المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منتديات الانترنت السعودية تميل الى ممارسة الانفتاح الفكري



فاتن
04-25-2005, 10:04 AM
الرياض - عبد الله بن ربيعان
الحياة 2005/04/25

الداب (الثعبان) الأسود، الخفاش، ذئب الليل، سبع الصحاري، والبردعي والعنكبوت وفتى الحوطة... وغيرها الكثير مما يخطر (وما لا يخطر) في البال من الأسماء المخيفة والمرعبة والهزلية والصريحة والجريئة. تختفي هذه الشخصيات الغامضة خلف مفاتيح الكومبيوتر. وتملك عالماً لا متناهياً من الحرية والاتصال بالعالم بمجرد لمسة زر. وتبدو وكأنما التكنولوجيا قد جمعتها بلا موعد، وتسامرت على رغم الاميال الشاسعة التي تفصل بينها. تدافع احداها عن اقصى اليمين فترد الاخرى ذوداً عن اقصى اليسار. وتعكس معظم الآراء ضحالة في الرؤية وغياب التفكير الهادف، مع بعض الاستثناءات هنا وهناك.

تختفي تلك الشخصيات الالكترونية خلف اسماء وهمية. تهاجم كل شيء. تتهم بلا دليل. تدافع بلا بيّنة. تحركها العواطف والأمزجة والأهواء والفراغ، فتنخرط في احاديث بلا رابط. تخوض في اي موضوع مهما كان تعقيده وتشعبه. يحمد للبعض غيرته على الدين والوطن، فيما يؤخذ على البعض الآخر هجومه اللامبرر على كل شيء حتى على بعض الرموز الدينية.

حاولت خلال الشهر الماضي أن أتابع ما تنشره هذه المنتديات التي تنطلق من ارض المملكة خصوصاً، أو تهتم بالشأن السعودي عموماً، فلم أجد أشهر من منتديي "الساحة العربية" و"دار الندوة". وهما يقفان على طرفي نقيض. يغلب على الأول الطابع الديني، فيما يبرز التيار الليبرالي في صفوف الثاني.


منتدى "ادخل وانكر"

ويغلب على رواد منتدى "الساحة العربية" توجههم الديني وهو شيء يحمد للكثير منهم، الا ان العواطف الدينية ليست كافية لتقويم سلوك المجتمع الذي يسعى للتحضر والتقدم بما لا يخالف دينه وعقيدته. هناك فئة من كتاب هذه الساحة تريد ان تعود بالمجتمع مئات السنين الى الوراء، حيث لا تلفزيون ولا معارف ولا انترنت بل لا اسواق ولا مقاهي. كما شغلت قضية تغيير (او بالأحرى تحديث) المناهج الدراسية سعودياً، جل تعليقاتهم في الآونة الاخيرة. مع انك لو سألت احدهم عن تلك المناهج عينها، لأفتاك بوجوب تغييرها منذ عشرين عاماً! وان سألت البعض الآخر عما تغيّر منها حقاً، لما اجابك ببنت شفة، لأنه حقيقة لم ير محتوى المناهج منذ سنوات. والأرجح ان كثيراً منهم قد قرأ، سواء في منتدى الكتروني أو في جلسة سمر أو سمع من أشخاص آخرين، ان المناهج ستغير. وسارع الى الكومبيوترات. واستل الـ"ماوس" ات الالكترونية. وهاجم من يريد تغيير المناهج من الوزير الى أصغر موظف في وزارة التربية والتعليم. واختار عنواناً رناناً تذيله العبارة الشهيرة في هذا المنتدى "ادخل وانكر".

كما ان رواد هذا المنتدى لا يسمحون بعرض وجهة النظر المخـــــالـــــفـــة لرأيهم. ولا يناقشون اي فكرة لا تروق لهم بالعقل والمنطق والاقناع والحجة. ويميلون الى تحويل الأمور الى هجوم شخصي بأقذع العبارات على شخص الكاتب، بل واتهامه في دينه وعقيدته.

وفي الجانب الآخر، تحمل هذه الساحة من خلال منتداها الاسلامي رسالة تثقيفية دينية يُشكر القائمون عليه على توفيرها. فالمتصفح لمنتدى "الساحة الاسلامية" يجد الجديد دائماً من الاصدارات الاسلامية لمشايخنا الأجلاء، اضافة الى نصوص خطب الجمعة، التي تلقى في الحرمين الشريفين المكي والمديني.


