المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقرأ: كتاب أسئلة وردود من القلب مع العلامة السيد محمد حسين فضل الله



سيد مرحوم
11-07-2004, 09:00 PM
http://www.shell.linux.se/ali/upload/uploading/dd.jpg


شبكة العراق الثقافية: العضو منازار








مرحلة الطفولة الأولى


http://www.shell.linux.se/ali/upload/uploading/MHD.jpg

• لنبد بالطفولة بكل تكوناتها: جو البيت الي ولدت فيه وترعرعت في أكنافه، جو القرية بكل ما تحمل من تناقضات، جو المجتمع الأوسع السائد، وما هي القضايا التي تركت تأثيرها عليكم؟


لنبدأ من جو البيت. لقد ولدت في بيت ديني يتخذ المعيوش الديني عنواناً لحركته في الحياة الثقافية، والمسكلية العملية، كما كان هذا الجو ينطلق من عائلة دينية، تعيش إمتدادات الزمن، في لبنان، وقبل ذلك في مكة. وهكذا أبي الذي كان يدرس العلم في النجف، ويعيش الرغبانية العلمية بعمق مع إستغراق في دراساته العلمية، درساً وتدريساً، بحيث لم يكن له علاقات إجتماعية واسعة، إلا في دائرة محدودة. وكانت أمي إمرأة بسيطة لا تملك الكثير من الثقافة، وهي من عائلة جنوبية، لم تعش شبابها إلا وهي زوجة على أساس أنها لم تأخذ مجالاً واسعاً من الثقافة في بلدها. هكذا مضت طفولتي على شكل طفولة عادية، كنت الولد الذكر الأول في العائلة وكانت الحياة في داخل البيت حياة بائسة، من الناحية المادية، فقد كنا لا نستطيع التمتع بما يتمتع به الناس الذين يملكون الإمكانيات المعقولة في الحياة. ولكننا كنا نعيش هذا البؤس بشكل طبيعي لأن المحيط الذي كان يحيط بنا كان مجموعة من البائسين، من طلاب العلم المهاجرين الذين لا يجدون الكثير من سعة العيش، وعشت هناك هذه الطفولة المبكرة، في مدينة النجف الأشرف، المدينة العريقة التي كانت تضم إلى جانب إمتداداتها العربية خليط من القوميات المتنوعة التي كانت تأتي إلى النجف، إلى جوار مقام الإمام علي(ع)، أو كانت تأتي للدراسة الدينية والعلمية. لم يكن هناك شيء بارز في الطفولة المبكرة. النجف كانت تعيش على كتف الصحراء، وفقط جدول صغير يجري في وهادها المنفتحة على الرمال تحيط به بساتين تحدها إمكاناته في إعطائها الري. وفي تلك المنطقة المسماة بـ (الجدول) كان منتزه طلاب العلم في النجف الذين يخرجون من عائلاتهم أو أصحابهم في العطلة الدراسية، وهي عادة كل يوم خميس وجمعة من أيام الأسبوع، والعطل الدينية المتنوعة.

إنفتحت عيناي على الخضرة، من خلال السفرات التي كنت أرافق فيها أهلي إلى هذا الجدول، كما إنفتحت على الخضرة عندما كنت أذهب معهم إلى الكوفة، وهي تقع على بعد 10 كلم من النجف التي يجري في داخلها نهر الفرات وتحيط بها البساتين، كما تضم المسجد الأعظم التاريخي. ربمان تركت هذه المناظر الكثير من مؤثراتها الجمالية في نفسي بشكل لا شعوري من الناحية الوجدانية.

وفي هذا الجو من الطفولة، المبكرة بدأت الدرس بالكتاتيب عند شيخ يكاد يكون أمياً في ثقافته، وإن كان يملك بعض المعلومات في القراءة والكتابة من دون أية إمكانيات فنية، ومعرفية في المسألة التربوية.

كانت المدرسة شيء لم يألفه الوسط العلمي آنذاك، لأن هناك كثيراً من التهاويل التي كانت تعيش في الذهنية الدينية حول المدرسة، بإعتبارها نتاج الغرب، ومن هنا كانت مسألة الدخول إلى المدرسة من المسائل التي قد تكون مستنكرة، من دون أن يملك الذين يستنكرون منطقاً مقبولاً في هذا المجال. درست مدة عند هذا الشيخ، وكنا نتعلم الكتابة على اللوح، الذي يحتفظ كل طالب بقطعة منه، وكنا نقرأ بالطريقة القديمة، عن طريق الإستظهار، وكانت طريقة التأديب هي طريقة الضرب، واللجوء إلى (الفلقة) التي تربط فيها رجلا المتمرد، وينهال عليه بعض الطلاب الموكلين بالعصا أو بغير ذلك. ولم أمكث طويلاً عند هذا الشيخ، إذ إنتقلت إلى شيخ آخر يقيم في منطقة حرم الإمام علي(ع)، بما يسمى غرف الصحن على شيء من التنوع ولعل هذا الشيخ الآخر الذي أتذكر إسمه، وهو الشيخ موسى، كان أكثر تنظيماً من شيخنا الأول، وأكثر لباقة، ولا أدري إذا كان أكثر ثقافة. وغستطعنا أن نجتاز مرحلة قراءة القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة وبعض قواعد الحساب البسيطة. ولكننا إستفدنا من هذا لأننا إنفتحنا على مجتمع الأطفال الذين كان بعضهم يمت بنسب الطبقات العليا، والمميزة في النجف الأشرف. كنا نلاحظ أن الشيخ يقرب أبناء الطبقات العليا ويبعد أبناء طبقات الدنيا، ولعله كان ينال منهم مالاً أكثر، أو كان يريد أن يتقرب إليهم لحاجاته.

خرجنا من مدرسة هذا الشيخ، وكانت هناك مدرسة خصصت من قبل هيئة دينية لجمعية منتدى النشر، وهي جمعية أسست من قبل علماء مثقفين، أرادوا أن يكونوا جسراً للماضي والحاضر. ولعلي كنت في نظر إدارة تلك المدرسة قادراً على أن أكون في الصف الثالث على أساس أن معلوماتي كانت جيدة تمكنني من إجتياز الصف الأول والثاني إلى الثالث.
وأذكر إني كنت طالباً جيداً ونجحت إلى الصف الرابع، ولا أتذكر ما هي الظروف التي جعلتني أخرج من المدرسة وأنا في الصف الرابع لأتابع باكراً الدراسة الدينية.




مرحلة الطفولة الثانية


• كم كان عمرك في ذلك الوقت؟

كنت في عمر الحادية عشرة، وفي ذلك الوقت كنت أشعر بوجود شيء يضج داخلي، هو نهم المعرفة. ففي الوقت الذي كنت أدرس كتاب(قطر الندى) وهو أول كتاب في النحو، وأتصور أن بعض مصطلحاته لا يستطيع تحملها إبن الحادية عشر، ولكني كنت أستوعبه بشكل جيد.... وفي ذلك الوقت كنت أشعر بنهم للثقافة، فكنت أطالع المجلات المصرية، وكنت أطالع أيضاً المجلات التي تصدر في العراق.


الدخول إلى الثقافة الأوسع، ومحاولات الكتابة الأولى

• في أي سنة كان ذلك؟

في سنة 47 أو 48. وفي ذلك الوقت كنت أطالع مجلات أكبر من سني، ومن ثقافتي فكنت في ذلك الوقت أقرأ مجلة(الرسالة) التي يصدرها أحمد حسن الزيات، وكنت أستمتع بقراءتها، ولا أدري إذا كان هذا إستمتاع الفكر الواعي. كما كنت أقرأ أيضاً، مجلة(الثقافة) التي تصدر في مصر. وفي ذلك الجو كنت أعيش الإنفتاح أكثر من اقراني، من خلال هذه القراءات التي قد لا تكون منظمة أو مرتبة أو ممنهجة، ولكنها كانت كمن يتنقل بين الأزهار إذا إستنهضت في داخلي شيئاً ما. كنت أختزن هذه المشاعر والأحاسيس في الوقت الذي بدأت فيه أكتب الشعر من دون أن تكون لدي ثقافة شعرية واسعة. أذكر سنة سقوط فلسطين عام 1947، نظمت قصيدة أذكر منها إلا بيتين:




دافعوا عن حقنا المغتصب ***** في فلسطين بحد القضب
وإذكروا عهد صلاح***** حينما هب فيها طارداً الأجنبي



حصل ذلك في أجواء حرب فلسطين الأولى التي إنتهت بسقوط فلسطين، كما أني في ذلك الوقت أو قبله أذكر أبياتاً كتبتها وأنا في العاشرة من عمري:



فمن كان في نظم القريض مفاخراً*****ففخري طراً بالعلا والفضائل
ولست بآبائي الأباة مفاخراً ***** ولست بمن يبكي لأجل المنازل
فإن أك في نيل المعالي مقصراً***** فلا رجعت بإسمي حداة القوافل
سأنهج نهج الصالحين وأرتدي***** رداء العلا السامي بشتى الوسائل
وأجهد نفسي أن أعيش معززاً***** وليس لطلاب العز سهل التنازل

وفي تلك الفترة كنت أعيش هاجس أن اصبح صحفياً فتعاونت مع اقربائي وأصدقائي ومنهم المرحوم الشهيد إبن خالتي السيد مهدي الحكيم، إبن السيد محسن الحكيم الذي إغتاله النظام العراقي في السودان لأنه من المعارضة العراقية، وكان على قدر كبير من الذكاء والتطلعات التي تكاد تنسجم مع الجو الذي نعيش. في ذلك الوقت أصدرنا مجلة مكتوبة، إسمها (الأدب) وكتبت فيها موضوعين، وإستكتبنا بعض الأشخاص، وكنا نحاول لدى كل مشترك جديد أن نكتب ونصدر نسخة جديدة، وكان المرحوم السيد مهدي يحسن الكتابة جيداً. أصدرنا خمسة أعداد من هذه المجلة، ما بين أعوام 1949 و 1950. وفي ذلك الوقت بدأ الجانب الأدبي يواكب الجانب العلمي الديني، وبدأت أعيش نوعاً من الإنفتاح الضبابي على الأجواء التي تتجاوز، جو النجف الديني المتزمت آنذاك.

طفولة حائرة على بؤس

لم أعش في قرية بل عشت في مدينة النجف على أنها مدينة تحمل في بعض جوانبها أجواء القرية، وتحمل أيضاً، أجواء المجتمع المنغلق الذي كان يرافقه نشوء مجتمع منفتح خلال الجيل الجديد الذي بدأ يتمرد على القيود. كنا في ذلك الوقت، ونحن في النجف نقرأ. الشاعر محمد مهدي الجواهري وعلي الشرقي ومحمود الحبوبي. كانت هناك جمعية(الرابطة الأدبية) إلى جانب (منتدى النشر) وكنا ننفتح فيها على بعض الأجواء الجديدة التي ربما، كان يرضى عنها بعض المجتمع العلمي الحوزي في النجف، وربما كان البعض يتهمها بالإنحراف.. وعندما عشنا ذلك الجو كنا نكابد حيرة، بين ما نعيش فيه من واقع ومجتمع وقيود وإلتزامات، وبين أجواء الإنفتاح التي كنا لا نستطيع أن نطل عليها بقوة، لأننا لم نكن نملك الإمكانيات التي تجعلنا نندفع إلى هذا المجتمع. لذلك أستطيع أن أعتبر أنها كانت طفولة حائرة، إلى جانب أنها كانت طفولة بائسة من الناحية المادية.

