المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوحنا بولس الثاني ... كتاب عن اللاهوت جعله يبتعد عن المسرح ويتجه إلى الكنيسة



لمياء
04-04-2005, 12:41 PM
إعداد: قسم الترجمة
جريدة القبس الكويتية

كان اسم البابا الراحل قبل دخوله الحياة الكنسية هو «كارول فويتيلا»، واتخذ لقب «يوحنا بولس الثاني» بعدما عين بابا للكنيسة الكاثوليكية عام 1978.

عرف عنه مناهضته الشديدة للشيوعيين اثناء حكمهم لبولندا، مسقط رأسه، وكذلك تشدده في مسائل استخدام موانع الحمل وزواج المثليين، ورسامة قساوسة من السيدات.

حين امسك البابا القلم، اعتبر ذلك حدثا في حد ذاته. وقد اصدر يوحنا بولس الثاني في السنوات الاخيرة ديوان شعر في عام 2003 بعنوان «ثلاثية رومانية» وألف قبل ذلك كتابا تناول فيه تجربته كقس ونشره في عام 1996 تحت عنوان «دعوة ربانية: هبة وغموض».

وقبل ذلك بعامين جمع المقابلات التي اجريت معه في كتاب اصدره عام 1994، طبع خمسين مرة وترجم الى 32 لغة وبيعت منه عشرون مليون نسخة.

وفي كتاب بعنوان: «انهضوا! لنسير»، تتعاقب الذكريات والتأملات، ابتداء من تاريخ تعيينه اسقفا على كراكوفيا (بولندا) عام 1958.

يقول الكاتب «حين كنت طالبا في كلية الآداب، كنت شغوفا بالأدب وخاصة المسرح. واقرأ لشكسبير وموليير وللشاعرين البولنديين تورويد وويسبيا نسكي. وكنت اتوق للتمثيل والوقوف على خشبة المسرح.

وقال لي احدهم في وقت لاحق: «انت موهوب» ولو اكملت مشوار المسرح لأصبحت ممثلا عظيما.

ثم جاء زمن قراءة كتب الفلسفة واللاهوت، وحصلت بصفتي طالبا اكليريكيا سريا على مختصر الميتافيزيقا وقال لي رئىس الدير كازمييه كلوزاك:

ادرسه، وحين تفرغ من حفظه واستيعابه نمتحنك، وانكببت على قراءة هذا الكتاب طيلة شهور عدة، وتقدمت للامتحان ونجحت فيه وكانت تلك انعطافة في حياتي. اذ فتحت امامي أبواب عالم جديد، وبدأت أطلع على كتب اللاهوت، وأثناء دراستي في روما في وقت لاحق بدأت أتعمق في دراسة كتاب القديس توما حول اللاهوت، وهكذا انقلبت من الأدب الى الماورائيات ثم الى علم الفينومولوجيا أو علم وصف الظواهر، وتزامنت المرحلة الأولى، في البداية على الأقل مع فترة الاحتلال النازي حين كنت أعمل في مصنع «سولفاي» وأدرس اللاهوت سرا في المدرسة الأكليريكية، وأذكر انني حين تقدمت الى خوري الرعية جان بيفوفارتشيك قال لي «اقبلك، ولكن يجب ألا يعلم احد بأنك تدرس هنا حتى أمك».

تقليد صارم

ويستطيع القس المتحرر من كل الهموم العائلية ان يتفرغ تماما لمهمته، مما يجعلنا نفهم سر الحزم الذي تعاملت به الكنيسة التي تتبنى الطقس اللاتيني مع شرط العزوبية بالنسبة إلى قساوستها، ومقاومتها للضغوط طيلة عقود، وهو تقليد حازم بلا شك، الا انه برهن على فعاليته على المستوى الروحاني، على ان رجال الدين المتزوجين في الكنيسة الكاثوليكية الشرقية ابدوا حماسا في مهامهم وسجلوا بطولات تبزّ ما قام به نظراؤهم العازبون، خاصة في مكافحة المد الشيوعي.

وغالبا ما يجري الحديث عما يعانيه القساوسة والمطارنة من وحدة، بغرض رمي شرط العزوبية بكل المساوئ، فبالاضافة الى وعيي بمدى قرب الله من عباده، تربطني علاقات كثيرة على المستوى الإنساني بقساوسة وكهنة معاونين وكذلك برجال علمانيين من كل الفئات».

