المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العـلاج فـي الكويت.. أزمـة ضمير



جمال
05-02-2005, 12:00 PM
هل تحولت مهنة الطب إلى تجارة؟

تحقيــق: ثائــرة محمــد

الطب مهنة إنسانية عظيمة لأنها تعنى بأغلى ما يملك الإنسان وهو صحته.. ولكن مع تزايد عدد السكان في الكويت أصبحت هناك حاجة ملحة إلى تطوير ما يتعلق بهذه المهنة خصوصا في ظل الازدحام الذي تشهده المستوصفات والمستشفيات الحكومية الأمر الذي لا يدع لدى الطبيب القدرة الكافية على التشخيص السليم.. وهو ما دفع البعض إلى التوجه إلى المؤسسات الطبية التابعة للقطاع الخاص الذي بدا هو الآخر يعاني من الازدحام.

من أجل التعرف على مهنة الطب وهل بقيت على إنسانيتها أم أنها تحولت إلى تجارة كما هي حال الكثير من المهن.. قمنا بإجراء هذا التحقيق حول الأخطاء الطبية واثرها والعوامل المسببة لها، وهل يقتصر وقوع هذه الأخطاء على القطاع الحكومي أم انه وصل إلى القطاع الخاص كذلك؟ وما السبيل إلى تلافيها؟


يتحدث استشاري الأمراض الباطنية الدكتور يعقوب محمد الشوبكي عن أهم الأسباب المؤدية إلى الخطأ الطبي قائلا:

أهمها يعود إلى الازدحام في القطاع الحكومي سواء في المستوصفات أو المستشفيات.. فلك أن تتصور كيف يمكن لطبيب أن يكشف على 300 إلى 400 حالة خلال فترة بسيطة قد لا تتجاوز الساعتين، وكيف يمكن له في ظل هذا الكم أن يستطيع الاستماع والتشخيص الصحيح للمريض، خصوصا انه مضطر إلى متابعة جميع الحالات وبسرعة. في حين انه في القطاع الخاص يدفع المريض مقابل علاجه، لذلك فان التشخيص يكون افضل لأن الطبيب لديه القدرة والوقت الأكبر للاستماع إلى المريض، ومن ثم التحقق من مرضه وتشخيصه بشكل اكثر دقة.

وحول الأخطاء الطبية في التشخيص يتابع الشوبكي قائلا:

لا يمكن أن نضع اللائمة على الدكتور فقط فالمريض يتحمل قسطا كبيرا من الخطأ الطبي الذي قد يقع له، خصوصا إذا أخفى حقيقة القصة المرضية عن الطبيب كما قد يحدث لمصاب بالسرطان يخفي بعض الأعراض والنتائج عن الطبيب، أملا في العثور على شفاء من مرضه، ولا يشرح الأعراض للطبيب، لعدم رغبته في الاقتناع بأنه مريض بهذا المرض.. واملا في أن يحصل على تشخيص يختلف عن سابقه.. وهنا يمكن الوقوع في الخطأ الطبي والتشخيص الخاطئ بسبب إخفاء الحقيقة.


التشخيص حسب الطبيب
وتشخيص المرض قد يختلف من طبيب إلى آخر، والسبب في ذلك يعود ـ من وجهة نظر الشوبكي ـ إلى اختلاف كفاءات الأطباء وخبراتهم واختلاف الوسائل التشخيصية المتاحة لديهم والتي تسهل عليهم معرفة تشخيص الحالة..

أما عن طبيعة الأمراض التي قد توقع الطبيب في شك واختلاف بينه وبين أطباء آخرين حول تحديد نوع المرض فيقول: إن بعض الأمراض تتشابه في أعراضها غير الواضحة كالزائدة الدودية والتهاب المرارة ومن دون الوسائل التشخيصية المساعدة فان تحديد المرض يعتمد على «حس الطبيب» أي الحس الطبي.. في حين أن الحصوة في الكلى يمكن أن تظهر في السونار.. فهناك أمراض قد توقع الطبيب في شك عند تشخيصها إذا لم تتوافر الوسائل التشخيصية المساعدة في ذلك مثل أمراض بعض الغدد وامراض العقم وبعض الأمراض التناسلية.


