المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النكت البذيئة في ثوب فكاهي تقدم ثقافة جنسية خاطئة



سيد مرحوم
09-26-2004, 01:10 PM
النكت البذيئة في ثوب فكاهي تقدم ثقافة جنسية خاطئة

بشار دراغمه GMT 8:30:00 2004 السبت 25 سبتمبر


تحقيق: بشار دراغمه و سعيد ابو معلا


"تكلم حتى أراك"، أصدق مقولة تدل على أن حديث الشخص يضعنا في ثقافته وفكره، بل وحالته النفسية أيضا.
وفي عالم الشباب، عالم المراهقة، المختلف والمتعثر والهائج دوما، نفهمه من كلامه، عباراته وأحلامه وطموحاته، والنكت كأحد مصادر المعرفة التي نتداولها يوميا تقوم بدور يوازي مصادر الثقافة والمعلومات الأخرى، وقد تفوق أكثرها شهرة.
لمراهقون يغزلونها، يتداولونها، يسردون أحداثها بدرامية وبشهية مفتوحة على الضحك، وربما على الحياة، أو هربا منها، ولجوء إليها أيضا، تلك مفارقة يعيشها شبابنا، وتتنوع، وتختلف حسب الموقف، والشخوص، والحالة، والهدف من الضحك، أو محاولة الإضحاك، لكنها تكثر في المواضيع الجنسية بحسب ما تشير إليه مختلف الدراسات العلمية.
مراهقونا يسلكونها طريقا لفهم خاطئ، لم يكن غداتها ذلك الفهم الايجابي والصحيح موجودا عندهم، "لتصول وتجول" بمضامينها في عقول لم تتفتح على الحقيقة، أو على العلم والمعرفة الصحيحة.
لتلعب دورا أساسيا في عملية التثقيف الجنسي، لكنه هذه المرة في غير محله، سلبي بكل تأكيد.
يدرك الشاب أو الفتاة، أن هناك تحولا في حياتهما، وفي الوقت نفسه تلتزم العائلة صمتها تجاه هذا التغير، متسلحين بما اعتدنا من أخطاء نكررها تتمثل في أيقونتا العيب والحرام (التابو)، ليتلقف هؤلاء المراهقون النكت البذيئة، التي تكون في مجملها أداة سهلة تصطادهم، وتلقنهم غالبا ما عجز الأهل عن تزويدهم به خطأ، وتشويها، ومغالطة، نرفضه جميعا، عندما كان صمتنا أقوى من ضحكاتهم وحاجاتهم.
لكن هل يعي الآباء الذين يتعاملون مع أبنائهم على محددات العيب والحرام في مواضيع الثقافة الجنسية أن في أفواه أبنائهم "جمرة نار"، قد تحرق مستقبلهم وعقولهم؟
ورب الأسرة الذي يعمل حارسا على ابنه من مشاهدة "فيلم إباحي" أو اقتناء "مجلة جنسية" هل يمكنه أن يقف قفلا على لسان ابنه أو أقرانه ليمنعهم من صياغة نكت بذيئة؟


بداية وتقديم

كما هو معروف، أن النكتة سواء أكانت سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو دينيه، وحتى جنسية بذيئة فهي ليست مجرد كلمات، بل هي أحاسيس صادقه تعبر عن ظروف الإنسان وحالته النفسية، وبالتالي يجب أن لا نغفل أن هذه الحالة النفسية هي نتيجة عوامل كثيرة تتداخل مع بعضها البعض، لينعكس، هذا كله، على الحالة النفسية للفرد أو لفئة معينه من فئات المجتمع.
وعن تأثير النكت على حياة الإنسان وقوتها يقول عالم الاجتماع عصام فوزي: " لقد كانت للرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر وحدة في المخابرات مسئولة عن رصد النكات، لأنه أدرك أن النكتة تمثل ما يفكر فيه الناس".
وبعيدا عن السياسة، فما من شك أن نسبة عالية من المراهقين والمراهقات يتداولون النكت البذيئة أو "الجنسية"، دون أن يكون لديهم أي تصور سليم حول مختلف القضايا المتعلقة حولها.
فالنكت في مجتمع كالذي ننتمي إليه تلعب دور الحاضن لنفسياتنا، فهي تقوم بدور الكرة التي يتلقفها الجميع لاكثر من سبب وغاية، وهي بذلك تنتشر كـ"النار في الهشيم" بين شبابنا وشاباتنا على حد سواء، في عملية بحث وركض خلفها، لمحاولة صد أو تمثيل سلم اهتماماتهم
.
النكت كاريكاتير لا ترسم

