المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عرب الجاهلية كانوا ينسبون خيولهم إلى آبائها



على
05-02-2005, 07:38 AM
بنات الهواء وشاربات الريح

فى الموروث الشعبي أن أصولها ترجع إلى الاعوجيات


اطلق العرب على مروض ومربي الخيول اسم »السائس« وبعضهم يتثاقل الهمزة فيقلبها ياء, فيقول »السايس« بدلا من »السائس« والكلمات فصيحتان لا غبار عليهما وجمعها هو »الساسة او السواس«.
وجاء في كلامهم حول الرجل المتخصص في »سياسة الخيل« قولهم: »فلان سايس خيل ما عليه زود« اي انه لا يزود ولا يعلو عليه احد في مهنته.
ومن »سياسة الخيل« استخدامنا المسميات التالية: »سياسة الدولة« و »الرجل السياسي« و »ساسة الدول«.

زاد الراكب ام الخيل الاعوجيات:
ذكر محمد السائب الكلبي ان قوما من الازد كانوا اصهاراً لنبي الله سيلمان بن داود عليه السلام وفدوا عليه من اليمن لزيارته ولما ارادوا الرجوع الى بلادهم قالوا: يا نبي الله ان المسافة لاهلنا بعيدة فزودنا زاداً يبلغنا الى ديارنا فاعطاهم فرسا من خيله الاصائل, وقال لهم: اذا نزلتم منزلا فاحملوا عليها غلاما واحتطبوا فانكم لا تورون ناركم حتى يأتيكم بطعامكم, فكانوا اذا نزلوا منزلا ركبها احدهم للقنص فلا يفلت منها اية طريدة تقع عينها عليها من ظبي او بقر »مها« او حمار وحشي حتى قدموا الى بلادهم فقالوا: ما فرسنا هذه الا زاد الراكب فسموها »زاد الراكب« ويقال ان اصل خيل العرب من هذه الفرس وتحدر من ذرية هذه الفرس المهر المسمى »اعوج« لعوج في قوائمه فهو مصاب بهذا التشوه الخلقي عند ولادته.

و»اعوج« هو الجد الذي تناسلت منه ذراري الخيول العربية المسماة ب¯ »الاعوجيات« لان اعوج عندما كبر اصبح من نوادر الخيل واصائل الفحول فشبى اكثر خيول العرب فأنجبت »الاعوجيات« و »العوجان«.
وتقول بعض المراجع العربية ان عرب الجاهلية الاقدمين كانوا ينسبون خيولهم الى آبائها ثم فيما بعد نسبوها الى امهاتها مع ذكر آبائها تحصينا لاصالتها وحفظا لانسابها واستمرت مشجرات الخيل يذكر فيها الام بالدرجة الاولى ثم الاب, واستمروا على هذا المنوال الى يومنا الحاضر.

يقولون: هذه الفرس الحمدانية ابوها »المعنقي« وهذه الفرس الحمدانية الاخرى ابوها »الصقلاوي«.
لاحظت ان الفرسين حمدانيتان وهذا يعني ان والدتيهما حمدانيتان وجداتهما على طول عمود النسب الرأسي »حمدانيات« فهما منسوبتان الى »مربط الخيل الحمدانية« بينما والد الفرس الاولى من »مربط الخيل المعنقية« ووالد الفرس الثانية من »مربط الخيل الصقلاوية« فذرية الفرس تحمل نسب الام فاذا كانت حمدانية تبقى ذريتها حمدانية بغض النظر عن الحصان الاصيل الذي يشبيها »ينزو عليها«.

دلائل
يتردد في الموروث الشعبي لقبائل جزيرة العرب ان سلالات الخيول العربية المعروفة عند العرب الحاليين القدامى ترجع باصولها القديمة الى »الخيل الاعوج«.
يقول الشاعر الجاهلي عبده بن الطيب:
وقد وثبنا على عوج مسمومة
اعرافهن لأيدينا مناديل
ويقول العربي المعاصر الفارس تركي بن حميد »ت 1280 ه¯« شيخ قبيلة برقاء من عتيبة واصفا خيله ب¯ »العرج« وهو قريب من »العوج«:

عرج وهن بالوصف مثل القرانيس
على الطريخ موقفات كضومي
ويطلق بدو اليوم مثل اجدادهم بدو الامس صفة »الصافنات« على الخيل والواحدة »صافنة« ويقال للفرس »صافنة« عندما ترفع احدى يديها وتقف على طرف حافرها »سنبكها« وقد تفعل ذلك ايضا باحدى رجيلها ووقفتها الصافنة هذه تمثل قمة اللياقة والجمال.
وعلى ذكر »الصافنات« نذكر هذين البيتين حيث ورد في احدهما كلمة »صفونا« والبيتان لشاعر قبيلة تغلب وفارسها البارز في العصر الجاهلي عمرو بن كلثوم التغلبي قالهما ضمن قصيدته الرائعة بعد ان قتل ملك العرب عمرو بن المنذر بن امرئ القيس »حكم من سنة 532 الى سنة 578 م« ويسمى هذا الملك »عمرو بن هند« نسبة الى امه هند بن الحارث بن عمرو الكندي, ويلقب »المحرق الثاني« ويلقب ايضا »مضرط الحجارة« لجبروته وشدته يقول عمرو بن كلثوم:

وسيد معشر قد توجوه
بتاج الملك يحمي المحجرينا
تركنا الخيل عاكفة عليه
مقلدة اعنتها »صفونا«

تشبية »تزاوج« الخيل:
يقال »شبى الحصان الفرس« اي نزا عليها ليلقحها فالحصان »مشبي« والفرس »مشباة« وعملية الانزاء- التزاوج- اسمها عند العرب قديما وحديثا »آلتشبية« كل هذه المفردات المذكورة هي من العربية الفصحى.

وتشبية الخيل- اي تزاوجها- ليس له وقت ثابت فالفرس »تشبى« - اي تلقح- في اي وقت تطلب فيه الحصان خلال اشهر السنة بينما الناقة لها وقت مخصوص للتضريب »التزاوج« وهو الشتاء ففي هذا الوقت يضربها الجمل حيث يبلغ في هذا الوقت اعلى درجات الهياج الجنسي فالجمل يبدأ في اواخر الخريف »يسمي البدو هذا الفصل بالصفري« يهدر »يسمي البدو هذا الوقت بداية هدرة الجمل« وفي الشتاء يتصاعد هديره قوة وعنفا- اي يزداد هياجه الجنسي فيصبح مؤذيا لصاحبه واحيانا قد يصل اذاه الى درجة الخطورة فيقيد بقيد مخصوص لذا نجد البدو في موسم الشتاء يقربون نياقهم من الفحل الاصيل ليضربها لانه في اعلى درجات الاستعداد والتحفيز للتضريب, ولكن مع انحسار الشتاء وتراجعه يخف هدير الجمل تدريجيا وعند دخول موسم الربيع تتلاشى »مدة الهدرة« وتأتي »مدة الفدرة« حيث يفدر »يرتخي« البعير ويرجع الى حالته الطبيعية وينسى هياجه الجنسي الذي بلغ اشده في الشتاء.

اما الحصان والفرس فليس لهما وقت ثابت للتشبيج »التزاوج« فالفرس عندما تطلب الفحل »الحصان« تصبح كثيرة الحركات مطفوقة متمردة وفي بعض الاحيان تحرك اذنيها ورأسها بكثرة لاقل الاصوات التي تسمعها ويكثر رهيمها- والرهيم هو صوت حمحمة الفرس- هذه هي علامات الهياج الجنسي للفرس وتمسي الفرس في هذه الحالة »فرس معطي« او »فرس مشيع« او »فرس عاطف« فيتوجه صاحب الفرس الى اصحاب مرابط الخيل في القبيلة او الى اي شخص من افراد قبيلته يملك حصانا اصيلا معروف النسب يصلح لتشبية الخيل الاصيلة ليشبي فرسه »العاطف او المشيع« ومسمى هذا الحصان الاصيل الفحل يختلف باختلاف قبائل العربان فمنها من يسميه »حصان شبوة« ومنها من يسميه »حصان علوة« ومنها من يسميه »حصان طلوقة« ومنها من يسميه »حصان هدوده«.

وليكن معلوما ان هياج الخيل فترته قصيرة ولا يمكن ان يقارن بالابل فمدته ايام معدودات بعدما تخمد حركات هياجها وترجع الى حالتها الطبيعية بسرعة وقد تعاودها الحالة بعد شهرين او ثلاثة اشهر وهي عموما مزعجة لصاحبها في وقت الهياج ولكنها غير مؤذية له.

