المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وسيط الصلح في بيت علام يكشف كواليس التفاوض بين «الحناشات» و«عبد الحليم»



سمير
05-28-2005, 03:54 PM
القاهرة، سوهاج (مصر) ــ من محمود متولي


http://www.alraialaam.com/28-05-2005/ie5/par6.JPG


الكثيرون أشادوا بدوره المحوري والبارز في احتواء الصراع الثأري الشهير بين عائلتي الحناشات وعبد الحليم في قرية بيت علام في محافظة سوهاج بصعيد مصر، الذي راح ضحيته عدد كبير من أبناء العائلتين، انه المرشح السابق في انتخابات مجلس الشعب المصري (البرلمان) الدكتور خليفة رضوان خلف والذي ينتمي لقرية بيت خلاف المجاورة لقرية بيت علام.
اعتبره الكثيرون «كوفي أنان» الصعيد، بعد أن نجح بدرجة امتياز في تقريب وجهات النظر بين العائلتين مستعينا في ذلك بالحنكة والصبر وطلاقة اللسان التي يمتلكها وأيضا علاقته الطيبة والوطيدة بكبار العائلتين.

وخاض الدكتور خليفة دور حمامة السلام مع مجموعة من أهل الخير والثقة ورجال الأمن في جرجا (سوهاج) ماراثون طويلا من المفاوضات والمداولات الشاقة والمضنية على مدار أكثر من عامين من أجل اقناع كلا الطرفين بقبول الصلح التاريخي الذي جرى اخيرا في القرية لاغلاق ملف هذا المسلسل الدموي.

«الرأي العام» التقته وطرحت عليه العديد من التساؤلات والاستفسارات الحائرة، وفيما يلي تفاصيل ما دار في هذا الحوار:

متى بدأ مسلسل الثأر بين عائلتي عبد الحليم والحناشات حتى اتمام عملية الصلح بين الجانبين؟

ــ بداية مسلسل الثأر بين عائلتي الحناشات وعبد الحليم بدأ في العام 1991م عندما قُتل أحد أبناء عائلة الحناشات على يد أحد أبناء عائلة عبد الحليم، وجرت في أعقاب هذا الحادث مفاوضات للصلح بين الجانبين الا أنها باءت بالفشل الذريع لاصرار كل طرف على رأيه.
وفي أبريل 2002 قُتل آخر من عائلة عبد الحليم وأصيب ابنه وذلك ثأرا لمقتل أحمد أفراد عائلة الحناشات، وفي أغسطس من العام نفسه قتل 22 شخصا من عائلة الحناشات.

وعقب هذه الأحداث الدامية لم نيأس من محاولات اجراء الصلح حقنا للدماء بين الجانبين بمشاركة مجموعة من قيادات الأمن والقيادات الشعبية والمحلية وأهل الخير والثقة المحايدين من غير المقربين من العائلتين، الا أن الجريمة كانت أكبر من الجميع حيث كان الجرح لايزال غائرا في ذلك الوقت وكان من الصعب أن يتحدث أحد في اجراء أي صلح بين العائلتين.

وبعد مرور نحو عام من الحادث، كنت أقوم بزيارات متبادلة للعائلتين من دون أن أتحدث في عرض موضوع الصلح بينهما، لأن الظروف لم تكن مواتية بالمرة، ولكن بعد تنفيذ الحكم باعدام 6 من أبناء عائلة عبد الحليم والحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على 10 آخرين وهم المتهمون في الجريمة الأخيرة، بدأنا نسعى لاجراء وعقد هذا الصلح بين الجانبين من منطلق أن كفة الخسائر بين العائلتين بدأت تتوازن وتتعادل.

وبدأنا بالحديث عن الصلح مع عائلة الحناشات، لقبول هذا الأمر وأكدنا لهم أن الجميع سيكون خاسرا في هذا المسلسل الثأري الذي سيؤدي الى دوامة لا نهاية لها للطرفين وسيدفعان ثمنا غاليا في حال استمرار صراع مسلسل القتل بينهما.