ويوضح رسم كاريكاتيري نشرته مؤخرا إحدى المجلات، شابا يطلب من والد فتاة الزواج بها،
وعلى مثل هذا التقليد يتضمن دائما الاتفاق على مهر الزواج. ويقول الشاب في الرسم: "ممكن أدفع نصف المهر وآخذها خميس وجمعة؟".
وإن كانت مثل هذه النكتة استطاعت ريشة فنان من محاضرتها وعكسها بألوانه، فهناك الآلاف من النكت لا يمكن الإمساك بزمامها لطبيعتها التي لا يمكننا أن نضع نماذج منها، رغم انتشارها الكبير بين شرائح المجتمع المختلفة.
وضاح عواد، طالب في المرحلة الثانوية، وممن يتداولون النكت البذيئة في جلساته مع أصدقائه ويقول: "نحن مغرمون بهذه النكات، وكثيرا ما تكون حديث لنا في المدرسة، وفي المقاهي، وعلى الحواجز، وحتى على الطرق الالتفافية، وفي الجلسات الشبابية الليلة نبتكر النكات على اختلافها وخاصة النكت الجنسية".
ويضيف عواد: "لقد كانت هذه النكت بمثابة مصدر معرفتي الأولى حول الأمور الجنسية، في البداية كنت أسمعها ولا أفهم معزاها، واليوم أصبحت أداة للفكاهة، والمعرفة".
أما كوثر، الطالبة في الصف العاشر الأساسي، فتقول عن الدور الذي تلعبه النكت الهابطة في صياغة وعيها فتقول: "شخصيا استمع لبعضها من بعض الصديقات، وهي يمكن تقسيمها لقسمين، الأول يمكن أن يعتبر أداة قد تعوض عن النقص في المعرفة حول القضايا الجنسية، والثاني يعتبر مسيئا للكثير من المفاهيم والعادات الصحيحة، وقد "تخمر" وعي من خلال مطالعتي حول الموضوع، لرغبتي في المعرفة التي تشكل أساسا في الحياة".
سامي ابو زيتون، مراهق يبلغ من العمر 16 عاما، كاشفنا بحقيقة المعلومات التي يعيها عن الثقافة الجنسية التي يصفها بأنها من "تعب جبينه"، لم يكن الفضل في معرفتها لا لأهلة ولا لدورات أو دروس أو منهاج مدرسي.

ويضيف أبو زيتون: "أسمعها يوميا، في البداية كان اخوتي الكبار يلقونها على مسمعي، وكنت أضحك دون أن أفهم مغزاها، وبعد فترة أدركت السر في نكهة الضحك التي تنعشهم جميعا، وهي تعتبر بمثابة تفتحي الأول على عالم لم أعهد معرفته في السابق".


