المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوطن العمانية : محمد حسين فضل الله شاعراً و ومرجعاً دينياً



بو حسين
10-18-2004, 06:35 PM
محمد حسين فضل الله شاعراً ومرجعاً دينياً

يُعَدُّ الاتجاه الإسلامي في الشعر العربي الحديث ملمحاً بارزاً، يغري الدارسين بدراسته والبحث فيه، إلا أنّ الدراسات الجامعية في هذا الجانب يسيرة، مع أن دراسة الشعر الإسلامي ذات أهمية بالغة، بعد الوعي الديني الذي ما فتىء يسجِّل حضوراً على أرض الواقع... إنّ الحاجة إلى تأصيل التصوّر الديني للأدب تتأكَّد اليوم، بعد شيوع المذاهب الأدبية ذات المنطلقات المادية التي تروِّج لانحلال المجتمع ومسخه، واجتثاث الوشائج التي تشدّه إلى تراثه وأصالته وتتركه يعيش في فراغ روحي.

والسيد محمد حسين فضل الله هو أحد أعلام الأمة الذين تركوا بصماتهم جليةً في العقود الأخيرة، على حالة الوعي، والتنوير الفكري والسياسي، ببحوثه ومؤلَّفاته وسائر نشاطاته المتعددة، حتى ذاع صيته في الساحتين العربية والإسلامية، لما امتاز به من صلابة في الموقف، وموضوعية في معالجة القضايا الحساسة، ولكونه داعية حوار بين الأديان، وداعية أخوّة ووحدة بين المسلمين.

اشتهر السيد محمد حسين فضل الله بكونه مرجعاً دينياً، ومفكِّراً ومصلحاً صادقاً، رافضاً للقيم الزائفة، حريصاً على مناصرة الحقِّ والعدل بكل ما يمتلك من وسائل وأدوات، ومنها موهبته الشعرية، فعبّر في جانب من تجربته الشعرية عن مكنونات ذاته، وعالج في جانبها الآخر هموم الحياة: الواقعية والاجتماعية والعقيدية.

وإذا كان السيد محمد حسين فضل الله قد عُرِف بأنه من القلائل من علماء الدين المعاصرين، الذين انتبهوا إلى أهمية الكلمة في حياة الإنسان، فإنه لم يكتفِ بالكتابة والدرس والتأليف، وإنما مارس دوره التوجيهي من طريق الشعر، ولا شك في أن المفاهيم النظرية تصبح أكثر جاذبية، ويزداد تفاعل المتلقّين لها حينما ترتدي لبوس الشعر.

إن القليلين ممن عرفوا السيد محمد حسين فضل الله يعرفون أنه شاعر منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي، وأن له تجربته الشعرية الخاصة، وأنه نظّم الشعر في بداية حياته في قضايا الناس وهمومهم، كما أن القليلين يعرفون أن له ثلاثة دواوين شعرية مطبوعة، وأنه ما برح يكتب الشعر، وتجربته الشعرية خليقة بأن تحمل دارسي الأدب العربي ونقّاده على العناية والاهتمام بها، لقيمتها التاريخية، ولأن الشاعر، أيّ شاعر، أقرب ما يكون إلى ذاته وهو يمارس الشعر، وأحرى أن يكشف عن سجاياه المجبول عليها بقراءته من الداخل، فالشعر هو لغة البوح بما في أعماق النفس والوجدان من مكنونات وعواطف وأحاسيس.

فدراسة الجانب الشعري في شخصيةٍ ما، هو سعي إلى تقديم إضافة إلى ما كتب عنه، إذ ثمة ثغرة في الدراسات التي تناولت سائر جوانب عطائه، لا تُسَدُّ إلا بالولوج إلى عالمه الداخلي من أقرب الطرق إليه، وهو الشعر، والذي يشكل إحدى أدواته في خطابه الفكري التغييري. وما يزيد في أهمية دراسة السيد محمد حسين فضل الله شاعراً، كونه شاعراً إسلامياً مثل الاتجاه الإسلامي في بيئتين مهمتين من بيئات الشعر العربي الحديث، هما: النجف وجبل عامل، فقد قضى سنوات طفولته وشرخاً من شبابه في النجف، ثم انتقل إلى جبل عامل ليستقر بعدها في بيروت، وما إن استقر في بيروت حتى أصبح بشخصيته الفذة، وحضوره الدائم في الساحة السياسية والفكرية والاجتماعية، قُطب جاذبية تتسع دائرة مريديه والمتأثرين به باطراد.

فما أمداء صورته التي تزوِّدنا بها دراسة سيرته من قرب؟ ما الذي تقدمه نصوصه المطبوعة شاعراً، بعد أن عرفناه داعية إصلاح، رائداً في غير شأنٍ من شؤون عصرنا؟ وإذا كان الشعر يختزل الواقع، تُرى كيف تعامل شاعرنا مع الواقع؟ ومن يكون محمد حسين فضل الله بالنسبة إلى الشعر العربي الإسلامي الحديث؟

ما موقفه من حركة التجديد الشعري التي عايش روّادها في العراق منذ بواكيرها أواخر الأربعينات من القرن الماضي؟ وإذا ما شكّل الاتجاه الإسلامي أحد فضاءات الشعر العربي الحديث، فهل تشكِّل تجربة مفردة في هذا الاتجاه يمكن الاستناد إليها في تحديد ملامح الشعر الذي يلتزم الإسلام؟ أسعفتنا تجربته الشعرية في البرهنة على بطلان الادّعاء بتجرد الشعر الإسلامي من الجودة والجمالية بذريعة غلبة الفكر فيه على الجانب الفني؟

وأخيراً، هل تزوِّدنا نصوص السيد محمد حسين فضل الله الإبداعية بفكرة عن المعيارية الإسلامية لجمالية العملية الشعرية؟ ما مدى نجاح فضل الله في التوفيق والموازنة بين رسالة الشعر، وقواعده الفنية الجمالية؟ الإجابة عن هذه التساؤلات هي هاجس معدّ هذه الدراسة، وهو لا ينكر شغفه بالشاعر موضوع الدراسة منذ مرحلة مبكرة.

جريدة "الوطن العمانية" 19 شعبان 1425 هـ الموافق 4 تشرين الأول- أكتوبر 2004م