وقلنا لهم «أي الحناشات» هبوا انكم قتلتم 50 شخصا مرة واحدة من عائلة عبد الحليم هل سيعيد لكم ذلك أبناءكم الذين قُتلوا وهل سيفتح أبواب بيوتكم التي أغلقت أو هل سيعيد جيلا من الماضي؟.

وقد بذلنا مجهودا مضنيا وشاقا وخضنا أشواطا طويلة وكانت الجلسات الخاصة بالصلح مع عائلة تمتد حتى الفجر لاشهر طويلة لاقناعهم بابرام الصلح في وقت كانت فيه العائلة الأخرى تقبل ذلك من دون اعتراض على المبدأ نفسه.

وبعد مفاوضات شاقة وافق الحناشات على قبول الصلح وطلبوا فيه أن يقوم 17 شخصا من عائلة عبد الحليم بارتداء الكفن من دون وضع غطاء على الرأس «عمامة أو شال» وأن يكونوا حفاة كما جرت العادات والتقاليد في مراسم وشروط الصلح الخاصة بجرائم الثأر.

وبالرغم من حدوث خلاف في هذا الاتجاه، تم تقريب وجهات النظر بين الجانبين بعد ماراثون طويل من المداولات والمفاوضات المضنية وتقرر أن يحمل أفراد عائلة عبد الحليم الكفن على أيديهم من دون ارتداء غطاء للرأس فقط، كما طلب الحناشات، بل واشترطوا حضور أسماء بعينها من رؤوس وقيادات عائلة عبد الحليم من العاملين في الكويت والسعودية وليبيا ليكونوا ضمن الـ 17، وبالفعل تم استدعاء هذه الأسماء منهم ثلاثة من الكويت وشخص واحد من السعودية وآخر من ليبيا وحمل بعضهم الكفن في جلسة الصلح التي جرت أخيرا.

ولكن هناك ملاحظة مهمة أنه تم الجمع في شروط هذا الصلح ما بين القودة والدية، وهو أمر نادرا ما يحدث؟

ــ بالفعل تم الاتفاق على أن يؤدي آل عبد الحليم دية مقدارها مليونا جنيه وهي المرة الأولى التي يتم فيها اقرار الدية في حوادث الثأر بالصعيد بعد أن كانت تعتبر عيبا في الأعراف والتقاليد الخاصة بجرائم الثأر، ولكنه اتفق على أن يتم استغلال قيمة الدية «مليوني جنيه» في القيام بأعمال خيرية وتنموية تخدم قرية بيت علام لتفادي الاستغلال السيئ لها.

وللمرة الأولى في هذا الصلح يتم الجمع بين دفع الدية وحمل الكفن في آن واحد معا، حيث ان الدية تعد من الحقوق التي نص عليها الشرع، أما حمل الكفن فهو أحد الأعراف السائدة في الصعيد، وجاء هذا الجمع تأسيسا على ما حدث وهو ما جعل عائلة عبد الحليم يعترضون على الحكم عليهم بدفع الدية وحمل الكفن في وقت واحد، ورأوا في ذلك حكما قاسيا ومبالغا فيه، الا أننا أكدنا أن حجم الأضرار مادية ونفسية ومعنوية كانت كبيرة فوافقوا على هذه الشروط.

وعلى أي أساس تم تحديد عدد 17 شخصا من عائلة عبد الحليم لحمل الكفن وليس 22 شخصا؟

ــ تم تحديد 17 شخصا لحمل الكفن على أساس مقتل 22 شخصا من عائلة الحناشات ثم خصم 6 منهم وهم الذين نفذ فيهم حكم الاعدام من عائلة عبد الحليم بعد ادانتهم في الجريمة فأصبح العدد المطلوب 16 شخصا وأضيف اليهم 3 آخرون كانوا أصيبوا في حادث الـ 22 على اعتبار أن المصاب في عرف جرائم الثأر يعد في حكم القتيل فارتفع العدد المطلوب دفع ديته الى 19 شخصا، وتم بعد ذلك خصم القتيل الذي لقي حتفه في الكويت في يناير الماضي على يد أحد أفراد عائلة الحناشات فأصبح العدد المطلوب 18 شخصا ونقص العدد مرة أخرى الى 17 شخصا بعد أن تم اعتبار الشخص الذي مات في السجن من العشرة المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة «ينتمي لعائلة عبد الحليم» في حكم القتيل وعلى أساس ذلك تم الاتفاق على أن يقوم 17 شخصا من عائلة عبد الحليم بحمل الكفن ولقي الاقتراح ترحيبا من الطرفين.

