المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رجل حوار الحضارات ابن المؤسسة الدينية والفلسفة الغربية



جمال
06-18-2005, 01:07 PM
محمد صالح صدقيان*
* مدير المركز العربي للدراسات الايرانية

في لقاء جمعني معه، طلب مني الرئيس الإيراني محمد خاتمي، أن أرشده الي افضل طريقة لتعلم اللغة العربية، وبطبيعة الحال كان سؤاله بالعربية التي يتحدثها بصعوبة. عندها وبكل عفوية وبكل وضوح قلت له وبالعربية أيضا، إن أمامه طريق واحد مختصر وسريع، فسألني وهو يتلهف لسماع الجواب: ما هو؟ قلت له: تزوج من فتاه عربية لتتعلم منها اللغة.

عندها انفجر ضاحكا مجيبا هذه المرة باللغة الفارسية، بأن عجلة القطار قد تعدته ولا مجال لمثل هذه المغامرات العاطفية. وبحكم عملي الصحافي، فقد اتيحت لي الفرصة لمرافقة الرئيس خاتمي إلى أكثر من موقع وأكثر من مدينه في إيران. فإذا ما استثنينا الزيارات التي كان يقوم بها إلى المنشآت والمواقع الاقتصادية، فإن لقاءاته بالمواطنين كانت تعكس العلاقة التي ربطت هذا الرجل، القادم من صحراء إيران المركزية، برجل الشارع العادي.

لم يكن الرئيس خاتمي معروفا لدى الشارع الإيراني وربما القليلون كانوا يعرفون أنه كان وزيرا للثقافة والإرشاد في عهد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، قبل ان يستقيل احتجاجا على تدخلات رفسنجاني في سلطاته، غير أن الايرانيين «أحبوه» منذ اللحظات الأولى التي أعلن فيها أنه سيخوض السباق الرئاسي 1997، منافسا للمرشح المحافظ علي أكبر ناطق نوري، الذي كان مدعوما من المؤسسة الدينية ومن المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي.

وقد حاولت وسائل الإعلام الغربية، ربما لعدم معرفتها بدقة بأفكار الرئيس خاتمي وشخصيته وثقافته، ان تصور أن مرحله «البريسترويكا»، أو الإصلاحات الإيرانية قد بدأت. وأن هذا الرجل يريد أن يقلب المعادلات، متناسية أنه ابن المؤسسة الدينية رغم ميوله المعتدلة.

فمحمد خاتمي هو ابن آية الله روح الله خاتمي، أحد كبار رجال الدين المقربين من الزعيم الايراني الراحل الإمام آية الله الخميني. لكن الذي يميزه عن أقرانه هو أنه لم يحبس نفسه في الحوزة الدينية. وفيما كان يدرس العلوم الدينية في مدينه قم، رفض أن يترك دراسته الأكاديمية في الفلسفة بجامعة أصفهان، حيث حصل على شهادة البكالوريوس، وبعد ذلك على درجة الماجستير في العلوم التربوية من جامعه طهران. ولاحقا حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من ألمانيا.

وعندما اختاره محمد حسين بهشتي، عراب الثورة الإيرانية، لتولي إدارة المركز الإسلامي في مدينة الثقافة الألمانية هامبورغ عام 1980، لم يتردد في القبول، حيث أعطته هذه التجربة الانفتاح على العالم الآخر، وأثرت في تطلعاته وقراءاته للدين والحياة والسياسة. ويؤمن خاتمي بالقراءة المتعددة للدين، ويعتقد أن الدين يمكن أن يقرأ في اتجاهات مختلفة، وهو الأمر الذي واجه معارضة كبيرة من قبل الحوزة الدينية التقليدية المحافظة.

