المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يهزم تويتر السلطان



الراي السديد
09-16-2013, 07:13 AM
http://www.almasalah.com/MediaStorage/GalleryImages/8224.jpg?width=400&crop=auto&watermark=1,4 (http://www.almasalah.com/MediaStorage/GalleryImages/8224.jpg?watermark=1,4)




"انهم يعبثون بتاريخ الأجداد"، لم تمر تلك الجملة مرور الكرام لدى الاتراك، وهم يرصدون موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وكيف علق على أبطال المسلسل التركي "حريم السلطان"، يومها أيقن الاتراك ان الرجل ينقّب في التاريخ ليبعث من جديد القفطان العثماني ويريد ابعد مما طرحه الممثلون.
لكن الشخص نفسه تخلى عن تلك الأناقة في الحديث والدفاع عن الروح الاصيلة للبلاد، حين واجه "تويتات" الشباب التركي، والتي باتت تقلق حياة السلطان العثماني ببدلته الزرقاء، فشهر سيفه متخلياً عن كاريزما شعبية اكتسبها بعد تمكنه من تخليص البلاد من القبضة الحديدية للجيش، انه رجب طيب اردوغان عمدة اسطنبول المولود في الـ26 من فبراير/ شباط 1954 والذي اصبح رئيساً لوزراء تركيا منذ 14 مارس 2003 ورئيس حزب العدالة والتنمية الذي يملك غالبية مقاعد البرلمان التركي.
تلقى أردوغان تعليمه فى مدارس دينية منذ صغره، فبدأت دراسته فى مدرسة "إمام خطيب" الدينية، وانتهت فى كلية الاقتصاد والأعمال فى جامعة "مرمرة".
ولأن الديمقراطية بعين الاسلاميين ليست سوى واجهة تختفي خلفها رجعيّة يرى من خلالها القادة أنهم أوصياء على مصالح الدولة ومبادئها، مثلما العسكر، فغدا "بائع بطيخ" مؤسساً لتركيا الجديدة، هكذا يحب أن يدعوه أنصاره وبمثل هذا القول يفتخر هو، لكن كثيرين من خصوم الرجل يتخيلونه مرتدياً بزة قائد جندرمة كلما ألقى خطبه وهو يحاول ان يفزز العثماني في تركيا اتاتورك.
قبل سنوات من تولي اردوغان رئاسة الوزراء وبالتحديد في عام 1998 تسبب اتهامه بالتحريض على الكراهية الدينية في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري قال فيه "مساجدنا ثكناتنا/ قبابنا خوذاتنا /مآذننا حرابنا/ والمصلون جنودنا/ هذا الجيش المقدس يحرس ديننا".
استغل "أردوغان" حظر حزب "الفضيلة" وانشق مع عدد من الأعضاء، منهم عبدالله جول، وأسس حزب "العدالة والتنمية"، الذى أكد منذ نشأته على اتباع سياسات واضحة ونشطة للوصول إلى هدف "أتاتورك" بإقامة مجتمع متحضر فى إطار قيم إسلامية.
وبالفعل خاض الحزب الانتخابات التشريعية عام 2002 واستطاع تحقيق الأغلبية الساحقة، وتولى "جول" رئاسة الحكومة لإسقاط الحكم القضائى عن "أردوغان"، ليستطيع تولى رئاسة الحكومة فى مارس 2003.
مغرم بالماضي ومقدس له ويرى في امس بلاده عصر سلاطين يتمنى عودته، ألم تصفه فورين أفيرز الامريكية بـ"سلطان العالم الإسلامي"، فغلبت على خطابات الشعارات الاسلاموية، لكن خصوم الرجل في داخل تركيا وخارجها لايرون في ذلك سوى طنين يصم الأذان.
