المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار الحكومة والمعارضة في البحرين...........د. عبدالخالق عبدالله



سيد مرحوم
09-14-2004, 10:30 AM
حوار الحكومة والمعارضة في البحرين...........د. عبدالخالق عبدالله


جريدة الخليج


جمعية العمل الوطني الديمقراطي في البحرين هي أول جمعية سياسية في دول مجلس التعاون الخليجي يتم التصريح لها رسمياً بالعمل بشكل علني. والجمعية التي احتفلت خلال الأسبوع الماضي بافتتاح مقرها الدائم والجديد وسط حضور خليجي وعربي مهم، هي أيضاً واحدة من تسع جمعيات في البحرين تعرف بالجمعيات السياسية والتي تتعامل معها الحكومة كأحزاب سياسية. جمعية العمل الوطني الديمقراطي هي أيضاً واحدة من الجمعيات التي تعرف بالجمعيات المقاطعة والتي دخلت في حوار وطني موسع مع الحكومة من أجل التحضير للانتخابات التشريعية عام 2006. الحوار الذي بدأ يوم السبت الموافق 11 سبتمبر، وسط تشاؤم المعارضة من هذا التاريخ، يتوقع ان يتوصل الى اتفاق تنهي بموجبه الجمعيات المقاطعة مقاطعتها للانتخابات القادمة مقابل الحصول على تنازلات دستورية تقدمها الحكومة في اتجاه زيادة صلاحيات واختصاصات وسلطات المجلس الوطني المنتخب.

احتفالات جمعية العمل الوطني الديمقراطي الأسبوع الماضي، وبدء الحوار الوطني خلال هذا الأسبوع، تؤكد مجدداً نضوج المسيرة الديمقراطية في البحرين التي تسير بأسرع من بقية دول مجلس التعاون في مجال الإصلاح السياسي والانفتاح الديمقراطي. المسيرة الديمقراطية في البحرين، ورغم كل المحبطات والمنغصات والمساومات والتحفظات، وهي كثيرة، تتقدم عموماً الى الأمام وفي الاتجاه الصحيح والخط البياني للإصلاح السياسي في تصاعد مستمر.

في أقل من ثلاث سنوات تطورت البحرين ديمقراطياً ونضجت الحكومة والمعارضة سياسياً. والنتيجة ان الحكومة أكثر اطمئناناً والمجتمع أكثر استقراراً والفرد أكثر أمناً والمعارضة أكثر نشاطاً والبحرين ككل أكثر ارتياحاً من وضعها الديمقراطي أمام العالم الخارجي الذي يلاحظ من بعد الانفتاح الديمقراطي. لقد أصبحت البحرين مهيأة الآن للدخول الى قائمة الدول شبه الحرة بعد ان بقيت خلال العقود الثلاثة الماضية ضمن قائمة الدول غير الحرة في العالم. قائمة الدول شبه الحرة تضم دولة خليجية واحدة فقط هي الكويت. لكن مع استمرار الإصلاح السياسي والإصرار على الانفتاح الديمقراطي ونجاح الحوار الوطني ستكون البحرين الدولة الخليجية الثانية المرشحة بشدة للانضمام الى هذه القائمة في التقرير السنوي القادم لبيت الحرية الذي يقيس الحريات في العالم. بل ان البحرين ربما كانت مهيأة أكثر من الكويت للانضمام الى قائمة الدول الحرة خلال السنوات الخمس القادمة لتصبح بذلك أول دولة عربية وخليجية تدخل الى هذه القائمة التي تضم 46 دولة ليس بينها دولة عربية أو خليجية واحدة.

تقرير بيت الحرية سيعكس بالضرورة تقدم البحرين الى المركز ال40 عالمياً في تقرير التنمية البشرية 2004 والذي صدر خلال شهر يوليو/تموز. جاءت البحرين متقدمة على كافة دول مجلس التعاون، بما في ذلك الكويت وقطر والامارات. الإصلاح الديمقراطي هو السبب الرئيسي لتقدم البحرين في تقرير التنمية البشرية الذي أصبح يركز الآن على المؤشرات السياسية كاحترام حقوق الانسان والالتزام بالحريات السياسية والمدنية ومشاركة المرأة بقدر تركيزه التقليدي على المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية كمعدل دخل الفرد ومعدل عمر الفرد ونسبة التعليم في المجتمع. التقرير الاستراتيجي الخليجي 2003-2004 الصادر عن مركز الخليج للدراسات أيضاً يؤكد تفوق البحرين في مجال المؤشرات السياسية وخاصة من حيث تأسيس أكبر عدد من الجمعيات والنقابات الذي بلغ أكثر من 400 جمعية وإصدار أكبر عدد من التشريعات الداعمة للحريات والسماح لأكبر عدد من المسيرات والمظاهرات السلمية وصدور أكبر عدد من الأحكام القضائية المؤكدة لحقوق الانسان والزيادة الملحوظة في مشاركة المرأة في الحياة العامة. في كل مجال من هذه المجالات جاءت البحرين في المرتبة الأولى خليجياً وتفوقت على بقية دول مجلس التعاون بما في ذلك الكويت خلال عام 2003.

