه يا يمة).صدور مثل هذه الاسطوانة، كان يمكن ان يشكل حدثا ثقافيا في فلسطين، وربما خارجها، إلا أنها لم تلفت الانتباه جماهيريا، خصوصا وأنها صدرت كمرفق مع مجلد، ثمنه مرتفع نسبيا، ولو انها صدرت «بتبرع سخي من مؤسسة هينرخ بل» كما تقول المؤسسة الناشرة.

ولم يقدم موزعو وبائعو الأشرطة الغنائية على قرصنة هذه الاسطوانة كما يفعلون مع الاغاني الأخرى بسبب عدم إقبال الأجيال الشابة على هذا النوع من الأداء الغنائي.

ويقول علي هلال صاحب متجر لبيع الأغاني «كما هو معروف فان الأغاني المطلوبة هي ما نسميه الأغاني الشبابية، والتي تصلنا باستمرار حتى ان الواحد منا ينسى أغنية اليوم السابق، ولكن هذا هو السوق».

ويضيف «هناك أقلية نادرة تطلب أغاني قديمة ولكن ليست قديمة كثيرا مثل أغاني كارم محمود، أما عبده الحامولي وغيره فاعتقد أن لا احد يعرفهم».

أما واصف جوهرية فلم يسمع عنه احد بالطبع وأهميته تتجاوز، هذه الاسطوانة التي تضم أغاني وموشحات نادرة، إلى يومياته التي سجل فيها لحياة القدس وفيما بعد فلسطين منذ أواخر العهد العثماني مرورا بالاحتلال البريطاني حتى وفاته في بيروت.

وبالإضافة إلى اليوميات ترك واصف مجموعات مهمة ونادرة من الصور والتي كانت ضمن مجموعات أخرى، استند إليها المؤرخ وليد الخالدي في كتابه المعروف (قبل الشتات) الذي صدر بالعربية، ولغات أخرى قبل عدة سنوات. واعتمد فيه الخالدي على الصور للتأريخ لفلسطين وناسها.