المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور اللغة في تنمية التفكير .. أو تسطيحه



سمير
04-20-2005, 09:12 AM
ما لحق العربية من تدهور وعجز نتاج طبيعي لتحلل الوعي القومي والوطني

القاهرة: حمدي عابدين

في محاولة لتحديد مدى مساهمة اللغة في تشكيل الوعي أو تزييفه وحفز التقدم أو تجميد المسار أقامت لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر حديثاً ندوة شارك فيها عشرون باحثاً مصرياً، ارتكزت على محورين أساسيين أولهما دور اللغة باعتبارها أداة لتنمية التفكير النقدي، والثاني دورها في تسطيحه. في دراسته، ربط الدكتور جلال أمين بين اللغة وتقدمها وبين الانحطاط والنهضة، مشيراً إلى أنها مؤشر حساس للغاية يمكن الاستدلال منه على مدى التقدم والتدهور في مجتمع ما.

وقال الدكتور جلال أمين «إن اللغة العربية دفعت ثمناً باهظاً بسبب التدهور الاجتماعي والثقافي الذي تعاني منه الأمة العربية، وأن الإصلاح الاجتماعي والثقافي لا بد أن ينعكس على نهضة اللغة العربية، وأن النهوض بها هو بدوره شرط من شروط حدوث نهضة عامة للبلاد العربية».

أما ورقة الدكتور رمضان بسطاويسي «اللغة الوجود الثقافة» فقد ركزت حول موقع اللغة من الوجود الإنساني وخبرة اللغة لفهم الوجود واللغة وعالم المعاني والوعي وخبرة اللغة في الفلسفة والفن والشعر.

وذكر المحاضر ان طرح أسئلة حول طبيعة اللغة والمعنى أعطى لفلسفتها أهمية جديدة، إذ أصبحت القضايا التي تتعلق باللغة تحتل بؤرة الاهتمام الفلسفي في القرنين الماضي والحالي. وقال بسطاويسي إن المنظور الجديد الذي استحدثه جوتلوب فريج قام على نقطتين أساسيتين، أولاهما أن المعنى شيء عام، والثانية أن المعنى يتركب بطرق معينة، وهما تنطويان على فكرة أن المعنى يكون علنياً ومفتوح للعرض العام، وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون من الممكن إدراك أو تمييز ماذا يقصده المتكلم بتعبير ما في سياق نشاط معين، وهذا ما كان يقول به فينجنشتين في أعماله الأخيرة، إذ كان يرى أن المعنى لتعبير ما ينبغي أن يعلن بالكامل في الاستخدام الصادر للتعبير.

أن سمة علنية المعنى، كما يضيف المحاضر، ليست هي الطريقة الوحيدة التي يغير بها فريج القواعد الأساسية في هذه المنطقة من الفلسفة التي يتبناها، إذ يرى أن لغتنا هي نظام مركب متصل من المعاني التي نستغلها في الاتصال وفي أغراض أخرى.

ومن هنا، تصور مستويين مختلفين من تركيب المعاني والدلالات أحدهما يرتبط بالمعنى والآخر يرتبط بالمرجع، وهذا يشير إلى أنه ميز بين معنى اسم ما ومرجعه حيث وجد أنه يتصل بخصائص مختلفة للجمل، وأن الفكر الذي تعبر عنه جملة هو معنى الجملة وأن قيمة الحقيقة لجملة ما هي مرجع تلك الجملة، إرتباطاً بالمراجع الخاصة بأجزائها التي تتكون منها.