نتائج مقلقة

وعلى هامش التقرير، كان لا بد من استطلاع توجهات الأهالي حول ظاهرة النكت، ودروهم في تعزيزها، وتعاملهم مع أبنائهم في القضايا ذات العلاقة مع المواضيع الجنسية، وبعد تحليل استبانة خاصة قمنا بتوزيعها لغرض معرفة دقيقة حول الظاهرة تبين أن 16% يصارحون أبنائهم حول قضايا تطورهم الجسماني، في حين بلغت نسبة الأمهات اللواتي يصارحن بناتهن 20% من العينة المستطلعة.
وأظهرت النتائج أن ما نسبته 32% يسردون النكت البذيئة أمام أبنائهم الذكور منهم 60% دون وعي ان أبنائهم يجاوروهم، و40% بوعي، فيما بلغت نسبة النساء حول نفس السؤال 11%، فيما يتعلق ببناتهن، منهن 37% دون وعي لمجاور بناتهن لهن، و63% بوعي.
وفيما يتعلق بسؤال حول نسبة الرجال الذين يعلمون أن أبنائهم يتكلمون نكتا هابطة فقد تبين أن 54% يعلمون بذلك، و20% متشككون في ذلك، و36% لا يعلمون، أما الامهات فقد جاءت النسبة عن نفس السؤال 23% يعلمن بذلك، والنسبة نفسها متشككات، و64% لا يعلمن بذلك، وحول سؤال الاباء عن قيامهم بنصح أبنائهم لعدم ترديد مثل هكذا نكت بلغت نسبة من يقومون بذلك 41%، و59% لا يقومون بذلك، أما نسبة الأمهات حول السؤال نفسه 18% يقمن بذلك، 82% لا يقمن بذلك.
وتشير النتائج السابقة إلى سلبية تعامل الأباء والأمهات مع القضايا المطروحة، وهي بمجملها ضرورية في توعية المراهقين حول قضايا الثقافة الجنسية، لتشق النكت طريقها الممهد بالسرية إلى عالمهم.


تفريغ مشاعر

الفتاة شادن، وهي طالبة جامعية، وتدرس علم النفس، تشير إلى أنها ترفض سماع النكت البذيئة، كما إنها لا تخفي، وبصوره عامه، أنه عندما تقال تكون بدافع الرغبة بالشعور باللذة.
وتتابع: "تلعب النكت البذيئة دورا في تمكين الفرد ساردها وسامعها من أن يفرغ مشاعر جنسيه معينه لا يقدر على تفريغها بالطريقة العادية، وقد تكون نتاج فراغ في نفسية الأشخاص، أو في حياتهم حول قضايا تحمل ذات الموضوع".
مصادر أولية...وواقع مغايير

طقوس النكت تؤثر علينا كثيرا، سواء من حيث كونها نكته أولا تجعلنا نضحك من قلوبنا، وثانيا من خلال قدرتها على الإقناع والمبالغة والتهويل، فهي تتعمق في نفوس المراهقين الذين يعونها في أول سني مراهقتهم كمصادر قليلة يمكن أن يتعاملوا معها في سبيل تخفيف ضغط أسئلة نموهم، ودخولهم في فترة جديدة لها مكنوناتها وطرق التعامل فيها.
وشادن ترى في هكذا نكت بأنها تخلق واقعا أخر، وربما مغايرا، وتجعله أقوى بوعي الأفراد من الواقع الحقيقي.

لكنها توافق مع الرأي الذي يقول أن هكذا نكت ضرورية في حالة واحدة مثل: أن تنتج عن عوامل ثانيه غير الكبت، كما في المجتمعات الغربية، وتشير إلى ضرورتها لأنها تمكن الأفراد من ممارسة لذاتهم دون مضايقة "للنظام الاجتماعي".

"تعتبر أليه اجتماعيه للتعامل مع الكبت للتخفيف من حدته، ناجحة، لكن كونها مصدرا للثقافة الجنسية للمراهقين فهي سلبية، لأنها جزء من نظرة المجتمع السلبية للجنس، أو لأجسادنا" أوضحت شادن.

