المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لكل شئ إذا ما تم نقصان!! يا شيخ القرضاوي



دشتى
06-14-2005, 07:16 AM
كامل النجار

الشيخ القرضاوي الذي حصل في سنة 1960 م على درجة الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين في القاهرة، تمت الإستعانة به للمعهد الديني الثانوي بدولة قطر في سنة 1961 و عمل هناك مديراً للمعهد، وأنشأ للدولة معاهد دينية كثيرة كانت تشكل مصنعا لتفريخ الدعاة ورجال الدين والخطباء على مختلف مشاربهم ومناهلهم ومدارسهم الدينية بما في ذلك المتشددين، خصوصا وأن القرضاوي "كان سيد قرارات تعيين المدرسين في تلك المعاهد حيث جلّهم إن لم يكونوا جميعهم ينتمون لحركة (الإخوان المسلمين) سواء في مصر أو الأردن أو سورية ( إيلاف 12 يونيو 2005).

استطاع هذا الشيخ القرضاوي أن يُقنع حكومة قطر بفتح كلية لعلوم الدين والشريعة الإسلامية قبل أن تنشئ الدولة كلية طب أو صيدلة وظلت حتى اليوم تعتمد على الأطباء الهنود والعرب من مصر والعراق. وكان طبيعياً أن يصبح الشيخ القرضاوي عميداً للكلية الجديدة التي ملأت الدولة بالمتفقهين في علوم الدين، وملأت جيوب الشيخ القرضاوي بالريالات القطرية التي تحولت سريعاً إلى دولارات أمريكية في البنوك الأمريكية الربوية، وأصبح الشيخ مليونيراً عدة مرات خاصة بعد أن أنشأت دولة قطر قناة الجزيرة التي درت على الشيخ الملايين من بيع خطبه وبرامجه الدينية. وكنز الشيخ الذهب والفضة ونسى أن القرآن يقول: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون " ( التوبة 34-35). وإذا نظرنا إلى الذين تخرجوا من الكليات العلمية في مصر كالطب والهندسة، في نفس العام الذي تخرج فيه الشيخ القرضاوي من كلية علوم الدين، فلا أظننا سوف نعثر على مليونيرات بينهم. فماذا قدم الشيخ القرضاوي للبشر مقابل كل هذه الملايين من الدولارات؟

قدم لنا الشيخ القرضاوي فتاوى عن الجهاد، خاصةً في العراق وفلسطين، لكنه حرّم الجهاد في قطر وركّز معظم فتاواه على المرأة. ولا تختلف فتاواه عن المرأة عن فتاوى المرحوم الشيخ المصري محمد متولي الشعراوي الذي ألف كاباً من 502 صفحة سماه " فتاوى النساء ". فماذا قال الشيخ القرضاوي عن المرأة ؟ قال في إحدى فتاواه عن تولي المرأة القضاء: " بالنسبة لتولي المرأة منصب القضاء ، فقد أجاز أبو حنيفة أن تتولى القضاء فيما تجوز شهادتها فيه، أي في غير الأمور الجنائية، وأجاز الطبري وابن حزم أن تتولى القضاء في الأموال وفي الجنايات وغيرها. وجواز ذلك لا يعني وجوبه ولزومه، بل ينظر للأمر في ضوء مصلحة المرأة، ومصلحة الأسرة، ومصلحة المجتمع، ومصلحة الإسلام، وقد يؤدي ذلك إلى اختيار بعض النساء المتميزات في سن معينة، للقضاء في أمور معينة، وفي ظروف معينة ." فرغم أن الطبري وابن حزم أجازا توليها القضاء، يقول الشيخ القرضاوي إن مصلحة المرأة في عدم توليها القضاء لكنه يسمح لعدد قليل من المتميزات منهن اللاتي يبلغن من الكبر عتياً فلا يصبحن مرغوبات من الرجال بتولي القضاء في الأمور البسيطة التي لا يكون من ضمنها الجنايات أو الأموال.

