المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث حول : (الرأي الفقهي في حلق اللحية)..............الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي



سيد مرحوم
11-01-2004, 11:50 AM
الراي الفقهي في حلق اللحية

الشيخ الدكتور
عبد الهادي الفضلي


مسالة حلق اللحية من المسائل الخلافية في الفقه الاسلامي، وراي الفقهاء المسلمين في‏حكم حلق اللحية يدور في قولين، هما:

1 حرمة الحلق.

وهو القول المشهور بين الفقهاء المسلمين شهرة كبيرة.

2 جواز الحلق على كراهة.

وهو القول الاخر، والقائلون به من اصحابنا الامامية قليلون، منهم:

السيد مهدي بحر العلوم (ت 1212ه)، كما يظهر من قوله في منطوقته الفقهية الموسومة‏ب «الدرة النجفية‏»((54)) .

.... وان الاصلح في الشارب الحف كاعضاء اللحى فوحده القبضة في الاخبار فما يزيد فهو ورد النار السيد محمد باقر الداماد (ت 1041ه) في رسالته الفارسية المسماة «شارع النجاة‏»، قال‏شيخنا الطهراني في «الذريعة‏»((55)) عند حديثه عن بيانات الكتاب المذكور:

«ومن‏فتاويه (يعني الداماد) في هذا الكتاب: القول بكراهة حلق اللحية وحرمة طولها على ماحكي‏».

الشيخ محمد صالح الجزائري (ت 1366ه) في كتابه المعنون:

«رسالة في كراهة حلق‏اللحية‏».

الشيخ عباس الرميثي (ت 1379ه)، كما هو المعروف عنه.

استاذنا السيد ابو القاسم الخوئي (ت 1413ه)، رايا، اما فتوى فافتى بالاحتياط الوجوبي، قال‏في «منهاج الصالحين‏»: «يحرم حلق اللحية على الاحوط‏»((56)) .

استاذنا السيد محمد باقر الصدر (ت 1400ه)، رايا لا فتوى، كما سمعته منه (قدس سره).

وآخرون غيرهم.

واستدل القائلون بالحرمة بالكتاب والسنة وسيرة المتشرعة.

فمن القرآن الكريم استدلوا بقوله تعالى: (ولامرنهم فليغيرن خلق اللّه) [النساء/119] وذلك‏بالتقريب الاتي:

1 ان المراد من «خلق اللّه»، في الاية الكريمة، هو اللحية، اما على نحو الخصوص، واما على‏نحو العموم الشامل للحية.

2 ان المراد بالتغيير هنا الحلق (حلق اللحية).

3 ان ما يامر به الشيطان بقصد اضلال الانسان يكون محرما.

ونستطيع بضم هذه المقدمات الثلاث بعضها الى بعض ان نؤلف القياس التالي:

حلق اللحية مما امر به الشيطان لتغيير خلق اللّه..

وكل ما امر به الشيطان لتغيير خلق اللّه فهو حرام..

فتكون النتيجة: حلق اللحية حرام.

والمناقشة لهذا الاستدلال تتوجه الى المقدمتين الاوليين، وبما خلاصته:

1 ان المعاني التي ذكرت ل «خلق اللّه»، في الاية الكريمة، حسبما اوردها ابو حيان الاندلسي‏في تفسيره (البحر المحيط) هي:

أ قال ابن عباس وابراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم:

اراد تغيير دين اللّه.

ذهبوا في ذلك الى الاحتجاج بقوله: (فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه) اي‏لدين اللّه، والتبديل يقع موقعه التغيير وان كان التغيير اعم منه، ولفظ (لا تبديل لخلق اللّه) خبرومعناه النهي.

ب وقالت فرقة، منهم الزجاج: هو جعل الكفار آلهة لهم ما خلق للاعتبار به من الشمس‏والنار والحجارة وغير ذلك مما عبدوه.

ج وقال ابن مسعود والحسن: هو الوشم وما جرى مجراه من التصنع للتحسين، فمن ذلك‏الحديث في لعن الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات خلق اللّه،ولعن الواصلة والمستوصلة.