مثل هذه الأفكار قادته إلى أن يدعو من خلال قناة «سي إن إن» الأميركية عام 1998، إلى إزالة حاجز عدم الثقة بين الشعبين الإيراني والأميركي. وطالب من على منصة الأمم المتحدة الي حوار الحضارات. لكن هذا السيد الهاشمي، الذي يرجع نسبه إلى الرسول الكريم، ظلم مرتين، مرة من الداخل، حيث قرأ المحافظون دعوته بالمقلوب، واتهموه بإضعاف الجمهورية الإيرانية عبر الإخلال بالقيم التي قامت عليها. ومرة من الخارج، حيث شهد عام حوار الحضارات هجمات سبتمبر (أيلول) في نيويورك، وما تبعها من حربين على أفغانستان والعراق. لكنه مع ذلك لا يزال يعتقد بحوار الحضارات، ويخطط لأن يدير مركزا بهذا الاسم بعد انتهاء ولايته الرئاسية.

داخليا، كنت أعتقد أن خاتمي فشل في إقناع ناخبيه، وتحديدا الشباب منهم، بتنفيذ منهجه الإصلاحي. ومرد هذا الاعتقاد يرجع إلى اليأس لدى شرائح مختلفة من الشعب الإيراني، كانت تنتظر أو تتوقع تغيرا ملحوظا في حياتها، إن في جانبها الاقتصادي أو في جانبها السياسي أو الاجتماعي.

ولعل المؤشرات الواضحة لمثل هذا الاعتقاد تجسدت بشكل لا يقبل الشك في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي فاز فيها المحافظون، أو لنسميهم المحافظون الجدد، والتي أهلتهم للتربع على جل مقاعد البرلمان بعد دورة برلمانية سيطر عليها الإصلاحيون. والغريب في الأمر أن الشارع الإيراني انحاز بوضوح إلى المحافظين الجدد، الذين فازوا بالمجالس البلدية ليدخلوهم إلى البرلمان بعدما سئم من الإصلاحيين الذين كانوا يسيطرون على البرلمان بأغلبية واضحة، والذين لم ينجحوا في معالجة المشاكل اليومية للمواطن الإيراني، الذي كان ولا يزال، يترنح بين البطالة والفقر والاحتقان السياسي.

لكن الذي يدفع إلى اعتقاد مخالف لفشل خاتمي، ذلك التخبط الذي يشهده التيار المحافظ، الذي عجز من تقديم مرشح واحد لانتخابات الرئاسة، وتولد قناعة أخرى مفادها أن خاتمي نجح إلى حد بعيد من إرساء أجواء لم تكن معهودة قبل 1997، تتعلق بتفهم الطبقة الحاكمة لاحتياجات الشارع، وبزوغ عهد من التعددية السياسية والإصلاح الاقتصادي لم تكن معهودة من قبل.

ففي المجال الاقتصادي كان أمام الرئيس خاتمي خياران; إما صرف الملايين من الدولارات التي جنتها إيران من ارتفاع أسعار النفط على الاحتياجات الفورية للإيرانيين لكسب تأييد وقتي، وإما وضع هذه الزيادة المتوفرة من الفارق بين سعر بيع برميل النفط والسعر المثبت في الموازنة الإيرانية في صندوق «الادخار القومي» لمعالجة أمراض إيران الاقتصادية بشكل جذري. واختار خاتمي الخيار الثاني، وهو ما سيحسب له.

أما على المستوى العقائدي، فقد استطاع أن يؤسس حالة من الزواج الشرعي بين الديمقراطية التي تستند في مفاهيمها، كما يراها الإيرانيون، على أسس غربية، وأساس الحكم في إيران، الذي يستند إلى نظرية ولاية الفقيه. وعلى الرغم من إن الكثيرين في إيران ما زالوا يعتقدون بأن خاتمي فتح أبواب كان من المفترض ألا تفتح في وجه المؤسسة الدينية التقليدية، كالقراءات المتعددة للدين، إلا أنه وقف بحزم يدافع عن فكرته التي أقرت وجود مثل هذه القراءات، الأمر الذي أوجد حالة من الانفتاح الفكري حتى داخل تلك المؤسسة الدينية.

لكن ذلك لا يعني أن خاتمي استطاع إدارة دفة الامور بشكل ناجح في ما يتعلق بالقضايا السياسية والاجتماعية. وبشكل عام، يعتقد أن التاريخ سوف يذكر الرئيس خاتمي بخير، وعلي أقل تقدير فإنه لن يذكره بسوء، فهو يغادر قريبا المشرح السياسي الإيراني من دون أن يغادر المشهد السياسي، أو الثقافي في البلاد.