تفوق على الاعلام الرسمي

لعل افضل ما تجده في ساحة المـــنـتـــــديات السعودية الرقمية، وخصوصاً منتدى "الساحة العربية"، يتمثل في سعيها الدؤوب لرصد الاخبار وملاحقتها. وصارت هذه السمة ميزة شائعة، تسبق فيها الاعلام الرسمي. وشيئا فشيئاَ، صارت أخبار منتدى "الساحة العربية"، على سبيل المثال، مرجعاً لوسائل الاعلام. ويجدد ذلك المنتدى اخباره على مدار الساعة. وبات كل من يملك اشتراكاً في الساحة بالضرورة "مراسلاً" لها. كذلك ينشر الموقع اخباراً لا يتناولها الاعلام الرسمي ولا الجرائد اليومية لسبب أو لآخر. ولكن ما يفسد سبقها هذا وجود بعض الاشاعات البعيدة من الصحة على صفحاتها، لأنه ليس هناك محرر يحاسب ولا رئيس تحرير يتحرى دقة الخبر.


منتدى المثقفين

لو استعرضت منتدى "دار الندوة"، وهو البديل الحالي لمنتدى "طوى" الشهير الذي تم اغلاقه وتفرق رواده على المنتديات الأخرى، لوجدت كثيراً من أعضائه من كتاب الصحف والمجلات اليومية ومن الوجوه الإعلامية المعروفة، تناقش بأسمائها الصريحة، وتنشر وجهة نظرها، سواء تطابقت مع ما تعلنه أو خالفته. وفي المقابل، يؤخذ على هذا المنتدى ان بين اعضائه من لا يكتب باسمه الصريح، ومن يضرب تحت الحزام في ثقافة المجتمع، منتقداً ومعدداً المثالب والعيوب من دون ان يقدم حلاً بديلاً أو يطرح رأياً صريحاً يؤخذ منه أو يرد عليه أو يسمح بمناقشته بالرأي والمنطق. بل ويتجاوز البعض النقد في هذا المنتدى حده المفترض، كانتقاد بعض المشايخ الذين إن أخطأوا وجبت مراجعتهم برفق ولين وليس بالهجوم والتجريح.


سياسة الإغلاق غير الفاعلة

لعل متابع هذين المنتديين وغيرهما يدرك عجز "مدينة الملك عبدالعزيز" عن حجب مثل هذه المواقع التي تتجدد مواضيعها بالدقيقة والثانية من داخل السعودية، وان كنت شخصياً أدين سياسة الحجب ما لم يكن موقعاً اباحياً. ولربما كان من الأجدى للمدينة السماح لهذه المواقع، وعدم اهدار وقت موظفيها في حجب لم يؤد المطلوب منه. فحتى أقل الناس معرفة بعلم الكومبيوتر اصبح قادراً على تخطي "بروكسي" PROXY المدينة العتيق، وتمرير أو قراءة ما يريد من دون كبير جهد.

وشخصياً اعتقد انه لو سمح لهذه المنتديات بشروط تنظيمية يسيرة لكان اجدى للمدينة من رقابة عاجزة في ظل انفتاح اعلامي لا يمكن وقف مده. ولعل الأنفع والأجدى يتمثل في توعية الناس بكيفية التعامل مع العالم الاعلامي الجديد، وسبل الاستفادة منه، بدل هدر الوقت بمراقبته من غير طائل.


ثقافة المنتديات

وتنقسم غالبية المنتديات السعودية الأخرى الى اسلامي وشعري وساخر. وهناك مواقع خاصة بالقبائل والانساب وثالثة بالكومبيوتر والتقنية. ويقدم معظمها خدمات جيدة، وان اقتصر نفعها على مجموعة مؤسسيها. ولا يمكن احصاء عدد هذه المنتديات، خصوصاً مع ميل مجموعات متزايدة من الشباب السعودي الى اصطناع منتديات شبكية خاصة بها تعكس ذوقها وثقافتها وميولها.

ويبدو هذا الميل الالكتروني أمراً حميداً، اذ يمكّن شبابنا من تمضية اوقات فراغهم بشيء مفيد، اضافة الى انه يرفع من قدراتهم في التعامل ببراعة مع التقنيات المعلوماتية وتعقيداتها. والأرجح ان المسؤولية الكبيرة تقع على المشرفين على المواقع الالكترونية سعودياً. ويفترض بهؤلاء ان يضعوا شروطاً ملزمة لآداب الحوار على الانترنت. والحال ان الشبكة الالكترونية الدولية تضم مواد كثيرة عن أصول الحوار الشبكي.

ويُعرف هذا الأمر دولياً باسم "اتيكيت الشبكة الدولية للكومبيوتر"، واختصاراً "نتيكيت" etteuqiteN. ومن قواعده، الالتزام بعدم التهجم الشخصي على الآخرين، أو نشر ما يخل بالعقيدة أو الحياء العام وغيرها. ولعل الالتزام بأصول "نتيكيت" يضمن ألا يفسد من في قلوبهم مرض على شبابنا متعة الفائدة المباحة من عصر الانترنت ومنتدياتها الالكترونية.