المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جبل سويسري يمر به كثيرون.. وقلة تقف عند متع منحدراته



جمال
04-01-2005, 11:59 AM
تجربة لا تنسى في تسلق اعالي ماترهورن

زيرمات - أحمد ناصر

يكمن جمال الحياة بالنسبة إلى محبي السفر والتنقل والترحال في التعرف على احدث انواع الرحلات والجديد منها.. والفرص في هذا المجال كثيرة ومتشعبة، ما على عشاق السفر الا ان يستغلوها ويبحثوا عن الجديد في عالم السفر والسياحة.

فهد الكندري متسلق كويتي جاب العديد من المناطق وعشق الجبال العالية وأحب المرتفعات حتى غدت جزءا من حياته وعشقا لا يقاومه.. تغيرت حياته منذ عام 1997 عندما قرر ان يتحدى الجبال والصخور العالية ويقتحم عالم التسلق «المرعب»، قدم لي فرصة مرافقته في رحلة من اجمل الرحلات التي قمت بها في حياتي وهي رحلة الى جبل «ماترهورن» في سويسرا، فكانت بحق من اجمل السفرات التي قمت بها الى هذا البلد الجميل.


لم تكن المرة الاولى التي ازور فيها سويسرا، ولكنها في هذه المرة كانت شيئا مختلفا، لانني سأذهب اليها لاتسلق جبلا.. كانت هذه الكلمة تقلق تفكيري طوال الرحلة من مطار الكويت الى مطار جنيف اي لاكثر من خمس ساعات متواصلة حتى انني فكرت ان الغي الفكرة كلها واكتفي بالتواجد في منطقة الجبل وشرب القهوة الفرنسية الناعمة وتشجيع فهد الكندري المتسلق الكويتي والعربي الاول الذي تسلق قمة «ماترهورن» الشامخة، ولكنني اعود لأتحدى نفسي واصر على التسلق.. لاسيما عندما يحدثني الكندري عن حلاوة التسلق وجمال المناطق الشاهقة.

علاقة عاطفية

يعرف فهد مطار جنيف وكأنه في الكويت، كما ان هناك علاقة عاطفية بين المطار والكويتيين لا اعرف سببها سوى ان اهل الكويت يحبون هذا المطار، شخصيا لا اعرف عدد الطيور المهاجرة من الكويت التي تحط رحالها فيه سنويا، ولكنه حتما يعرفها تمام المعرفة، درجة الحرارة هنا 2 درجة مئوية، الحمد لله اننا مستعدون لها، وننصح المسافرين الى هناك ان يختاروا الماركات العالمية في ارتداء الجاكيت لان السويسريين لن يرحموك من نظراتهم الحادة اذا لم تختر ماركة شهيرة، وعلى الرغم من توافر التاكسي بصورة لافتة للنظر عند بوابة المطار، الا ان فهد اقترح ان نستقل القطار للذهاب الى مدينة «زيرمات» لعدة اسباب. أرخص وأسرع وأجمل، والقهوة فيه لا تقاوم.

3 محطات

ثلاث محطات توقفنا فيها وغيرنا فيها القطارات حتى وصلنا الى زيرمات، من جنيف الى «فسب» ثم الى «تاش» عندما توقف التاكسي وقال لنا: «تفضلوا، بعد هذه النقطة ممنوع دخول السيارات» وفي محطة القطار الذي علينا ان نستقله الى زيرمات توجد عدة نقاط ملونة، اذا ضغطت على اي زر يجيبك مأمور بدالة خاص بفندق معين، اي ان لكل فندق زرا خاصا في المحطة تستقل بعدها القطار الى الفندق الذي ترغب فيه، وزيرمات مدينة ريفية رائعة الجمال تقع في الجنوب الغربي لسويسرا، لوحة بديعة للخالق المبدع تطل عليها الجبال كأنها تحرس جمالها الفاتن من العين، ولم نتوقف فيها بل واصلنا المسيرة الى جبل «ماترهورن»، وتعتبر هذه المنطقة من المناطق التي تحرص الحكومة السويسرية على ان تبعدها عن ملوثات البيئة، ولكنها في الوقت نفسه وضعت العديد من السيارات التي تسير على الكهرباء لتنقل المسافرين والسياح الى الاماكن التي يريدونها، السيارة الكهربائية بسيطة التكوين غير معقدة وليس لها صوت، تتحرك ببطء ولكنها تترك لنا الفرصة للتعرف على القرية الصغيرة الجميلة، كم تذكرت بلدي الحبيب الكويت وأنا هناك وتمنيت لو اننا استطعنا ان نجعل من جزيرة فيلكا على سبيل المثال نموذجاً للبيئة النقية الصافية.