وهناك نقطة لا أزال أعاني مشكلة فراغها في نفسي، وهي أنني لم استطع أن أنفتح على لهو الأطفال وعبثهم. قد حدث ذلك لأن طبيعة التربية التي نخضع لها، كان تتحدث عن ضرورة تهذيب الطفل، وجعله عاقلاً، بمعنى أن يجلس كما تجلس الملائكة، هادئاً. ربما كنا نشعر بأن اللعب قد يثقل أخلاقية الإنسان، لذلك لم أستطع أن أستمتع بعبث الطفولة ولهوها ولعبها. أستطيع أن أقول أن طفولتي كانت طفولة ثقافية مبكرة، حيث كنت أقرأ ترجمات كثيرة، ومنها ترجمة أحمد حسن الزيات لأشعار(لامارتين) كنت أقرأ(أناتول فرانس) وطبعاً مترجمة. كما إلتقيت في ذلك القوت طه حسين، والمقصود أدبه الذي إستطاع أن يؤثر تأثيراً كبيراً في إسلوبي، ولا يزال يفرض نفسه علي حتى الآن.

لم تكن طفولة منفتحة، بالمعنى النفسي، الوجداني، بل كانت طفولة مختنقة على عكس ما هي إنكلاقة الأطفال.

في داخل هذه المرحلة . كانت هناك تأثيرات تركت علي ملامحها الشخصية منها أننا عشنا في هذا الجو الديني الذي يتميز بالحالة البكائية. فأنت عندما تعيش عاشوراء. تعيش في جو الصراخ والبكاء والحزن، كما تعيش أيضاً، جو من الصخب بحيث أنه كانت إحتفالات عاشوراء تتميز في ذلك الوقت بحملة المشاعل، الذين يحملون المشعل الذي يحتوي على عدة مشاعل ويمتد طولة إلى سبعة أمتار. يحمله شخص ويطوف ويدور إلى جانب الذين يضربون ظهورهم بالسلاسل، ومع الذين كانوا يضربون رؤوسهم بالسيوف أو يلطمون. وهكذا كنا نلتقي بذلك حتى في مناسبات ذكرى وفيات النبي والأئمة. كانت المواكب التي تأتي من أنحاء العراق إلى النجف في مواكب لطم ولكنها، في الوقت نفسه تثير كل القضايا الإجتماعية لتتحول إلى مظاهرات، تثير القضايا، ربما كانت الدولة توحي ببعضها، والمعارضة توحي ببعضها الآخر. عشنا في جو البكاء والحزن وجو الصراخ الذي يختزن كثيراً من حالات المأساة في داخل الناس الذي يعيشون هناك، بحيث قد يترك داخلهم إحساساً بالمأساة في كل شيء يواجهونه.



المشاركة في المناسبات الدينية

• هل شاركت في هذه الأثناء بهذه اللطميات؟

كنت أشارك في بعضها، ولكن ليس بشكل كبير، لكني كنت أشعر في ذلك الوقت بعد الإنسجام مع كثير من هذه الأجواء، لأنني لم استطع أن أفهم معناها أو جدواها، وربما كنا ندخل في نقاش حذر مع بعض الناس في مناقشة التقاليد، وكنا نخشى إذا إمتددنا بعيداً بهذا النقاش أن نتهم بممارسة خروقات للدين، وما أشبه بذلك.

لقد تركت هذه الأجواء تأثيراتها على ملامح شخصيتي، كما أننا في تلك المرحلة بدأنا نلتقي بالجانب السياسي، حيث كانت الدولة متمثلة بالحكم الملكي الذي كان يسيطر عليه نوري السعيد. كنا في طفولتنا نواجه المسألة من خلال المظاهرات التي كانت تخرج من قبل بعض الوطنيين، والشيوعيين والقوميين آنذاك، وكانت الحكومة في بعض الحالات تواجه هؤلاء بالرصاص، وكان الناس يأتون للعلماء الكبار ليتدخلوا مع الحكومة، وكانت الشخصية التي تعتبر منفتحة على الدولة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وهو من العلماء الأدباء الكبار، حيث أن الناس كانت تأتي إليه مطالبة تدخله مع الدولة لكي تخفف الضغط. كنا نعيش أجواء غامضة، ضبابية في هذا الجو.


العلامة، والعائلة، والعمامة

• أأنت كبير العائلة؟

نعم، أنا كبير العائلة من الذكور.


• كم يبلغ عدد أفراد العائلة، الأخوة؟

عشرة أشخاص.


• نريد أن نعرف القارئ، إلى أي شيء إنجذبت أولاً، وهل كان الدين بمعناه الإحترافي من بين إنجذاباتكم الطفولية الأولى؟

لا أدري إذا كانت هناك إنجذابات عميقة في داخل نفسي، ولكني كنت أعيش الأجواء الدينية بشكل تقليدي، بشكل طبيعي في البيت والعائلة والمجتمع كنت أشعر بالإنسجام مع هذا الإتجاه، ولا أستطيع أن اقول إنه إنسجام وعي، ولكنه إنسجام أجواء، وأذكر إنني لبست العمامة مبكراً. فقد كان عمري في الثالثة عشر. ولم أشعر بالقيود الكثير التي، ربما يخص بها من يلبس الزي الديني، لأن المجتمع يتحدى بعض جوانب الحرية في مشاعرنا وأحساساتنا.
ربما لم أكن أشعر بوجود مشكلة آنذاك. وإستطعت أن أنسجم مع هذا الجو. فقد كنت ناجحاً في دراساتي الدينية، كما إنفتحت على الجو الأدبي مبكراً- كما أسلفت- فأنا دخلت حفلات النجف وألقيت قصائد في مناسباتها التي كانت تضج بالأدب والشعر وكنت في الرابعة عشر.


العلامة والمطالعات المبكرة

• متى بدأت مطالعاتكم الجدية، ماذا بدأت تقرأ من الكتب الدينية، السياسية، التاريخية،الإيديولوجية، منافية للدين....؟

من الطبيعي، كنت اقرأ من الكتب العلمية التي تفرضها دراسيتي، وكان أسلوب الدراسة في النجف أسلوباً معقداً يفرض على الطالب الكثير من الجهد. فقد كان المطلوب من الطالب أن يحضر للدرس الذي يريد أن يدرسه، قبل أن يدرسه. عندما كنا ندرس شرح(ألفية إبن مالك) كنا نتصور أنه لابد لنا من قراءة الدرس قبل أن يتلوه علينا الأستاذ.

ولابد من محاولة فهمه والإطلاع على شروح هذه الكتاب لنفاجئ الأستاذ بالمناقشة، وبالإشكالات التي يمكن أن نستطيع أن نشهرها بوجه إسلوبه، وفكرته أو على صاحب الكتاب، وبذلك بدأنا نتعلم الحوار أو الجدل منذ دراستنا الأولى. كنا نناقش الأستاذ وهو يلقي الدرس،ولا ننتظر حتى ينتهي من الدرس، بل كان الطالب يستطيع أن يسجل نقطة على الأستاذ. وقد يحدث أن الطالب يرفع صوته على الأستاذ، مثلاً، ويتقبل الأستاذ ذلك بطريقة طبيعية جداً. وبهذا كانت طريقتنا في الدراسة تفرض علينا أن نتعمق بالمادة التي ندرسها، وبذلك إلتقين العمق، منذ بداية دراستنا، لأن الدراسة النجفية ليست إستظهاراً، ولكنها دراسة فيها الكثير من الفكر. وبالإضافة إلى مسألة الدراسة يفرض على الطالب أن يكتب درسه، وربما يطلب منه الأستاذ أن يرى كتابته، ويفرض على الطالب أن يذاكر درسه مع زميله، عندما ينتهي الدرس يذهب الطالب إلى من يتفق معه من زملائه فيقرر الطالب الدرس ويناقشه وزميله، وزميله يقرر الدرس في اليوم الثاني وهكذا يستطيع أن يكون طالباً ومدرساً في آن واحد فيتعلم إسلوب التربية وهو طالب. وإلى جانب ذلك كنا نقرأ الكتب التاريخية، ونطلع على الكتب الدينية، وكما ذكرت كنت أقرأ الكتب الأدبية.

الهويات الأدبية

• أي نوع من الكتب إستهويت قراءتها أكثر؟

غالباً، الكتابة الأدبية الشعرية، وتطورت قراءاتي في ذلك الوقت في سن الخامسة عشر، بحيث كنت أقرأ مجلة(أدب الكاتب) التي كان يصدرها طه حسين، وكنت أقرأ مجلة(الكتاب) التي كان يصدرها عادل الغضبان في مصر، وكنا نقرأ مجلة(الأديب) التي كان ينشرها ألبير أديب. وفي بداية الخمسينات إنفتحنا على مجلة(الآداب).

وكما قلت، كنت منجذباً إلى قراءة القصص الطويلة، سواء كانت عربية أو غير عربية، كنت أقرأ كتب جرجي زيدان، والقصص المصرية. كنا نقرأ أيضاً ترجمات جان جاك روسو، ولم تكن القارءات منظمة. لإفتقارها إلى أية ثقافة منهجية تتيح لنا أن ننظم قناعاتنا، ولكن التذوق إستطاع أن يحقق لي نوعاً من أنواع الإنفتاح الثقافي.
بخيث لم أستغرق في جانب معين، وأظن هذا الإنفتاح الثقافي أفادني في المستقبل بإنفتاحي الإنساني.لم أشعر بالضيق من الرأي الآخر، لأني كنت أقرأ الرأي الآخر. لم أشعر بتعقيد من الأفكار المضادة، أذكر عندما غلتقينا بالتيار الشيوعي في العراق، وكان الحزب الشيوعي العراقي أكثر الأحزاب نشاطاً وحيوية، وحركية في أواخر الأربعينيات والخمسينيات، في ذلك الوقت كنا نشعر أن علينا أن نقرأ المادية الديالكتيكية من مثل مطالعتنا، وقتها، ما كتب هنري لوفافر عن كارل ماركس في ذلك السن المبكر، حتى أنني عندما جئت إلى لبنان-وكانت ولادتي في النجف- في سنو 1952، وجئت إلى بنت جبيل بإعتبارها بلد والدتي وعيناتا بلد والدي، كنا نلتقي بالمثقفين، من الشيوعيين والقوميين، وكنت أشعر إني قادر على أن أناقشهم، ولم تكن ثقافتي واسعة في ذلك الوقت، وكنت في السادسة عشر والنصف من عمري، لكن كنت أشعر بالقدرة على المناقشة، وعلى الجدل. في ذلك الوقت أذكر إنني عندما جئت إلى هنا كنت ألتقي بالدكتور حسين مروة بسبب وجود قرابة بيننا وبينه، أذكر أنني في إحدى المرات ناقشته، في قول الإنسان،(لا سمح الله) أو (ما شاء الله)- ومن هو هذا الله – لا يسمح ولا يشاء، فقالهذه كلمات أصبحت جزء من اللغة العربية التي لا يراد منها معناه الحرفي).

