المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلام حول الوطن والمواطنة .....علي يوسف المتروك



المهدى
01-13-2005, 04:14 PM
تركت الامم المتحضرة والحية مساحات كبيرة في تراثها للكتابة عن الوطن وتمجيده والتغني بجماله والتفاني بحبه، ولم يكن العرب بدعا من تلك الامم، فقد احب العرب في الجاهلية والاسلام اوطانهم لدرجة العشق والتفاني، وكان العربي عندما يسافر او ينزح عن ارضه يأخذ قبضة من تراب وطنه، فاذا اشتد حنينه الى ارض وطنه وضع جزءا من ترابه بشربة من الماء لترد اليه بعضا من ذلك الحنين فقال احدهم في ذلك:

«نسير على علم بكنه مسيرنا

بعفة زاد في بطون المزاود

ولابد في اسفارنا من قبيصة

من الترب نسقاها لحب الموالد»

ويقول ابن عباس: «لو رضي الناس باوطانهم رضاهم بارزاقهم لما اشتكى احد الرزق»، على ان هذا الحب وهذا التعلق بالوطن ليسا مرهونين بجمال الوطن او طيب مناخه، بل هما حب مطلق وانجذاب لا شعوري للارض التي مس جلده ترابها حين ولادته وهي تذكره بملاعب الطفولة ونشأة الصبا فيقول احدهم في ذلك:

«وكنا ألفناها ولم تكن مألفا

وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

كما تؤلف الارض التي لم يطب بها

هواء ولا ماء ولكنها وطن»

وجاء القرآن الكريم ليكرس غريزة حب الوطن فيضرب اشد الامثلة والعقوبات مهددا بني اسرائيل لما ارتكبوه من آثام بحق انبيائهم بقوله: «ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليلا منهم» فقد ساوى الله سبحانه وتعالى قتل الانسان لنفسه او خروجه من وطنه ويقول في آية اخرى ليعطي اعظم الدوافع للقتال والنهوض «ومالنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابناءنا» وكان رسول الله صلوات الله عليه شديد الحب لوطنه وهو القائل: «حب الوطن من الايمان»، فعندما اجبر على الخروج والهجرة الى المدينة وقف على مشارف مكة وقد القى نظرة وداع على وطنه ووطن آبائه واجداده وحرم الله وكعبته المشرفة فقال: «الله يعلم انك احب ارض الله الي ولو لم يخرجوني اهلك منك ما خرجت» ثم اغرورقت عيناه بالدموع من الم الفراق وبينما هو يغادر مكة وكان على مشارفها في الجعفة واذا بالامين جبرائيل يهبط عليه بالوحي قائلا: يا محمد اعز عليك فراق مكة؟ فقال: نعم، فقال جبرائيل: ان الله يبشرك ويعدك بالرجوع اليها منتصرا، ثم قرأ عليه قوله تعالى «ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد» فطابت نفسه الشريفة بهذا الوعد الالهي العظيم ومن اصدق من الله وعدا لقوم يوقنون.

وفي ايام اشدة وبداية الهجرة قدم الى المدينة رجل يدعى اصيل فتحلق حوله الصحابة من المهاجرين يسألونه عن مكة وكان النبي صلوات الله عليه جالسا بينهم فقال: «تركتها وقد احجن ثمامها واغدق اذخرها واشر سلمها فاغرورقت اعين الصحابة بالدموع شوقا الى مكة موطنهم فما كان من النبي صلوات الله عليه الا ان نهاه بعبارة ذات دلالة قائلا: يا اصيل دع القلوب تقر».

ويبقى الحديث عن الوطن حديثا متصلا دافقا خصوصا اذا كان الوطن جاذبا لابنائه يحتضنهم كما تحتضن الام الرؤوف ابنائها ويفتح ذراعيه وقلبه للعائدين الى احضانه رغم عقوقهم، وتبقى المواطنة حقا يستحق الاداء وضريبة مضمخة بعطر الوفاء للارض التي اقلت والسماء التي اظلت، فيا ليت من ينساق وراء سراب احابيل واباطيل اولئك المروجين واللاعبين بعقول الناشئة، ان يرجعوا الى حب اوطانهم وان ينتظموا مرة ثانية للذود عن حياضه، واذا كان اولئك الدعاة يؤمنون بما يقولون ويروجون فلماذا لا يقدمون انفسهم الى ما يوجهون اليه اولئك الفتية من اعمال؟ فقد رأينا احدهم عندما غاب ابنه على سبيل المزاح راح يولول ويستنجد بالسلطات للعثور عليه، بينما يدعو ابناء غيره الى مقاتلة المشركين حسب زعمه في كل مكان. واليك اجمل ما قيل في حق الوطن من قصيدة بعنوان «تحية الى البحرين في عيدها الوطني».

«ولي وطن لا أرتضي غير ارضه

مقاما ولا بعد الردى غيره رمسا

ألفناه عشاقا وهمنا بعشقه

كأن بنا من حب تربته مسا

فان رامه لا قدر الله غادر

صنعنا قلوب العاشقين له ترسا

واما دجى خطب طلعنا بأفقه

نجوما مع الجلى وكان لنا شمسا».