المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبدالرحمن الدعيج: هذا هو تاريخ السبيل الذي حمل اسم الوالد



مجاهدون
01-28-2005, 09:39 PM
العم الفاضل عبدالرحمن الدعيج، ضيف حديث الذكريات في جمعتنا هذه، سليل رجل طرق في الخير طريقاً وسلك بالجود سبيلا، فوالده هو المغفور له بإذن الله تعالى عبدالعزيز محمد الدعيج أحد أعيان الكويت ووجهائها وأبنائها البررة, يحدثنا بوعبدالعزيز عن نبذة نفيسة من أخبار هذا المحسن المعروف الذي سار أبناؤه على طريقه، ويحدثنا أيضاً عن السبيل وعن سوق ابن دعيج، وعن بعض مآثر أهل الكويت الجميلة، وعن نشأته هو ودراسته عند الملا مرشد وغيره من أهل العلم والفضل، وعن عمله في دائرة الأشغال، وعن العلاقات التي يعتز بها خاصة مع فضلاء الزمان، وللمعلومية فإن أبا عبدالعزيز كاتب مقالات وصاحب قلم منذ سنوات بعيدة، وله آراء في الاقتصاد وشؤون الحياة نشر بعضها، ومازال ينشر غيرها تباعا وبعضها نشر تحت اسم مستعار هو «ابن البلد».

إن هذه الذكريات تحمل أهمية يعرفها من أرّخ لتاريخ الخير في هذا البلد المعطاء، ويعتز بها كل من أحب الفضائل وأحوال الفضلاء، وتـرسم طريقــهم ونهــج منهـجهم بشمم وإباء, فمع العم عبدالرحمن الدعيج وهذه الذكريات:

ولادتي كانت في سنة 1936م، ولم أشهد بالطبع سنة هدّامة، وإن رأيت بعض آثارها لما كبرت, ونشأت في بيتنا الكائن في منطقة سوق الدعيج حالياً، وهو سوق (الماي) في السابق, وكان هذا السوق في الوسط، حتى أنني لما أردت التسجيل في الانتخابات الأولى في الستينات بعد الاستقلال، وذهبت للجنة قالوا لي: هل تريد التسجيل في شرق ولا جبلة، فاخترت القبلة.

وقد ابتدأت الدراسة عند ملا مرشد ولمدة سنتين، ثم درست في المعارف، وقد حصلت أيضا على دبلوم التجارة من المدرسة الدولية في لبنان في الستينات، وكانت دراستي مسائية ولذلك سبب: وهو أني ذهبت إلى الحج مع الأهل في أثناء السنة الدراسية، ولما عدت وإذا زملائي قد سبقوني بشهرين، وقد كان الحجاج كما هو معروف يقيمون أياماً في الطريق، وقد كان سفرنا خمسة أيام، بتنا في أحدها في الرياض، فاضطررت للالتحاق بالمدرسة مساء، وقد أردت التوجه للعمل بعد ذلك، فلم أكن أحب الجلوس أو أركن على تجارة والدي رحمه الله والذي كان قد توفي وعمري سنة تقريباً.

وكان من زملائي عند ملا مرشد وهم كثر: الشيخ مبارك عبدالله الاحمد، واحمد الصالح الشايع وعيال السمحان وعيال الهدلق وعيال الوزان، ومن مدرسينا: عبدالرحمن الرويح للغة الانكليزية وملا مرشد يدرسنا الفقه والعربية والقرآن الكريم, ومن مدرسينا محمد سليمان المرشد, وكانت مدرسة ملا مرشد منظمة، وكل خريجيها عندهم تأصيل باللغة والدين، وكثير منهم تسلم وظائف قيادية في الدولة بعد ذلك.

العمل الحكومي
سجلت بادئ ذي بدء في الأوقاف، وفي المالية، وفي دائرة الأشغال التي قبلت فيها، وقد أدخلوني على العم محمد يوسف النصف، بويوسف، فلما علم أني ابن عبدالعزيز الدعيج قال: أبوك راعي السبيل؟ قلت: نعم، فقال: تارك الدراسة وجاي تشتغل؟! فأجبته: عمي ماكو دراسة الحين، لأني جاي متأخر من الحج, فقال: أشغلك على شرط إني أفنشك إذا بدأت الدراسة, فوافقت، ولكن في الوقت نفسه ذهبت للتسجيل في الدراسة مساء، ثم أريت العم النصف ورقة التسجيل، تركني أعمل بعد أن أوكلني لمن دربني على المحاسبة وعرفني وعلمني على رسم المخططات والخرائط، ولم أبلغ وقتها العشرين من العمر، وقد وصّى العم بويوسف عليّ قائلاً: هذا من عيالنا.

