المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأثير المكان في الصحة



سيد مرحوم
09-21-2004, 11:30 AM
تأثير المكان في الصحة

د. ياسر عباس محجوب



كيف استطاع الناس منذ آلاف السنين الانتباه الى وجود مناطق ذات تأثير سلبي واضح في صحة ونشاط من يسكن فيها، ومناطق أخرى ذات تأثير “ايجابي” يمكن أن يحيى فيها الإنسان ويكون خلاقا ومبدعا؟ ولماذا كان الأطباء قديما يختارون بدقة أنسب الأماكن لبناء مستشفياتهم؟ ولماذا يرتبط ظهور أمراض معينة دون سواها مقتصرا على مناطق محددة على سطح الكرة الأرضية؟ ولماذا تكثر حوادث الطرق في مناطق معروفة من العالم حتى في وضح النهار مسببة الإعاقة والمعاناة لدى الكثيرين؟

تكمن الإجابة ببساطة في انه حتى المكان يلعب دورا مهما في التأثير في صحة الناس بشكل مباشر، سواء اكان ذلك التأثير سلبا أم ايجابا.

فالمناطق السلبية الضارة هي عبارة عن مناطق موجودة فوق سطح الأرض، تتميز بتأثيرها السلبي في صحة الإنسان والكائنات المختلفة ومن ضمن هذه المناطق يمكن ذكر تلك الأماكن التي تحدث فيها تصدعات، وانشقاقات، بصورة متكررة، دون ان تكون هنالك اسباب مادية واضحة تفسر لنا لماذا تحدث هذه الظواهر؟ إن السواد الأعظم من الناس لا يشعرون بوجود هذه المناطق (ظهورها أو وجودها). ولكن الناس الذين لديهم طاقة حسية عالية ( xtra-sense) ) فانهم يشعرون بالتأثير السلبي لهذه المناطق، والتي يميزها أيضا أن الإشعاعات الضارة فيها تؤثر في الناس يشكل واضح، ويكون عادة تركيزها عالياً في تلك المناطق. ومن ناحية أخرى، لقد كان تطور الحضارة، والاستخدام الكثيف للتقنيات المختلفة سببا في ظهور مثل هذه المناطق وهي ليست فقط في مناطق الصناعات المختلفة أو في مناطق النفايات ذات التأثير الضار في صحة الناس والبيئة المحيطة،، ولكن يمكن أن توجد في مناطق أو مساحات صغيرة، وحتى على مستوى الأبنية التي نسكن فيها، او نعمل بها ( المكتب، المصنع، المطعم، المدرسة.. الخ).



مكمن الخطر



ان شكل وتصميم الأبنية لها تأثير مباشر في صحة الإنسان. وبالأخص إذا كانت موجودة في نطاق المناطق ذات التأثير السلبي الضار، المتكونة بتأثير العوامل البيئية، أو تلك التي يوجدها الإنسان بنشاطاته الصناعية المختلفة. من هنا يمكن الحديث عن التأثير المباشر لهذه المناطق في الوضع النفسي والصحي العام بالنسبة للإنسان. ان الخطر الحقيقي يكمن في أننا نقضي معظم فترات حياتنا في مساحات ضيقة، ومحدودة، ولا ندري كيف تؤثر في وضعنا الصحي العام.

لقد أجريت العديد من التجارب والأبحاث التي تؤكد تأثير “المناطق السلبية” ومقدرتها على إحداث التغييرات في تركيبة الجهاز العصبي المركزي وتقلل وتحدث خللا في عدد خفقان القلب وتغييراً في التركيبة المورفولوجية لمكونات الدم والغدد الصم وكما تدمر أنسجة المخ، وقد اكدت الكثير من الدراسات الطبية على تأثر الكثير من اجهزة الجسم وتفاعلها المباشر مع طبيعة المكان الذي نسكن ونعمل فيه وخصوصا الجهاز العصبي، والتنفسي، والسمعي، ولم يعد خافيا بأن المناطق التي تتميز بالضوضاء العالية يكون معظم الذين يسكنون فيها عرضة للاصابة بمشاكل ضغط الدم، ومشاكل في الأجهزة السمعية، وحتى اضطرابات في عمليات الهضم (السكن بالقرب من المطارات). اما السكن في المناطق التي تتميز بالتلوث الهوائي العالي (المدن الكبرى) فمن يسكنوها هم عرضة للإصابة بمشاكل في الجهاز التنفسي والأجهزة التناسلية كنتيجة مباشرة لتسرب المواد السامة الى داخل الجسم مما يؤدي الى ارباك وظائفه وبالتالي ظهور الأمراض المختلفة.

ولعل من أخطر الأشياء هو اننا في كثير من الأحيان نبني أماكن الراحة، والعمل، وأماكن لعب الأطفال، في هذه “الأماكن السلبية الخطرة”. وفي دراسة أجرتها الباحثة النمساوية المعروفة ك. بخلار حيث قامت برصد (3000) بناية، في 14 دولة، وقامت بتوجيه الأسئلة الى 11 ألف شخص، ووصلت إلى حقيقة مفادها ان نجاح الأطفال في التحصيل والتفوق يعتمد إلى حد بعيد على الأماكن التي يجلسون فيها أثناء الدروس، وأثبتت أنه في 482 حالة سرطان من 500 حالة كان السبب فيها يرجع إلى وجود هؤلاء المرضى لفترات طويلة في ظل هذه “المناطق السلبية” وتنادي الباحثة بخلار الأباء والأمهات بالانتباه وملاحظة الأماكن التي ينام فيها أطفالهم وبالأخص إذا كانوا قليلي النوم وكثيري المرض. يجب التوضيح هنا إلى أن تأثير هذه “المناطق السلبية” بإشعاعاتها، يختلف عن تأثير المجالات أو الإشعاعات والذرية، والتي يمكن أن تؤثر في مساحات واسعة من الأرض. بينما المناطق ذات التأثير السلبي عادة تؤثر في مساحات صغيرة وضيقة وعليه فإن مجرد تحويلنا للأماكن التي ننام بها، أو تعمل فيها، يمكن أن يكون كافيا تماما لحمايتنا وبالأخص إذا كنا نشعر بتأثير المكان سلبا في صحتنا ومزاجنا. ومما يجدر لفت النظر اليه الى أن الجلوس أو النوم بالقرب من أركان الغرف ضار بالصحة، وذلك لان تركيز المجالات ذات التركيز السلبي على صحة الإنسان يكون عاليا جدا كلما اقتربنا من الأركان. وقد قمنا بتجربة فريدة من نوعها في داخل الدولة (الامارات)، وقد اعتمدت التجربة على استخدام اجهزة خاصة بتسجيل الذبذبات الأرضية في مناطق مختلفة من الغرف والمكاتب، ووجدنا بأنه كلما اقتربنا من الاركان فان تركيز الذبذبات السلبية فيها يزيد لدرجة انه يمكن سماع اصواتها بشكل واضح، وكلما ابتعدنا من الأركان نحو وسط الغرف فان اصوات هذه الذبذبات يبدأ تدريجيا في التلاشي حتى الاختفاء.

وتظهر هذه التجربة بجلاء بأن المكان، وحتى شكله الهندسي يلعبان دورا مهما في التأثير في صحة الانسان بشكل مباشر. فالمكان بمفهومه الشمولي هو مصير الانسان، وصحته، وعافيته، وقدرته على الابداع، وخصوصا اذا كان هذا المكان مرتبطا بمكان السكن والعمل والدراسة.