وعلى أي أساس تم تقدير مبلغ الدية البالغ 2 مليون جنيه الذي دفعته عائلة عبد الحليم للعائلة الأخرى؟

ــ قبل تحديد قيمة الدية كان أمام اللجنة الشرعية ولجنة المصالحة خيارات عدة والتي شارك فيها نخبة من مشايخ وعلماء الأزهر في جرجا وسوهاج منهم مدير عام الدعوة في سوهاج الشيخ حسين السيوطي ومدير عام الوعظ في سوهاج الشيخ محمد زكي، بالاضافة الى وكيل الأزهر الشريف الدكتور محمود امبابي وغيرهم، وتم تقدير الدية على أن تدفع قيمتها بالجمال أو الذهب أو الفضة أو الحرير كما ينص الشرع.

الا أنه كان من الصعب تنفيذ ذلك نظرا لارتفاع قيمة هذه الأشياء في أيامنا هذه فعلى سبيل المثال كانت الدية المقررة نظير القتيل الواحد تبلغ 100 جمل وقيمة الجمل الواحد هذه الأيام تبلغ 5 آلاف جنيه مصري أي أن دية القتيل الواحد ستبلغ 500 ألف جنيه أي أنه مطلوب دفع 8 ملايين و500 ألف جنيه نظير دية الـ 17، وكان من الصعب ان لم يكن من المستحيل تنفيذ ذلك فتم تقدير الدية على أساس حساب الفضة لتصبح 120 ألف جنيه عن القتيل الواحد.

ما أصعب المحطات والمواقف التي واجهتكم خلال ماراثون المفاوضات التي قمتم بها مع العائلتين حتى تم اجراء الصلح بينهما؟

ــ مواقف كثيرة واجهتنا خلال المفاوضات التي أجريناها خلال هذه الأزمة، من بينها أسلوب حمل الكفن كما ذكرت، وأيضا تحديد قيمة الدية، كما ظهرت على السطح نقطة خلاف أخرى، كان يرى كبار العائلتين أن أفرادا يمكن أن يقوموا باستفزاز الآخرين في يوم ما عقب عقد جلسة الصلح ولكن تم احتواء هذا الهاجس بعد التأكيد على أن العائلتين رضيتا بالصلح, وأقول لقد واجهتنا نقاط خلاف أخرى كثيرة بين الجانبين تتجاوز المفاوضات التي جرت في اتفاقية «خارطة الطريق» ولكن تم حلها بعد جهد جهيد.

وكيف ترى الدور الذي لعبه الأمن في تهدئة الأوضاع في بيت علام عقب الجريمة البشعة وحتى انعقاد جلسة الصلح بين العائلتين؟

ــ قوات الأمن لعبت دورا محوريا ومهما في عدم تصاعد الأحداث عقب كل حادث وبعد أن فرضت قبضتها على مجريات الأمور في بيت علام للحيلولة دون حدوث أي ردود أفعال خطيرة قد تصدر من أي طرف حيث تمت الاستعانة بعدد كبير من هذه القوات انتشرت في ربوع القرية منذ هذا الحادث الشهير، كما تم فرض حال عدم التجول بالقرية لفترة غير قصيرة، ومن ثم في كل المراحل النهائية من الصلح، اضافة الى استمرار مراقبتها للأوضاع في كل وقت.

وهل تم جمع أسلحة من العائلتين خلال هذه الأزمة؟

ــ نعم قامت الشرطة بجمع كل الأسلحة التي كانت في حوزة كل من العائلتين وتجريدهم منها حيث تم جمع نحو 26 بندقية آلية كانت في حوزة العائلتين، بل ان الأمن صادر كل الأسلحة الموجودة لدى كل العائلات في بيت علام والتي استشعر أن لديها أسلحة نارية من أجل ضبط النظام واستتباب الأمن في القرية.