ولم تمض ثلاثة أشهر حتى أرسلوني للعم علي المناعي المشرف على بناء المصح الصدري سنة 1952م، مقابل مستشفى الصباح، وكان في المشروع حوالي 3 آلاف عامل، وكنت أسجل أسماء العمال الذين نحاسبهم كل أسبوع، وكان مسؤولو دائرة الأشغال- وهذا اسمها وقتها- ورئيسها الشيخ فهد السالم رحمه الله، يقولون: الكشوفات في هذا الأسبوع مضبوطة، منو اللي كتبها؟ فأخبروا بي، فكلفوني بمتابعة مكاتب الأشغال الخارجية، وشؤون الكتبة، وأعطوني سيارة بسائق، وبنقل طلباتهم للوزارة أو الدائرة وقتها, وفي رئاسة الشيخ فهد السالم ثم بعده سمو الشيخ سالم العلي أطال الله عمره، ثم على ما أعتقد عبداللطيف ثنيان الغانم، في كل هذه الفترة وأنا مستمر في العمل وفي الدراسة أيضاً حتى قدمت استقالتي في حدود سنة 1975م لاجل التفرغ لأعمالي الخاصة.

الوزير العيسى
ومن ضمن ما حصلت عليه من شهادات كان دبلوم التجارة سنة 1963 أو 1964م، ودراسات مسائية في الكويت, وقد رآها وزير الأشغال آنذاك: خالد العيسى الصالح، وقد جعلني مندوباً مالياً لإدارة الطرق، والتي وصلت ميزانيتها سنة 1966م إلى مبلغ 65 مليون دينار، فقد كانت الكويت مقبلة على نهضة وتأسيس, وفي عهده كوزير تم انشاء مطار الكويت, وعايشنا وقتها فترة شارع الخليج أيضا, وأنا أعتبر الوزير العيسى بطل الكويت في البنى التحتية والعمران, وقد أخذ موافقة سمو الأمير أطال الله عمره وكان سموه وقتها على ما أعتقد ولياً للعهد لأجل إنشاء شارع الخليج, وكنا نعطي السائق 100 فلس على درب الرمل لأجل دفن البحر.

وكان الوزير الله يعطيه طولة العمر، إذا ظهرت أي مشكلة ليس لها سابقة، وضع لها نظاماً وقانوناً تسير عليه في قابل الأيام, وكان من أمنياته التي باح بها لي: أن يجعل المواطن الكويتي يسير تسعين كيلومتراً على البحر, وهو الذي أقر وأصر على أن يكون عرض الحارة في شارع الخليج 14 متراً، وتصور الوضع مع هذا الزحام الذي نشهده لو كان 11 متراً, ولم يكن يجامل أحدا حتى أقربائه, وأيضا كان يكره الوشاية ويقول لنا: لا تقولوا فلان مقصّر، بل قولوا لي فلان يستحق الترقية.

الوالد والسبيلوالدي عبدالعزيز بن محمد بن عبدالمحسن الدعيج، ومن أبرز أعماله: سبيل ابن دعيج، وعن تاريخه أقول ما يلي:

كانت فكرة هذا السبيل قد بدأت عنده منذ الصغر وعمره 12 سنة عندما وضع أمام منزله غرشة (جرة) وعليها مغرفة, فأصبح الناس في السوق يمرون ويشربون منها, وكان من مصادر ماء السبيل آنذاك مياه الأمطار فالحوش في بيتنا كان كبيراً جداً، وكنا نضع فيه (الشتري) وهي خيمة ملفوفة وموضوعة في إحدى زوايا حوش البيت، وفي أيام المطر تقلب فتصبح كالمحقان ومربوطة في كل زوايا الحوش، وإذا نزل المطر يتم غسلها أولا، ثم تفتح وبها ثقل رصاص فتصب في خزان ماء في الأرض لدينا يسع لخمسين ألف جالون وتسمى البركة.

وفي مطرتين فقط تمتلئ, والمطر في السابق أكثر من الآن، والبركة تكفي للسنة القادمة, وهناك أيضاً بركة أخرى تمتلئ لخمسين ألف جالون أخرى، تملأ عن طريق قرب الماء التي تحملها الإبل من آبار الشامية إلى السبيل في حي الدعيج، وكان لدى الوالد رحمه الله أرض هي الآن من الصحة المدرسية ضاحية عبدالله السالم إلى ثانوية الجزائر في الشامية، هذه مسافتها وكلها قلبان (آبار) وقد حفر فيها هو أيضا قلبانا أخرى, هذه هي الشامية، ثم تقلص اسم الشامية على المنطقة السكنية المعروفة الآن, وقد بيعت هذه الآبار سنة 1951م بتسعين ألف روبية للدولة, وأذكر في إحدى زيارات سمو الأمير أطال الله عمره وكان معه سمو الشيخ صباح في رمضان منذ فترة لديوان الدعيج أن قال لي سموه إنه شرب من السبيل ذات يوم ومعه الشيخ صباح, وقد قال لي الشيخ صباح في مرة: ما في شارع أو مدرسة باسم الوالد؟ فقلت: لا طال عمرك, وبعد ذلك رأيت أن شارع الفتح في منطقة القادسية، قد تغير اسمه لاسم الوالد وهو بجانب الديوان.

