المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر العراقي صلاح حسن يكشف عن جراحه



جون
05-01-2005, 12:13 AM
أحيا الشاعر العراقي المقيم في هولندا صلاح حسن أمسية شعرية مساء الثلاثاء الماضي، قدمته فيها الكاتبة منى كريم.

وفي مقدمتها التي تناولت فيها انتاجه وسيرته الذاتية قالت منى: لا تنتمي قصائد صلاح حسن الى دائرة ما، كما لا تتعمد ان تزحف وراء مسلمات جيل معين، بل انها بحد ذاتها تحاول ان تستمد الوانها من عدة ينابيع كونه شاعراً عراقياً في الدرجة الأولى وشاعراً هولندياً في الدرجة الثانية. ما يلفت النظر في تجربة صلاح حسن هي نظرته للشعر، فهو لا يتعامل مع الشعر باعتباره لغة سطحية نحركها بالمقصات، إنما الشعر لديه ينتمي لتجربة حسية يعيشها الشاعر ويستطيع ان يجد فيها ثقباً لافتاً للنظر اشبه بصفعة لمن يقرأه بحيث ننتبه الى تفاصيلنا الكثيرة التي نعاملها باحتقار.

صلاح لا يريد شيئاً ولا يحلم بشيء في قصائده تبعاً لمنهج كازانتزاكي، لأنه يهتم في الحديث عن انسانيته التي طالما تم انتهاكها في الوطن، في الخروج من الوطن الذي يسميه صلاح حسن بالجنة، وايضاً في وصوله الى المدن النظيفة بملابسه الرثة.

جل ما يعجبني من قصائد صلاح حسن تلك النصوص الموجودة في مجموعته الأخيرة «جزع بابلي» والصادرة عن دار الجمل، لربما لأنها نصوص تحمل الكثير من الاستيقاظ والألوان، تشعر ازاءها بأن الشاعر طفل يختبئ خلف جدار ويلتقط الصور بحرص شديد وحيادي، هذه القصائد نقلة جديدة لأنها تخلصت من اللون الاسود وبدأت تنتمي الى الواقع والمتخيل معاً، قصائد بإمكانها ان تجعل الشاعر صانعاً للفرح أو خلاف ذلك بعيداً عن ادلجة الشاعر وتحويله الى مصلح اجتماعي!

مع صلاح حسن القصائد تكره الملابس الفخمة تكره حتى الملابس الصيفية بل تنتمي الى عري الإنسان الملون.


تجريد
أنشد صلاح حسن نصوصاً عدة، تبدت منها ملامح عذاباته وقهره كإنسان، وغربته كمواطن عراقي ما أراد ان يخرج من بلده يوماً، ولكن القهر والعذاب في ظل الدكتاتورية ارغماه على ذلك، لدرجة انه يحس في نصه «تجريد» بأنه موجود من دون وجود.

هائم في هواء ثقيل

محض جسم في حالة اشعاع

ليس لي زمن أو مكان

موجود بغير وجود

أنا محض عرض بلا جوهر..

خاطر يعبر الذهن

دون ان يتزمن في الذاكرة

جسد بلا هندسة..

لست شيئاً هذه اللحظة/ هنا أو هناك...

مثل كهيرب معلق في العدم

اسمى في اللذة

ولكنني لست لذة

اشع في الافكار

ولا اتقد

الا حينما تصبح الفكرة

واقعاً أو زمناً

جسد بلا هندسة

جسد في حالة اشعاع.


الخروج من أور
أما في قصيدته الخروج من اور فانه يعبر عما يفيض في نفسه من ألم الغربة، وما طال نفسه فيها من حسرات على ما آلت اليه ذاته، وما آل إليه وطنه.

شاغر ومبهم هذا

الجسد..

شاغر ومعطل وقت

هذا الجسد..

غائب ومتطلب هذا الجسد.