أبو زنظ: درامية وملفتة ومثيرة وتحمل قيما سلبية

المحاضر في جامعة النجاح الوطنية، ورئيس قسم علم الاجتماع الدكتور ماهر أبو زنط، يرى في النكت على اختلافها لاعبا أساسيا في تكوين ثقافة المراهق، والمجتمع بشكل عام، فهي تحمل الكثير من القيم، السلبية أو الايجابية، وبالتالي تقوم بدور كبير ومحوري كأي وسيلة تربوية في حياة المراهق.
وحول النكت البذيئة التي تركز على القضايا الجنسية يقول ابو زنط: تؤثر على التنشئة الاجتماعية وتربية المراهق وثقافته، وتساعد على تكوين شخصيته، وغالبا ما يلجأ إليها في سبيل إشباع رغبات وحاجات ضرورية، لكنها في الغالب تعلم وسائل سلبية غير ايجابية فيما يتعلق بمواضيعها المختلفة سواء حول المرأة والرجل والجنس وطبيعة العلاقة بينهما.
ويتابع أبو زنط: الشاب بتعامله معها يبدو أميل للهزل والمسخرة، وأبعد عن التصرفات السليمة تجاه قضايا معينة، كما تعزز قيما، وتضعف أخرى داخل الأسرة وخارجها، فالشاب الذي يتعامل معها بشكل يومي يصبح يتكلم بلغتها، وينقلها لغيره، ويعود للأسرة بها.
ويشير ابو زنط إلى أن النكت البذيئة أو الجنسية تبعد المراهق أو الشاب عن الحياة الايجابية، فالنكت تعتمد عند تأليفها على المبالغة، وتقدم أدوارا لأبطالها تختلف عن الحقيقة، وهي باحتوائها على لغة غير سليمة، وسلوك غير مشروع كالإباحية الجنسية، والخروج عن العادات والتقاليد سواء بالأحداث التي ترسمها، أو الأفعال والمواقف المضحكة التي تكون بدرامية مثيرة وملفتة تقود إلى سلسة تأثيرات مختلفة، تختلف باختلاف التربية.


مرتع خصب للجنس

وعن مدى انتشار النكت السلبية في مجتمعنا، وخاصة بين فئات المراهقين من كلى الجنسين لا يخفي أبو زنط هذا الانتشار المزعج، والسريع، حيث تتناقل النكت البذيئة تماما كالإشاعة، بفعل وجود رغبة لدى المراهق لتداولها، ضمن قولة "كل ممنوع مرغوب"، وتحديدا بين الفئة العمرية من سن 13_20 عاما، حيث يكون لدى الشاب رغبة عارمة تدفعه للمعرفة، والتغيير، والسخرية، والتخلص من الضغط، واكتشاف الغامض من جسده.
فالنكت تجد في موضوع الجنس والمواقف التي تتمم العملية الجنسية مرتعا خصبا لها، وبما أنها تنتشر بين فئة الشبان فهي تلعب دورا حاسما في صياغة وعي سلبي تراكم تعاملنا معه ضمن ثقافة العيب والحرام، حيث يصفها أبو زنط قائلا: "هي تماما كالمجلات الجنسية، لكن بفارق بسيط أن الأب قد يمنع ابنه من اقتناء مجلة جنسية أو حضور فيلم إباحي لكنه لا يمكنه أن يقف حارسا على فمه وأصحابه، فإذا لم يرافق هذه النكت فهما واضحا وشرحا مفصلا وصحيحا مبنيا على أساس علمي سيكون لهذه النكت الأثر السلبي والخطير".
ويؤكد أبو زنط أن النكت السلبية والترف في التعامل معها وسردها في مواقف حياتنا جميعها تترك أضرارا كثيرة في حياة مراهقينا، مثل عدم تقديسة للحياة الزوجية، أو للجنس، واستخفافه في الثقافة الجنسية التي تعتبر أساسا في الحياة، وهي التي يبنى عليها مستقبل العلاقة الجندرية.
ويتابع: "تقوم النكت بتصوير العملية الجنسية، في أحيان كثيرة بطريقة شاذة للغاية، وقد تتعرض للدين، وتتهجم على كل الرموز والمقدسات في حياتنا، وكل هذا يكون بشكل يثير شهوانيه المراهق وغرائزه وفطرته التي جبل عليها، وهذا يقود للتأثير على الثقافة التي تصوغ شخصية الفرد، وتصرفاته.
وتعتمد النكت على ألفاظ سوقية مصدرها الشارع، وهو الذي يلعب دور البطل في استقطاب الشبان المراهقين، وبالتالي تكون المعلومات الجنسية محشوة في نكت يغلب عليها "شارعية التكوين"، غير قائمة على حقائق علمية أو صحية، ومكدسة بالمفاهيم والقيم والعادات الخاطئة.
وعن أسباب إقبال الشباب عليها يوضح ابو زنط السر في ذلك قائلا: "غرابة النكت، وحب الاستطلاع لدى المراهق، وعدم المعرفة، والرغبة في الضحك والترويح عن النفس، كلها عوامل مساعدة في ترويج مثل هكذا النكت".
وتلعب المرأة دور البطل السلبي في هذه النكت، وهذا يقود على تكريس صور نمطية مشوهة للمرأة، حيث يرى أبو زنط إلى أن استخدام المرأة بصورتها السلبية في النكت البذيئة لا يكون عاملا مساعدا في الحياة، فكما أن الإعلانات تقدم المرأة بشكل سلعة من اجل الترويج للسلعة نرى أن النكت تقدم المرأة كشيء سلبي و"حقير" بهدف الإضحاك.