لكن رغم ان كافة المؤشرات مشجعة وتؤكد ان البحرين تجاوزت الركود الديمقراطي السائد خليجياً، فإن المعارضة البحرينية مستاءة كل الاستياء ومتشككة كل التشكك ومتشائمة كل التشاؤم تجاه التحول الديمقراطي. فالمعارضة لا ترى ما تراه الحكومة والعالم الخارجي من تقدم، بل تعتقد ان المسيرة الديمقراطية تعثرت وتراجعت تراجعاً كبيراً والشعب في البحرين يستحق “العزاء على تراجع الإصلاح السياسي وليس التهنئة على تقدم الإصلاح”. فالإصلاح الذي تروج له الحكومة في وسائل الإعلام على نطاق واسع هو في أحسن الأحوال “إصلاح في المظهر دون الجوهر وفي الشكل دون المضمون بل صاحبه تراجع خطير في الحقوق الدستورية والقانونية”. الحكومة من وجهة نظر المعارضة “تحايلت على الإصلاح وأفرغته من محتواه وتراجعت عما تعهدت به في الميثاق الوطني”. الانفتاح الديمقراطي وفق خطاب المعارضة لم يتقدم الى الأمام، كما تدعي الحكومة بل تراجع الى الخلف وحقق هدف امتصاص الغضب الشعبي وجلب رضا الخارج على حساب الداخل.

أدبيات المعارضة البحرينية تركز بشكل خاص على القضية الدستورية التي هي جوهر الصراع السياسي في المجتمع والبند الأول في جدول الحوار الوطني. تقول المعارضة ان “التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2002 على دستور 1973 هي تعديلات غير دستورية”. فوفق الدستور الجديد لا يتمتع المجلس الوطني بنفس الصلاحيات التشريعية والرقابية الواردة في دستور 1973. كما ان دستور 2002 جعل الملك مصدر كل السلطات في الوقت الذي حدد دستور 1973 ان الشعب هو المصدر الأول لجميع التشريعات. دستور 2002 يعطي الملك سلطات واسعة في الوقت الذي يقلص صلاحيات نواب الشعب في المجلس المنتخب. المعارضة تعتقد عن حق ان هذا الوضع المختل يشكل تراجعاً دستورياً لا يمكن القبول به أو الاستمرار فيه. لقد بدأت الحكومة تدرك بل وتعترف ضمناً بالقصور الدستوري وتسعى لإيجاد مخرج دستوري وحل توافقي من خلال الحوار الوطني الذي بدأ هذا الاسبوع.

لا شك ان الحوار الذي بدأ في البحرين هو خطوة الى الأمام ودليل نضوج سياسي من قبل الحكومة والمعارضة معاً. لا يوجد مخرج للاحتقان السياسي الراهن سوى طاولة المفاوضات. وستكتشف الحكومة والمعارضة ان الديمقراطية تعني على أرض الواقع توطين النفس وتدريبها على تقديم التنازلات الصعبة وتتطلب أكثر ما تتطلب الدخول في مقايضات ومساومات، ومن ثم أخذ أفضل ما يمكن الحصول عليه. المطلوب من الحكومة التي تمتلك العدد الأكبر من الأوراق السياسية التنازل عن بعض من أوراقها. أما المعارضة التي تمتلك أوراقاً مجتمعية مهمة، بما في ذلك القدرة على تحريك الشارع البحريني، فعليها الحصول على المزيد من المكتسبات الوطنية بما في ذلك استعادة روح ونصوص دستور 1973 من خلال المشاركة وليس بالمقاطعة.

لقد بدأ الحوار الوطني في البحرين ومن المهم ان ينجح ليرسخ المكاسب الديمقراطية ويرد على المتشائمين والمتشككين والمزاودين. لكن من الوارد أيضاً ان يتعثر ويفشل هذا الحوار. إذا فشل الحوار لأي سبب من الأسباب، فإن ذلك يعني نهاية ربيع الديمقراطية في البحرين ومن سوء حظ الربيع انه ينتهي بالصيف الذي هو في البحرين فصل حار وشديد الحرارة ومعبأ بالرطوبة الخانقة علاوة على انه أطول فصول السنة.

aabdulla53@email.com