المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات المتحدث السابق للبيت الأبيض آري فلايشر



سمير
04-14-2005, 08:56 PM
الصحافيون يضخمون الأشياء إيجابيا أو سلبيا حسب ما يريدون

http://www.asharqalawsat.com/2005/04/14/images/books.293434.jpg

لا يكاد مسؤول اميركي كبير يترك منصبه الا ويتعاقد مع دار نشر لنشر مذكراته، وآري فلايشر، الذي كان متحدثا صحافيا باسم البيت الابيض لأربع سنوات، واحد من هؤلاء. اصدر في الشهر الماضي كتاب «واجهت النار»، وهو رابع مسؤول كبير من ادارة الرئيس بوش الاولى، يكتب مذكراته.

اول اثنين انتقدا بوش، والثالث والرابع ايداه:
الأول كان بول اونيل، وزير التجارة السابق، الذي كتب «ثمن الولاء»، وانتقد فيه بوش نقدا شديدا، وقال ان بوش لم يهتم بتفاصيل المواضيع التي نوقشت خلال اجتماعات مجلس الوزراء، وانه صمم على ضرب العراق منذ اول يوم له في البيت الابيض.

الثاني كان رتشارد كلارك، مستشار بوش لشؤون الارهاب، والذي خرج غاضبا ايضا، وكتب كتاب «ضد كل الاعداء»، وقال فيه انه حذر من هجوم 11 سبتمبر قبل الهجوم. ويوم صدور الكتاب ذهب الى الكونغرس، وانتقد بوش ومساعديه، واعتذر الى الشعب الاميركي عن ما وصفه بأنه تقصير الحكومة في كشف الهجوم قبل وقوعه (وكأنه يعتذر لأن بوش لم يعتذر).
ثم نشرت كاثرين هيوز، صديقة بوش منذ ان كان حاكما لولاية تكساس، ومستشارته في البيت الابيض، كتاب «قبل عشر دقائق من الوقت العادي»، واثنت فيه على بوش ثناء مبالغا فيه، وقالت انه لم يقصر في مواجهة هجوم 11 سبتمبر، وايدت، في حماس، قراراته باعلان حرب الارهاب، وغزو افغانستان وغزو العراق.

وفعل فلايشر، المتحدث الصحافي السابق، نفس الشيء، واكثر. انتقد آري فلايشر، المتحدث السابق باسم البيت الابيض خلال ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الاولى، في كتاب مذكراته الجديد، الصحافيون، وخاصة الذين غطوا البيت الابيض في عهده. وقال في، كتاب «تصد: الرئيس والصحافة وسنواتي في البيت الابيض»، انه، بصورة عامة، احترم اولئك الصحافيين، وقدر جهودهم، لكنهم كانوا «يبالغون» و«يحرفون الحقائق كجزء من المنافسة الصحافية».

واشار الى مؤتمر صحافي في يناير (كانون الثاني) سنة 2003، قبل شهرين من غزو العراق، عندما كانت الولايات المتحدة تحاول إصدار قرار ثان من مجلس الأمن يسمح، في وضوح، باستعمال القوة ضد نظام صدام حسين. وعندما سئل عن ذلك، قال: «نريد قرارا جديدا، لكن ذلك ليس ضروريا». ولكن عنوان الخبر في اليوم التالي كان: «الولايات المتحدة تريد قرارا يؤيد ضرب العراق».
وقال فلايشر، في كتابه، ان العنوان كان يجب ان يكون «الولايات المتحدة تريد، ولكن ليس ضروريا... تماما مثلما قلت للصحافيين».

وفي مارس (آذار) من نفس السنة، يوم سقوط بغداد وخروج مظاهرات الفرح، وسقوط تمثال صدام حسين، سأله الصحافيون عن أحاسيس الرئيس بوش، فقال: «الرئيس يحس ان هذا وقت الحذر، ووقت الحرية». لكن تلفزيون «سي ان ان» قال: «الرئيس متحمس جدا». وقال تلفزيون «فوكس»: «بوش فرح جدا.» ونشرت جريدة «نيويورك تايمز» ان بوش «يكاد يطير من الفرح». وقال فلايشر، في كتابه، «لا اعترض على المبالغة في وصف أحاسيس الرئيس لأنها مبالغات ايجابية. لكن هذا يوضح ان الصحافيين يقدرون على تضخيم الأشياء، ايجابيا او سلبيا، حسب ما يريدون».