وقال الدكتور يحيى الرخاوي في ورقة عنوانها «اللغة العربية وتشكيل الوعي القومي» إنه تعرف على جوهر اللغة من ممارسته لعلاج الفصام وحواره مع المرضى، وليس من البحث فيها أو دراستها. وانتقد استعمال وفهم البعض من الفصام، مشيراً إلى أنهم يستخدمونه في غير موضعه ويفهمه الأغلب منهم فهماً خاطئاً، إذ يعتقدون أنه ازدواج الشخصية أو تناقض التصرفات. وهذا الفهم، طبقاًُ لوجهة نظر الرخاوي، فهم سطحي وخاطئ، فالفصام يشير إلى عملية أخطر، فهو ضد اللغة لأن ما يحدث فيه هو الافتقار إلى كل من المعنى والغاية. وفي هذه الحالة تهدف العملية العلاجية إلى إعادة تكوين الفصامي لغة ووجوداً ووحدة.

وانتقل الدكتور الرخاوي بعد ذلك إلى الحديث عن الكلام واللغة والشعر، وقال: إن الكلام وهو يؤدي بعض وظائفه للتواصل والاقتصاد يعود فيؤثر على الكيان اللغوي ذاته، لذلك فإن ما يصيب اللغة من وهن أو تشويش يفقده قدرته على الإثارة والحفر ويطمس دلالته ويجهض إيحاءاته فيرتد كل ذلك ويؤثر على وجودنا ولغتنا ويهز معالم كياننا الحيوي الأساسي نفسه.

وأشار الدكتور الرخاوي إلى أن الجدل الحركي بين الظاهرة الوجودية الأعمق إذ تتفجر في علاقات وتراكيب جديدة وبين التشكيل اللغوي السابق لها مباشرة والعاجز عن استيعابها تماماً، هو أصل تطور اللغة في حالة إبداعها المتجدد، وهو ما يسمى الشعر في أرقى صوره الجمالية وينشأ حين ترفض الظاهرة أن تظل كامنة في ما ليس لفظاً متاحاً للتواصل وفي الوقت نفسه حين ترفض أن تحشر نفسها في تركيب لغوي جاهز. فالشعر عملية إعادة تخليق الكيان اللغوي في محاولة الوصول إلى أقرب ما يشير إلى الخبرة الوجودية المنبثقة. ومع النجاح النسبي لهذه العملية تزداد اللغة ثراء وهذا ما يعني به النقاد والشعراء. أن القصيدة تخلق الشاعر في نفس الوقت الذي تتخلق فيه وهذه العملية تتجلى فيها الإشارة الأساسية لعلاقة إبداع اللغة بتشكيل الوعي والذات.

وبعد ذلك تحدث الرخاوي عن تحلل الوعي القومي وضرورة اللغة العربية، وأشار إلى أن الحديث عن الوعي القومي يقربنا من محتوى الوعي وليس فقط من تشكيله وطبيعته. وقال إن ما لحق باللغة العربية من تحلل وتدهور وعجز يأتي نتاجاً طبيعياً لتحلل الوعي القومي والوطني من قبل ومن بعد، كما أن تدهور اللغة ينعكس بدوره على الوعي القومي بمزيد من التدهور مما ينشأ عنه حلقة مفرغة من التدهور والتدهور المقابل.

وركز الدكتور سمير حنا صادق في دراسته «انثروبولوجيا اللغة والثقافة والعلم» على ارتباط الثقافة ارتباطاً وثيقاً باللغة وارتباط الأخيرة بالمعلومات حيث تعتبر اللغة وسيلة لتراكم المعلومات وانتقالها.

وانتقد الدكتور يونس الحملاوي التساؤل عن أي لغة يمكن استخدامها في موقف معين، وقال إن عدم استخدام اللغة القومية في مواقف معينة يأتي نتيجة لعدم وضوح مرجعيات العمل في المجتمع واللجوء إلى التعليم بغير لغة المجتمع دون إدراك التأثير السلبي لذلك لدى المتلقي.

وذكر أن ما يزيد من ضبابية وضع اللغة القومية لجوء البعض إلى الكتابة والتأليف بلغة أخرى غير لغتهم دون إدراك الهدف الذي يكمن وراء الإبداع والتأليف والذي ينحصر في تنمية المجتمع، مما يجعل الكتابة بغير اللغة تصب في اتجاه آخر بعيد عن أهداف التنمية والتطور.