وديوان الدعيج بُني من فائض ايرادات وقف السبيل ومن ايراد العقارات تحديداً, وبه أجنحة للضيافة ولمن أراد السكنى أيضاً.

وأما السبيل فهو وقف منذ زمن الوالد رحمه الله, وقد توثق وسلم للأوقاف بعد وفاة أخي صالح سنة 1967م، فأدارته الأوقاف لمدة سنة، ثم تقدم لهم يعقوب يوسف صالح الدعيج من أحفاد أخي صالح لاستلامه وإدارته بعد أن وقع له العديد من الأسرة، فسلمته الأوقاف له, ويعقوب هو صاحب فكرة انشاء الديوان أيضاً, وقد ابتدأ يعقوب بصرف رواتب من إيرادات الوقف، لبعض الورثة وعشرة آلاف كيس رز وشاي وسكر وغيرها للمحتاجين, وجد يعقوب وهو أخي صالح هو الذي اعتنى بي منذ صغري, وقد جدّد يعقوب سلمه الله: البرادات للسبيل التي كنت قد جددتها بدوري وفي أماكن متفرقة في البلد خاصة التي في المدارس والمستوصفات والمستشفيات.

سوق ابن دعيج
بداية السوق عندما فتح والدي غفر الله تعالى له، غرفاً زائدة عن حاجته في بيته إلى الخارج وأغلقها من الداخل كدكاكين للإيجار, وسوق الدعيج ثابت في سجلات البلدية, وقد حل محل المحلات القديمة عمارات جديدة, وأذكر أن أحد كبار السن من إحدى الأسر الكويتية وقد جاوز الثمانين قد حدثني وقد قابلته في إحدى الرحلات أنه أراد فتح محل للصباغة، لكنه كلما ذهب إلى جهة قالوا له: ما نبي أصباغك تخرب محلاتنا، وهكذا حتى قيل لي: اذهب لعبدالعزيز الدعيج, فذهبت إليه، وسلمت عليه فقال لي: شنو شغلك يا ولدي؟ فقلت: صبّاغا، فأعطاني مفتاحاً لدكان.

فعملت لثلاثة أشهر، ولاحظت أنه لم يطلب مني إيجار الدكان فذهبت إليه وقلت له: عمي الإيجار ما أخذته؟ فقال لي: اشتغلت ولاّ ما اشتغلت؟ فقلت: ابتديت، فقال: هَيّنْ، إذا ابتديت زين جيب لي الإيجار, فلما عرفني الناس وارتاحوا للتعامل معي واشتغلت أعطيته الإيجار من تاريخه، وأصبح فيما بعد من كبار التجار, وكان الوالد يكنى بأبي عبدالله، وهو أخي وقد شهد معركة الصريف (1901م)، وذهب بعدها لبعض أقاربنا في القصيم، ثم عاد إلى الكويت، ومن حفيداته: المحامية سارة الدعيج, وتوفي وعمره حوالي التسعين، وشهد معركة الجهراء أيضاً هو وأخي صالح.

وحدثتني إحدى المسنات في هذه السنة قالت: كنت أعرف أذان الفجر وأصحو عليه بسبب أبيك, فقلت: اشلون, فقالت: كان بيتنا في جبلة ورا مجلس الأمة الحالي، وكان فيه شبابيك صغار عالية- لم يكن من صنيعهم وضع شبابيك مطلة على الشارع وقتها بل يكتفون بشبابيك عالية للتهوية فقط- وقبل الاذان الأول أسمع رجلا يمشي وهو يهلل ويكبر وهو رايح للمسجد، وبعدما يتعدى بيتنا بشوي أذن الأذان الأول.

فسألت عنه: فقيل لي: هذا عبدالعزيز الدعيج يروح ويصلي بمسجد البدر الذي يصلي فيه الشيخ عبدالله خلف الدحيان رحمه الله, وهذا المسجد خلف مجلس الأمة مباشرة, وكانت علاقته قوية بالشيخ ابن دحيان، ولهما تعاون وبينهما مشورة في أعمال البر.

