المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنقلاب في صناعة النشر على يدي خاتمي ومهاجراني



دشتى
06-15-2005, 04:57 PM
من 5 آلاف كتاب عام 1978 إلى 20 ألف كتاب عام 2002

طهران: آرش تهراني

خلال السنوات الأربع، التي قضاها الكاتب والصحافي الإيراني البارز أكبر كنجي في السجن، (خرج منه مؤقتا للعلاج)، لم تكن أسرته تتلقى راتباً شهرياً، ورغم ذلك حافظت الأسرة على أسلوب حياتها، بفضل العائدات التي وصلتها من مبيعات كتب كنجي، التي تباع، كما يقول المثل الفارسي، «مثل أوراق الذهب». فكتبه مثل «معالي صاحب الرداء الأحمر»، و«تراجيديا الديمقراطية في إيران»، و«مانيفستو الجمهورية»، قد تجاوزت الحدود المعروفة للتوزيع والبيع، إذ طبع «معالي صاحب الرداء الأحمر» طبعته الثلاثين مؤخرا، فيما كتابه الآخر «في مظلمة الأشباح» حول الاغتيالات السياسية في إيران، بيع منه حتى الآن مائة ألف نسخة، وهو رقم قياسي في بلد، لم يكن توزيع الكتب السياسية فيه، يتجاوز خمسة آلاف نسخة على أكثر تقدير.

وما من شك في أن الثورة الثقافية في ايران، والنهضة في طبع ونشر الكتب، مرهونتان الى حد كبير، بجهود شخصين في ايران. الأول: الرئيس محمد خاتمي، الذي هو مثقف كبير قبل أن يكون رئيساً. والثاني: الدكتور عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة والارشاد الاسبق، الذي يعد من أبرز الكتاب، ومن أكثرهم رواجاً، إذ أن كتبه مثل «نقد آيات شيطانية»، قد صدرت أخيرا طبعته الـ « 24»، فيما روايته الأخيرة «سُهراب كشان»، قد صدرت طبعتها الثالثة في أقل من تسعة أشهر من طبعتها الأولى.

لقد أشار مهاجراني في خطاب مهم في البرلمان في دورته الخامسة، التي كانت للمحافظين هيمنة كاملة عليها، رداً على قرار مساءلته، إلى الانجازات التي تحققت خلال فترة توليه وزارة الثقافة والارشاد في مجال النشر والثقافة والفن، مطالباً منتقديه بمراجعة معرض الكتاب والمكتبات والمسارح ودور السينما، كي يتبين لهم، مدى اقبال المواطنين، لا سيما الشبان على الانتاجات الفكرية والفنية، منذ أن تسلم مسؤولية وزارة الإرشاد، كما قارن بين محاكم الرأي، خلال حكم الشاه، ومحاكم الرأي في ايران المعاصرة. ونظرة الى الاحصائيات المتوفرة، حول عناوين الكتب في إيران، نجد انها بلغت أربعة آلاف عنوان عام 1978، أي قبل سنة من قيام الثورة الايرانية، وقد ارتفع عدد العناوين الجديدة الى خمسة آلاف في السنة الأولى، بعد قيام الثورة، نتيجة لعدم وجود رقابة فعلية وافتقار مؤسسات الحكم الجديدة الى أجهزة وآليات متخصصة، تتعامل مع الانتاج الفكري.

غير أنه ومع تعطيل العشرات من الصحف والمجلات الخاصة، ذات التوجه اليساري والليبرالي، بأمر الخميني واندلاع الحرب العراقية الإيرانية، أوقفت الرقابة حركة الانتاج الاعلامي والثقافي، كما واجهت العشرات من دور النشر الافلاس بسبب منع الرقابة صدور كُتبها المطبوعة. وفي 1982 ـ 1983 لم يكن عدد العناوين الجديدة للكتب، يتجاوز ألف عنوان، معظمها كتب دينية وحماسية وروايات تاريخية.

غير أن حركة نشر الكتب، شهدت انتعاشاً لافتاً في مرحلة ما بعد رحيل الخميني. وحينما أسند هاشمي رفسنجاني وزارة الثقافة والارشاد الى رجل الدين المثقف والمتفتح محمد خاتمي، قاد خاتمي انقلاباً في وزارة الثقافة، اذ منح رخصة توزيع لأكثر من ثلاثة آلاف كتاب كان محظورا. كما أن المسرح والسينما والفنون التجسيمية والرسم، شهدت أيضا انتعاشا كبيرا بفضل سياسة التساهل والتسامح التي انتهجها خاتمي في الوزارة، وسببت له مشاكل كبيرة نتيجة لمعارضة المرشد الأعلى علي خامنئي للانفتاح الثقافي.

وفي نهاية المطاف وبعد صراع قدم خاتمي استقالته احتجاجاً على تدخلات خامنئي في الشؤون الثقافية. غير انه برغم التضييقات، استمرت عملية نشر الكتب مزدهرة خلال ولاية خاتمي الرئاسية (1997 ـ 2005). ووفقاً لاحصائيات المكتبة الوطنية لعام 1988 صدر 3600 عنوان كتاب جديد، بينما بلغ الرقم في عام 2002 عشرين ألفاً. ومن عوامل تزايد وطبع ونشر الكتب في السنوات الأخيرة زيادة اقبال المتعلمين على القراءة، خاصة قراءة الكتب السياسية، ومذكرات رجال الحكم في العهود الماضية والمجموعات الشعرية لبعض الشعراء المعاصرين مثل الشاعر الراحل الكبير أحمد شاملو والشاعرة سيمين بهبهاني.

وتشرف وزارة الثقافة والإرشاد على أعمال الناشرين من القطاع الخاص، إلا ان الناشرين في القطاع العام أحرار في أعمالهم. والرقابة والاشراف يتمان من خلال ثلاث طرق:

1 ـ الرقابة والاشراف على محتوى الكتب، التي يراد طبعها حتى لا تتعارض مع الشرع والتعاليم الاسلامية، استناداً الى المادة 24 من الدستور.

2 ـ عن طريق إعداد الورق وتزويد شركات النشر بها، وفي هذا المجال، تحصل الكتب التي تطابق اتجاهات وزارة الارشاد على الورق الرخيص قبل غيرها. ما يعني ان الناشر الذي يصدر كتباً مثل كتب أكبر كنجي أو عماد الدين باقي أو الراحل سعيدي سيرجاني (الكاتب والمفكر، الذي اغتيل في السجن في عام 1995)، يواجه وضعاً صعباً، بحيث يتعين عليه شراء الورق من السوق بأسعار تصل أحياناً الى سبعة أضعاف سعر وزارة الارشاد. ولنفترض أن الكتاب الذي ينشره في هذه الحالة، يجري توقيفه، مما يعني أن الناشر يواجه الافلاس من دون شك.

3 ـ عن طريق التدخل في تسعير ثمن الكتاب، تحت ذريعة رعاية مصالح القراء، بتعيين أدنى سعر ممكن للكتب، التي تحوي انتقادات حيال ممارسات أجهزة الحكم.