خيال خصب ومبالغ فيه

ويرى الباحث الاجتماعي احمد ابو الهيجا، أن هناك خللا في المفاهيم الجنسية بين الإباء وأبنائهم، وهذا يقود لفشل في العلاقة السليمة التي يفترض قيامها، وتتكشف العلاقة ومدى فشلها في مواضيع الثقافة الجنسية، وقضايا الصحة الإنجابية.
فالأهل يشعرون أبنائهم أن هذه القضايا وتناولها عيب، لكن حقيقة الأمر تتمثل في أن باب الاستفسار مفتوح بين طرفي العلاقة.
ويتابع ابو الهيجا قائلا: "مشكلة عدم وجود مثل هذه الصراحة أو العلاقة يقود إلى كبت القضايا التي لا يوجد أي مانع شرعي أو أخلاقي للولوج فيها، وهذا الكبت يفرغ بأساليب غير مشروعة تكون النكت احدها".
النكت عبارة عن خيال، وتعبر عما يدور في عقل أو خيال المراهق، وهي بمثابة صورة ترسم في ذهنه، تخرج على شكل نكته نتيجة المبالغة في هذا الخيال أو الصورة، والمراهقة في حال لم ترشد ولم يتم التعامل معها بأسلوب علمي تتحول إلى شذوذ، والنكت تدخل في كثير من مضامينها بنوع من الشذوذ سواء في الأفكار التي تطرحها أو في الأطراف التي تكونها.
ويؤكد ابو الهيجا على أن النكت البذيئة تظهر في جميع المجتمعات، وهذا يعتمد على طبيعة العلاقة القائمة بين الجندر، ومستوى الحريات في الدولة، وطبيعة الحياة في المجتمع.


واقع يضاعف "تفريخها"

ويرى رياض عودة، الطالب في جامعة القدس المفتوحة، أن لواقعنا الفلسطيني الدور الكبير لانتشار النكت و"تفريخها" على السنة المراهقين والشبان.
ويقول عودة: "طبيعة الحياة الصعبة التي يعيشها الفلسطيني تفرض عليه الحاجة إلى جو المرح والفكاهة، فهي تنتشل المواطن من كدره، وملله، وإحباطه، وفي الغالب تكون، على اختلافها، مكانا خصبا للقيام بهذا الدور، وتحديدا لدى المراهق الذي يعاني من غياب الكثير من وسائل الترفية كالمسرح، والأندية، والمكتبات، وممارسة الفن، إلى أن تصبح النكتة وسيلة رخيصة للقيام بذلك التفريغ الذي يبدو في ظاهرة الفائدة، لكن باطنه يحوي الضرر في مجمله".