والشيخ رحمه الله تعالى هو من وثق وصية الوالد التي شهد عليها الشيخ أحمد الجابر الصباح والشيخ عبدالله الجابر الصباح وهلال فجحان المطيري وشملان بن علي آل سيف وحمد الخالد الخضير, وكان الشيخ سالم المبارك رحمه الله يحيل متخاصمي حي ابن دعيج للوالد، ولما استفسر الوالد منه وقال: أنا تاجر فقط، قال الشيخ سالم: إذا كانت مشكلة بسيطة حلها وإذا كانت مالية هم حلها، وقد أشار لذلك الشيخ النوري في أحد كتبه, وقد حدثتني الشيخة شيخة العلي السالم رحمها الله أن والدها رحمه الله قضى فترة راحة ونقاهة جراء اصابته في إحدى الحروب في مزرعة الوالد التي تقع حالياً في شارع مبارك الكبير قرب دروازة عبدالرزاق.

أخلاق أهل الكويت
كان الشعير والحنطة يوضعان في الفرضة على هيئة أكوام تشبه التلال الصغيرة, فأتى الوالد ذات يوم، فوجد الحاج صالح معرفي وكان معروفاً باستيراد هذه الحبوب، فقال له الوالد: حجي صالح كم تبيع المن؟ والمن 120 كيلو، فقال: المن بروبيتين ونصف من الحنطة, فاتفقا على البيع والتحميل وذهب الوالد إلى أعماله الأخرى.

وبعد يومين ووالدي في انتظار البضاعة وليسلم المبلغ، ارتفعت الأسعار جدا بسبب الحرب العالمية الأولى، حتى وصل سعر المن إلى ثلاث روبيات ونصف الروبية، فبلغ ذلك الوالد فقال: الله يبارك للحجي صالح ببضاعته، فنحن لم ندفع له شيئاً بعد, كل هذا والسعر في ارتفاع شديد وصل إلى 28 روبية للمن الواحد, فأتى الحاج صالح معرفي للوالد وقال: يا بوعبدالله ماتيجي تشيل بضاعتك؟ فقال: أشيلها؟ المن صار بثماني وعشرين روبية! قال: أنا بعتك بروبيتين ونصف الروبية لا يمكن، فتجادلا بمحبة وكلاهما على حق، وذهبا للقاضي، الذي أضافهما وأقنعهما وأرضاهما بأن تبقى البضاعة لدى الحاج معرفي، ومن ثم يدفع فرق المبلغين لوالدي.

هذه من نوادر ومآثر الرجال التي نعتز بها، وقد حدثتني بها والدتي.

الأمير خالد الفيصل
الصلة بأهلنا في السعودية قوية، وأنا أخوالي آل عبدالعالي, وقد بلغ أقرباؤنا في إحدى إحصائياتنا حوالي 600 شخص في السعودية, ومن أحفاد خالي علي عبدالعالي: اللواء عبدالعزيز العبدالعالي الذي ساهم في حرب تحرير الكويت ضمن الجيش السعودي, وقد تعرف الاهل منذ سنوات بعيدة على الأميرة الفاضلة هيا بنت تركي الجلوي آل سعود والدة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير, وقد كانت رحمها الله تدعو أهلنا للحج معها, وعندما كنا نذهب هناك كانوا يكرموننا كرما لا يوصف, وصارت لي علاقة طيبة مع الأمير خالد الفيصل منذ أن كنا يافعين أو أصغر قليلاً.

وقد عايشت الأمير خالد عن قرب، وصدقني أني رأيت فيه أميراً بكل تصرفاته وأفعاله، وسيما الإمارة والعقل واضحة وظاهرة فيه منذ صغره حتى في لعبه, وكان يحب لعب كرة القدم جدا، وكان ذكياً وذا مزح أنيق ومهذب، كنت أرى ذلك في مزحه مع أفراد رجال القصر والحاشية, وكانت الأميرة هيا تحرص على إقامة الصلوات في القصر وتعاقب من يثبت لها تهاونه أو تقصيره فيها، بل وتطرده من القصر أيضاً, وكنا إذا ذكرنا النساء الخيرات الفاضلات نذكر سموها, رحمها الله وأذكر ورغم أني كنت صغيراً إلا أنني لم أر وجهها مطلقاً، فهي دائما متغطية, ومازالت الصلة مستمرة مع الأمير خالد وأخيه الأمير سعد واخوتهم من الأمراء الكرام, وأذكر أن والدتي رحمها الله، إذا دعت للخيرين دعت لابن سعود، أقول لها ليش يمه؟ فتقول: يا ولدي، أهلنا قبل يقولون إذا مشينا بالصحرا ما نحس بالأمان، حتى جاء ابن سعود, والوالدة توفت عن 90 سنة عام 1985م.