مشهد لا يفوت

توقفنا في فندق «آل متراس» 4 نجوم.. متواضع ولكنه قمة في الجمال يحاكي جمال المكان لأنه جزء منه، ضحك موظف الاستقبال عندما شاهدني فأثار فضولي بضحكته، فسألته عن السبب فقال انه يعرف القادمين أول مرة للتسلق بخبرته، ونصحني هامساً «إذا كنت خائفاً فلا تذهب!» وقدم لي بروشوراً عن أجمل الطعام وأنواع الشراب في القرية، اخترت غرفة تطل على مشهد رائع، «انه جبل ماترهورن.. يعرفه الكويتيون جيداً» هكذا علق الكندري على صورتي وأنا اقف أمام هذا المشهد الرائع، كان حقاً مشهداً لا يفوت.. وكنت متأكداً ان الكثير من أهل الكويت وقف بالطريقة نفسها التي وقفت بها أمام ماترهورن وهو يشاهده أول مرة.. انها الهيبة الإلهية التي وهبها الخالق للجبال، وكان الوقت قريباً من المغرب.. طلب مني الكندري ان أبدل ثيابي استعداداً للعشاء بعد ساعة تقريباً ثم الاستسلام للنوم لأن علينا ان نستيقظ الساعة الرابعة فجراً.

استيقظنا مبكرين ـ على غير عادتي ـ ولكن الأمر تطلب هذا، الساعة الرابعة والنصف بتوقيت جنيف، كنت اعتقد اننا سنكون وحدنا ولكنني فوجئت عندما شاهدت العدد الكبير الذي سبقنا في الاستيقاظ، هناك أدركت ان هذه الجدية التي يعيشها الغربيون في حياتهم هي التي جعلت منهم أمة متقدمة، كان المتسلقون يتجمعون ليكونوا فرقاً متعددة، كل فرقة تتكون من خمسة أو ستة متسلقين ويقودهم مرشدان، الكل يحمل متاعه على ظهره، وضحكت كثيراً عندما أخبرني فهد بالأغراض المطلوب حملها وهي «2 سنيكرز ـ الشوكولاته المعروفة ـ وليتر ماء فقط» وقبل البدء بالتسلق يحرص الجميع على تبادل السلام والابتسامة الرقيقة كدليل على التمني بالعودة بسلام، وتتحرك الفرق المتعددة كل في طريقه وفي بداية الطريق يشد بعضهم على يد بعض، التفت اليّ الكندري فعلق على تشابك الأيدي فيما بين أعضاء الفريق قائلاً انها بداية لـ6 ساعات من التسلق وهي الفترة التي يستغرقها الوصول الى قمة ماترهورن.

لماذا يتحركون بسرعة وكأنهم في سباق، أليس من الواجب عليهم ان يدخروا جهدهم للعودة؟ أجاب أحد أعضاء الفريق الذي كنا فيه:

السرعة هنا مطلوبة بصورة كبيرة، إذ من الممكن ان يتغير الجو وينـقلب رأساً على عقب في أي لحظة؟


الأشهر المـختارة

عدد كبير من محبي المغامرة والرحلات والرياضة والتغيير يقضون شهري يناير وفبراير وبعضا من مارس يختارون اسبوعا او عشرة ايام من هذه الاشهر الثلاثة ليقضوها في ربوع زيرمات وتحت ظلال ماترهورن، ولكن القليلين جدا من الكويتيين يرتادون هذا المكان الجميل في هذا الوقت، مع ان الكثير منهم يزورونه في فصل الصيف،ولكن هل فكروا في تغيير برنامج رحلتهم ليجربوا زيارة جنيف وزيرمات في فصل الشتاء، انا متأكد تماما من أنهم سيحبونها كثيرا،وربما اكثر من حبهم لها في الصيف.