الرهيم
وهذا الفارس الشاعر حسين بن صُغيرَّ من اهل بلدة الخبراء في القصيم يخاطب فرسه الاصيلة »العبيه« التي عطفت وهاجت جنسيا فأزعجته بكثرة الرهيم والعطعطة يقول حسين بن صغير:
يا مهرتي لا تزعجيني بالرهيم
وانا على حب اللقيمي مضريك
ساق وسمحوق وفخذ شحيم
وانا اذكر الله من عيون تراعيك
باغ الى دب القضا بالقصيم
اقدم الله ي¯ »العبيه« وادنيك
»حب اللقيمي: من اجود انواع حبوب القمح »الحنطة«.

بعض البدو يحيل فرسه اي يجعلها حائلاً »الحائل عكس اللقحة« فهو لا يجعل الحصان يشبيها خاصة في وقت المعارك والغزوات بين القبائل لان الفرس اللقحة »الحامل« يقل نشاطها وتقصر سرعتها ولا تسعف فارسها في اللحظات الحرجة على عكس الفرس الحايل, فالبدوي يريدها حايلا في هذه الظروف المضطربة بين القبائل ليستفيد منها في الكر والفر.
وتلد الفرس بعد سنة من لقاحها ويلحق اصل المولود بأصل امه, ولا يروض ويدرب للركوب الا بعد ان يتم الثانية من عمره, اي يصبح جذعا ويعمر الى ما فوق العشرين سنة.

اسماء ولد الفرس
عند ولاته »طريح« وخلال السنة الاولى من عمره فهو »فلو« واذا اكمل السنة الاولى من عمره ودخل في السنة الثانية فهو »حولي« واذا اكمل السنتين من عمره ودخل السنة الثالثة فهو »جذع« واذا اكمل ثلاث سنوات ودخل الرابعة فهو »ثني« واذا اكمل الاربع سنوات ودخل الخامسة فهو »رباع« واذا اكمل الخمس سنوات ودخل في السادسة فهو »خماس« وفي هذا العمر تبدأ اسنانه اللبنية ذات اللون الاصفر بالسقوط ويظهر مكانها اسنان دائمة ذات لون ابيض ناصع.

واذا اكمل الست سنوات ودخل في السابعة فهو حصان كامل او فرس كاملة »قارح«.
ملاحظة: اذكر وانا فتى يافع بعض شيبان »شيوخ« القبيلة يسألون الخيال عن فرسه او حصانه قائلين له: كم قرح لفرسك? فيجيبهم قائلاً: عمر فرسي قرحين- اي ان عمرها 8 سنوات- وكلمة »قارح« تلازم الفرس الى نهاية العمر.

الفرس او الحصان القارح او الاقرح عند بعض القبائل ومنهم قبيلة الكاتب هو الحصان الذي يدخل في السنة السابعة من عمره.
بعض المؤلفات تجعل الحصان القارح الذي يدخل السنة الخامسة او في السنة السادسة.
والفرس اذا طلبت الفحل ليشبيها يسميها البدو »فرس عاطف« والجمع »خيل عواطف« او »فرس معطي« والجمع »خيل معاطي« او »فرس مشيع« واذا شباها الفحل وحملت يسميها البدو »فرس لقحة« واذا ولدت ورافقها ولدها »فلواً« او »فلوه« يسميها البدو »فرس مغلي« وفي السنة الاولى دائما لون الفلو في تغيير وجاء في امثالهم: »فلان توه فلو ما ينعرف له لون» يضرب بمن لا يميز الامور.

كحيلة
وهناك كلمة دارجة عند البدو تقال بخصوص الفرس الكريمة صريحة النسب, يقولون: »هذه الفرس كحيلة تشبى بالليل الاظلم او المظلم« اذا كانت الفرس المقصودة من نوع الكحيلات ويقول: »هذه الفرس حمدانية تشبى بالليل الاظلم« اذا كانت الفرس المقصودة من نوع الحمدانيات وتفسير هذا الكلام انهم لا يتشككون منها فهي اصيلة ومعروفة النسب ولا تحتاج الى فحص وتأكيد فهي تشبى حتى في وسط الظلام الدامس بينما جرت العادة عند العربان انهم يعرضون الفرس الكريمة على الحصان الاصيل »العلوة« ليشبيها »ينزو عليها« مرة في الصباح الباكر ومرة في المساء بعد الغروب.

