المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مراهقون مصريون احترفوا تحضير الأرواح واستخراج الجان



المهدى
05-03-2005, 10:14 AM
القاهرة ـ وليد طوغان

يبدو أن حال جرائم الشعوذة دخلت السنتين الأخيرتين أوساط المراهقين، الذين استطاعوا- ببراعة شديدة- ابتكار طرق مختلفة للنصب باستخراج الجن، وشفاء الضعف الجنسي، وتحضير الأرواح.

المثير أيضا لدى المتخصصين أن المراهقين بدأوا يشكلون نسبة عالية في مجال الجريمة، ما جعل البعض يقول ان عصر المعلوماتية وجيل الفضائيات بدأ يثبت جدارته في تحقيق «ثورة من نوع خاص» في دنيا الاحتيال بالسحر وجرائم الدجل وهذا ملف تفتحه «الرأي العام» في السطور التالية:

آخر دراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أشارت أولا إلى أن عدد المراهقين في مصر تعدى 35 في المئة ما يعنى أن أكثر من ربع المجتمع المصري من المراهقين ويصبح الأمر في طور الخطورة مع تأكيد الدراسة ارتفاع نسبة الجرائم التي يقوم بها المراهقون إلى 39 في المئة مقارنة بجرائم المراهقين العام 95 التي لم تتعد نسبة 27 في المئة وقتها.
وأشارت الدراسة نفسها إلى أن عالم العنف في أوساط المراهقين لم يعد استثناء، وهو ما يعتبر مدخلا لجرائم كثيرة مختلفة بدأت تتكون مع «الاحتجاجات المجتمعية التي غالبا ما بدأ يلعب عليها كثيرا صغار السن في تنفيذ جرائمهم، التي ينتظر أن تتعدى النسبة المذكورة بثلاث درجات العام 2007.

إذا كان غريبا ومقلقا نسبة جرائم المراهقين بالنسبة لجرائم الكبار، فإن الأكثر إثارة للقلق هو دخول جرائم المراهقين عالم «السحر والشعوذة» و«العلاج بالاعشاب» وابتكارهم أساليب حادة الذكاء في الإيقاع بضحاياهم, وربما الصدفة الحقيقية «التي أشارت إليها الدراسة السالفة هي ضلوع أكثر من 9,870 مراهقا (دون الـ 18) خلال عام 2003 في تنفيذ جرائم نصب واحتيال على شخصيات محلية وعربية بدعوى استخراج الجن من أجسادهم، أو تحضير العفاريت لتلبية متطلبات معينة للراغبين.

(جرائم وأرقام)
وفي العام نفسه اتهم ما يزيد على 5700 مراهق داخل نطاق مديرية أمن القاهرة في جرائم «ترويج مواد غريبة,,, وغير صالحة للاستخدام الآدمي ودون ترخيص، وكانت معظم هذه المنتجات الضارة عبارة عن وصفات شعبية لعلاج الضعف الجنسي.
وفي نسبة عالية من القضايا التي أحالتها النيابة العامة للقضاء ثبت أن المراهقين المتهمين هم الذين صنعوا تلك المواد بأنفسهم.

الدكتورة هدى زكريا أستاذ الاجتماع السياسي ترى أنه: «حتي العام 1995 كان معظم المحولين للقضاء في النيابة العامة من الاشخاص الذين تزيد أعمارهم على الـ60 من السنوات حتى أن بعض السيدات اللاتي تم ضبطهن في قضايا دجل وكن تحت الـ45 كن يلجأن إلى مكياج يغير في الشكل تسهيلا «للإيقاع» «بالزبون» الذي يطلب مساعدة لاستخراج الجن، أو العلاج من مرض الضعف أو العجز الجنسي عن طريق العفاريت».