أول كويتي

قبل ان يبدأ رحلته، سألت فهد الكندري «هل تسلق جبل ماترهورن احد من الكويتيين»، فأجاب «انا اول كويتي يتسلق هذا الجبل ويصل الى قمته، وتبعني الزميل زيد الرفاعي في الصعود اليه»، ثم تابع من بقية الفريق المرحلة الصعبة من رياضة التسلق الجميلة، فيما ظللت انتظرهم في الكوخ الجبلي اشرب الشاي.


اختنقت!


يتكون فريقنا من ستة اشخاص، يتصفون بالطول والقوة البدنية الصلبة والرشاقة والمرونة والابتسامة الدائمة، كل منهم يحرص على ان يرتدي لوناً مختلفاً عن بقية اعضاء الفريق، والسبب في ذلك لمعرفة بعضهم بعضاً في حال هبت عاصفة ثلجية ووقع الضياع، كنت استمع الى هذه الكلمات وكأنني اشاهد فيلماً سينمائياً.. ولكن سرعان ما كانت قرصات البرد ولسعات الثلج Snow تذكرني بأنني اعيش في الواقع وليس في الخيال، الأمر ليس هيناً كما كنت اتوقع.. نظرت الى الجبل «إذن الموضوع يتطلب الشجاعة والإقدام» معنويات الفريق عالية جداً، وخبرتهم في التسلق تساعدهم على المضي قدماً دون خوف، أما بالنسبة اليّ فإن الأمر يختلف، يبلغ ارتفاع قمة ماترهو 4500 متر تقريباً، يستطيع المبتدئون امثالي أو محبو المغامرات ان يسيروا على أقدامهم دون مشاكل تذكر الى ارتفاع 3200 متر حيث يقع الكوخ الجبلي وهو الحد المسموح بوصول الأطفال الهواة اليه، ولكن عليهم ان يستعدوا لمرحلة ضيق التنفس الذي يبدأ من ارتفاع 2400 تقريباً، في البداية لم أكن أتصور ان ضيق التنفس مشكلة كبيرة.. ولكن مع مرور الوقت أحسست بأنني أكاد اختنق في الوقت الذي ارى اعضاء الفريق لا يمرون بهذه الازمة، ضحك الكندري عندما شاهد معاناتي في الموضوع، وانا اغالب التنفس وابحث عن الهواء، ثم علمني بعض الطرق الابتدائية في التنفس في مثل هذه الظروف، عرفت بعد ذلك ان هناك تمرينات معينة تحافظ على اسلوب التنفس في مثل هذه الاماكن وتنظم العملية. وددت لحظتها لو انني كنت في بهو الفندق الدافئ اشرب القهوة الفرنسية الجميلة، بعد هذه المرحلة تبدأ المغامرة الحقيقية.


صوت النشاز يدوي عند القمم

كنا كلما نزداد في الارتفاع يرافقنا صوت نشاز احيانا، ولكنه يحلو ويجمل احيانا اخرى، كان مرعبا بالنسبة لمن يصعد الجبل لأول مرة، وهذا ما دعاني لسؤال الكندري عن هذا الصوت، فقال بأنه صوت الشحنات الكهربائية الموجودة في الجو، وهنا فوق الجبل، ومع زيادة احتكاك الهواء يزداد صوتها، كان اعضاء الفريق يتحدثون قليلا جدا، ويقتصر حديثهم عندما يسيرون على طريق سوي اما اذا بدأ الارتفاع ولو قليلا فإن الجميع يسكت ادخارا لقوته الا من بعض الكلمات التي تزيد من معنويات الفريق وغالبا ما تكون صرخات تحد واعجاب، المشكلة ان كل لحظة في تسلق الجبال تحتاج الى القوة الجسدية واللياقة البدنية والنفس العميق الذي يعيقه دائما الارتفاع، وصلنا الكوخ الجبلي الذي يقع على ارتفاع 3200 مترا، كانت الساعة تشير الى الثامنة صباحا، اي اننا قطعنا المسافة في اربع ساعات تقريبا، لم اصدق نفسي وانا اشاهد اعضاء الفريق يلقون امتعتهم ويستسلمون للراحة، انها لحظة غالية جدابالنسبة لمن يجرب هذه الرياضة اول مرة، بعد ساعة من الراحة قام اعضاء الفريق لمتابعة المشوار، قال فهد الكندري «الآن تبدأ المغامرة في الصعود».