د وقال ابن عباس ايضا وانس وعكرمة وابو صالح ومجاهد وقتادة ايضا: هو الخصاء، وهوفي بني آدم محظور، وكره انس خصاء الغنم، وقد رخص جماعة فيه لمنفعة السمن في‏الماكول، ورخص عمر بن عبد العزيز في خصاء الخيل.

ه وقيل للحسن: ان عكرمة قال: هو الخصاء، قال: كذب عكرمة، هو دين اللّه تعالى.

و وقيل: التخنث.

ز وقال الزمخشري: هو فق‏ء عين الحامي واعفاؤه من الركوب.

وناسب هذا انه ذكر اثر تبتيك آذان الانعام فناسب ان يكون التغيير هذا.

ح وقيل: تغيير خلق اللّه هو ان كل ما يوجده اللّه لفضيلة فاستعان به في رذيلة فقد غير خلقه،وقد دخل في عمومه ما جعله اللّه تعالى للانسان من شهوة الجماع ليكون سببا للتناسل على‏وجه مخصوص، فاستعان به في السفاح واللواط، فذلك تغيير خلق اللّه، وكذلك المخنث اذانتف لحيته وتقنع، تشبها بالنساء، والفتاة اذا ترجلت متشبهة بالفتيان، وكل ما حلله اللّهفحرموه او حرمه تعالى فحللوه، وعلى ذلك (قل ارايتم ما انزل اللّه لكم من رزق فجعلتم منه‏حراما وحلالا) [يونس/59] والى هذه الجملة اشار المفسرون، ولهذا قالوا: هو تغيير احكام‏اللّه.

ط وقيل: هو تغيير الانسان بالاستلحاق او النفي.

ي وقيل: خضاب الشيب بالسواد.

ك وقيل: معاقبة الولاة بعض الجناة بقطع الاذان وشق المناخر وسمل العيون وقطع‏الانثيين.

وكما ترى: ان جميع المعاني التي ذكرت لم تدعم بدليل يعزز سلامة ارادتها من الاية‏الكريمة ما عدا قول القائلين ان المراد من خلق اللّه دين اللّه، وذلك لاستعمال العبادة في‏موضع آخر من القرآن الكريم، وارادة دين اللّه منها والقرآن يفسر بعضه بعضا وذلك في‏قوله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّهذلك الدين القيم) [الروم/30] فتكون آية الفطرة هذه قرينة تعزز سلامة ارادة هذا المعنى‏من عبارة «خلق اللّه» في الاية الكريمة المستدل بها.

وتؤكده، ايضا، الروايتان اللتان رواهما العياشي في تفسير لبيان معنى الاية الكريمة، وهما:

عن محمد بن يونس، عن بعض اصحابه، عن ابي عبداللّه (ع) وعن جابر، عن ابي جعفر (ع)في قول اللّه: (ولامرنهم فليغيرن خلق اللّه) قال: امر اللّه بما امر به.

عن جابر، عن ابي جعفر (ع) في قول اللّه: (ولامرنهم فليغيرن خلق اللّه) قال: دين اللّه.

وهذا يسلمنا الى النتيجة الاتية: ان العبارة في الاية الكريمة، ان أريد بها دين اللّه اءي‏تشريعاته واحكامه فهي لا علاقة لها بمسالتنا لان اللحية ليست من التشريعات ولاالاحكام.

وان لم يرد بها هذا المعنى فلا يستطاع حملها على احد المعاني الاخرى المذكورة في اعلاه‏لعدم وجود القرينة المعينة، فتكون من المجمل الذي لا يصلح للاستدلال به لعدم وضوح‏دلالته.

وناقش استاذنا السيد الخوئي الاستدلال بالاية الكريمة على حرمة حلق اللحية بما يقرب‏مما تقدم، قال: «واستدلوا للحرمة بامور: الاول: قوله تعالى: (ولامرنهم فليغيرن خلق اللّه) ومايامر به الشيطان لاضلال الانسان واهلاكه يكون محرما، وحينئذ يترتب الشكل الاول‏فيقال: حلق اللحية تغيير خلق اللّه، وتغيير خلقه بمقتضى الاية.