تفسير الالتباس
وبسؤال الدكتور الشوبكي كيف يمكن تفسير الالتباس عند الناس حول الأخطاء الطبية يجيب بقوله:

إن هناك نتائج عمليات تكون متوقعة لا يدركها المريض، ويعتبرها خطأ طبيا على رغم أنها ليست كذلك. فنتائج أي عملية تصنف إلى نتائج مقبولة أو غير مقبولة وغير متوقعة مثل الأخطاء الطبية التي عادة ما تحدث أثناء الجراحة. وكما كنا نسمع منذ أن كنا صغارا عن نسيان فوطة ومقص داخل بطن المريض.. فهذه الأخطاء غير مبررة إذ إنها تكتشف بعد ذلك. وفي مثل هذا الخطأ تكون الهيئة التمريضية مسؤولة لأنها يجب عليها التأكد من عدد المقصات والأدوات الجراحية والكليبسات وغيرها، وتتحمل الممرضات خطأ الإهمال إلى جانب الطبيب.. وهذه الأخطاء تعتبر أخطأء غير مبررة وعقوبتها تشكيل لجنة تحقيق طبية للنظر في الظروف والملابسات للحالة المرضية وتحديد ما إذا كان الخطأ طبيعيا أو ناتجا عن إهمال يتحمله الطبيب أو الهيئة التمريضية.. ومن جانب آخر إذا ثبت أن العملية نتج عنها مضاعفات كان بالإمكان تفاديها فان الطبيب يعاقب على ذلك الخطأ.

ويشير إلى أن العقوبة القانونية تختلف من بلد إلى آخر، ففي بلد مثل بريطانيا على سبيل المثال ومنذ 10 سنوات هناك جمعيات الحماية الطبية «التأمين على الأطباء» ضد الأخطاء الطبية حيث تتولى شركات التأمين تعويض المتضررين ولكن يعاقب الطبيب من الناحية الأخلاقية.


أخطأء طبية لا تنسى
وعن الأخطاء الطبية التي لا تنسى وآلمت الدكتور الشوبكي يقول:

موت فتاة لم تكن تعاني مرضا وانما سمنة زائدة حيث اجريت عملية شفط دهون لها ولكن بشكل خاطئ مما أدى إلى وفاتها بسبب الخطأ الطبي.

ويؤكد ضرورة أن يتفانى الطبيب في عمله ولا يحسب حساب الوقت فيه لأن مهنته تختلف عن باقي المهن.

وبسؤال الدكتور الشوبكي عما إذا كانت هناك أدوية تصرف من دون حاجة حقيقية للمريض إليها يقول:

إن هناك بعض الأطباء وهم قلة مصابون بالجشع ويحبون الاستفادة المادية بغض النظر عن حالة المريض متناسين طبيعة هذه المهنة الإنسانية فيقرر أحدهم إجراء عملية للمريض أو منحه المزيد من الأدوية من دون النظر إلى المضاعفات التي قد تؤدي إلى إعاقة أو مرض مزمن أحيانا.. نعم هناك بعض الأطباء في القطاع الخاص يصفون أدوية لا يحتاج إليها المريض وذلك بهدف الكسب المادي فقط.


ورم في البطن لكنها حامل
اما أخصائية الأطفال الدكتورة سعاد البصيري فتقول عن أسباب خطأ الطبيب:

إن الطبيب لا يقصد الخطأ وعندما يعطي العلاج فان ذلك يكون بعد التفكير والاعتقاد أن هذا هو العلاج المناسب لهذه الحالة، لكنه يكتشف في منتصف الطريق انه أخطأ التشخيص هناك ومثال على ذلك عندما شخص أحد الأطباء حمل امرأة على انه ورم في البطن.. فالأخطاء الطبية يمكن أن تحدث نتيجة الجهل أو عدم الخبرة أو التسرع في التشخيص.

وعن ابرز التشخيصات الخاطئة واختلاف التشخيص من طبيب إلى آخر مما سمعت عنه الدكتورة البصيري هو عندما ذهبت إحدى قريباتها وكانت حاملا إلى أحد الأطباء فقال لها في السونار الأول أنها حامل بتوأمين وعندما أعادت السونار لدى طبيبة أخرى قالت لها انها حامل بمخلوق عجيب له أربع أرجل ولا بد من الإجهاض للتخلص من هذا الكائن الغريب.. ولإيمانها بالله وعدم اقتناعها أبقت على حملها وولدت توأمين صحيحين عمرهما الآن خمس سنوات وهما بصحة جيدة.