هذا أفادني إنفتاحاً بحيث لم اشعر بتعقيد من أية علاقة بأي شخص. وفي العراق كانت عندي علاقة بالشيوعيين والقوميين والوطنيين والديمقراطيين، كما كان لي علاقة مع المتدينين، وهناك نقطة أتذكرها، في طفولتي الأولى، كان لدي ولع بالجلوس إلى كبار السن من العلماء الذين لا يملكون حركية إجتماعية، أو موقعاً رسمياً. هناك علماء يعتبرون من الروحانيين، وكنت أنا إبن الخامسة عشر أجلس إلى عالم كبير في التسعين من العمر، فكنت أستمتع بالجلوس إليه، بإعتبار أنني كنت أستمتع بالجانب الروحي، وأستمتع بأحاديثه عن التاريخ. وإذا كان هناك فائدة لعلي إستفدت فائدة روحية، عميقة في تطلعاتي الروحية، التي استمددتها من هذه العلاقات. ربما الآن أستغرب نفسي كيف كنت أنسجم، في بداية الطفولة مع هذا الجو، وأشعر الآن عندما أرجع للماضي عناصر شخصيتي في ذلك الوقت كانت منفتحة على كل الأجيال، بحيث لا تحس بعقدة من الجلوس إلى جيل بهذا الحجم. ربما كانت تأثيراتي الأولى، بسبب عدم معايشتي طفولة عبثية، لاهية، قد عرفتها من تطلعاتي التي كانت تمتلك الكثير من الجدية.

العلاقة مع الوالدين

• كيف كانت علاقاتكم بالوالدين، هل شابها شيء بعدم التفاهم؟

عندما أتذكر والدي أشعر بإحترام كبير لشخصيته التربوية، فقد لاحظت أنه لم يفرض نفسه على حتى منذ البداية. وأذكر أنه لم يضربني مرة، بالرغم من أني كنت أخطئ. كانت طريقته بالتعبير عن رفضه لبعض ممارساتي هو تحديق بشكل غاضب ثم إهمالي يوماً أو يومين حتى أشعر بالخطأ وعند ذلك أجيء إليه معتذراً فيقبلني. وعندما بدأت أنفتح جعل مني صديقاً، كنت أناقشه في كل شيئ، وكان يتقبل ذلك. كنا نجلس على المائدة في فترة الغداء أو العشاء، وكنت أدخل معه في نقاشات ما أدرسه، تماماً كما هو الند للند، وكان ينفتح علي دون أن يتضايق. كنت أطرح عليه الكثير من تساؤلاتي التي لا يمكن أن نطرحها على مجتمعنا لئلا تثير كثيراً من التساؤلات حول مدى إلتزامك الديني أو الفكري.... إلخ.

وكنت أشعر بأني بحاجة إلى أن أناقش بعض الأشياء التي تدور حولها علامات إستفهام، في الوقت الذي لا يتقبل فيه المجتمع المناقشة بها، كان يملك رحابة الصدر التي تسمح له بالمناقشة بشكل أساسي. لقد إستطاع المرحوم الوالد أن يفسح المجال لأن تكون طفولتي، وشبابي بداية كهولية منفتحة بشكل مثير. وربما كان الناس الذين يذهبون إليه يريدون القداسة والوداعة.

كان يتمثل بروحانية صافية يخشع لها كل الناس الذين كانوا يلتقون به، كان يملك وداعة إنسانية رائعة، بحيث كان الصغار في السن يجلسون إليه ولا يشعرون بالوحشة والفارق بين جيله وجيلهم.

أعتقد أن كثيراً من إنفتاحي على الواقع كان الفضل فيه له، لم يغلق عني أي باب. لذلك لم اشعر بأني إختلفت معه يوماً، حتى عندما كنت أختلف معه، في بعض القضايا الفكرية، وحتى في أواخر أيامه كنت أتحدث معه في مختلف القضايا السياسية، وكنت قد بدأت نشاطي اإجتماعي والسياسي مما كان يثير الانتقاد في بعض مجتمعاتنا، كان يتفهمني جيداً. لذلك أعتقد أن له تأثيراً كبيراً على مسألة الإنفتاح التي أعيشها، لأنه كان منفتحاً.

سيد مرحوم
11-09-2004, 04:13 PM
http://www.bayynat.org/www/arabic/sira/sgif/sayyedyoung.gif





الطفولة من خلال الموقع الراهن

• كيف تقيم طفولتك، أو كيف تنظر إلى هذه الطفولة من خلال موقعك الحالي الكبير؟

أعتقد أن العناصر المتنوعة التي عشتها في طفولتي إستطاعت أن تغني الكثير من شبابي، لأنها طفولة كانت أقرب إلى الجدية من العبث، ولكنني أفتقد في داخل نفسي الآن، كثيراً من حاجات الطفولة، لأنني لم أعش طفولتي كما يعيشها الأطفال بشكل منفتح، ولذلك فإنني أختزن في داخل شخصيتي راهناً جوع الطفولة، وربما أختزن جوع الشباب. يعني، أعتقد أن مراحل العمر لا تموت، فالشباب يحمل في داخله شخصية الطفل، ولذلك يحاول أن يعبث كما يعبث الأطفال، وهذا ما يعبر عنه الآباء عندما يلعبون مع أطفالهم، لأنهم لا يريدون أن يلاعبوا أطفالهم، ولكنهم يريدون أن يجربوا كيف يلعبون، كيف يستعيدون طفولتهم في ذلك. وهكذا يختزن الشيخ في داخله مرحلة الشباب، ولذلك يحنو إلى كثير من تطلعات الشباب، حتى بعد أن يفتقد الفرصة. أشعر بأنني لم أعش طفولتي كطفل، ربما كنت شاباً في طفولتي، وقد تكون بعض مراحل طفولتي شيخوخة. ويهمني أن أبقى طفلاص في وداعة الأطفال، وفي محبتي للناس.


بين الإسلام والتغيير


• نريد أن نعرف من الذي يقود عملية التغيير في هذا العصر: الحزب الإسلامي أم الإسلام نفسه مجرداً من الحزبية، أم الأيديولوجيا سواء كانت رأسمالية أم إشتراكية أم إشتراكية علمية؟

عندما يريد الإنسان رصد آفاق هذا السؤال يلاحظ أن مسألة التغيير ليست من المسائل التي تحتضن عنصراً واحداً فقط. فعندما نلتقي بالإسلام في عملية التغيير من خلال الإسلاميين الذين يفكرون بهذه الطريقة فقد نجد أن الإسلام ليس مجرد فكرة من الأفكار السياسية التي تطرح في الساحة لتعالج حالة حكم أو حالة تشريع مع إمكانية جعل هذا الإسلام يعيش ضمن حدود معينة، خاصة قد نستطيع وضع روابط أو موازين محددة له.

حقيقة، الإسلام دين يحمل في داخله كل الأثقال التي تجعله حركة تاريخية أو حركة إبداع، وحركة إختراق بالمستوى التي قد تتحول فيه الأمور إلى مشكلة سياسية في وعي الناس تتحول فيه الأمور إلى مشكلة فكرية أو مشكلة سياسية في وعي الناس أو في حركتهم العامة أو الخاصة. لهذا، نصطدم بإنقسامات قد تحدث أو حدثت في التاريخ، إضافة إلى التعقيدات السياسية التي تترك أثاراً سلبية أو إيجابية على طبيعة الطرح الإسلامي في هذه المرحلة أو تلك.

من خلال ذلك قد نلتقي بالمسألة الإسلامية في خصوصياتها الدينية بالمعنى الشعبي، وفي هذه الخصوصية قد تدخل أشياء لا علاقة لها بالدين، وقد تلتقي بالجوانب الفكرية- الفلسفية، وبالجوانب التشريعية، والسياسية، وحتى عندما كان الإسلام يحكم، في المراحل المتأخرة، لم يكن هناك وعي سياسي يربط بين الإنسان العادي وبين حركة الحكم المنوجدة في قمة السلطة. هذا المفهوم الذي يحاول أن يعزل السياسة عن الدين قد يخلق الكثير من التعقيدات التي يمكن أن تواجه الحركة الإسلامية في طرحها السياسي لأنها ستصطدم بجماهيرها قبل الإصطدام بالجماهير المضادة من خلال حاجتها إلى إعادة تركيب الحالة الذهنية لهذه الجماهير لإفهامها أن الإسلام ليس مجرد عقيدة غيبية، وليس مجرد حالة عبادية. الإسلام يحتضن الحياة كلها في همومها، وقضاياها ومشاكلها، وحلولها. غير ذلك، المسألة أيضاً تتصل بالواقع السياسي العالمي الذي إعتبر أن مسألة الدين هي من المسائل التي إنتهى منها الإنسان، وأصبح الدين مجرد حالة داخل المساجد،والكنائس من دون أن يكون له اي دور في حقيقة الحياة الإنسانية المتنوعة الجوانب. قد يندهش البعض عندما تطرح الدين الإسلامي كمشاركة في السياسة بطريقة موضوعية أو عقلانية، وهذا البعض جعل الثقافة السياسية المعاصرة حالة الإسلامية أنها تواجه حالة شعبية من خلال مواقع التخلف في فهم الدين، وحالة أخرى نخبوية ملقحة بالمفاهيم الأوروبية حول الدين. لذلك، فقد تكون الحالة الإسلامية بحاجة إلى صدمة لكي تهز هذا الواقع، وتفرض عليه ضرورات التفكير بجدية بكل هذه العناصر التي قد تتحول إلى حالة حركية متراوحة بين الرفق، والعنف. فقبل الكلام عن معقولية أو عدم معقولية أي شيء علينا المبادرة إلى صنع الواقع المثير للجدل حتى لاصراخ، حتى إستنهاض الإنتقاد. على هذا الشكل تجعل الواقع المحيط بك يواجه الصورة الحقيقية ولو بطريقة تجريدية بعدها تستطيع الفرز على مستوى الحركة أو الثورة أو الدولة، وستجد أمامك واقعاً دينياً حركياً قد تنتقده وقد لا تنتقده، وقد ترفضه، وقد تقبله، ولكن لابد لك من التعامل معه تعاملك مع أي واقع.