وفيه: منع الصغرى والكبرى على سبيل منع الخلو، فانه ان اءريد من الكبرى مطلق التبديل‏كما هو معناه لغة بحيث يعم جميع التصرف في الموجودات حتى مثل شق الانهار وقطع‏الاشجار ليشمل التغيير حلق اللحية فهي ممنوعة قطعا، بداهة عدم حرمة جعل التراب آجرا،والاجر دارا والجبل طريقا، وجعل الشعر نصفين، الى غير ذلك من التغيير في الموجودات‏المباح قطعا، بل لا يصدق تغيير الخلق عرفا على مثل ذلك.

وان أريد التغيير الخاص فصدقه على حلق اللحية ممنوع، لعدم الفرق في ذلك بينه وبين‏نتف شعرة واحدة من الوجه، فاذا تكون الاية مجملة.

مضافا الى ما حكاه الفيض (قده) في «تفسير الصافي‏» عن «الجمع‏» من تفسير تغيير الخلق‏بتغيير الدين الاسلامي، لان كل مولود يولد على فطرة الاسلام التي فطر اللّه عليها الناس،وانما الابوان يهودانه وينصرانه، فايجاد المانع من القول بالتوحيد تغيير لخلق اللّه وفطرته.وهذه الرواية لا نريد التمسك بها لعدم الوقوف على صحة سندها، الا ان الغرض من ذكرهاتاييد القول باجمال الاية، مع انه يحتمل ان يراد من تغيير خلق اللّه اللواط والمساحقة لان‏الغاية التي خلق لها الرجال هو الحرث لايجاد النسل، والنساء كالارض الصالحة للحرث،فاعراض كل منهما عما خلق له تغيير لخلق اللّه تعالى‏»((57)) .

ومنه نتبين ان كلتا مقدمتي القياس غير سليمتين.

وبعده ننتهي الى ان الاية لا دلالة فيها على حرمة حلق اللحية.

واستدلوا على حرمة حلق اللحية من السنة الشريفة بالاحاديث الاتية:

1- ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب «من لا يحضره الفقيه‏»: قال رسول اللّه (ص): حفواالشوارب واعفوا اللحى، ولا تشبهوا باليهود»((58)) .

وقال رسول اللّه (ص): ان المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم، وانا نجز الشوارب ونعفي‏اللحى، وهي الفطرة‏»((59)) .

2- وما رواه «قدس سره‏» في كتاب «معاني الاخبار» باسناده الى علي بن غراب، قال:حدثني خير الجعافرة، جعفر بن محمد، عن ابيه عن جده: قال: قال رسول اللّه (ص): حفواالشوارب واعفوا اللحى ولا تشبهوا بالمجوس‏»((60)) .

وتناقش هاتان الروايتان سندا ودلالة.

فمن حيث السند: فالاولى مرسلة، والثانية في سندها موسى بن عمران النخعي، وهومجهول الحال.

ومن حيث الدلالة: فالنهي منصب على التشبه بغير المسلمين، وليس على نحو التشريع‏وبيان الحكم، اي لم يصدر هذا النهي من النبي (ص) بوصفه مبلغا، وانما صدر عنه (ص)بوصفه حاكما ورئيس الدولة، وذلك بقرينة ما جاء في «نهج البلاغة‏» عن الامام اميرالمؤمنين (ع) في الرقم 16 من مختار كلامه عندما سئل (ع) عن قول رسول اللّه (ص): غيرواالشيب ولا تشبهوا باليهود»، فقال (ع): انما قال (ص) ذلك والدين قل، فاما الان وقد اتسع‏نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار».

فالحديثان بالاضافة الى كونهما لم يردا في مقام التشريع وبيان الحكم لم ينظرا الى حكم‏حلق اللحية، لانهما منصبان وبدافع سياسي الى النهي عن التشبه بغير المسلمين، لئلا يتاثرالمسلمون، وهم قلة وجديدو عهد بالاسلام، بغيرهم.