أخطأ الطبيب وراح يبكي
وتقول البصيري عن اغرب القصص التي تركت في نفسها أثرا كبيرا أن أحد الأطباء الأجانب جاءته مريضة كانت تعاني ورما في القولون.. وطمأنها بأنه سيزيل الورم وسوف تكون في أحسن حال وعندما أجرى العملية وفتح بطنها اكتشف انه سرطان حيث تمكن من جسمها فاسرع بإغلاق الجرح.. ولكن للأسف إن السرطان من الأمراض التي تمنع التئام الجرح بسهولة حيث تقل المناعة لدى المريض وبعد أن أنهى عمليته واستقيظت جلس يجهش بالبكاء عند قدميها ويطلب منها السماح لأنه اخطأ التشخيص ولكن القدر كان أسرع وماتت المريضة.


مشاكل أطباء الحكومة
الطبيب في الحكومة متهم عادة بعدم قيامه بواجبه على اكمل وجه سواء كان في الكشف أو العلاج.. عن هذا الموضوع حدثتنا البصيري قائلة:

إن طبيب الحكومة ملتزم بأمور معينة وخطة محددة ودواء معين لا يستطيع أن يتخطاه وإلا عوقب عليه.. وكذلك لا يستطيع صرف أدوية من خارج المستوصف حتى لا يتهم بأنه يشجع القطاع الخاص.. فهو طبيب يتصرف حسب المتاح له فقط.

وعن أخلاقيات الطبيب التي يجب أن يتحلى بها تقول:

الطبيب يجب أن يكون فوق مستوى الناس عامة ومثلا أعلى يحتذى به في أخلاقياته وسلوكه.. وليس من حقه إهمال المريض والانشغال عنه بشرب الشاي مع الممرضات وأمامه طابور طويل من المرضى ينتظرونه، سواء كان المريض يعالج بلا مقابل أو بمقابل مادي فعليه أن «يحلل معاشه» حتى ولو كان على حساب راحته.


إدارة المراقبة والجودة
وتعلن البصيري عن جديد وزارة الصحة الذين سيخدم المريض في هذا الصدد وهو تأسيس إدارة المراقبة والجودة لمراقبة الأطباء ليتابعوا عطاءهم وتشخيصهم للمريض كما يحدث في بريطانيا حيث يمنح الطبيب هناك دفترا أو سجلا يدون فيه انه في التاريخ الفلاني عالجت فلانا واعتقدت أن مرضه كذا وكذا وكان تشخيصي له كالتالي.. واعطيته الجرعة أو الوصفة الفلانية للعلاج.. وفي حالة الخطأ يسجل الطبيب انه اخطأ في العلاج وفي نهاية الشهر يجتمع الأطباء لمناقشة الأخطاء الطبية التي حدثت محاولين إصلاح الموقف واضعين أيديهم على الخلل.


حالة حدثت معي
وتؤكد البصيري أن هناك استغلالا من قبل بعض الأطباء في القطاع الخاص لبعض الحالات التي لا تحتاج إلى عمليات جراحية مشيرة إلى ما حدث معها عندما جاءها طفل مريض يعاني من كحة شديدة وطلب والده معالجته في أسرع وقت ثم سألها بعد أن وصفت له الدواء هل سيشفى قبل التاريخ الفلاني؟ فاستغربت سؤاله واستفسرت منه عن السبب فعلمت أن الطفل ستجرى له عملية جراحية لتعديل ختانه لاعتقاد الطبيب أن عملية الختان الأولى لم تكن مضبوطة. ولكنه اشترط أن يشفى من الحكة أولا حتى يتمكن من إجراء العملية وعندما أوقعت الكشف على الطفل وجدته طبيعيا جدا ولا يحتاج إلى أي عملية وكل ما يحتاجه عبارة عن تنظيف حول العضو وقد قمت بذلك على الفور.. لان الطهارة لا تحتاج إلى عمليتين وهي مجرد قطع جزء بسيط من العضو.