http://www.bayynat.org/www/arabic/sira/sgif/najaf.gif

إن الحزب، مهما كبر، يمثل حالة في الأمة، ولا يمثل الأمة مهما أرادت أن تفرضه على الأمة، وهذا أمر عشناه في الحركة الحزبية العالمية، وليس على مستوى الحركة الإسلامية فقط.لابد أن يكون هناك تزواج بين الحزب، وبين الأمة بحيث أن الحزب يحدد خط التفكير، ويحدد وحدة الفكر، ويحدد بناء العناصر القيادية. في هذا الجو، نتحتاج إلى نوع من التزواج بين الأمة، وبين الحزب، ولا سيما أن مسألة الدين ليست من المسائل السطحية بل هي حالة إستنهاضية لأعمق ما تملك الجماهير، ولعل التجربة التي عاشتها الثورة الإسلامية في إيران تمثل تجربة رائدة في هذا المجال. فالثورة الإسلامية لم تنطلق من حالة حزبية بالمعنى المتعارف عليه للحالة الحزبية لكنها كانت تختزن تنظيماً معيناً بتوزيع الأدوار على كل المواقع المؤيدة للثورة بحيث أن هذا التنظيم الذي تحرك به الإمام الخميني الممثل لحالة مرجعية في الأمة، إستطاع أن ينفذ إلى الأمة فيحركها مستفيداً من قداسة المرجعية في وعي الأمة من جهة، ومن أخرى مستفيداً من حركة التنظيم التي تشرف عليها المرجعية. في حالة التزواج بين التنظيم وبين الأمة، وإعتقد إنها حققت نجاحاً كبيراً. وبعيداً عن الإسلام، عندما نطل أو تقارب المسألة السياسية العالمية بما تعني من رأسمالية أو ماركسية أو قومية وما إلى ذلك من عنوانين كبرى نرى أن الحزب وحده لا يستطيع تحقيق التغيير بل لابد له من عناصر كثيرة لتدعيم توجهاته التغييرية.

إن عملية التغيير هي من العمليات المعقدة التي لا تستطيع أن ترسم لها قاعدة ثابتة، وجولة في التاريخ تعطينا فكرة عن الآلاف التي يمكن أن تحرك عملية التغيير بشكل عميق أو سطحي تحت عناوين معينة قد لا يكون لها إلا دور الواجهة.



• جاء الإسلام كثورة تغييرة فلماذا تحول إلى جزء من السلطة الحاكمة في أي بلد عربي؟

نحن نعرف أن أي فكر تغييري سواء أكان دينياً أم وضعياً أو علمانياً لا يستطيع أن يحمي نفسه من دون الملتزمين به. هناك الكثير من حالات الإنهيار الديني أو الإنهيار الإجتماعي أو الإنهيار السياسي التي يخضع لها الفكر. وفي حالات كثيرة يتمثل الفكر بطريقة متخلفة توحي بالكثير من حالات السقوط الإجتماعي أو السقوط السياسي أو السقوط الأخلاقي. هذا ما لاحظناه في كل الأفكار التغييرية في العالم التي بدأت ثورية ثم تحولت إلى شكل هادئة من أشكال الدولة التي التي تعيش الجمود الروتيني أو الطموحات السياسية لهذا الحاكم أو ذلك الذي منح ذاته قداسة معينة بإسم الفكر أو بإسم الدين ثم يحاول تسخير الدين لخدمة أهدافه حتى يصبح الدين مجرد حالة لتعظيم هذا وذاك.

إن الكثير من العوامل التي تفسح المجال لإستغلال الدين في غير إتجاهه الصحيح، وهذا أمر لا يقتصر على الإسلام بل يطال كل الديانات من مسيحية أو يهودية أو بوذية.... وماذا عن التيارات القومية؟ وعن الأبطال القوميين؟ وماذا عن التيارات الماركسية؟ وعن التيارات الإشتراكية؟ ماذا عن الديموقراطية؟..... إن الكثير من هؤلاء إستغلوا بعض الفجوات الفكرية نافذين إلى عمق الإنتهازية لتحقيق أغراضهم، ولهذا فإن الأفكار التغييرية بحاجة إلى حركات إصلاح، إلى حركات جديدة في الفهم، وفي إزالة الركام الذي أطبق على المفاهيم الحقيقية فجعل صورتها تختلف عن الصورة الحقيقية التي إنطلقت منها...

بين الدين والعلمنة، والمجتمع العربي


• صحيح أن الفكرة الدينية تقول(لقد أنزلناه ديناً ودنيا)، على أن هذا لا يمنع من قيام علمنة مؤمنة، فلماذا يجتهد فقهاء الإسلام لرفض هكذا علمنة مؤمنة قد تكون إحدى العوامل لصهر المجتمع العربي علماً أن القرآن الكريم لا يرفض هكذا حالة، بمعنى قيام دولة غير حزبية، وغير دينية، وغير متميزة لهذه الفئة الدينية او تلك؟


أعتقد أن الفكرة تنطلق من الإستغراق في المفهوم الغربي عن الدين، الذي يعتبر الدين حالة روحية، لا علاقة لها بالحياة إلا من خلال العناوين الأخلاقية القائمة التي تطل على بعض جوانب السلوك في الحياة مما قد لا يكون واقعياً في أغلب الحالات.

وعندما نريد أن ندرس المسألة من خلال هذه المقولة(الإسلام ديناً ودنيا). ما هو الإسلام؟



http://www.bayynat.org/www/arabic/sira/sgif/nab3a.gif
الإسلام عقيدة في النظرة إلى الكون، والإنسان وإنما يخضع لإرادة الله والحياة التي أنزل الله رسوله منهجاً كاملاً يشتمل على المفاهيم العامة، للإنسان وللحياة، وللعلاقات كما يشتمل على مفردات قانونية تشريعية، تتصل بكل قضايا الإنسان في الحياة. عندما تكون الفكرة كيف يمكن أن تجمع بين هذه الفكرة وبين أي فكر آخر؟

إنك عندما تتحدث عن ضرورة علمنة مؤمنة، يطرح السؤال التالي:

هذه العلمنة ماهو قانونها، هل أن قانونها يتفق مع قانون الإسلام أم يختلف؟

عندما يختلف قانون العلمنة مع قانون الإسلام تكون قد وجدت حلاً لمشكلة المسيحيين أو حللت مشكلة الملحد، ولكنك أوقعت المسلم في مشكلة، وهي إنك جعلت فاصلاً في حياته بين القانون الذي فرضته عليه من خلال الدولة، وبين الشريعة التي يلتزمها كشيء ديني تماماً كما يلتزمها في صلاته.


لذلك هذه ليس حلاً للمشكلة بل حل لمشكلة غير المسلمين وليست حلاً لمشكلة المسلمين. هكذا تماماً كما تقول، إن علينا كماركسيين أن ندعو إلى ماركسية متدينة، أو إلى دولة دينية تنسجم مع الماركسية، لذلك علينا أن نحدد فهمنا لمسألة، ما هو الإسلام؟ اإسلام في نظر الناس التقليدين المتخلفين، صلاة وصوم وحج وأعمال فردية. هذا لا يبتعد عن العلمنة. أما الإسلام كشريعة، مناهج للسلوك الإنساني، فقد يصطدم بالعلمنة إذا إصطدمت بشريعته وقانونه. لذلك فالمسألة تخلو من الدقة بطروحاتها. الإسلام عندما يدعو إلى دولة على صورته، في مجتمع متعدد يملك الأكثرية فيه لا يكون الإسلام يبتدع الأفكار، لأنك لن تجد هناك دولة شاملة لكل الأفكار التي لايؤمن بها أفرادها، لذلك هذه المشكلة ستبقى مشكلة إنسانية، هي مشكلة أن هناك بعض من الناس قد لا تتوافق عناوين الدولة بالنسبة إليها، كالأقليات القومية،

- أنت كشيوعي، أو كديموقراطي، أو كإشتراكي- عندما تعيش في دولة تخطط على خلاف ما تؤمن به تشعر بنفسك بأنك تعيش في حالة إضطهاد، ولذلك تقف في خط المعارضة، لتفسح المجال لتغيير الدولة على صورتك. لذلك، فالخلاف الذي يحدث في مثل هذه الأمور، ينطلق من أن كثير من الناس لا يريدون أن يستوعبوا الإسلام لأنه يمثل قانوناً كاملاً، وشريعة كاملة. عندما تمتلك شريعة كاملة فكيف يمكن أن تدخلها تحت ظل شريعة أخرى، وتقول هذا هو الحل العادل للإنسان.


دعوة إلى حوار إسلامي- ماركسي


- يقول علي بن أبي طالب( ما رأيت مالاً وفيراً إلا وبجانبه حق سليب). ثم جاء كارل ماركس وقال(فائض القيمة) القولان متشابهان مضموناً، ترى ما العقبة في وحه حوار إسلامي- ماركسي إذا أزحنا قضية الإلحاد؟


من الطبيعي أن الإمام علي(ع) كان يتحدث عن المشكلة ولكنه لم يتحدث في كلمته عن ماهو الحل للمشكلة. وقد تقترب نظرية ماركس من هذه الكلمة في تصوير المشكلة، ولكن الخلاف بين الإسلام والماركسية فيما هو الحل للمشكلة، ونحن ندعو إلى حوار إسلامي-ماركسي يحاول أن يجد مواقع اللقاء. ويحدد مواقع الإفتراق، ليتفهم الإسلاميون والماركسيون على ما يمكن أن يتعاونا في كثير من المواقع السياسية، أو بعض المواقع الإقتصادية إذا إكتشفنا أن هناك شيئاً ما يقتربان فيه بعضاً من بعض.

يعني الإسلام والماركسية متفقتان على الشكل؟

متفقتان على المشكلة ولكن مختلفتان على الحل.


http://www.bayynat.org/www/arabic/sira/sgif/tadrees.gif

الزواج المختلط

- سماحة العلامة: لماذا ترفضون الزواج المختلط؟

لنعترف أن كل طائفة لبنانية تعترف نظرياً بالأخرى، وتلغيها عملياً، ومن عوامل الإلغاء رفض الزواج المختلط مع إحتفاظ كل فرد بدينه؟ ما المشكلة، ما العقبة؟

في الفقه الإسلامي، الزواج المختلط رائج بمعنى أن المسلم يتزوج مسيحية أو يهودية. هذا حتى بفائها على دينها، لكن ليس للمسلمة أن تتزوج غير المسلم. هذه المسألة قد نستطيع أن ندرك أبعادها بقطع النظر عن مسألة النصوص الشرعية. توجد نقطة أساسية، وهي: لماذا يجيز الإسلام للمسلم أن يتزوج مسيحية أو يهودية، ولا يجيز للمسلمة أن تتزوج مسيحياً أو يهودياً؟ لأن الإسلام يؤمن بالكتاب كله. الإنسان المسلم لا يمكن أت يسيء إلى مقدساته زوجته المسيحية، لأ،ه يعظم عيسى والعذراء والإنجيل، وإن كان لا يعظم بعض الطقوس التي يتحرك بها المسيحيون. وهكذا الإنسان المسلم لا ينطلق في إسلامه، من أي حالة ذاتية ليعطي نفسه حرية الإساءة لزوجته اليهودية من خلال مقدساتها، لانه يؤمن بموسى وبالتوراة وبكثير من تاريخ بني إسرائيل الذي يتحدث عنه القرآن.