لا اعتراض على رغبة الحبر الأعظم

ذهب كارول فويتيلا في يوليو 1958 وكان قد مضى عليه كقس 16 عاما، في اجازة مع مجموعة من هواة رياضة التجديف لكنه اضطر للعودة على وجه السرعة نزولا عند طلب الكاردينال ستيفان ويسفينسكي الذي يتزعم رؤساء الاساقفة في بولندا ويقول كارول «كنت أعلم انني قد أمُثل بين يدي الكاردينال ولذلك تركت ثوب الكهنوت الخاص بالاعياد والمناسبات لدى بعض معارفي في وارسو، قطعت النهر في البداية تجديفا ثم استقللت شاحنة محملة بأكياس الدقيق حتى مدينة أولشتينك، وركبت القطار الى وارسو حيث توجهت الى مقر المطرانية في الموعد المحدد وهناك أخبرني الكاردينال ان الحبر الأعظم قد اختارني أسقفا مساعدا لمطران كراكوفيا، فأجبيته: يا نيافة الكاردينال، أنا مازلت صغيرا على هذا المنصب فعمري لا يتعدى 38 عاما.

أجابني:

«هذه نقطة ضعف ستتخلص منها سريعا. أرجوك لا تعترض على رغبة الحبر الأعظم».

العذراء والبابا

تبدو زيارة يوحنا بولس الثاني وهو في خريف العمر الي مدينة لورد البرتغالية مؤخرا غنية بالمعاني والرموز. ويقول مؤرخ الاديان او دون فاليه تعليقا على ذلك: «اختتم يوحنا بولس الثاني خدمته الكهنوتية بالوقوف اجلالا امام مريم العذراء كأي راهب في العالم ينهي نهاره بالتماس شفاعة العذراء بترتيل نشيد salve Regina ما يعطي انطباعا بان البابا قام بأخر حجة في حياته وهي حجة تزخر برموز كثيفة اذ تحمل من جهة، دلالة سياسية واضحة في ظل ازمة الايمان التي تسود بلدان اوروبا، وبعدا استراتيجيا من جهة اخرى.

تقول المؤرخة بلا ندين شيليني جون: «كلما تعرضت الكاثوليكية لأزمة يتحول شخص مريم ويصبح اكثر ثراء. وهكذا تكرست صورة العذراء المنتحبة المتألمة في زمن تفشي الاوبئة والمجاعة في القرن الـ 14، وتحولت الى خشبة خلاص من نوائب القرن العشرين، فتنبأت بالكوارث الكبرى، وقدمت الحلول لتجاوز الكارثة.

تعويض نفسي بعد فقدان الوالدة؟

لقد عاش مع والده الذي كان ضابطا في الخيالة على ذكرى هذه المرأة ذات الملامح الحزينة والصحة الواهنة، وكان دخول النساء الى شقة الاسرة في مدينة وادوايس ممنوعا الا اذا كان ذلك بغرض تنظيف المنزل او القيام بزيارة خاطفة. وكان الطفل كارول يتحاشى الحديث عن امه مع اترابه لكنه ظل يحتفظ بصورتها حتى بعد دخوله الفاتيكان. فهل يتعلق الامر بتحويل عاطفي من اميليا الام الى العذراء؟

يقول الكاردينال كوتييه الذي علم البابا اللاهوت مؤكدا: «لا شيء يشير الى ان كارول فويتيلا قد تعرض لصدمة في طفولته اذا ما استثنينا ذلك الالم الذي يعانيه كل طفل فقد امه».

وهذا ما يؤكده البابا بنفسه: «لقد حفر موت امي عميقا في ذاكرتي لكن موت شقيقي كان اشد وقعا بسبب الظروف المأساوية للحادث، بالاضافة الى انني كنت اكبر سنا».

مقاومة الشيوعية

وكان البابا في شبابه كثير التردد على دير العذراء السوداء في تشيستوشوا، ويعد الدير رمزا للهوية البولندية، وتحول فيما بعد الى ملكة المقاومة ضد النظام الشيوعي وقد اتخذ منها البابا حليفا في مواجهته مع النظام الشيوعي الملحد، ويذكر انه حينما كان بعد اسقفا ارسل الى قرية متاخمة للحدود السوفيتية نسخة من العذراء السوداء ووجهها نحو موسكو وكان ذلك استفزازا قويا للسوفيت.

محاولة الاغتيال

الا ان العلاقة الخاصة بين يوحنا بولس الثاني والعذراء تكرست على نحو خاص بعد محاولة اغتياله في 14 مايو 1981. فما ان افاق البابا من تأثير المخدر في اليوم الثاني حتى طلب الاطلاع على كل ما كتب عن عذراء بلدة فاطمة البرتغالية بعد ان لاحظ وجود صدفة عجيبة بين تاريخ محاولة اغتياله وظهور العذراء في اليوم نفسه من عام 1917 لأول مرة في البرتغال، وقيل انها تحدثت للرعاة الثلاثة الذين ظهرت لهم عن اسقف يلبس البياض ويسقط شبه صريع بفعل سلاح ناري. وعلم البابا من الاطباء ان الرصاصة التي اصابته انحرفت بقدرة قادر فتجنبت «الابهر» ببضع ميلميترات ولم تصب ايا من الاعضاء الحيوية. فأسر البابا لاحدهم بالقول: «يد اطلقت الرسالة ويد اخرى وجهتها».