المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثقافة «قطع الرؤوس» في العراق بين الجهاد والإرهاب



مجاهدون
11-07-2004, 04:08 PM
الموقف العربي من العنف المؤلف: د. وحيد عبد المجيد الناشر: دار الثقافة ـ القاهرة
وحيد عبد المجيد يحلل الموقف العربي تجاه العنف وأثره على قضيتي العراق وفلسطين

http://www.asharqalawsat.com/2004/11/07/images/books.264325.jpg


عندما تقع إحدى العمليات المسلحة في العراق، ويتباين وصفها بين استشهادية وانتحارية، فان هذا في اعتقاد الدكتور وحيد عبد المجيد مؤلف كتاب «الموقف العربي من العنف» والصادر حديثا عن دار الثقافة بالقاهرة يكشف عن اضطراب وارتباك شديدين في الموقف العربي تجاه العنف، وليس ازدواج المعايير الا احدى سمات هذا الارتباك وذلك الاضطراب. وقد ينتج هذا الخلل البنائي في الموقف العربي السائد تجاه العنف في رأي عبد المجيد شيوع الثقافة التي تحفل بأي نوع من العنف ضد الآخر الأجنبي وخصوصا عندما يكون من الإعداء الذين تسود العشوائية في تعريفهم، كما في تحديد كثير من المفاهيم ذات الصلة بهذه الثقافة مثل الجهاد والاستشهاد.

يقول عبد المجيد إن تراكم الفشل والهزائم علي كل صعيد قد أدى إلى حالة مرضية أخذت تتفاقم حتى أصابت روح الأمر إلى حد أن عددا متزايدا من أبنائها يبحثون عن مبرر لاكثر ممارسات العنف فظاعة وهمجية، ولا يشعرون بأي جزع لقيام ما يسمي بجيش أنصار السنة مثلا بذبح 18 نيبالياً من المعدمين، موضحا أن لهذه الحالة المرضية خلفية تاريخية أطول زمنا، فوراءها تاريخ طويل من الجمود يعود إلى القرن الخامس الهجري وتحديداً منذ أن اعتلى الخليفة القادر بالله المنبر واحل دم كل من يقول بأفكار المعتزلة، وكانت هذه نقطة فاصلة تاريخيا تراكم بعدها جمود تاريخي هائل جعل الأرض العربية مهيأة الآن، بعد تراكم الفشل المعاصر، ثقافة تنتج موقفا عدميا يناقض أي عقيدة وهكذا تدفع الامة بسهولة باتجاه عنف عشوائي ينطوي بعضه علي ممارسات شديدة الهمجية.

ورغم انه لا يوجد استطلاع موثوق في موقفه يوضح موقف عامة العرب في بداية الألفية الثالثة تجاه هذه الممارسات الا أن عبد المجيد يؤكد أن ثمة مؤشرات أفادت أن هذه الممارسات تلقى ترحيبا وتجد تأييدا لدى قطاعات يعتد بها في الرأي العام العربي.

ويقول عبد المجيد انه لم يكن هناك مثل هذا الاستعداد في الشارع المصري بقبول العنف ضد الآخر الأجنبي، مثلما حدث في مطلع القرن الحادي والعشرين، وهو أمر ملحوظ في لحظات تفاقم الأزمات الكبيرة وخاصة في فلسطين، ثم في العراق بعد الحرب والاحتلال مشيرا إلى أن الاستعداد العربي بقبول وتأييد العنف ليس قاعدة عامة بطبيعة الحال ولكنه ليس استثناء أيضا، فنحن إزاء ظاهرة واسعة، وان لم تكن غالبة أو كاسحة وهي ظاهرة صارت واضحة للجميع وموقف نقاش عام تحت عناوين شتى أبرزها كراهية أميركا، الأمر الذي فرض علي الأميركيين ـ في اعتقاده ـ سؤال «لماذا يكرهوننا» .

ويؤكد عبد المجيد أن هذا الخلل اصبح يتغذى علي جموح السياسة الأميركية وتطرف المحافظين الجدد الذين يلعبون الدور الأكبر في توجيهها، علي نحو خلق حلقة مفرغة، ولم يكن ممكنا أن يصل الأمر إلى هذا الحد الا بتهافت الفكر السياسي العربي باتجاهاته الليبرالية السياسية واليسارية ودخوله في ازمة عميقة ادت إلى فتح الباب امام فكر متهافت ينتج العنف ويحض عليه ضد الطرف الآخر بصفة دائمة.