لاعبٌ على مسرح الاحداث بدور ماضوي، وأسلوب حداثوي تبرزه بدلة غربية وربطة عنق عصرية يختبئ تحتها "عصملّي" يرتدي قفطان آل عثمان، فاتّخذ من رفع شعار الإسلام، ودعم الشريعة، والوقوف خلف من يدْعون إلى تطبيق الشريعة، مجرد (مطية) للنفاذ إلى الداخل العربي. ألم يقل ان "تركيا ستمثل نموذجاً ديمقراطياً للعالم.. نحن أمل بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا ضحايا والذين سينتصرون، من سراييفو إلى دمشق، من بيروت إلى إسطنبول، من الضفة الغربية إلى القدس وغزة"؟
ولم يعد فنه الاستعراضي أمام الكاميرات يسحر حتى الاتباع، منذ حادثة منتدى دافوس العام 2009 حين غضب بطريقة مسرحية بوجه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، في خضم نقاش حول غزة، حينها قَفَل راجعاً الى بلاده ليجد كثيرين في استقباله، مثل بطل سينمائي لا واقعي. حينها كانت الدراما التركية لتسويق البطل التركي تستعد للانطلاق.
لكن الحشد الذي استقبل أردوغان على وقع استعراضاته في المنتدى الاقتصادي العالمي، انقلب ضده بعدما أزاحت مظاهرات ميدان "تقسيم" القناع، لتتحول الاحتجاجات المتواصلة الى اليوم عقبة في مشاريع أردوغان على مستوى الداخل مثلما الخارج.
لكن الرجل وخلال تلك السنوات التي تولى فيها رئاسة الحكومة، أشرف على تحويل تركيا من دولة متأزمة اقتصادياً إلى أسرع الاقتصادات نمواً فى أوروبا، وبرغم الازدهار والنمو اللذين شهدتهما البلاد فى عهده، إلا انه لايسمح بأى نوع من المعارضة، وسجن مئات الضباط فى الجيش بتهمة التآمر على الانقلاب ضده ومعهم العشرات من الصحفيين بينما ينادي دفاعاً عن الحريات في بلدان الربيع العربي. موقف يؤكد استحقاقه جائزة القذافي لحقوق الإنسان التي تسلمها في نوفمبر 2010 بطرابلس ـ ليبيا.
زاد "تسلط" أردوغان بعد 10 سنوات فى السلطة، بحسب ما ترى المعارضة التركية، ولم يتوقف الأمر عند حد الأطر الأساسية للشريعة الإسلامية، وسعى لإقرار قوانين تحظر بيع الخمور، وبرغم أنه لا مواد تحظر بيع الخمور فى الدستور التركي، لكن ابن المدرسة الدينية استند على مادة أخرى تقر بـ"حق الحكومة في الحفاظ على شبابها من أي مخاطر".
وذهب اردوغان متحدياً التيار العلماني في بلاده بعدما هزم العسكر "حماة العلمانية" في تركيا الفتاة ليشرع يوماً تلو الآخر فى سن القوانين التى تفرض الشريعة الإسلامية نصاً وقوانين، من خلال تمرير قوانين في البرلمان التركي، كان أبرزها حظر تبادل القُبلات وإظهار العواطف فى الأماكن العامة.
وكان إعلان الحكومة خطة إعادة تخطيط إحدى المناطق وقطع الأشجار فى إطار تلك الخطة، بمثابة "القشة التى قصمت ظهر البعير"، فأعلن الشعب التركى اكتفاءه من "تسلط" أردوغان، وخرج الآلاف فى تظاهرات سلمية سرعان ما تحولت إلى اشتباكات هى الأعنف فى تركيا خلال سنوات طويلة، خاصة مع إطلاق الشرطة الغازات المسيلة للدموع، ومطالبة المتظاهرين بإسقاط الحكومة التركية.
والضربة الاخرى التي اربكت خطوات رئيس الحكومة التركية، عزل الرئيس المصري محمد مرسي، صنو أردوغان في الفكر ومستنبط تجربته التركية، حتى اذا وقف اردوغان موقف الند من ازاحة مرسي انقطعت علاقاته مع مصر، وتدهورت علاقاته الى حد كبير من السعودية.
ومثلما جعجع أردوغان من دون طحن امام هجوم المارينز الاسرائيلي على قوافل (الإغاثة) التركية الى غزة في عرض البحر، العام 2010، فان صراخه اليوم على المنابر ضد الجيش المصري الذي اطاح بمرسي لم يسفر سوى عن استهجان المجتمع الدولي لتدخله في شؤون دولة اخرى.