في اللقاء مع الملك عبد الله وفي ديسمبر (كانون الأول) من نفس السنة، خلال اجتماع الرئيس بوش مع الملك عبد الله، ملك الاردن، سأل الصحافيون بوش عن رأيه في اتفاقية عقدها مثقفون فلسطينيون واسرائيليون في جنيف، وأيدتها الادارة الفلسطينية، وعارضها ارييل شارون، رئيس وزراء اسرائيل. وأجاب بوش: «اعتقد انها ستكون مفيدة ما دامت في نطاق مشروعي بإقامة دولة فلسطينية فعالة، على شرط ان يوقف الفلسطينيون الارهاب ويعيشوا في سلام مع اسرائيل». لكن، في اليوم التالي، نشرت جريدة «واشنطن بوست» خبرا عنوانه: «بوش قال ان اتفاقية جنيف مفيدة». وجاء في الخبر «ان بوش ربما لم يقصد أن ينتقد شارون، الذي انتقد الاتفاقية، او ربما قصد ان ينتقده».

غضب فلايشر وأبدى فلايشر غضبه من صيغة الخبر لسببين: الأول، لان الجريدة ما كان يجب ان تكتب عنوانا لا يطابق تفاصيل الخبر، «لأن معنى العنوان هو ان بوش ضد شارون، لكن تفاصيل الخبر لا تدل على ذلك». الثاني، لأن «أصدقاء اسرائيل الاميركيين عارضوا اتفاقية جنيف، مثلما عارضها شارون، وبعض هؤلاء من الحزب الجمهوري».
وفي يوليو (تموز) من نفس السنة، زار بوش بوتسوانا، في افريقيا، في حملة ضد مرض الايدز، وعقد مؤتمرا صحافيا كان يتوقع ان يكون عن الايدز، ولكن الصحافيين الاميركيين سألوه كثيرا عن زيادة القتلى الاميركيين في حرب العراق. وقال، في إجابة على سؤال: «نعم، عندنا مشكلة أمنية في العراق، ولا بد ان نظل صامدين».

وفي اليوم التالي نشرت جريدة «واشنطن بوست» خبرا عنوانه: «بوش يعترف بأن القوات في العراق تواجه خطرا». وقال فلايشر، في كتابه، ان بوش لم يقل الا ما قاله قبل ذلك مرات كثيرة، ولكن عنوان الجريدة، وكلمة «يعترف» توضح انه قال ذلك لأول مرة.

* بوش والحرس الوطني
* واشار فلايشر الى خبر تلفزيون «سي بي اس» عن وجود وثائق تثبت ان بوش لم يكمل فترة عمله في الحرس الوطني قبل خمس وثلاثين سنة، كما قال، ثم اعتراف «سي بي اس» بأن بعض الوثائق مزورة. وقال فلايشر ان معظم صحافيي«سي بي اس» ليبراليون، ولو كان وسطهم عدد كاف من الجمهوريين لما حدث ما حدث.

وفي يناير (كانون الثاني) من نفس السنة، اتصلت مجلة «تايم» مع فلايشر تسأله عن حقيقة خبر ستنشره، ونفي فلايشر الخبر، لكن المجلة نشرته. وفي عدد الاسبوع التالي قالت المجلة إن الخبر غير صحيح، واعتذرت. ثم اتصل رئيس تحريرها مع فلايشر، واعتذر له.
وقال فلايشر، في كتابه، ان المجلة كان يجب الا تنشر الخبر بعد ان نفاه، او كان يجب ان تنشر الخبر، وتنشر معه نفيه.