ويعتقد عبد المجيد أن احدى سمات الفكر السياسي العربي هي غياب أو على الاقل تضاؤل التحايز والاختلاف بين اتجاهاته المتباينة في لحظات معينة أهمها علي الاطلاق لحظة الصدام مع الغرب، وخصوصا حين يكون صداما عسكريا موضحا أن هذه السمة لا تخلو من جانب إيجابي، اذ تدل علي نزعة قوية إلى التكاتف والتساند في المعارك الكبري، ولكن سلبيات هذا التوحيد تكون اكبر حين يطغي علي التنوع الذي يثري حياة الامة، وليس اسوأ من الوحدة التي تلقي التنوع الا تلك التي تقوم علي موقف عاطفي او انفعالي يعطل العقل أو يهمش دوره، ومن الطبيعي أن يزداد الميل عادة ـ والكلام مازال لعبد المجيد ـ إلى تغليب المشاعر على العقل حين يتعرض بلد عربي إلى اعتداء عسكري مثلما حدث للعراق عام 2003 فالإنسان العربي البسيط جزع لهذا الاعتداء خصوصا أن القنوات التليفزيونية تابعت القصف الجوي علي مدار الساعة، ونقلت وقائع الحرب علي الهواء فقد دخلت ثورة الاتصالات الحرب في كل بيت علي نحو يزيد المشاعر التهابا.

ويعتقد عبد المجيد انه في مصر تحذيرا اصبح صعبا أن يميز المرء بين الاتجاهات المختلفة من اسلامية وقومية ويسارية وليبرالية في ظل تشابه خطاباتها السياسية في شأن الحرب، ألي حد استخدام المفردات نفسها في كثير من الاحيان بمنأى عن خلفياتها، وبعيدا عما يمكن أن يحدث بعدها.

ورغم أن هناك اتفاقاً عاماً، بل اجماعا، على رفض الاعتداء، وادانته والوقوف مع الشعب العراقي من قبل العالم كله، لا من قبل العرب وحدهم، الا أن عبد المجيد يرى أن هذا الموقف خلق موقفا موحدا لا خلاف عليه، ولا يبنغي أن يكون، غير أن هذه الحرب ليست حدثاً معزولا، اذ جاءت في سياق تاريخي يوجد خلافا في نظرة الاتجاهات المختلفة إليه وتقويمها له فاذا جرى تجاهل هذا السياق، وبالتالي الاختلاف في شأنه، ينبغي التنوع ولا تبقي الا الوحدة في الموقف ضد الحرب وعندئذ يتلاشى، أو يكاد، الفرق بين من اختلفوا واشتد الخلاف بينهم ابان الغزو العراقي للكويت في عام 1995، كما يغيب، أو على الاقل يتضاءل، الفرق بين نظام الحكم السابق والشعب في العراق.

ويتابع عبد المجيد بانه صحيح أن الاستغراق في هذا الفرق قد يكون خطأ في وقت العدوان، ولكن تجاهله خطأ أيضا بالقدر نفسه، بل اكثر، خصوصا في ظل ميل عام في الفكر السياسي العربي إلى «تبرئة» الحاكم الذي يتعرض إلى اعتداء أجنبي أيا كان فعله وكان هذا الاعتداء يطهره من ذنوبه، أو يفعل فعل التوبة والغفران مشيرا إلى أن في هذا السياق يصعب التمييز بين من تمثل الديمقراطية قيمة عليا عنده ومن لا يرى أهمية لها تذكر لان قضيته هى فقط التحرر الوطني أو التوحيد القومي، كما لا يسهل تبين الفرق بين إسلامي وعلماني، وبين يميني ويساري.

ويؤكد عبد المجيد أن العرب في حاجة إلى تاكيد ثقافة المقاومة ولكنهم يحتاجون في الوقت نفسه إلى تجاوز الفهم الضيق الذي يحصر هذه الثقافة في الرفض السلبي والمحادثة الخطابية.
فالمقاومة المجددة ـ في رأيه ـ هي التي تعيد الاعتبار إلى قيم الحرية والتسامح والمساواة والعمل والانتاج والانجاز والكفاءة والمعرفة في البناء.