وان كان ان الذي يظهر من بعض الروايات التاريخية ان المجوس كانوا يحلقون اللحى‏ ويفتلون الشوارب، فقد روى الميرزا النوري في «المستدرك‏» ((61)) عن الكازروني‏في كتاب «المنتقى‏» في حوادث السنة السادسة بعد ان ذكر كتابة رسول اللّه (ص) الى‏الملوك، وانه كتب كسرى الى عامل اليمن ب‏آذان ان يبعثه (ص) اليه، وانه بعث كاتبه مانويه‏ورجلا آخر يقال له خرخسك اليه (ص) قال: «وكانا قد دخلا على رسول اللّه (ص) وقد حلقا لحاهما واعفيا شواربهما فكره النظر اليهما، وقال: ويلكما، من اءمركما بهذا؟ قالا: اءمرنا بهذا ربنا، يعنيان كسرى، فقال رسول اللّه (ص): لكن ربي امرني باعفاء لحيتي وقص‏شاربي‏».

والحادثة المذكورة موجودة في تاريخ الطبري في حوادث السنة السادسة ايضا، فربما كان‏الكازروني قد نقلها عنه.

وعلميا لا يمكننا الاستدلال بالحديث المذكور فيها المروي عن رسول اللّه (ص) بشان اعفاء اللحية وقص الشارب، وذلك لاشتماله في رواية الطبري على رواة طعن فيهم «منهم‏محمد بن حميد الرازي‏»، ففي تاريخ البخاري الكبير((62)) القسم الاول: «في احاديثه‏نظر»، وفي تهذيب التهذيب((63)) : قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير، ولم يوثقه‏النسائي، وعند الجوزجاني: ردي‏ء المذاهب، غير ثقة، وقال صالح بن محمد الاسدي: مارايت احدا اجرا على اللّه منه.

ومنهم: مسلمة بن الفضل الذي يروي عنه ابن حمير، قال البخاري في تاريخه‏الكبير((64)) : ابو عبداللّه الابرش، سلمة بن الفضل الرازي، سمع محمد بن اسحاق،عنده مناكير، وفي تهذيب التهذيب((65)) : ضعفه النسائي، ولم يحتج بحديثه ابوحاتم الرازي.

ومنهم: محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار، في تهذيب التهذيب((66)) : انه يرمى‏بغير نوع من البدع، وعند احمد بن حنبل: انه يدلس، ولم يحتج بحديثه في السنن، وكذبه‏سليمان التيمي ويحيى القطان ووهيب بن خالد»((67)) .

3- ما رواه النوري في «المستدرك‏» عن «الجعفريات‏»: «اخبرنا عبداللّه، اخبرنا محمد،حدثني موسى، حدثنا ابي عن ابيه، عن جده جعفر بن محمد، عن ابيه، عن جده علي بن‏الحسين، عن ابيه، عن علي بن ابي طالب (ع) قال: قال رسول اللّه (ص):حلق اللحية من‏المثلة، ومن مثل فعليه لعنة اللّه»((68)) .

وقرب استاذنا السيد الخوئي الاستدلال بهذه الرواية ثم ناقشها، قال: «وسندها معتبر كماحققه النوري في خاتمة المستدرك، ودلالتها على الحرمة ظاهرة حيث ان لعن المؤمن حرام‏ويستحيل صدوره من المعصوم، فاذا لعن احدا على فعل نستكشف منه حرمة ذلك الفعل‏وانه يوجب الفسق، وليس هذا اللعن من سنخ اخباره عن اللعن وبعد العبد عن اللّه تعالى،كقوله: «ملعون من اخر الصلاة‏» فان هذا اخبار عن بعده عن ساحة المولى عز شانه،والمكروهات قد يوجب ارتكابها البعد منه سبحانه، واما انشاء الدعاء بلعن المؤمن فهو غيرجائز قطعا، فاللعن على عمل يدل بالالتزام على حرمته، وهنا لما دعا المعصوم (ع) على‏حالق لحيته بعد ادخاله تحت عنوان المثلة المحرمة يستكشف منه حرمة حلقها، بل نفس‏تنزيل الحلق منزلة المثلة فيه اشعار بالحرمة.