بينما عندما يتزوج المسيحي مسلمة لا يرى حرجاً في أن يسيء إلى النبي، والأمر نفسه بالنسبة لليهودي عندم يتزوج مسلمة فإنه يجد أن إساءته للنبي أو للقرأن حالة طبيعية. ولذلك عندما نرغب المسلمة أن تعيش إسلامها، والزوج مسيحي أو يهودي قد لا يستطيعان من خلال إلتزامهما الديني أن ينسجما في كثير من التطلعات الدينية، بينما عندما يكون الزوج مسلماً والزوجة مسيحية، هناك إمكانية الإنسجام. عندما تسمع الزوجة المسيحية زوجها يتلو القرآن تنسجم معه لأن القرآن يتحدث عن مريم(ع) وعن عيسى(ع). لا أقول أن هذا أساس التشريع، ولكن أقول أننا نستطيع أن نفهم التشريع بهذه الطريقة، مما يجعل من المسألة حالة لا تبتعد عما هو الإنسجام الإنساني في الحياة الزوجية.

- من خلال هذا الطرح تبرز نرجسية طاغية يمارسها الإسلام الأمر الذي يكشف عن حالات إلغاء للآخر؟


عندما نطرح القضية بهذه الطريقة، ونجعلها بداية إنسجام الزوجين. لا نرى حالة نرجسية. هناك فرق أن يكون الزوجان يعيشان فكرهما أو لا يعيشانه.

إذن، ليس هذا مسلماً وليست هذه مسيحية عندما يريدان أن يعيشا فكرهما، ويعيشا بحريتهما وبعفويتهما الطبيعية، حيث يطلق الإنسان لنفسه ولأفكاره كل شيء، ومن الطبيعي أن يصطدم لكل شيء.

الإسلام والحجاب والربا

- طرأت تطورات كثيرة على ممارسة الدين الإسلامي، فلماذا بقيت قضية الحجاب كما هي إلى جانب تحريم المسكرات علماً ان قضايا كثيرة مثل العلاقة مع المشركين أو مسألة الربا قد جرى تجاوزها؟

العلاقات مع المشركين ليست مشكلة في طبيعتها الذاتية. هناك تحريم للربا، ولكن الناس تجاوزوا التحريم عصياناً. نتيجة للضغوط الإقتصادية أو نتيجة أشياء أخرى، ولم يصدر هناك تحليل للربا، كما أن كثير من الناس قد تجاوزوا مسألة الحجاب، هناك الكثير من المسلمات لا يتحجبن على أساس أن الفكر الإسلامي يبرر ذلك، لكن على اساس أن السير مع التيار، يسميه المسلمون إنحرافاً وهكذا نجد الكثير من المسلمون يشربون الخمر. ليس معنى هذا تجاوزاً لتحريم الخمر. عندما نريد أن نفهم مسألة الحجاب المعتدل. علينا أن نربط المسالة بما تحدثنا عنه في المنهج الأخلاقي الإسلامي. عندما يكون المنهج الأخلاقي الإسلامي، هو العفة، يعني إيجاد ضوابط للعلاقات الجنسية، وسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الإنحراف.

هنا، نجد أن فكرة الحجاب منسجمة مع فكرة أخلاقية الإنسان، ليس يعني أن كل متحجبة سوف تكون معصومة من الإنحراف، لأن جوانب كثيرة تطل على الإنحراف كما أن هناك نوافذ أخرى. هنا، في هذا المجال، نجد سجالاً حول أن المرأة لا تتحرك في المجتمع كعنصر إثارة بل تتحرك كإنسانة، وتبقي الجانب الأنثوي تماماً، كما هو الجانب الذكوري في دائرة الحياة الزوجية. إذاً، لا يوجد تحفظات بين المرأة وبين زوجها. إذا أردنا أن تتحدث عن مسألة السفور، وهي فكرة تنطلق من فلسفة قضية حرية الإنسان في جسده، من فلسفة أن مسألة العفة ليست حالة جسدية بل حالة ذهنية في جوانب أخرى. عندما نفكر بهذه الطريقة، علينا أن لا نفكر بالسفور، ولكن بالعري الإنسان حسب مفهوم هذه الحرية مثل الحيوان. يعني علاقات الإنسانية الجنسية مثل علاقات الأكل والشرب.... إلخ علاقات طبيعية يمكن أن تمارسها أمام الناس؟! لماذا تضع الآن حدوداً للمارسة الجنسية. حتى أنت المتطور، المفكر، ما هي الأشياء الأساسية التي تدعوك لأن تضع حدوداً للعلاقات الجنسية، لكي تكون ضمن نطاق ضيق؟ لماذا المرأة ستراً على الثديين علماً أن الثدي عضواً تناسلي أو عضو جنسي فاضح، وكما يجب أن تتستر هذه الأعضاء الجنسية الفاضحة، يجل أن تتستر الأعضاء الجنسية الأخرى، الأقل إنفضاحاً. هناك عضو جنسي بنسبة مئة بالمئة، يوجد عضو جنسي بنسبة ثلاثين بالمئة أو أربعين بالمئة. فأنا عندنما أبرر كشف الأعضاء الجنسية الأقل إنفضاحاً، علي أن أبيح كشف الأعضاء الأخرى، وعلي أن أبيح النتائج. عندما تخرج الفتاة سافرة، هل يمكن أن تبتعد عن التفكير الجنسي، هل هناك كما يقال الإحساس بالشخصية الجمالية؟ لذلك علينا أن نخطط لأنفسنا القاعدة.

الآن الواقع الذي نعيشه هو واقع جنسي بمعنى الخلفيات الشعورية والخلفيات الفكرية في العلاقات هي خلفيات جنسية. لماذا الآن أكثر علماء الإجتماع يقول أنه لا يمكن أن يكون هناك صداقة بين رجل وإمرأة. الإنسان ليس قالباً محنطاً. هناك غربزة.

مسألة الحجاب والسفور لا نتكلم فيها بالمطلق، هل أنت مع الضوابط الأخلاقية بين الرجل والمرأة؟ إذا لم تكن مع الضوابط الأخلاقية، فعليك أن تفسح المجال للعري والعلاقات الجنسية العلنية. بأن تكون المسألة مجرد ذهنية تزيل الحجب وتكسر الحواجز.
وعندما نقول / لابد من الضوابط، لابد أن تخلق الأجواء التي تهيء الضوابط.


- سماحة العلامة، المقصود بالحجاب الذي يغطي وجه المرأة كلياً، وليس الحجاب الذي يسمح بكشف وجه المرأة؟

قلت أن هذه أشياء جاءت من التقاليد مثل تقاليد الأوروبين. هذه ليست حالة فكرية، هذه حالة فيها رواسب دينية.

العلاقة السوائية بين الإسلام وأهل الكتاب



- في العصر العباسي خاصة بعد إنشاء(بيت الحكمة) لعب المسيحيون دوراً مهماً إلى جانب المفكرين الإسلام في نقل التراث اليوناني إلى العربية، وكان هناك نوع من التفاهم بين هاتين الطائفتين السماويتين الكبيرتين، فلماذا حصل هذا الجفاء بعد ذلك، ولأية اسباب؟


في الاطار الفكري، لا أعتقد أن هناك جفاء بين مفكري الإسلام، ومفكري المسيحية إلا من خلال طبيعة الجفاء بين فكرين مختلفين، من دون أن يؤثر ذلك على الحالة النفسية في هذا المجال. ولذلك فإننا نتصور أن المسألة بين المسيحية وبين الإسلام لم تنطلق من خلال وجود مشكلة طبيعة التنوع الفكري بينهما، لأنك تستطيع أن تقرأ المسيحية في القرآن، كما تستطيع أن تقرأ الكثير من الأفكار القرآنية في الإنجيل. ونجد أن اإسلام تحدث عن المسيحية بطريقة ودية جداً(ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون)، كما أن القرآن الكرين أكد على مسألة الحوار بين المسلمين وأهل الكتاب بالتعبير الذي يتفوق على كلمة (التعايش) ( قل با أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) وكلمة السواء تعني الوحدة.

سيد مرحوم
11-11-2004, 05:48 PM
http://www.shell.linux.se/ali/upload/uploading/Untitled-11.jpg


http://www.shell.linux.se/ali/upload/uploading/Untitled-3.jpg


http://www.shell.linux.se/ali/upload/uploading/Untitled-2.jpg


http://www.shell.linux.se/ali/upload/uploading/Untitled-1.jpg

سيد مرحوم
11-30-2004, 08:32 AM
العلامة الفقيه، والإسلام، والثقافة العربية


هل تعتبرون إن الإسلام قذف بالثقافة العربية إلى الأمام؟

عندما ندرس آفاق الثقافة العربية قبل الإسلام فإننا نجدها محدودوة بحدود ضيقة جداً في نطاق الأشعار الجاهلية التي قد يناقش بعض الناس في صدقيتها، كما أثير في بعض المراحل الثقافية من عصر النهضة، الحديث من التشكيك في الشعر الجاهلي ، أو كلمات الحكمة أو الخطاب أو الخطابات التي كانت تمثل ذهنية محدودة في الآفاق العامة للثقافة، لذلك أتصور أن الإسلام قد إستطاع أن يعطي الثقافة قوة دفع إلى الأمام، ومن خلال ما أثاره من أفكار فلسفية ومن خطوط قانونية، ومن مفاهيم متنوعة حول مفردات كثيرة مما تثير قلق الإنسان وتثير تفكيره بالمستوى ال>ي جعل الفكر العربي يتحرك في هذا الإتجاه، وجعله يعمل على أن يجد الكثير من مجالات البحث في هذه الأبعاد التي تحمل خطاً فلسفياً، أو تحمل خطاً أدبياً، أو فلكياً أو حسابياً، الخ... ومن هنا إنفتح الأفق العربي على مجالات جديدة من المعرفة جعلته يتجه إلى البحث عن هذه المفردات في ثقافات أخرى.



وبهذا بدأت الثقافة العربية. من خلال علامات الإستفهام التي طرحها الإسلام ومن خلال الأجزاء التي خلقها في حلقة الفكر، إلتقت الثقافة العربية بالثقافة الأخرى، وبدأ عصر الترجمة، وإستطاعت الحضارة الإسلامية أن تحقق من هذه الثقافة المتنوعة مزيجاً جديداً ، امكن بواسطته أن تضع أسساً جديدة لحركة الفكر . نحن نعرف أن التفكير الإسلامي هو الذي أكد على التجربة كمصدر من مصادر المعرفة بالإضافة إلى العقل . كمصدر من مصادر.