وترى الدكتورة هدى زكريا أن الدراسة الجديدة «التي اطلعت على بعض تفاصيلها» تفتح الطريق أمام ملاحظات عدة، أولا فيما يتعلق بالذات بقضايا الدجل والسحر تلعب المشاكل عاملا غاية في التأثير بالنسبة للزبائن، إذ ان العامل الأساسي للإقناع بقدرة شخص على تسخير الجن لابد أن يكون مقرونا بنسبة الذين يتم عند المخدوعين عن خبرات في هذا المجال، وهو ما يجعل وقوع الضحايا في هذا النوع في براثن مراهق لم يتعد الـ«18» من عمره، وقدرة هذا المراهق على الحصول على مبالغ مالية من الزبون لتسخير الجن ينم عن ذكاء حاد في طريقة المراهق في الاقناع وذكائه في فهم شخصية الزبون.

الملاحظة الثانية في رأي الدكتورة زكريا هي «معلومات هؤلاء المشعوذين المراهقين الذي يجب أن يثار تساؤلات حول مصدرها، إذ ان هناك لغة خاصة وطرقا مختلفة متعارفا عليها في عالم الشعوذة تأخذ وقتا وفترة طويلة في التعلم وفي النهاية لا يتعلمها إلا المصر عليها بالفعل».

وتكشف عن أن معظم جرائم المراهقين اقترن أحرازها ببعض حروف اللغة «اليذرجية»(لغة سريانية قديمة) وأثبتت الدراسة أن المراهقين المتهمين كتبوها بأنفسهم وهو ما يجعل الدكتورة هدى زكريا تعقب بقولها: «هذا المؤشر خطير إذ اننا أمام مراهق مصر على تعلم ما يخدع به الآخرين، وإذا كانت بعض اللغات القديمة التي تستخدم في الشعوذة سهلة التعليم إلى حد ما فإن اليذرجية لغة من أصعب اللغات».

إخراج الجن بالكهرباء
وشكلت نسبة جرائم الشعوذة «لابطالها المراهقين» بالنسبة لجرائم الكبار «22 في المئة» في مناطق الصعيد، بينما ترتفع النسبة إلى حد ما لتصل إلى «25 في المئة» في محافظات الوجه البحري بينما وصلت في محيط المدن الكبرى «الإسكندرية وبورسعيد والسويس والقاهرة الكبرى»، إلى 35 في المئة مقارنة بجرائم الشعوذة المتهم فيها أشخاص فوق الـ«45» من العمر.

ولعل أشهر القضايا التي تتداولتها المحاكم الآن قضية الطالبين «ن,م» و«س,ع,أ» بالفرقة الرابعة في إحدى كليات العلوم، اللذين حصلا على مبلغ تعدى الربع مليون جنيه مصري من أحد أعيان قرى الصعيد بعد إيهامه بقدرتهما على إخراج الجن من جسد ابنته، واستخدما جهاز «كهرباء» يستعمل في مجال الطب النفسي لإعطاء ابنته دفعات كهربائية على المخ، بعد معرفتهما بإصابتها ببعض أعراض الفصام، ما أكد لأبيها أن هذه الطريقة هي المثلى لإخراج الجن الذي دخل جسدها منذ سنوات.

ويرى أستاذ علم النفس في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الدكتور راضي حامد أن تلك الوقائع تشير إلى قدرة المراهقين في الخلط بين العالم وبين التصورات والمأثورات والخيالات الشعبية القائمة على الخرافة والخيالات، فهو - أي المراهق- يلعب على وتر تلك الخيالات عند البسطاء، فيما يحاول بثقافته التي اكتسبها من المجتمع والواقع المحيط حل المشاكل بطريقة علمية كما يتصور وفي النهاية يجب ألا نغفل أن عينهم على المكسب المادي المبالغ فيه، بصرف النظر عن الوسيلة ولا النتائج.

ويرى الدكتور صادق، أن تحليله يفسر قلة نشاط نسبة جرائم الشعوذة التي يشارك فيها المراهقون بالصعيد، حيث شخصية المراهق الجنوبي لا تميل فقط للاعتدال، إنما قلة الروافد الثقافية والمعلوماتية بالنسبة له والتي يمكن استغلالها في موضوعات مشابهة قليلة، فيما يفسر هذا التحليل أيضاً نشاط نسبة نصب المراهقين بالشعوذة في المدن الكبرى في نطاق القاهرة الكبرى إذ ان طبيعة الحياة في المدينة والروافد الكثيرة للحصول على المعلومات التي تؤهل للنصب على البسطاء متوافرة إلى حد كبير.