وفيه: ان التمثيل معناه التنكيل، ويعتبر فيه امران: احدهما وقوعه من احد على‏غيره((69)) والثاني كونه بعنوان الهتك، والظاهر من هذه الرواية بيان حرمة حلق لحية‏احد هتكا له كحرمة قطع انفه واءذنه، وحينئذ تكون الرواية اءجنبية عن المقام‏»((70))4- ما جاء في آخر كتاب «السرائر» لابن ادريس مما استطرفه من كتاب «الجامع‏» لاحمد.

بن محمد بن ابي نصر البزنط‏ي، صاحب الامام الرضا «ع‏» قال:

«سالته عن الرجل: هل له ان‏ياخذ من لحيته؟ قال: اما من عارضيه فلا باس، واما من مقدمها فلا»((71)) .

وعلق عليها استاذنا السيد الخوئي بقوله: «وحيث ان ظاهر الرواية حرمة الاخذ من مقدم‏اللحية، ولو لم يصدق عليه (عنوانه انه) حلق، وهذا مقطوع البطلان، ومعه لا يمكن التمسك‏بظاهر الرواية‏»((72)) .

5- ما جاء في كتاب «اكمال الدين‏» للشيخ الصدوق((73)) :

حدثنا علي بن احمدالدقاق رضي اللّه عنه، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، قال حدثنا علي بن محمد، عن ابي علي‏محمد بن اسماعيل بن موسى بن جعفر، عن احمد بن قاسم العجلي، عن احمد بن يحيى‏المعروف ببرد، عن محمد بن خداهي، عن عبداللّه بن ايوب، عن عبداللّه بن هشام، عن عبدالكريم بن عمر الخثعمي، عن حبابة الوالبية، قالت: «رايت امير المؤمنين في شرطة الخميس،ومعه درة يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمار والطافي، ويقول لهم: يا بياعي‏مسوخ بني اسرائيل، وجند بني مروان، فقام اليه فرات بن الاحنف، فقال له: يا امير المؤمنين‏فما جند بني مروان؟ جقالت‏ج: فقال (ع) له: اقوام حلقوا اللحى، وفتلوا الشوارب‏جفمسخواج...».
وقرب استاذنا السيد الخوئي دلالة الرواية على الحرمة ب «ان المسخ على ارتكاب شي‏ء يدل‏على شدة حرمته‏»((74)) .

ولكن تناقش الرواية سندا ودلالة:

فمن حيث السند: فان في طريقها «احمد بن قاسم العجلي‏»، و «احمد بن يحيى‏» المعروف‏ب «برد» او «كرد» و «محمد بن خداهي‏» و «عبداللّه بن هشام‏» او «هاشم‏»، وهم لم يترجموا، ولم‏يقيموا، فلا يدرى حالهم من حيث التوثيق، ومدى الاعتماد على مروياتهم((75))ومن حيث الدلالة فهي كما اشكل عليها الشيخ الاعلمي في هامش ترجمة حبابة الوالبية.

من كتابه «تراجم اعلام النساء((76)) قال: «ويرد عليه: انه انما يدل على حرمتهمااو احدهما في شرع من قبلنا لا في شرعنا، فان قيل: ذكره (ع) ذلك في مقام الذم يدل على‏حرمتهما في هذه الشريعة ايضا، قلنا: ليس الامام (ع) في مقام ذم هذين الفعلين، بل في مقام‏ذم بيع المسوخ بهذا السبب كما ان مسوخ بني اسرائيل مسخوا بالعيد السبت وذكرهم هنا لايدل على تحريمه‏».

واما راي المذاهب الفقهية السنية الاربعة في حكم حلق اللحية، فقد لخصها الشيخ الجزيري‏في «كتاب الفقه على المذاهب الاربعة‏»((77)) .