وهذا هو الذي جعل أوروبا تنفتح من خلال الفكر الإسلامي الذي إلتقت به في الأندلس وفي تجارب العلماء المسلمين كتبوا في الطب والفلك وفي كثير من ألوان المعرفة. لذلك نعتقد إن الإسلام إستطاع أن يدفع الثقافة العربية إلى الأمام. فبعد أن كانت مجرد ثقافة تتصل بالجانب الأدبي، أصبحت ثقافة تحتزن الآفاق العلمية الواسعة، بحيث أصبحت البلاد العربية، من خلال الإسلام مصدراً من مصادر الثقافة للعالم كله.




ألا ترون أن هناك تناقضاً بين بعض تيارات الثقافة العربية والإسلام، مثلاً، إبراهيم النظام، المعري، أبو النواس.....؟



في الواقع، عندما نريد دراسة الثقافة الإسلامية في النطاق العربي، أو الثقافة الإسلامية في غير النطاق العربي، نجد إنها إصطدمت بتيارات فكرية غير إسلامية، وتنوعت هذه التيارات في التعبير عن نفسها بطريقة الشك تارة كما نلاحظه في بعض تجارب أبي العلاء المعري، أو في الإلحاد، كما نلاحظه في بعض المفكرين الفلسفيين ممن كانوا يسمون في وقتها بـ(الزنادقة) أو التفكير الذي ينفتح على المحرمات ، كالمحرمات، كالخمرة كما قد يلاحظ في بعض تجارب الشعراء أبو نواس.



من الطبيعي أن أية ثقافة تنطلق من أي موقع من المواقع لابد أن تثير في مجتمعها ثقافة مضادة؟


لا أقصد حتمية حصول ذلك ولكنه شيء طبيعي، لأن الثقافة عندما تنطلق فأنها تثير الكثير من علامات الإستفهام، وربما تتحرك في ساحة صراع مع ثقافات أخرى تحاول أن تؤكد مضمونها في مواجهة هذه الثقافة. لأننا درسنا القرآن الكريم فإننا نجد القرآن منطلقاً من طريقة الحوار ليقدم الرأي المخالف للطروحات التي كان يطرحها في الدعوة إلى الله، مما كان يؤكد علامات الإستفهام الكثيرة التي تنشر في أذهان الجمهور الذي يعيش في دائرة هذه الثقافة. حتى إننا عندما ندرس الإسلوب الحواري الذي طرحه القرآن فأننا جد أنه أسلوب ينطلق فيه الإنسان من الشك ليصل إلى اليقين، ولعل أسلوب الإسلام في الحوار هو الأسلوب الذي لم يستطع أن يتقدمه أي أسلوب جديد حضاري.


أننا نعرف أن الأساليب الحضارية في الحوار تقول: رايي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، ولكن القرآن الكريم عندما يطرح أسلوب التبي في مواجهة الكفار، يقول، (إنا أو إياكم لعلى هدى في ضلال مبين). أنه يطرح المسألة بعيداً عن ذاتية الفكرة. فالذات ليس لها اي دورة في الفكرة، بل الذات تقف على خط الحياديين فكرها وبين فكر الآخر. إما أن أكون أنا على هدى وأنت على ضلال، أو أكون أنا على ضلال وأنت على هدى، من دون أن يعطي المحاور ذاتيته كمفكر، عندما يتحدث مع الطرف الآخر.


ومعنى هذا، أن الشك يعتبر أسياسياً في حركة الثقافة الإسلامية. ومن الطبيعي أن يترك هذا الكثير التي تتحرك مع الشك وقد لا تصل فيه إلى نتيجة، أو قد تصل فيه غل نتيجة مضادة. ونحن عندما ندرس القرآن الكريم، وندرس التجارب العلمية التي عاشها المفكرون المسلمون نجد أن الإسلام كان يتقبل النقد، ويتقبل الرأي المضاد ويطالب الناس بألا ينطلقوا في الرأي المضاد على أساس إرث الآباء والأجداد، أو على أساس الجوانب العاطفية، والمصطلحية بل على أساس الحجة، ولذلك قال: (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم، فلم تحاجوني فيما ليس لكم به علم). لك الحق في تدخل في حوار وفي جدل، ضد الفكر الديني بالذات، ضد عقيدة توحيد الله، ضد العقيدة بالنبي، باليوم الآخر، ولكن عليك عندما تريد أن تدخل في هذا الجدل أن تقدم دليلك على نقض الفكرة المضادة. أو على إثبات فكرتك، أما أن تقف على أساس إثارة التساؤلات من دون أن ترتكز على أساس فكري، أو من دون أن تستمع إلى الواجهة الأخرى التي تجيب على أسئلتك، فهذا ليس مرفوضاً لأن هذا ليس هو أسلوب الفكر الذي يريد أن يدخل الصراع فيما هي المسألة الفكرية.




الإسلام، والشك، والحرية في القرآن


إننا نلاحظ أن الإسلام خلد الشكوك التي كانت تثار حول نبوة النبي، لقد تحدث عما قالوا عنه، إنه كائن، أو شاعر، أو إنه مجنون. وواجه الإسلم هذه التهمة للنبي بمواجهة عقلانية، عندما قال: (قل إنما أعظكم بواحدة، أن تقوموا لله مثنى وفروادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة). يعني انفصلوا عن هذا الجو الإجتماعي الذي تعيشون فيه حالة الإنفصال عن حرية تفكيركم الذاتي ، ويعبر عنه بعض علماء النفس،بالعق الجمعي. أنا لا أطلب منكم أن تقولوا إني غير مجنون. لكن حاولوا أن تنفتحواعلى الحقيقة التي هي الله، ثم تفرقوا، مثنى للتفكير معاً، وفرادى ليرجع كل إنسان إلى فكره بشكل هادئ ثم تتفكروا، عندما تعرفون ما قلتن وما تحدثت به( ما بصاحبكم من جنة، إن هو إلا نذير بين يدي عذاب شديد). فنحن نلاحظ القرآن الكريم أعطى الحرية للناس أن يواجهوا كل الأفكار المضادة حتى التي تتصل بشخصية النبي في عقله وفي طبيعة رسالته... الخ حتى أننا ننلاحظ أنه عندما يطرح الناس مسألة، إن النبي علمه بشر(ولقد نعلم أنهم يقولون إنما إنما يعلمه بشر لسان الذين يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين). أننا نلاحظ القرآن يؤكد على شبهة أثيرت ويخلى هذه الشبهة للتاريخ ويطلب من الناس أن يؤمنوا بالرسول على أساس أن يواجهوا هذه الشبهات من منطلق الفكر.


لذلك فإن مسألة وجود شخصيات قلقة، أو شخصيات حائرة، أو شخصيات رافضة في مجرى الثقافة الإسلامية. هذا أمر جد طبيعي، ونحن نحب أن نستذكر بهذا المجال نقطة قد لا ينتبه إليها الكثيرون، تراثنا الإسلامي الشيعي يتحدث عن الإمام جعفر الصادق(ع) الذي يمثل قمة فكرية متنوعة لدى كل علماء المسلمين. كان يجلس في المسجد الحرام، قرب الكعبة وكان يجتمع إليهالأشخاص الذين يعيشون حالة رفض ضد التفكير الإسلامي مثل، إبن المقفع، إبن أبي العوجاء، وأبي شاكر الديصاني، حتى أن بعضهم كان يتحدث معه بكل حرية حول الحج(إلى كم تدرسون هذا البيدر) يعني كأنه يسخر بالحج، كان الإمام الصادق في ذلك المكان المقدس يستمع إليهم ويجيبهم بكل رحابة صدر ويناقشهم مناقشة علمية فلسفية مقنعة، حتى أن بعضهم كان يقول: (لا أتذكر مضمون حديثه حرفياً) لا أجد إنساناً يستحق إسم إنساناً يستحق إسم الإنسانية في هذا الجمع غير جعفر الصادق(ع).


أننا نأخذ من هذا فكراً، أن إماماً بحجم الإمام جعفر الصادق يجلس في مكان من أكثر الأماكن قداسة عند المسلمينن ولا يمنعه ذلك من أن يعطي الآخرين الحرية في أن يناقشوه في أسس العقيدة، وفي تفاصيل العقيدة.



الإسلام والعلم


الأديان كلها تعتبر أن الله خلق العالم إبراهيم النظام أول من تحدث بإنشطار الذرة وهذا ما يناقض العلم والدين؟



من الخطأ جداص أن يطرح الفكر الديني على أساس قاعدة هذا الفكر، هو أن الله خلق الكون بشكل مباشر من دون أن يكون خاضعاً لقوانين في عمق تكوينه، إننا نؤمن من خلال صفتنا الإسلامية، من دون أن نحيد قيد شعرة عن التفكير الإسلامي. نؤمن بأن هناك في الكون سنناً كونية، وهي ما تمثله قوانين الكون الطبيعية في الكون، وفي الحيوان وفي الإسلام. حتى إننا من وجهة النظر الإسلامية نؤمن بأن هلاك المجتمعات ونمو المجتمعات تخضع لقوانين موجودة في حركة الكون بحيث أنها تتحرك ضمن نطاق خاص، ومسيرة خاصة، فنحن مثلاً، نجد أن النظرية(الداروينية)، التي تقول أن جد الإنسان، والقرد من أصل واحد. هذه النظرية لا تنافي أساس الفكر الديني. لأن هذه تقول أن الإنسان تطور بفعل عوامل معينة في الكون، من قرد إلى هذه الصورة الحالية.



والدين عندما يريد أن يتدخل في المسألة يسأل من أين جاء هذا التطور؟ هل التطور حالة ذاتية في الجماد؟ هل هو حالة حتمية؟ أو حالة غير حتمية؟ إذا كانت حالة غير حتمية فكيف نشأ وما هي القوة التي دفعته؟ هنا يأتي الحديث عن الخالق. نعم إنه ينافي التاريخ الديني، نظرية داروين لا تنافي الفكر الديني. يعني أصل غرتباط الأشياء بالله، بل هي تنافي بعض ما يفهم من التاريخ الديني، الذي يقوللقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين). وهذا يدل على أن الإنسان كان إنساناً في صورته الأولى ولم يكن قرداً. وهذا ما تؤكده الكثير من المناقشات الأخيرة في نظرية داروين التي إكتشفت أن هناك الكثير من الثغرات التي جعلتها مجرد نظرية علمية منطلقة من حالات تأملية، ومن تجارب محدودة بحيث لا تستطيع أن ترقى إلى مستوى القطعيات. وعلى ضوء هذا نستطيع أن نقرر حقيقة. وهي أن العالم الديني، والعالم المادي عندما يجلسان أمام المختبر فإنهما يفكران بطريقة واحدة، يبحثان عن الظاهرة، ما هو سببها، لكن الفرق بين العالم الديني والعالم المادي، أن العالم الديني عندما يكتشف السبب يفكر من الذي أعطى السبب سببيته. بينما لا يفكر العالم المادي بهذه الطريقة. ولهذا فإننا، كمسلمين نؤمن بقانون السببية في الكون، وأن الله خلق الكون على أساس نظام. (إنا كل شيء خلقناه بقدر). ونجد أنه عندما نتحدث عن عملية التغيير.(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ما كان الله مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).