وتختم البصيري حديثها قائلة:

ـ هناك طفلة رضيعة جاءتني والدتها لعلاجها من مرض ما وكانت قد ألبستها قبعة فاعتقدت أنها للتزيين، لكنها سرعان ما قالت إنها تخفي وراء القبعة ورما في دماغ البنت وقد تقررت لها عملية جراحية لإزالة الورم ولكني طلبت الكشف عليها فوجدت أنها لا تحتاج إلا إلى مرهم وعالجتها على الفور من دون إجراء عملية على الرغم من أن تكلفة العملية التي كانت مقررة للطفلة كانت كبيرة.. وخرجت الام وهي سعيدة بإزالة الورم من رأس ابنتها التي اعتقدت أنه لن يزول إلا بعملية..

غداً.. الحلقة الأخيرة
__________________________________________________ _____________*

العجمي: أطالب بهيئة طبية مستقلة للتأمين على الأطباء ضد الأخطاء
من جهته يقول الدكتور مبارك العجمي طبيب العيون عن الأخطاء الطبية:

الخطأ وارد في أي عمل، والأخطاء الطبية عادة تصنف على أنها غير مقصودة لأن كل طبيب حريص على أن يشفى مريضه أو تنجح عمليته الجراحية ولكن الخطأ الطبي ليس كأي خطأ مهني آخر كالمهندس أو المدرس ربما لأنه يتعلق بصحة إنسان وحياته.. ويمكن أن يكون الخطأ الطبي نتيجة إهمال الطبيب أو جهله كأن يجري الطبيب عملية ويموت المريض بين يديه.

وحتى يتلافى الطبيب الجهل لا بد من أن يخضع لتدريب وخبرات.. وهذه مهمة وزارة الصحة التي لا بد لها من إجراء اختبارات لمهارات الطبيب حتى لا يكون منقطع الصلة عن كل جديد في عالم الطب ومثال ذلك عندما يقدم طبيب عيون على إجراء عملية قلب أو يعمل طبيب في اختصاصه من دون أن يملك الخبرة الكافية.. والوزارة حريصة على أن يكون لدى الطبيب مؤهل وشهادات علمية تثبت صلاحيته لهذا الموقع أو ذاك حتى لا يكون فريسة للجهل..

ويشير العجمي إلى أن هناك إهمالا كذلك من ناحية الطبيب حسب الأعراف الطبية، يقاسمه إياه المريض نفسه والهيئة التمريضية وكلهم يشاركون في الإهمال الذي قد تنجم عنه الأخطاء الطبية خصوصا إذا شرح الطبيب للمريض الحالة المرضية بأبعادها ونسبة نجاح العملية ومضاعفاتها. وما قد يحدث لاحقا هو نتيجة حتمية للعلاج وليس بيد الطبيب تلافيها.. وهنا لا بد من التأكيد على أن بعض الأعراض الجانبية للعملية الجراحية على سبيل المثال يعتبرها البعض ناجمة عن خطأ طبي ولكنها في حقيقة الأمر نتيجة طبيعية للعملية.


جهة للرقابة على الأطباء
يعتبر الدكتور العجمي أن تشخيص حالة كالزائدة الدودية واعطاءها موعدا متأخرا فيه نوع من الإهمال والتقصير من قبل الطبيب لعدم منح نفسه وقتا كافيا بالدرجة الأولى لتشخيص المرض الذي قد يحتاج إلى علاج عاجل ولذا يقترح وجود هيئة طبية مستقلة مسؤولة عن التأمين على الأطباء حول أخطأء المهنة لتحقق في أمر الإهمال والتقصير ولا بد من أن تكون هذه الجهة مستقلة من خارج وزارة الصحة للتأمين ضد المخاطر الطبية كما يحدث في بريطانيا..

ويشير العجمي إلى أن من مساوئ القطاع الحكومي الذي ما زال يؤدي مهامه انه يعاني بالدرجة الأولى من الازدحام الشديد من المراجعين مما يجعل الطاقم الطبي ضعيفا جدا.. مؤكدا أن هناك حاجة لتنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض عن طريق العلاقات العامة التي يدرك الجميع أهمية وجود أحد أعضائها في أي مكان علاجي كهمزة وصل بين المريض والطبيب.. إضافة إلى السجلات الطبية وتنظيمها.. وهذا ابرز الاختلافات بين القطاعين العام والخاص حيث يضبط الأخير هذه العملية بشكل جيد ومنظم.. فليس من مهمة الطبيب تنظيم المواعيد وهي ضمن مسؤوليات السكرتارية..