ويشير عبد المجيد إلى أن الحرب في العراق وفلسطين ساعدت في تطويع مفاهيم اسلامية لشن العداء ضد الآخر الاجنبي وخصوصا مفهومي الجهاد والاستشهاد وهما المفهومان اللذان ادى التوسع في اساءة تفسيرهما واساءة استخدامهما إلى توسع في نطاق تبرير العنف ضد الآخر الاجنبي بين العرب والمسلمين والغرب في الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798 .

ويوضح عبد المجيد أنه حتي وقت ليس بعيدا، لم يكن الاجنبي الغربي هو الهدف الاساسي في بناء تصوره العدواني في المخيلة العربية ـ الإسلامية، التي شغلها التتار والخوارج والكفار، اكثر من الصلبييين، بل كان هناك اعجاب بالاغريق والرومان منذ بدء الترجمة، ثم انتشارها في العصر العباسي، وحتي في مرحلة الاستعمار كان ابرز قادة الحركات الوطنية في الدول العربية والمسلمة من المتعلمين في الغرب أو المتشبعين بثقافته الحديثة، ولذلك لم يتسرب إلى وعيهم وباء العنف المرسل ضد الآخر الاجنبي.

وحتي بعد إقامة إسرائيل، فلم تكن الولايات المتحدة ـ والكلام هنا لعبد المجيد ـ حليفا لها بالرغم من انها ايدت انشائها، بل وتقف ضد العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا، وفرنسا، واسرائيل ضد مصر عام 1956، غير أن العلاقات العربية الأميركية تأثرت بالقضية الفلسطينية التي ظلت العائق الأول أمام تطورها في صورة طبيعية، غير انه يرى أن الانحياز الأميركي لإسرائيل لم يكن فطريا، في المقام الأول، بل مكتسبا، بفعل الحضور اليهودي الإسرائيلي في دوائر صنع القرار الأميركي في واشنطن وغياب العرب أو ضعف حضورهم فيه.

ويلاحظ عبد المجيد أن تطور السياسة الأميركية في اتجاه الانحياز الكامل لإسرائيل لم يحلق العداء الذي وصل لذروته في مطلع القرن والعشرين، وما ينطوي من تبرير العنف، فهذا الانحياز بدا بوضوح منذ منتصف ستينات القرن الماضي، وظهر في اجل صوره خلال وبعد حرب 1967 مشيرا إلى انه لايمكن إغفال الأثر التراكمي لهذا الانحياز في تفسير تأخر شيوع العداء الأجنبي في العنف المرسل ضده، ولكن هذا التراكم ما كان يحدث الأثر الذي أحدثه إلا مع تراكم ازمة العقل والفكر في البلاد والعربية والمسلمة وقد بلغت هذه الأزمة ذروتها مع «تديين» العنف ضد الآخر الأجنبي والتوسع في استدعاء مفاهيم إسلامية لدعم هذا الطابع.

ويقول عبد المجيد انه عندما يغيب الوعي بان الأمة تكسب معاركها بالعلم وليس بهذه القنابل والأحزمة، يتوفر موضوعيا المناخ الذي يتنامي فيه العداء للآخر الأجنبي الذي يتهم دوما في مثل هذه الظروف بان لا هم له إلا التآمر علي العرب والمسلمين والسعي إلى الهيمنة عليهم والقضاء علي هويتهم وربما عقيدتهم، ويزداد هذا الميل إلى العداء، وبالتالي تبرير العنف ضد الآخر الأجنبي، لان الاتجاه الإسلامي السياسي المعتدل لم يحدث قطيعة مع فكر العنف ضد الآخر الأجنبي بما في ذلك الأجنبي غير الإسرائيلي.