كما قام الأمن بحملات تفتيش وجمع أسلحة من أجل احباط أي محاولات لبث الرعب والفوضى من قبل كل من يحاول ذلك، كما تم أيضا اعتقال تجار الأسلحة في المنطقة والقبض على عدد آخر من الذين يسهلون عمليات بيع هذه الأسلحة لأفراد العائلتين.

كيف كانت تسير الحياة اليومية في بيت علام في مرحلة ما قبل الصلح، الذي أعاد الراحة والحركة الى القرية؟

ــ لاشك أن الخلافات أثرت بشكل واضح على كل عائلات بيت علام وليس عائلتي الحناشات وعبد الحليم، حيث فرضت قيود أمنية صارمة خلال عملية الدخول والخروج من القرية طوال فترة 34 شهرا وحتى ابرام جلسة الصلح، حتى أن سائقي الأجرة بالقرية توقفوا عن العمل على الخطوط المؤدية من والى بيت علام.

وفي ظل هذه الحال التي فرضت نفسها على مجريات الأمور بها، هجر المزارعون أراضيهم التي أصيبت بالبوار وماتت من العطش، كما توقف طلاب وتلاميذ المدارس عن الذهاب لمدارسهم وكلياتهم ما تسبب في فصلهم وكل هذا ضرب الظروف الاقتصادية لمواطني القرية في مقتل، ناهيك عن الآثار المعنوية والنفسية السيئة التي انعكست على أهالي القرية بشكل عام.

ما قراءتك لمستقبل الوضع في بيت علام والعلاقة بين العائلتين، بعد اتفاق الصلح التاريخي الذي جرى أخيرا؟

ــ من منطلق قربي من الأحداث السابقة أرى أنه لن تحدث أي تجاوزات في المستقبل بين العائلتين، لأن الصلح الذي جرى بينهما شافٍ وسليم وسيكون بمثابة فتح صفحة جديدة من العلاقات الطيبة بينهما التي كانت في السابق قبل بدء الصراع الدموي لأن العائلتين تربطهما علاقات جوار ومصاهرة وقرابة ويعدان من أكبر العائلات في بيت علام.

كما أن عائلة عبد الحليم وافقت على ما تم الاتفاق عليه وطلبته عائلة الحناشات.
وأرى أنه من الصعب بعد كل هذا أن تخل احدى العائلتين ببنود الصلح الذي تم بينهما وأعتقد أن الشرطة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي تجاوزات أو اخلال قد يحدث بين الجانبين.

برأيك ما الدروس المستفادة من أزمة «الحناشات,,, عبد الحليم» بكل ما حملت من ذكريات وسنوات أليمة ودموية؟

ــ أرى أن كل شخص في بيت علام بل والقرى الأخرى المجاورة قد استوعب درسا قويا من المحنة التي شهدها بيت علام وأيقن الجميع أن عادة الثأر هي تجارة خاسرة وأيقنوا أيضا أن التسامح عن الآخر حتى وان كان مخطئا أمر لا يعيب الشخص أو الطرف المتسامح بعد أن تسببت هذه المأساة في اصابة الجميع بالدمار والخراب والويلات والمعاناة على كل الأصعدة وجاء الصلح لكي يبدأ الجميع عهدا جديدا وينسى الفترات المريرة التي مرت حتى يتعايشوا في أمن وأمان ووئام.

وكيف يمكن تفادي عدم وقوع جرائم الثأر مرة أخرى في سوهاج بشكل خاص والصعيد بشكل عام؟

ــ أعتقد أن الدولة اذا تنبهت الى المشاكل التي يئن منها الصعيد كالبطالة التي تولد الفراغ واتخذت خطوات جادة لعلاج هذه المشاكل فقد تنجح في عدم تكرار مثل هذا الحادث مرة أخرى وستنتهي عادة الثأر.

فضلا عن الارتقاء بالظروف الصحية والتعليمية وزيادة التوعية الدينية والثقافية لدى أبناء الصعيد من خلال تكثيف الحملات الاعلامية التي تبين النتائج والآثار المدمرة لعادة الثأر التي لايزال الكثيرون يعتبرونها شكلا من أشكال الشهامة و«الجدعنة»!