وبما أن الشيخ قد تربع على عرش الفتاوى في قطر لسنوات عديدة فقد حسب أن خطبه سوف تبقى مدى الدهر تدر عليه دخلاً دائماً من إذاعتها على فضائية الجزيرة وغيرها، ولكن دارت الأيام على الشيخ الداعية الذي يحتل برنامج (الشريعة والحياة ) الذي تبثه فضائية (الجزيرة) التي تمولها حكومة الدوحة، فأعلن من على منبر الخطبة من مسجد عمر بن الخطاب يوم الجمعة 10 يونيو 2005 أن تلفزيون قطر الرسمي قد مسح جميع الأشرطة التي سُجلت عليها خطبه ( إيلاف 12 يونيو 2005). وأخبر المصلين أن تلك الخطبة قد تكون آخر خطبة له معهم. فما الذي حدث يا تُرى ؟ هل انقلب السحر على الساحر وتأكد للسلطات القطرية أن ما كان يفتي به الشيخ القرضاوي لم يكن إلا البارود الذي ظل يحشو به عقول الشباب في انتظار الشرارة التي تفجرهم وتفجر قطر من بعد ما فجرت العراق وفلسطين ؟

أم أن العمل بالدستور القطري الجديد جعل الخطب العصماء التي ألقاها الشيخ على المصلين وحثهم فيها على عدم موالاة الكفار وبجهاد الأمريكان، أصبحت خطراً على الدولة بعد أن ملأ الأمريكان قاعدتهم في قطر بآلاف الجنود ذوي العيون الزرقاء ؟ على العموم، وبغض النظر عن السبب في اتخاذ هذا القرار، فقد ذُهل الشيخ وكان غاب قوسين أو أدنى من البكاء وهو يُلقي خطبته الأخيرة. وكالجمل الذي لا يرى الالتواء في عنقه لأنه لا ينظر في المرآة، ويظن أن عنقه مستقيم كعنق الزرافة، قال الشيخ في خطبته: " أنا لست من المتشددين، كما يعلم الناس. بل بالعكس الناس يتهمونني بالتسهيل وأنا مسهل وميسر " ولا أدري أي ناس يتحدث عنهم الشيخ، ثم أن كلمتي " مسهّل وميسّر " تذكرنا بأسماء الله الحسنى، ولا أظن أن الشيخ قد قصد أن يدعي لنفسه هذه الصفات، ولكنها هفوة من دارت عليه الدوائر. ثم تابع الشيخ فقال: " ولكن التسهيل والتيسير لا يعني ان نحلل الحرام، لا يعني ان نسقط الواجبات، لا يعني ان نستهين بالمقدسات.. هذه خطوط حمراء لابد ان يحترمها الناس، ويقفوا عند حدودها."

وهذه هي الثوابت والمقدسات تطل برأسها كالعادة. وقد تركزت خطبته الأخيرة على فقه السفر والسياحة، فماذا يقول الشيخ عن السفر وقد سمح لبناته أن يسافرن إلى الغرب للدراسة، ولا أظنها دراسة فقه السنة. المهم أن الشيخ ركز في وعظه على المرأة كالعادة فقال: " رأيت بعيني في مدينة كبري من مدن الخليج لا أذكر اسمها دفعاً للحساسيات، كنت ذاهباً إلي باريس وبعد منتصف الليل قامت الطائرة، أنا راكب في الدرجة الأولي، دخل علي قبل أن تقوم الطائرة بضع نسوان لم أر منهن شيئاً، خيام سوداء.. وأكلنا بعض الطعام ثم نمنا.. وحينما اقتربنا من باريس أيقظونا، نوشك أن نهبط، وتطلعت عن يميني وعن شمالي أبحث عن الخيام السوداء فلا أجد لها أثراً: آخر المودات، شيء لا أستطيع أن أصفه، أناس أخريات، ما هذا أهذا ما شرعه الله؟ المرأة تكون محتشمة ومحجبة ومنقبة أمام أهلها، ثم تترك كل شيء؟".

وهذا أيها الشيخ هو نتيجة فرض الحجاب على المرأة المسلمة بالقوة، فهي غير مقتنعة به ولذلك ترميه جانباً عندما تسافر للخارج بعيداً عن تسلط الشيوخ الملتحين. ولم يذكر لنا الشيخ إذا كانت بناته في لندن يلبسن الخيام السود أم لا. ولا أظنهن يلبسن الخيام لأن الشيخ قال في إحدى فتاواه عن المسلمين في الغرب: " الواجب الأول أن يحافظ على شخصيته الإسلامية أن تذوب في هذا المجتمع وليس معنى هذا أن ينغلق عن المجتمع وينعزل عنه فهذه آفة أخرى لا نريد للمسلم أن ينعزل وينغلق وينكفئ على ذاته ويترك المجتمع. "
واستمر الشيخ في تكفير المرأة فقال: " انتشرت للأسف في بلاد الخليج: التشييش، يمكن أن يرتكب الرجل هذا، أما أن ترتكب المرأة معصية تعاطي الشيشة؟ هذه أشياء غريبة دخيلة علي مجتمعاتنا يجب أن نقاومها. " فحسب رأي الشيخ يمكن للرجل أن يرتكب هذا الإثم، أما المرأة فلا وألف لا. وزاد الشيخ في خطبته وقال:

" أنا أحرم هذا ( يقصد التدخين ) على الجميع وعلى المرأة أكثر ما أقبح المرأة التي تسود أسنانها من شرب السجائر ولا تطاق رائحتها، من هذه الرائحة الكريهة.. النبي صلى الله عليه وسلم حرم على المسلم اذا أكل بصلاً أو ثوماً أو كراتاًً أن يذهب الي المسجد حتي لا يتأذى منه الآخرون فكيف تؤذي هذه المرأة رفيقها وزوجها والصاحب بالجنب؟.. هذا كله لا يجوز". وكعادة الشيوخ، فقد تجاوز الشيخ القرضاوي عن الرجل الذي يدخن ويؤذي صاحبته برائحة الدخان، أما أن تفعل ذلك المرأة وتؤذي صاحبها بالرائحة، فالعياذ بالله من ذلك. وحتى تكتمل الصورة، أضاف الشيخ منعاً آخراً على المرأة فقال: " لا يجوز أن تذهب المرأة الي المسابح والشواطيء المشتركة بالملابس المعروفة: المايوه والبكيني. " وأضاف ساخراً: " أصبحت المرأة، حرة فلماذا تظل في هذا الكبت في بلدها؟ ورد: والله هذا ليس كبتا، انه الاحترام، انه الوقار، انها الحشمة، انه الإحصان، انه الحياء الذي هو من الإيمان، ولا يأتي إلا بكل خير، لا ينبغي للمرأة المسلمة ان تضيع دينها اذا ذهبت في سياحة ولا الرجل أيضاً ". ونسى الشيخ أنه قد رأى الحشمة والوقار في الطائرة عندما اقتربت من باريس.

ومشكلة الشيخ القرضاوي وبقية الشيوخ الذين يدعّون أنهم مع الحداثة وأنهم وسطيون هي أنهم في الحقيقة كطواحين الهواء الهولندية التي تدور مع الريح، فلو تطلبت الريح السائدة الحداثة، فهم حداثيون، وإن تطلبت الأصولية فهم أصوليون. ولكن في الواقع هم يعيشون في القرن الحادي والعشرين بعقلية القرن السابع ويعتقدون أنهم الوحيدون الذين يعرفون الحقيقة التي لا تتغير. فمثلاً، يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، عندما جاء رجلٌ للنبي يشتكي إسهالاً فأشار عليه النبي بشرب العسل، فزاد إسهاله ورجع إلى النبي مرة أخرى، فطلب منه النبي أن يزيد من العسل، فزاد إسهاله، واستمرت الزيارات والإسهال إلى ان فني العسل وأخيراً توقف الإسهال، فقال الإمام في ذلك:

" فثبت بما ذكرناه أنَّ العسل جار على صناعة الطِّبِّ، وأنَّ المعترض عليه جاهل لها، ولسنا نقصد الاستظهار لتصديق الحديث بقول الأطبَّاء، بل لو كذَّبوه كذَّبناهم، وكفَّرناهم، فلو أوجدوا المشاهدة بصحَّة دعواهم، تأوَّلنا كلامه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذٍ وخرَّجناه على ما يصحُّ، فذكرنا هذا الجواب وما بعده عدَّة للحاجة إليه، إن اعتضدوا بمشاهدة، وليظهر به جهل المعترض، وأنَّه لا يحسن الصِّناعة الَّتي اعترض بها، وانتسب إليها. (ج/ص: 14/195). وهذا مجرد مثال عن عقلية الشيوخ الذين يكفرون الأطباء إذا اختلفوا معهم، ويدعون الحداثة في نفس الوقت لأنهم يستطيعون أن يتحدثوا عن الجينات والجينوم، كما يفعل الأطباء.

وقد سرنا ما حدث للشيخ القرضاوي ونرجو أن يعم كل الشيوخ، ولا يسعنا أن نقول للشيخ إلا ما قال الإمام الشافعي:
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء

حرم الإسلام التماثيل وكل الصور المجسمة، ما دامت لكائن حي مثل الإنسان أو الحيوان فهي محرمة، ولهذا حرم التماثيل. فتماثيل قدماء المصريين من هذا النوع.