وخلال العام 2002 سجلت دراسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر مايزيد على 7680 مراهقا متهما بتصنيع وبيع مواد غير مرخصة لعلاج الضعف الجنسي، وذكرت الدراسة في الباب الثالث «اندهاش الباحثين الذين اجروا لقاءات مباشرة مع بعض المتهمين المراهقين، كان من كم المعلومات العلمية الصحيحة عن الضعف الجنسي وأنواعه.

وفيما أشار الباحثون في الدراسة إلى أن بعض متهمي هذه القضايا اعتمدوا على مواد بالفعل تساهم في علاج الضعف الجنسي لكنهم يواجهون تهم «بيع مواد خارج نطاق السجل الدوائي» ودون ترخيص، فإن آخرين، كما رأى فريق الباحثين أكدوا أن كثيرا من المتهمين كانوا على يقين بأن ما يبيعونه لا يدخل إلا تحت طائلة النصب والاحتيال.

ويرى المستشار في المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر الدكتور فريد عبد الخالق أنه يجب ألا نغفل الحالة الاقتصادية غير الملائمة التي ربما توجه البعض للجريمة، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن هذا ليس مبررا يمكن أن يعفي هؤلاء من العقاب.

ويركز الدكتور عبد الخالق أن سلوك المراهق هو اللافت للنظر خصوصا في نوعية الجرائم التي بدأ يتفوق فيها على الأكبر سنا، ومضيفا أن الوصفات الشعبية لعلاج الضعف الجنسي موجودة في مصر وكثير من مدن العالم العربي منذ مئات السنين، وكانت وسيلة للتكسب، لكن الملاحظ في سلوك مراهقي اليوم اعتماده على بعض المواد للتربح فإذا كان المراهق يعلم أنه يخدع المجتمع، وإذا كان هذا المراهق متعلما وطالبا في التعليم العالي، فهنا مكمن الخطر.

احتياجات سرية

والدكتورة هدى زكريا تعود وتربط بين أسلوب الجريمة والربط بين هذا الأسلوب والافكار التي توقع بالضحية عند المراهقين وهي تؤكد على أن إعلام العالم العربي المستورد من الخارج ساهم إلى حد كبير في تفعيل ابتكارات المراهقين تجاه الجريمة وفتح أمامهم مجالات عديدة لطرق جديدة مع ملاحظة قدرة المراهق نفسه على التركيز على احتياجات المجتمع السرية.
أما احتياجات المجتمع السرية- على حسب الدكتورة هدى زكريا- فهي «الأفكار الخرافية عند العوام المرتبطة إما بالدجل والشعوذة والجن والعفاريت، أو الطرق الملتوية لعلاج أمراض مستعصية وخاصة الضعف والعجز الجنسي على رأسها، فالرجل الشرقي لا يتحمل فكرة إصابته بمرض جنسي أو العجز خصوصا، وهو ما يجعله يعرض -خجلا أو حياء- عن طرق العيادات والوصفات الطبية، والمراهق في المدينة أصبح لديه مخزون ثقافي استطاع معه اكتشاف بعض هذه الاحتياجات السرية وهو ما جعله قادرا على اللعب على هذا الوتر وإيقاع عدد كبير من ضحاياه.

ولا تضع الدكتورة هدى عامل الضعف الاقتصادي والمعاناة المادية في الحسبان عند تحليل تلك الظواهر، خصوصا -على حد قولها- أن معظم الجرائم تقع بناء على اعتياد منفذها الإجرام واعتقاده الدائم في امكان إفلاته من العقاب، في حين أن كثيراً من المراهقين الذي يحمل نفس المعاناة لا يحتاج للجريمة.