* أسلحة صدام
* وفي يونيو (حزيران) من نفس السنة، بعد غزو العراق، أعلن بأن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آى ايه) عثرت على معدات نووية مدفونة في منزل عالم نووي عراقي. وفي اليوم التالي نشرت كل الصحف الخبر في صفحاتها الاولى، الا جريدة «نيويورك تايمز». واتصل فلايشر مع جيل ابراهامسون، مديرة مكتب الجريدة في واشنطن، فاعتذرت بقولها إن اليوم كان مليئا بالأخبار والأحداث. ويذكر فلايشر انه صدقها لأنه يعرفها منذ وقت طويل، ويثق فيها، غير إنه أضاف: «ولكن هناك احتمالا، ولو ضعيفا، هو أن الجريدة تعمدت عدم نشر الخبر لأنها كانت ضد حرب العراق منذ البداية». وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من نفس السنة، كتبت جريدة «نيويورك تايمز» ان دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع بدأ زيارة لدول في آسيا، «هي الاولى منذ ان اصبح وزيرا». وفي اليوم التالي صححت الجريدة ما نشرته وقالت «انها ليست الزيارة الاولى».

وفي يوليو (تموز) من نفس السنة، قالت نفس الجريدة ان بوش قابل اعضاء الكونغرس السود لأول مرة منذ ان اصبح رئيسا. لكن هذا لم يكن صحيحا، غير إن الجريدة لم تصحح نفسها هذه المرة.

* أهم من التصحيح
* ويقول فلايشر، في كتابه «يعتقد الصحافيون ان الاخطاء الصغيرة لا تستحق التصحيح، لكن الخطأ خطأ ولا بد ان يصحح» وهو يؤكد اهمية نشر تصحيح لخبر غير صحيح، لكنه يرى ان هناك ما هو أهم من ذلك:
اولا ـ تصحيح خبر ليس شيئا يدعو للفخر، لأن الشيء الذي يدعو للفخر، حقيقة، هو عدم نشر خبر كاذب. ثانيا ـ التصحيح، عادة، ينشر في ركن منزو، وليس في نفس المكان (ربما الصفحة الاولى) الذي نشر فيه الخبر غير الصحيح.
ثالثا ـ الابحاث أثبتت ان نسبة قليلة من القراء تقرأ ركن تصحيح الأخبار، بالمقارنة مع الذين قرأوا الخبر غير الصحيح.

* أخبار غير صحيحة
* ويقر فلايشر ان الصحافيين ليسوا منزهين عن الخطأ، ولكن طبيعة المهنة تختلف، لأنهم ينشرون اخبارا على ملايين القراء والمشاهدين كل يوم، وليس سهلا تصحيح خبر غير صحيح سمعه او قرأه ملايين الناس.
واشار فلايشر الى الامثلة الآتية:
جريدة «نيويورك تايمز»(2-4-2003): «ليس صحيحا ان كل كبار المسؤولين، كما نشرنا امس، قالوا انهم يتوقعون حربا سريعة تقضي على نظام صدام حسين. نائب الرئيس شيني لم يقل ذلك».

جريدة «واشنطن بوست» (3-4-2003): «ليس صحيحا ان رتشارد ارميتاج، نائب وزير الخارجية، طلب من اعضاء الكونغرس زيادة اعتمادات حرب العراق، كما نشرنا امس».
جريدة «يو اس توداي»(4-4-2003): «دون ايفانز، وزير التجارة، لم يقل ان الرئيس بوش يؤمن بان الله دعاه لقيادة الوطن، كما نشرنا امس، ولكنه قال ان بوش يؤمن انه دعي لقيادة الوطن».

وأخيراً، يقول فلايشر في كتابه: «أنا سعيد لأن الصحافيين ينشرون تصحيحات لأخبار غير صحيحة، لكن بعد ان ينشر الخبر غير الصحيح في الصفحة الاولى، او يذاع في نشرة اخبار التلفزيون الرئيسية، لن يقدر التصحيح على إزالة ما فهمه القارئ في اليوم السابق».