نحن نفهم أن كل ظاهرة كونية، أو ظاهرة إجتماعية أو ظاهرة تاريخية تنطلق من خلال قوانين مودعة في حركة هذا الكون، وغاية ما هناك، أن عمق هذا الكون، واية ما هناك، أن عمق هذه القوانين هو الله. ولهذا عندما يتحدث إنسان عن تجربة الذرة يبقى السؤال: من الذي أعطاها هذه القوانين المتحركة في داخلها، ولذلك ليس هناك فرق بين من يقول بتجزئتها، وبين من لا يقول بتجزئتها لأنهما ينطلقان معاً، من خلال التفكير الديني الذي يرى، أن الله أودع في هذه الذرة قانوناً يسمح لها بأن تتجزأ وتتحول إلى طاقة، وبين من يقول أن الله خلقها على شكلها الحالي.



الإسلام والمسيحية كحضارتين



الحضارة الإسلامية، والعربية عرفت أوج أزدهارها أيام المؤمنون القائل(بخلق القرآن) (بإنزاله) ترى، كيف يتصور العلامة محمد حسين فضل الله حالة الإسلام فيما لو إنتصر المأمون؟



أحب أن أوضح أن المأمون نادى بـ(خلق القرآن) لا بـ(إنزاله) لأن الأوامر التي أصدرها إلى عماله في الولايات كانت تقضي بملاحقة الذين لا يقولون بـ(خلق القرآن) إنطلاقاً من الآيات التي تتحدث عن إنزاله قرآناً عربياً. لقد كانت المسألة النظرية تتمحور حول (قدم القرآن) بمعنى أنه غير مخلوق لأن الله قديم. المأمون ومن تبعه من المعتزلة يقولون أن القرآن الكريم هو كلام من افعال الله، وهناك أفعال مثل(الخلق) لذلك، قد يكون رأي المأمون يمثل الخط التحريري في الفكر الإسلامي على أساس أن ينتهج خط المعتزلة في مقابلة تيار الأشاعرة الذين لا يؤمنون بالحرية الإنسانية، والحسن والقبح العقليين بينما المعتزلة يؤمنون بالحسن والقبح إلى جانب إيمانهم بحرية إرادة الإنسان.



هل صحيح أن الأسلوب النبوي تأثر بما قبله أي أن الرسالة المنزلة على النبي كررت نفسها في غير موضع فكان هذا التشابه بين الإسلام والمسيحية؟


عندما نتحدث عن تأثر أي شخصية دينية أو سياسية بما قبلها فلا بد لنا من أن نرصد علاقة هذه الشخصية بهذا التاريخ أو بهذا الواقع. هنا، علينا تناول المسألة من زاويتين: الأولى خط التفكير الغسلامي الذي يعتبر أن النبي محمد إنطلق بالرسالة من الله، وإنه إختزن من تجارب الأنبياء، وكل أفكارهم، وكل المؤثرات التي تركت تأثيرها في حركتهم سلباً أم إيجاباً من خلال القرآن الكريم الذي تحدث عن الأنبياء، وأعمالهم مثل التوراة، والإنجيل، وكل تاريخ النبوات كان حاضراً في النص القرآني أي حاضراً في الوعي النبوي. ومن ذلك، ما نلاحظه في الآية التي تتحدث عن السر في إنزال القرآن على دفعات أي الحركة القرآنية جاءت متدرجة لأهداف توعوية. إن الفكر الإسلامي يعتبر القرآن وحياً من الله، وإن النبي تربى من خلال حركة القرآن. لذلك، إن مسألة التأثر لا تمثل حالة واقعية من خلال الترابط العملي بين النبي وبين الأنبياء الذين سبقوه. إن الوعي النبوي حالة ثقافية إنطلقت من خلال النص القرآني الذي يعتبر الإسلام حالة شمولية تطل على كل المفاهيم الرسالية التي جاءت بها النبوات السابقة، وفي طليعتها اليهودية، والمسيحية. التفكير الإسلامي يرى أن الوحي هو الذي عمل على تنضيج هذا الفكر الشمولي، وإذا رغبنا أن ننزل إلى الواقع بعيداً عن ما هو التفكير الإسلامي، لنرصد النبي في حياته الخاصة من خلال ما وصلنا من مفردات التاريخ فإننا لا نجد وقائع تاريخية أمينة نستطيع من خلالها أن نطل على شخصية النبي كشخصية متفتحة على مواقع الساحة المسيحيى. قد ينقل التاريخ، وعلى عجالة، حديث ورقة بن نوفل عم خديجة بنت خويلد زوجة النبي. قد ينقل التاريخ قضيته، وإنه هو الذي شجع النبي عندما أخبرته خديجة بأول حالة من حالات الوحي لكن التاريخ الذي يدخل ورقة بن نوفل في المسألة يقول أنه مات بعد سنة أو سنتين مما سمح القول بعدم إمكانية تأثر النبي به لا سيما إذا عرفنا أن ورقة بن نوفل عبر عن إيمانه بما رآه من النبي أو بما سمعه على أنه حالة رسالية حقيقية تعتبر إمتداداً للرسالات السابقة. النص التاريخي يتحدث عن ذلك، وليس عندنا نص تاريخي آخر.


عندما ندرس حياة النبي تبدو لنا هذه الحياة بسيطة، ليست فيها أية حالة ثقافية، وأن القرآن كان أميناً في نقل الأفكار المضادة تماماً كما هو أمين في نقل الأفكار المناصرة. لقد إستطاع القرآن أن يحدثنا بأمانة عن عناوين الشك في شخصية النبي الذي لم يستطع أن يحصل تجربة ثقافية كافية قبل النبوة أو أية معلومات تاريخية يستطيع من خلالها التأثر بما قبله من الأنبياء.

كانت للنبي رحلة تجارية للشام، محدودة بزمن معين لا يفسح مجالاً للحركة، أو عملية إستيعاب جادة. إن التقارب بين الإسلام والمسيحية إنطلق من خلال الجو القرآني، وطبيعة المفردات القرآنية التي تحدثت عن أهل الكتاب بشكل عامعام كمجموعات تلتقي بالمسلمين أكثر من موقع. ولذلك دعا القرآن أهل الكتاب إلى كلمة سواء وعندما تحدث بشيء من السلبية عن أهل الكتاب تحدث عن بعض المفردات المتصلة بالتصور حول شخصية المسيح أو حول شخصية موسى، ولذلك كان التقارب بين الإسلام والمسيحية من خلال هذه الخطوط التفصيلية للواقع، بالإضافة إلى الخطوط العامة.

سيد مرحوم
11-30-2004, 08:34 AM
هل صحيح أن النبي كان يضيق ذرعاً بالشعراء؟

ربما وهذا الضيق عائد إلى مسلكية هؤلاء الشعراء في مجتمعهم، وإلى الأفكار التي كانوا يبثونها في الناس بهدف معاكسة رسالة النبي النبي.


(والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون).... ربما كان هذا النص لعب دوراً في تكوين صورة محددة عن علاقة النبي بالشعراء... ربما كان تعظيم الشعراء حالة حضارية عندما إنفتح العرب على الأمم الأخرى، ولكنهم في حياتهم الجاهلية لم يكونوا يرون للشعر قيمة بالمعنى القيمي للإنسان مع حاجتهم إليه ليتحدث عن تاريخهم. كان الإسلام في مواجهة الحرب الإعلامية المضادة يريد أن ينتزع عن النبي صفة الشاعر، ونحن نعرف أن قريش كانت تحاول التخفيف من تأثيرات أفكار القرآن في نفوس الناس... كانت صفة الشاعرية لا تليق بالنبي الحامل رسالة فكرية، رسالة روحية مع كل مضامينها الأخلاقية... لم يكن هناك رفض للشعر بل رفض لإلحاق صفة الشاعر بالنبي، ورفض للإستغراق في الخيال، والإبتعاد عن الواقع...


هناك إتهام لبعض طروحاتكم بالإنحياز نحو الإسلام مع إلغاء لمفهوم العروبة علماً أن الآية واضحة،(إنا أنزلناه قرآناً عربياً بلسان عربي مبين) علماً أن الإسلام شكل الوجه النضر لحركة الأمة العربية؟


لا أدري مدى دقة الذين يثيرون مثل هذا الإتهام لأني من الناس الذين يطرحون فكرهم على أساس الإسلام لا يلغي خصوصية الإنسان أنا إنسان لي ذاتيتي، ولي عائلتي، ولي أرضي، ولي جغرافيتي، ولي قومي، ولي إنسانيتي الواسعة. الإسلام تعددي في مسألة إحترام الخصوصيات الفردية. هذا شيء في عمق الإنسانية الواقعية. فكيف يمكن أن يصادره الإسلام. أنا لبناني أعيش في بلد معين لا يمكن أن ينتزع الإسلام مني أحد أو أن يسلبني لبنانيتي. أنا مديني، كذلك، للعروبة لغة تاريخ، وإحساس، وحركة حياة مجتمعية. الإسلام يربطني بكل ذلك، ولا معنى أن نجعل الإسلام في مواجهة العروبة، أو الوطن، أو العائلة. بعض العروبة تحول تحول إلى أيديولوجيا، إلى إلتزام بالماركسية أو الإشتراكية لكنني لا أقف ضد القومية العربية، أنا أقف ضد الفكر الآخر الذي أختارته القومية العربية، أنا أقف ضدك من خلال فكرتك، ولا أقف ضدك كإنسان إذ لا يمكنني أن أتحدى الإطار الإنساني.

أنت لا تستطيع أن تفكر من خلال صفتك بالمطلق وعليك أن تفكر بالمحدود للإتصاق أكثر بالإنسانية التي تربط الناس ببعضهم. ولعل أبلغ تعبير ما قيل أن النبي سئل: (إنصر أخاك ظالماً كان أو مظلوماً) هذا ليس حديثاً شريفاً.

هذا كلام منتشر في الجاهلية، وتبناه الناس في الإسلام. ولما قيل: عرفنا كيف ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً: إن تنصره على نفسه، أن تنصره على نزعة الشر، أن تنصره على الشيطان.