وحول تحييل »الفرس- اي جعلها حايلاً يقول الفارس الشاعر شعلان بن صراع القشعمي هذا الحداء مخاطبا الشيخ الفارس علي بن فلاح الضويحي آل صويط من شيوخ قبيلة الظفير:
شريت حمرا محيلة
بشر علي بحيالها
وليا تلاقن سربتين
ارخي عليه حبالها
شرح البيت الاول من الحداء: يخبر خصمه الذي يجله الشيخ علي ابن صويط بانه اشترى فرسا حمراء حائلاً: »غير لقحة« وهو يبشره بحيالها- اي كونها خفيفة سريعة الحركة.
شرح البيت الثاني: يقول اذا تلاقت السربتان- سربتك وسربتي- فسوف ارخي عليك حبال فرسي- اشارة الى انه سيرخي عنانها هاجما عليه.

وذرية الخيل تنسب لامها فاذا كانت الام »صقلاوية« فكل ذريتها »صقلاويات« ولصيانة اصالتها من الخدش يشترط ان يكون الاب من الحصن العلوة الاصيلة ولا يشترط ان يكون صقلاوياً.
ومن عادات قبائل العرب انهم لا يسمحون لاب الفرس او لابنها او لاخيها او لعمها بتشبيتها لان هذا الامر مكروه عندهم.

ويطلق عربان البادية على الرجل الشجاع الكريم ذي الخصال الطيبة اسم »كحيلان« جاء في امثالهم: »كحيلان ما عذربه جلاله« عذربه اي عابه من العذروب اي العيب, او يقولون: »فلان كحيلان« فهذا الشيخ الفارس بطل شمر الاسطوري عبيد بن علي بن رشيد »ت 1288 ه¯- 1871 م« يمدح نفسه وهو يستاهل المديح قائلاً.

انا ولد علي سلايل كحيلان
ربي خلقني للسبايا وداعه
والسبايا: جمع سبيه وهي من اسماء الخيل الاصيلة, والكلمة عربية فصحى.

وهناك مثل يتردد عند بعض قبائل العرب هو »كحيلة ردت لمربطها« ويضرب بالبنت الاصيلة التي تتزوج ثم يطلقها زوجها فترجع الى اهلها فهي كالفرس الكحيلة التي تؤخذ بالمعركة من قبيلتها ثم يسترجعها احد شجعان القبيلة بمعارك لاحقة, فيأخذها صاحب المربط من الفارس الذي كسبها, يأخذها حسب طريقة »العرافة« الشائعة بينهم والتي شرحناها.

حركات!
الفرس عندما تطلب الفحل يكثر رهيمها »صوت خاص« وتكثر همهمتها وعطعطتها »حركات مطفوقة مصحوبة باصوات خفيضة« ويكثر تبولها وعلامات الهياج هذه تزداد خاصة في الليالي المقمرة لاتساع مدى الرؤية امامها او عند رؤيتها للحصان ولو من مسافة بعيدة.
جاء في امثال البادية: »الرجال اليا اقبلوا خيل معاطي واليا اقفوا حصن مناكير« وبعضهم ينطقها هكذا: »الرجال لا اقبلوا خيل معاطي ولا اقفوا حصن مناكير« وهي بالفصيح تكتب هكذا: »الرجال اذا اقبلوا خيل معاطي واذا اقفوا حصن مناكير« في هذا المثل الشعبي يشبه عرب البادية الرجال بالخيل المعاطي »وهي التي تطلب الفحل« ويشبهونهم ايضا بالحصن المناكير »الحصن الصعبة التي لا تنقاد بسهولة«.

يضرب هذا المثل بتغير مواقف الرجال تبعا للظروف, فبعضهم يقبل عليك طالبا حاجته منك باسم الثغر طلق المحيا وعندما يحصل عليها ويقفي منك يصقلك »يرمحك« برجله مثل الحصان وينسى معروفك الذي اسديته له.
بعبارة اوضح: بعض الرجال تحركهم المصالح والمنافع الذاتية وليس المبادئ الاخلاقية.