«الشافعية قالوا: اما اللحية فانه يكره حلقها والمبالغة في قصها.

الحنفية قالوا: يحرم حلق لحية الرجل ويسن الا تزيد في طولها على القبضة، فما زاد على‏القبضة يقص، ولا باس باخذ اطراف اللحية.

المالكية قالوا: يحرم حلق اللحية، ويسن قص الشارب، وليس المراد قصه جميعه، بل السنة‏ان يقص منه طرف الشعر المستدير النازل على الشفة العليا، فيؤخذ منه حتى يظهر طرف‏الشفة، وما عدا ذلك فهو مكروه.

الحنابلة قالوا: يحرم حلق اللحية، ولا باس باخذ ما زاد على القبضة، فلا يكره قصه كما لايكره تركه، وتسن المبالغة في قص الشارب‏».

وما جاء من احاديث في جوامع اهل السنة ترتبط بالموضوع فهي:

«احفوا الشوارب واعفوا اللحى‏» رواه عن ابن عمر مسلم في صحيحه، 1/117 والنسائي،2/275 والترمذي، 10/221.

«قصوا الشوارب واعفوا اللحى‏» رواه عن ابي هريرة احمد بن حنبل في المسند، 2/239.

«خالفوا المشركين، وفروا اللحى واحفوا الشوارب‏» رواه عن ابن عمر البخاري في صحيحه،4/25 كتاب اللباس.

«انهكوا الشوارب واعفوا اللحى‏» رواه عن ابن عمر البخاري في صحيحه، 4/25 كتاب‏اللباس.

«جزوا الشوارب وارخوا اللحى وخالفوا المجوس‏» رواه عن ابي هريرة مسلم في صحيحه،1/117.

«اعفوا اللحى وجزوا الشوارب وغيروا شيبكم ولا تشبهوا باليهود والنصارى‏»، رواه عن ابي‏هريرة احمد بن حنبل في المسند على ما في كنز العمال، 3/338.

«احفوا الشوارب واعفوا اللحى ولا تشبهوا باليهود»، رواه الطحاوي عن انس كما في كنزالعمال، 3/338.

«اوفوا اللحى وقصوا الشوارب‏» رواه في كنز العمال: 3/329 عن الطبراني عن ابن عباس.

«وفروا عثاثينكم وقصوا اسبالكم‏» رواه في كنز العمال، 3/329 عن البيهقي عن ابي‏امامة.

وما قلته في الاحاديث المروية من طرق اصحابنا من ان النهي فيها مسلط على التشبه، ولانظر فيها الى حكم حلق اللحية، لانها ليست في مقام التشريع، وانما صدرت عن النبي (ص)بوصفه حاكما، اقوله هنا.

واخيرا: استدل اصحابنا الامامية بسيرة المتشرعة المتصلة بعصر الائمة (ع) حيث ان «البناءالعملي من المتدينين قديما وحديثا (قائم) على عدم الحلق، وهو كاشف عن ارتكازالحرمة‏»((78)) في اذهانهم.

ولانه قد تحرر وتقرر في علم اءصول الفقه: «اءن السيرة عندما تكون حجة فاءقصى ما تقتضيه‏ان تدل على مشروعية الفعل وعدم حرمته في صورة السيرة على الفعل، او تدل على‏مشروعية الترك وعدم وجوب الفعل في صورة السيرة على الترك‏».

و «ان السيرة بما هي سيرة لا يستكشف منها وجوب الفعل ولا استحبابه في سيرة الفعل، ولايستكشف منها حرمة الفعل ولا كراهته في سيرة الترك‏» ((79)).

فلا دلالة فيها على الحرمة.

وفي ضوء ما تقدم نخلص الى النتيجة الاتية، وهي: ان القول بجوازحلق اللحية متوجه، لعدم‏نهوض دليل من الادلة التي ذكرت باثبات الحرمة اما لقصور في السند واما لقصور في‏الدلالة.