حلول عملية

وعن حل هذه المشكلة يقول الدكتور ماهر أبو زنط بعد اعترافه بحقيقة مزعجة تتمثل بتفشيها بين الأهل سواء أكانوا أباء، أو أمهات، أو أخوة كبار، فهذا يعمل على مضاعفتها، ويجعل من اقتلاعها مهمة صعبة على المربين، فيقول: "على الأب أن يقوم بالدور المحوري في عملية إبراز سلبيات النكت ليحث ابنه على رفضها، وكذلك تلعب المدرسة والجامعة دورا جوهريا في ذلك من خلال محاضرات التثقيف والتوعيه، وتقديم البديل الترفيهي لذلك".
ويرى ابو زنط ضرورة العمل على إيجاد البديل في مواضيع كهذه، وهي بحاجة للإبداع في مواضيعها، وهو لا يعارض مثلا أن يكون هناك نكتا تعالج بطريقة صحيحة وعلمية قضايا الثقافة الجنسية على اعتبار أنها من طرق التثقيف اللاشعورية.
ينهى ابو زنط حديثة قائلا: "هناك حاجة مشروعة للضحك، فهو وسيلة رائعة في التخفيف من أعباء الحياة وكدرها، والإسلام في ضوء المسموح به يشجع الترفيه والإضحاك، وطالما نسير على قاعدة مضمونها "لا حياء في الدين" فأن النكت الصحيحة يمكن أن تلعب دورا مركزيا في عملية صياغة الوعي الايجابي.


قفلة علها تحمل عبرة

النكتة إن كانت تختلف في طريقة سردها وموضوعها، ومدى الفائدة منها من مكان إلى آخر ومن زمن إلى أخر إلا أنها ستظل تعبر وبكل صدق عن حاله الفرد من فرح، وحزن، وسعادة، وألم، وخوف، فهي مرآة عاكسة للنفس البشرية.
وهنا صديقي المراهق، أو الشاب، إن كنت ممن يروق لك ذلك اللفظ الذي يحمل قيما متعبة وجميلة معا، لن أستطيع منعك من الضحك عند سماعك لنكته بذيئة، أو أن أقول لك أن فكاهتك التي تنبعث من نكتك سيئة، فهذا لا يكفي، فأنت لن تضع القطن في أذنيك لتقاوم رغبات حياتك في مجتمع يقمعك في الغالب، ولكن رجائي واحد، هو أن تحاول فهم ما بداخل سطور تلك النكتة. فالجاحظ يحشدنا في نهاية تقريرنا خلف عبرة علينا أن نتسلح بها لتكمل حياتنا "نكسب من الهزل أضعاف ما نكسبه من الجد"، لكن بطريقتنا الحالية يعتبر هذا الكلام عبثا، وعبئا على من يؤمنون به.
وهذه ليست دعوة إلى البذخ في الترف، فنحن فعلا نعيش حالة ترف في مجال ما نسرد من نكت، بل هي دعوة للتعامل بإيجابية مع واقعنا، وليعي أباءنا أن أبناءهم يكبرون شاؤا أم أبوا، فلا يعقل أن نمنعهم من معرفة حقائق يشترك الجميع بضرورتها طالما ندرك أنهم ومن خلال طرق أخرى يكرسون المغلوط منها.
هذه مفارقة صعبة، كعقولنا، ونهاية، صدق من قال، مع رغبتنا أن لا ينطبق هذا المثل على حالتنا مستقبلا، أن "شر البلية ما يضحك".