ايها الناس.. يا أيها التلاميذ.. ايها القانطون

ايها السومريون.. يا ذوو الرؤوس السود.. ايها

الكنعانيون.. ايها المندائيون.. يا ايها الاحناف

يا جوقة العالم.. اسقط على ظلي ولا أعرف

كيف اتراجع.. جسدي وطني.. ولكنه عبد

وغائب واجنبي. ومرتبك وعاطل ومباح ومنقسم

وقبيح.. جسدي وطني.. ولكنه صرخة.. شمعة

سجن.. منفى.. تابوت.. حطب.. تجربة في

الاخفاق واسئلة تجفف النار.. استيقظ مبكرا

لكي اجعل الغد الخائن يحن الى احلامه وأأنث

الربيع لاجعله زوجة لجنود يتقاسمون خساراتهم

على رصيف مؤجر.

ايها الناس.. يا ايها التلاميذ.. لماذا لا استطيع

ان اسمع ما افكر فيه؟ تعلمت ان لا استريح..

وها انذا استريح هذه كنعام فماذا لدي؟

خيال يقاسمني نعمة لي تكن نعمة.. تعلمت ان

لا اقيم ولكنني ملزم ان اعلق جثتي بالمسامير على

حائط الغرباء.. الغرباء يا ايها الناس.. انتم

الغرباء يا ايها التلاميذ.

وفي القصيدة نفسها يخرج مما ألم بذاته الى ما ألم بوطنه العراق، ثم وطنه العربي الاوسع.

مجهولون.. مكتئبون

منأسرون.. مشبوهون

مؤجرون في حياة

مؤجرة.

اننا الغرباء.. يا ايها الناس.. لنا تاريخ يطردنا

ولنا مدن تنفينا.. لنا لغة لم تعد بلاغتها تكفي

لتضميد حاضرنا الذي يحتضر.. الى اين نمضي؟

ما لنا غير اجسادنا.. فيها نقيم وفيها نهاجر..

ما لنا غير اجسادنا.. ولكن اجسادنا اصبحت اجنبية الى اين نمضي اذن؟ لبغداد؟ ولكن بغداد لم تعد وطنا بل اصبحت ساحة للرماية.. لعمان؟ عمان بحرها ميت وميناؤها عقبة.. لسوريا؟ ربما الى القدس؟ القدس شعبها يتلاشى.


ألعاب نارية من أجل
الرجل الحزين

الامر ذاته يمضي فيه صلاح حسن في قصيدة ألعاب نارية من اجل الرجل الحزين، الذي لم تستطع الاحتفالات او الفناء او الموسيقى ان تخفف من حزنه ليطلب في النهاية من الجميع ان يتركوه وحيدا.

الرجل الحزين ظل صامتا..

وصل الموج الى قدميه

ولم يتحرك..

توهجت الالعاب النارية فوق رأسه

ولم يبتسم..

غنى له السيد بوجلي
اغنية عن الضوء

ولم يلتفت..

فجأة.. نهض الرجل الحزين

وقال:

شكرا لكل الذي فعلتموه..

ارجو ان تتركوني وحيدا


اغنية قديمة
وهكذا يمضي صلاح حسن في بقية نصوصه لا يشعر بغير الالم، ولا يرى سوى الحرب وما تفعله بالبشر بوحشيتها.


عندما تبدأ الحرب

سوف احتاجك

سوف اكون شيئا مهملا

وانت ستكونين باردة

عندما تبدأ الحرب

سأحتاج ان المس يديك

لان النار ستكون الوداع الاخير

والجدران السوداء العالية

ستردد صدى صوتي المختنق

هل تسمعينني؟

انني خلف هذا الجدار الاسود

اردد اغنية قديمة عن السهول

عندما تبدأ الحرب

سوف احتاجك..

لدي شفرة حلاقة

لا اعرف ان كنت سأبتلعها

ولكنها مدماة

تتساقط منها قطرات الدم

من حنجرتي

عندما تبدأ الحرب

سوف احتاجك

هل اشبهني الان

مثلما كنت قبل عشرين عاما؟

هل استطيع ان اقفز الحواجز الصغيرة

كما كنت في الثانية عشرة؟

هل يوجد خلف هذا الجدار الاسود

من يسمعني؟

اهذا مستشفى ام مدرسة؟

لم اعد اتذكر اين كنت

حين تساقطت الصواريخ

على الرجال البالغين..

النار والاطفال المحترقون..

هذا الاحتفال الوحشي

جعلني اعرف انها الحرب