ويرى عبد المجيد انه من الآثار الوخيمة لتبرير العنف ضد الاخر على البلاد العربية والاسلامية الوقوع في الفخ الذي نصبه الاكثر تطرفا بين العرب والمسلمين وهو الادعاء بان العنف ضد الآخر الاجنبي يهدف ألي تحقيق مصالح الامة، والفخ هنا لا يتعلق في رأيه فقط بان هذا العنف يدمر الامة، بل يصل بان ممارسي العنف لا يستهدفون مؤيد الآخر الاجنبي في المحصلة النهائية وليس مقارعة من يسمونهم أعداء الامة في الخارج، ومن الآثار أيضاً سهولة خلق وترويج افكار زائفة ممثلا كل ذلك بنجاح أنصار العنف المرسل ضد الأخر الأجنبي في خلق اعتقاد في العالم العربي عقب الحرب علي العراق وهو أن العرب والمسلمين خرجوا مهزومين في الحرب أمام أميركا، ولم يكن لهذا المعني أن ينتشر إلا بنجاح نسبي حققه مروجوه في الإيحاء بان ثمة حربا مفتوحة بين العرب والمسلمين من ناحية وأميركا من ناحية اخرى، بما ينسجم أو علي الأقل يقترب من مفهوم الفسطاطين الذي طرحه بن لادن.

أيضا من الآثار الوخيمة لتبرير العنف التي يذكرها عبد المجيد دعم موقف إسرائيل وتحسين مركزها دوليا عبر الإصرار علي عنف اعمي مشيرا إلى أن قادة الإرهاب بدلا من أن يعملوا علي تقليص علاقة أميركا بإسرائيل قاموا بانمائها وتثبيتها واضفاء أبعاد أخرى عليها تتعلق بمحاربة الإرهاب، فكسبت إسرائيل من جراء الإرهاب مرتين، مرة عندما نجحت في خلط الأوراق بين المقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال، والإرهاب العاري من أي شرعية، ومرة عندما أفلتت من انحسار كان متوقعا لدورها في الاستراتيجية الأميركية.

ويشير عبد المجيد هنا إلى أن اختزال المقاومة الفلسطينية كلها في العمليات المسلحة خطأ جسيم لا بد أن تترتب عليه نتائج سلبية، وهو ما حدث في اعتقاده وخصوصا عندما عجزت فصائل المقاومة عن ادراك ضرورة التحول من المقاومة المسلحة إلى المقاومة المدنية عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 مباشرة، ولكن الاختزال في رأيه لم يقف عند هذا الحد، بل جرى اختزال المقاومة المسلحة بأشكالها المتعددة والمتنوعة في شكل واحد هو العمليات الانتحارية، وهو الشكل الذي الحق اكبر قدر من الضرر بالمقاومة وبالقضية. الامر الذي أتاح لاسرائيل شن حملة دعائية منظمة للربط بين ارهاب تنظيم القاعدة ومقاومة الفصائل الفلسطينية، وبنجاح حكومة ارييل شارون في ايجاد وخلط لا سابق له بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب تمكنت من رفع سقف ارهاب الدولة الذي مارسته بشكل منظم لانهاك فصائل المقاومة واضعاف قدرتها علي العمل المسلح عبر خطة من الاغتيال ولاعتقال اكبر عدد من كوادرها.

وهذا ما حدث تدريجيا وادي إلى تراجع المقاومة المسلحة التي اصبحت محصورة منذ منتصف 2002، وبعد أن تم اجتياح الضفة الغربية واعادة احتلالها في عمليات تهدف إلى الانتقام لهذا القيادي أو ذاك ممن طالتهم ايدي الدولة الإسرائيلية.

ويختتم عبد المجيد قائلا أن حصر المقاومة الوطنية الشاملة في النشاط المسلح ثم حصر هذا النشاط علي العمليات الانتحارية أدى ألي اختزال أنبل قضايا العصر الراهن عدالة في عمليات انتقامية لاهدف لها إلا أن تشفي غليل جمهور عربي تدني وعيه ألي مستوى هبط بقضية التحرير، مشيرا إلى أن ما كان لهذا التدني أن يحدث إلا بسبب الخلل البنائي في الموقف العربي تجاه العنف، وقد انعكس علي قضية فلسطين فأدخلها في نفق مظلم لا مخرج منها لا عبر مراجعه.
الموقف العربي من العنف المؤلف: د. وحيد عبد المجيد الناشر: دار الثقافة ـ القاهرة