الإسلام نهى عن التفاهم مع المشركين على كافة ألوانهم لكننا اليوم نشهد تعاوناً إسلامياً مع دول لها صفة الإشتراك فيستورد منها كل ما يقع تحت المنظور الديني الإسلامي. ترى أليس هذا تنازلاً من قبل الثورة الإسلامية لتي لم تستطع خلق بنيتها الإقتصادية المتطورة؟

الإسلام لم ينه عن التعامل مع المشركين وفي القرآن طرح لهذه المسألة على أساس طبيعة العلاقات الشعورة، ودعا إلى التسامح الديني، لذلك لم يمنع المسلمين من التعامل مع المشركين، ولكنه وضع خطوطاً في الحالة الشعورية أو وضع خطوطاً في المسألة السياسية في بعض الحالات التي ينبغي لك أن تتعامل معها من خلال علاقات إيجابية.


الفن يغني مواجهتك كوناً واسعاً

عبر التاريخ تكونت مفاهيم متنوعة حول الفن، ومن ذلك خلاصات(إخوان الصفاء): (إن المهارة في أي عمل ما هي إلا تشبه بالخالق العظيم).
برأيكم، ما هو الفن، ما هو دوره؟


عمدما تواجه كلمة الفن فإنك تواجه كوناً واسعاً يمكن أن تصطدم به في كل الموجودات، لأن الفن الموجود في إحساسنا الإنساني، هو عبارة عن حركة في الموجود تعمل على الإستفادة من عناصره الذاتية لإعطائه صورة متقنة، أو مبدعة أو جميلة، أو صورة تحمل بعض خصائص الحركة في إتجاه موجود آخر. ولذلك فإننا نقول: إن لكل شيء فنه، لأن لكل شيء طريقته التي يتمظهر بها في إستجماع عناصره وخصائصه وتمازجها، وتفاعلها من خلال حركة الفكر الإنساني فيما يعطيه لهذه العناصر من خلال حركة الفكر الإنساني فيما يعطيه لهذه العناصر من خصائص يمكن أن تنتج شيئاً آخر، أو ما يمكن أن يكون الفن الكوني الذي ينطلق من خلق الله الذي يعطي لكل شيء جماله، وإبداعه وإتقانه وفنه.


قدامة بن جعفر يعرف الشعر بأنه (كلام موزون مقفى يدل على معنى)، هل هذا كاف؟ نقول ذلك مشيرين إلى القصائد التي تنشرها في (النهار) ويستبلها القارئ) كحدث؟


عندما نريد أن نتحدث عن الشعر من خلال الشكل في مقابل النثر، فمن الطبيعي أن نقارب بهذا الفهم معنى الشعر على طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي. ولكننا عندما نريد أن ننفتح على الشعر كفن إنساني، وفي طريقة التعبير عن آفاق الإنسان وخيالاته، وعن إحساسه وشعوره وحركته وتطلعاته في الحياة، فإن هذه الكلمة لا تستطيع أن تعطينا كل هذا المعنى، لأنها تعطينا الشكل، والشعر ليس شكلاً فقط. الشعر يضج بكل العالم الذي يعيشه الشاعر في إنفتاحه على كل تجاربه الذاتية، وعلى كل حركة الحياة من حوله. يمكن أن يكون قدامة بن جعفر أراد أن يعبر عن هذا من خلال الكلام، على أن مثل هذا الكلام يمكن أن يحتضن كل تلك الألوان الروحية والفكرية والواقعية... إلخ.

ونحن نعتبر أن الشعر كفن يمثل الأسلوب التعبيري الذي يحاول أن يصور الإنسان بكل جمالياته التي يختزنها في داخل نفسه أثناء تفاعله مع الكون.

ما هو الشعر، وكيف تعرفه؟


لا أستطيع أن أعرف الشعر، كما أنني لا أستطيع أن أعرف الإنسان. أنت تستطيع أن تضع يدك على جانب من الشعر، كما تستطيع أن تضع يدك على جانب من الإنسان، على أساس أن الأشياء التي تستطيع أن تقولبها بإصطلاح معنى تدخل هي في الشطر الجامد، أما الأشياء المتحركة التي تصنع لك كل يوم أفقاً جديداً، وجمالات جديدة، وأحاديث جديدة وأجواء جديدة فإنها تعطيك متنوعات لا حد لها، ولكن أن تلاحق كل ذلك لتضعها في قالب لفظي معين! هناك كثير من الأشياء تعيشها، ولا تستطيع أن تحددها بتعبير، تماماً كما هو العطر في الزهر، وكما هو الجمال في الكون. فمهما إستنفرت كل اللغة للتعبير عن الإحساس الجمالي بالكون. فإنك لا تجد كلمة تستطيع أن تنقل هذا الإحساس كما لو كان شيئاً ذاتية. إنها تعطيك بعضها ولا تعطيك الشيء كله. نحن نتصور دائماً أن ألف قصيدة عن العطر لا يمكن أن تعطيك مفهوماً عنه ولا يمكن أن تحل مكان إستنشاق رائحة العطر في لحظة سريعة. إن ألف قصيدة عن الجمال لا تستطيع أن تمثل إحساسك، إن تمثل هذه الحالة النفسيةالتي تعيشها في تطلعاتك نحو الجمال. الشعر يخلد الجمال على طريقة ما ذكره الأخطل الصغير.


ما الحسن لو الشعر
إلا زهرة
يلهو بها في لحظتين النظر
لكنها أن أدركتها رقة من شاعر
أو دمعة تنحدر
سالت دماء الخلد في أبياتها
ونام تحت قدميها القدر


الشعر يستطيع تخليد الكثير من الصور الجمالية، ولكنك لا تستطيع أن تؤكد مصطلحاً محدداً للشعر.


الشعر حالة بين الوعي الإنساني واللاوعي، والحالة الذهنية، فأكثر الشعر اء العرب ،وحتى المشلمين كانت حالة الشعر عندهم تترافق مع الكأس والخمر؟

هناك شعراء إنطلقوا بعيداً عن إلتزامهم الديني. وفي هذه المسألة يتصل الشعر بجانب الفكر، والممارسة إذ هناك الكثيرون من الشعراء الذين يحملون فكراً إنساناً، أو فكراً إلهياً، لكنهم لا يمارسون على أساس أن إرادتهم ليست القوة التي يستطيعون من خلالها أن يخضعوا الممارسة للخط الفكري. وهناك كثير من الشعراء الذين يتحدثون عن الخمر وعن الكأس على طريق الرمز بإعتبار أن الخمرة تمثل النشوة، وإذا كانت النشوة حالة مادية تماماً كما هي مسألة الخمر، فإنها تمثل عن البعض حالة روحية تعمل على تمهيد الإنفتاح على اللع، والإنفتاح على الأسرار الروحية كما يقولون، وبذلك تدخل الإنسان في نطاق الإستعارة، على أساس أن الخمرة في تأثيرها على وعي الإنسان، وعلى شعوره وعلى إحساسه حتى الغيبوية أو حتى الضبابية التي يعيشها الإنسان في أجواء الخمر التي يمكن إستعارتها لبعض الأجواء الروحية، وما إلى ذلك.




يقول أبو الحسن الجرجاني: (إن الدين والشعر شيئان مختلفان، ولا يمت الواحد للآخر بصلة)، ما هو رأيكم بهذا؟



لا أدري ماذا يقصد(الجرجاني) بهذه الكلمة. إذا كان يقصد أن الدين يعبر عن وحي إلهي، وإن الشعر يعبر عن تجربة إنسانية. فقد يكون هذا صحيحاً من حيث المصدر. ولكننا نعتبر الدين مجسداً لأفكار وحقائق في الكون وعن الله وعن الحياة، لا سيما الدين الذي يعتبر أن طريقة الإيمان بالله هو الإحساس بالإبداع الكوني، والإحساس بالجمال، والإحساس بكل الألوان الحية الحلوة، المتناثرة في الكون، فإننا نجد أن هناك النقاء بين الشعر والدين، لأن الشعر ينفتح على كل جمالات الكون. وبذلك يستطيع أن يجسد الإنسان هذه الجمالات أكثر ليحس بجمال الله أكثر. وهذا يمكن للشعر أن يعبر عن كثير من التطلعات الروحية التي يعيشها الإنسان تجاه الله. إن تجسد هذه الأحاسيس، ربما يستفيد منها أناس آخرون لهذا الشعر هو أسلوب من أساليب التعبير عن إحساس الإنسان بكل ما يحيطه، وبكل ما يفكر فيه، وبكل ما يتطلع، ومن الطبيعي أن الإنسان عندما يكون منتمياً دينياً فإنه يستطيع أن يستفيد من تجربته الشعرية في حركته الدينية.

إن الشاعر الذي يؤمن بالله، والذي يعمل الصالحات مطابقاً قوله لفعله ليس مرفوضاً. إن النظرة السلبية للشعر أو الشعراء، ومن وجهة النظر القرآنية كانت منطلقة من خلال طبيعة المضمون الشعري، وعدم جديته أو عدم إلتزامه، ومن خلال سلوك الشاعر، وعندما يكون الشعر جدياً أقصد ملتزماً يكون في خدمة الحياة. وليس بالضروري أن يكون هذا الشعر سياسياً بل شعراء يدافع عن الحق، والحرية، والحياة حتى أن النبي كان له شاعر هو حسان بن ثابت وكثير من الفقهاء ينظمون الشعر، وهذا معناه أن الإسلام لم يكن ضد الشعر. والإسلام مع كل أسلوب من أساليب التعبير التي يمكن أن تربط الإنسان بالله، والحياة، والحق، والعدل.


الجاهلية والشعر

قلتم سماحة العلامة أن الناس لم يكونوا يقدرون الشعر كقيمة، ولم يكن هناك شعر ذو قيمة إلا بعد الإنفتاح على الشعوب الأخرى، مثلاً، العصر الجاهلي حيث المعلقات أو المذهبات كانت تكتب بماء الذهب لتعلق على أبواب الكعبة؟


هذا صحيح، كان الناس يقدرون الشعر لكنهم لم يعتبروا للشاعر دوراً كبيراً في المجتمع. لهذا كانت الناس تتحدث عن المعلقات من دون أن يكون للشاعر أي إمتداد خارج عشيرته بسبب تعبيره عن أمجاد عشيرته. لهذا نحن ندرس تاريخ الشعر الجاهلي، إذا صدق هذا التاريخ من دون أن يمثل هذا الشاعر أي قيمة، ولذا نلاحظ أن إمرء القيس كان يتطلع إلى البحث عن موقع يدفعه إلى القيمة الإجتماعية من مثل مطالبته بالملك. بالنسبة إلى عنترة بن شداد، كان يحاول من خلال إشتراكه بالحروب، وتحقيق الإنتصارات تأكيد ذاته البشرية، وقيمته الإجتماعية. علينا أن لا نخلط بين الشعر كمجد من أمجاد القبيلة وبين الشاعر كعنصر يأخذ مكانة كبيرة في مجتمع القبيلة بعيداً عن الحالة الوظيفية. كان الشعر وظيفيا في المسألة العشائرية، ولم يكن من قيمة فنية أو قيمة أدبية على الأقل لهذا الإنطلاق.