المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكتب والنساء.. والأميركان



سمير
05-26-2005, 06:35 PM
اعتبر من أفضل التحقيقات الصحافية عن أفغانستان

بعد أن عاشت الصحفية النرويجية سايرستاد قي بيت بائع الكتب الأفغاني سلطان خان لمدة ثلاثة أشهر في كابل، ترسم من خلال هذا الكتاب صورة مقربة لدولة بأكملها، تحاول التعافي من الحرب، وتمر بأزمات سياسية، الواحدة تلو الأخرى، وتغرق تماما في مثلث الفقر والمرض والجهل. ولأنها أوروبية، فقد كان يحق لها أن تتنقل بين عالمي الرجال والنساء دون حرج، على عكس نساء الأفغان. ورغم أن الكتاب يدور حول خان بشكل اساسي، إلا أن نقطة قوته الحقيقة تكمن في القرب والصدق الذي تصور به الكاتبة حياة الأفغان.

فهي تصف بالتفصيل ـ وكأنها عايشت الحدث بنفسها ـ كيف قام خان بتخبئة حوالي 10000 كتاب في عديد من المخازن والمنازل في جميع أنحاء كابول. ورغم أن عمر سايرستاد لا يتعدى 31 عاما، إلا أن لها خبرة طويلة في التغطية الصحفية للحروب وتتميز بأنها مراقبة دقيقة للأحداث من حولها. وتقول أن لبسها للبرقع ضايقها بعض الشيء في البداية، إلا أنها اكتشفت ميزته فيما بعد في مساعدتها على مراقبة ما حولها دون لفت الأنظار إليها. كما أن هذا الحجاب ساعدها على الاقتراب من نساء بيت سلطان خان، اللاتي شعرن أنها واحدة منهن بعد ارتدائها للبرقع مثلهن.

ومن خلال هذا التقارب، تتعرف سايرستاد على المجتمع الأفغاني الحقيقي. ونتيجة لذلك حقق هذا الكتاب أرقام مبيعات عالية، ويعتبر من أفضل التحقيقات الصحفية التي كتبت عن أفغانستان، خاصة أثناء فترة حكم طالبان، ثم سقوطها. تحكي المؤلفة ايضا عن الأساليب المختلفة التي يتبعها البشر للخروج من دائرة الفقر والعوز. فهناك من يتخلى عن مبادئه وأخلاقه. وهناك من يعمل ويكد ويشقى من سن مبكرة ليحصل على قوت يومه بشرف. وبرغم صعوبة الحياة يجد الناس طرقا وأساليب لإدخال البهجة على نفوسهم. فحفلات الزواج ـ رغم بساطتها ـ مليئة بطقوس دينية إسلامية وأخرى خاصة بالأفغان تنبهر بها الكاتبة وترصدها بكل دقة من داخل المجتمع، وليس باعتبارها أجنبية من خارجه. وهذا المزيج بين كون الكاتبة غربية وبين تغلغلها في المجتمع الأفغاني ساعدها على تبني نظرة موضوعية، لا تتحيز لهذا الجانب أو ذاك.

وإذا كانت الكاتبة ـ كما تقول عن نفسها ـ لم تتفهم أسباب ما اعتقدته تناقضا في شخصية خان في البداية، فإنها تفهمته جيدا في نهاية رحلتها. ففي البداية كانت ترى تناقضا بين حفاظ خان على الكتب من الدمار، وبين معاملته لنسائه ومنعه لهن من السفور والخروج وحدهن. لكنها بعد فترة من مكوثها هناك وتفهمها للشريعة الإسلامية توصلت إلى أنه لا تناقض بين الاثنين. تتطرق الكاتبة أيضا إلى حالة أفغانستان بعد دخول القوات الأميركية.

وهي ترى أن القوات الأميركية لم تحسن نوعية حياة المواطن الأفغاني. حتى الاستقرار والنظام الذي فرضته لم يعد على الشعب الأفغاني بأي عائد إيجابي. ترسم المؤلفة صورة حية للأفراد الذين عايشتهم، مما يضفي حيوية على الكتاب، ويجعلنا نتفاعل مع هؤلاء، إما بالتعاطف أو بالتفهم على أدنى تقدير. لكنها لا تفرض ذلك علينا فرضا، بل تترك مساحة للقارئ لتكوين رأيه بنفسه، وتساهم هي فقط بالوصف الدقيق الذي تتميز به. ويبدو الأمر وكأن المؤلفة قد مرت بتجربة غيرت مفاهيمها ونظرتها للأمور، ووسعت أفقها وجعلتها أكثر مرونة. وبذلك حققت الكاتبة أكبر فائدة من رحلتها وتجربتها تلك. وقد تأثرت كثيرا بشخصية سلطان خان، الذي اعتقل عدة مرات لمعارضته قرار السلطة بمنع بيع كتب تحمل آراء مناهضة لآرائها.

ورغم ذلك أصر على التمسك بدوره في حمل راية التنوير والعلم والثقافة في بلاده. ويعبر خان عن ذلك الموقف قائلا: «إذا كانت بلادنا غارقة اليوم في الجهل والظلام، فإنها لم تكن كذلك في يوم من الأيام. وواجبي هو المحافظة على تراث تلك البلاد، أملا في استعادة نهضتها الغابرة». النقطة الوحيدة التي أخذت على هذا الكتاب هي أنها لا تمنح القارئ أية خلفية عن تاريخ أفغانستان أو تركيبته الاجتماعية، بل تفترض معرفة القارئ السابقة بها. وهو استكمال كان يمكن أن يجعل الكتاب كاملا من كل جوانبه. لكنه في مجمله كتاب جيد للغاية، لأنه يمنح القارئ نظرة من الداخل على المجتمع الافغاني المغلق، الذي نادرا ما يسمح لأي غريب باختراقه.