وإذا كان بعض المتعصبين والراديكاليين من انصاره يحلو له وصفه بـ(سليل الفاتحين)، او محمد الفاتح، او سليمان القانوني، في سعي الى تعزيز سيادة الثقافة (الأصولية) في العالم الاسلامي، الا ان أردوغان ينال اليوم القاباً لم يكن يتوقع انه سيسمعها يوماً ما، حتى من الاتراك انفسهم الذين يصفونه بــ(الدكتاتور)، و(الدموي)، و(الرجعي) و(الوقح) و(الأرعن).
وعند هذا الحد، أدرك أردوغان انه لم يعد بمقدوره دغدغة المشاعر باستثمار الدين، بعدما استغله بطريقة (مكيافلّية) وطائفية للتدخل في شؤون دول اخرى مثل سوريا، ومصر، والعراق في نفسٍ عثماني، يسعى من خلاله الى التعويض عن إخفاق في نيل عضوية الاتحاد الاوربي بعدما تحول الى متسوّل على ابوابها.
وانحدر أردوغان كثيراً في علاقاته التي لا تليق به كرئيس وزراء دولة علمانية تسعى الى علاقات راسخة مع الغرب، فتفتّقت (عصبيته) عن علاقات استراتيجية مع دولة صغيرة مثل قطر، وتوطيد للتواصل مع معارضات ومنشقين ورجال دين متعصبين، مثل طارق الهاشمي، المتهم بأعمال قتل، والمطارد من قبل سلطات بلاده، ومع قوى متشددة وتكفيرية تسعى الى بسط سيطرتها على سوريا، اضافة الى تنسيق في الرؤى والسياسات مع رجل دين متعصب هو يوسف القرضاوي.
بيْد أن سياسات أردوغان تماهت في بعض تفاصيلها مع خطابات القاعدة، ولاسيما تصريحات ايمن الظواهري قبل سنوات حين دعا الى إحياء تركيا لفتوحات سليمان القانوني، ومحاربة (الصفوية) في العراق، فكأنه اسمعه نداءه عبر نفس طائفي في سياسته تجاه بغداد، واصفاً العملية السياسية بـ"الطائفية" في محاولة جديدة لدغدغة مشاعر طائفة معينة، محرضاَ على التمرّد، وحامياَ ومحامياَ لأشخاص خارجين على القانون في بلدهم.
ولعل من ابرز التناقضات في حياة الرجل تحالفاته العنكبوتية التي سرعان ما تتهاوى مع اول هبة ريح، ان السعودية تطلق اليوم لإعلامها العنان لمهاجمة أردوغان بعدما اعتبر عزل مرسي من قبل الجيش في يوم الثالث من تموز/ يوليو 2013، انقلاباً، نعم هذا ما يحصل اليوم بعد ان منحته السعودية جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في العام 2010.
وإذا كان أردوغان يتماهى مع الاسلامويين في مبادئهم الا انه يفترق عنهم ايضا، وهو يحن الى ابّهة العثمانيين وترفهم، مثل حفل الزفاف الأسطوري الذي أقامه لابنته العام 2005، وبلغت تكلفته مليوني دولار في بلد نحو ثلث سكانه تحت خط الفقر.
نعم فبائع البطيخ صار يحتل المرتبة الثامنة في قائمة اغنى اغنياء العالم كما تقول مجلة ايكونوميست التركية، بل ان البرلمان التركي شهد نقاشات حادة وجدلاً شديداً خلال مناقشة مواد حزمة التعديلات الدستورية، وتحولت قاعته إلى حلبة للملاكمة بين بعض نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري المعارض، بعد أن تساءل عاكف اكيجي نائب الحزب الأخير عن ممتلكات رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وكيفية وصولها إلى 2 مليار دولار خلال 8 أعوام من توليه رئاسة الوزارة.
ودولياً، فإن أردوغان وضع بلاده في عنق الزجاجة بسبب سياسياته الارتجالية، فقد تدهورت العلاقات مع روسيا، وبات غير مرغوب به لدى المستشارة الألمانية.
اردوغان يعني، بحسب كاتبة تركية هي أسلي أيدينتاسباس، انه "يعرف الأفضل لنا كأب قادر على اتخاذ القرار حيال الحديقة والجسر والمدينة والدستور لكن الناس يريدون ديمقراطية حقيقية في تركيا"، في حين ان الرجل يعاني من متلازمة نابليون.