المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعارات يعيشون بها! ........أنيس منصور



دشتى
05-04-2005, 06:56 AM
http://www.asharqalawsat.com/01common/teamimages/444-anees.gif


يسألونك أحيانا: ما هي الحكمة التي تعيش بها..

فتقول: اللي يمشي عدل يحتار عدوه، واللي يمشي عوج يحتار حبيبه فيه.. أو الصبر مفتاح الفرج.. أو مشيناها خطى كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطى مشاها.. ومن كانت منيته بأرض فليس يموت في ارض سواها.. أو الستر.. أو مهما يكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم.. أو من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط..

وكل الموروثات الشعبية والتراث الديني والأخلاقي.. والوصايا العشر وما جاء في أسفار التوراة والانجيل والقرآن الكريم وكتب الحكمة الهندية والصينية ، كلها تقف أمامنا كالجبال أو كأطواق النجاة. فلا نكاد ننطق بها حتى نباركها لأنها قد باركتنا..

وفي الحياة السياسية ايضا نقول: السياسة هى فن السفالة الأنيقة.. أي أن تكون سياسيا معناه أن تكون سافلا بأناقة.. وفي السياسة نقول ايضا: القوة مفسدة، والقوة المطلقة مفسدة اطلاقا..

وفي الأخلاق: خير الأمور الوسط.. وأصعبها ايضا. رب ضارة نافعة.. لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع..

ومن أسخف ما أفرزته السياسة في زماننا وفي بلادنا: بالروح بالدم نفديك يا صدام يا جمال يا عرفات.. فلا أحد يفدي أحدا، لا بالروح ولا بالدم. ولكن عقمت الأمة العربية، فلم تجد إلا هذا النداء الذي نحاول أن نجعله شجيا موسيقيا. وليست قوته إلا في بنائه الغنائي!

ومن العجيب أنني استمعت أخيرا الى هذا الهتاف من بغداد.. والهتاف لصدام حسين ـ بالروح بالدم ـ بعد كل هذا الذي حدث. إنهم طبعا لا يقصدون صدام وانما يغيظون الأمريكان (العلوج).. أو يترحمون على صدام الذي عندما رأوا غيره وجدوه أرحم.

قال الشاعر:

دعوت على عمر فمات فسرني

فعاشرت أقواما بكيت على عمر

وعندما سافرت مع الرئيس السادات إلى إسرائيل كان يوما رهيبا مخيفا. ليس له مثيل في حياة أي انسان.. أعترف بأنني دخت.. وقد رأيت صورتي في مطار بن جوريون أدور حول نفسي. وذهبت إلى الفراش مبكرا. وحاولت أن أنام. ونمت، عندما سمعت دقا على الباب: انهض سيادة الرئيس عاوزك ضروري!

وذهبت إلى الرئيس فوجدته بالبيجاما جالسا في منتصف السرير. وسألني: أنت لم تقل لي ماذا رأيت في الشارع الإسرائيلي؟ قلت إنهم كانوا يحملون الردايوهات الصغيرة ويقفون في الشوارع، فلما رأوك رأي العين عادوا إلى بيوتهم فاعتدل الرئيس السادات سعيدا جدا وقال: الآن نحن أخذنا سيناء.

أنا أقول لماذا؟ لأن الشارع هنا هو الذي يحكم. وهو القوة الضاغطة على أية حكومة. أما الشارع بتاعنا: بالروح والدم، فنحن نعطيهم فلوسا واجازات بسبب هذه الهتافات، ثم نظر إلى السقف ونزل من السرير وجلس وقال لي وهو ينظر إلى السقف كأنه يريد أن يعرف إن كانت هناك أجهزة تنصت ثم قال: هذه أكبر غلطة ارتكبها بيجين فلو كنت أنا بيجين وهو السادات وطلب مني زيارة اسرائيل لقلت له: ابدا.. أنتم زعماء كذابون ليست لكم كلمة ـ وفي هذه الحالة تتأجل القضية مائة سنة أخرى. ولكن عندما قلت له إنني اريد أن أزورك وألقي خطابا في الكنيست وافق فورا ظنا منه أنني أهوشه وإنني لن أذهب إلى اسرائيل، فلما وافقت كان ذلك احراجا شديدا!

ثم ظهر الارتياج الشديد على وجه السادات وقال: إن أحدا في اسرائيل لا يستطيع أن يعارض الشعار الذي رفعته: لتكن حرب أكتوبر آخر الحروب.. إن هذه العبارة كانت السحر الذي أذهل كل الشعوب اليهودية في إسرائيل!