المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وريث الامجاد و جامع الاضداد(منقول)



الدكتور عادل رضا
09-09-2004, 07:21 PM
وريث الأمجاد وجامع الأضداد [1]





بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، نحمده في السراء والضراء وحين البأس، والصلاة والسلام على القادة الميامين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً).

نحن نعيش هذه الأيام الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد علم الفكر والجهاد المرجع الديني العظيم المظلوم آية الله السيد محمد الصدر، رضوان الله تعالى عليه الذي استشهد مع ولديه في فصل جديد من فصول المأساة العاشورائية التي لن تنطفئ جذوتها إلاّ بانتصار المستضعفين على الظالمين.

في محور السيرة الذاتية هناك مفردات بارزة: النشأة، الدراسة، الأساتذة، العطاء الفكري، والمؤلفات، مفردات ذكرت في منهاج الندوة، لا نستطيع أن نغفل ـ ونحن نتحدث عن السيرة الذاتية لهذا العلم المجاهد الكبير ـ دور عاملين:

عامل الوراثة وعامل البيئة، فهذان العاملان يؤثران تأثيرات بليغة في حياة كل واحد منا ولاسيما في حياة القادة الاستثنائيين، الشهيد المظلوم السيد محمد الصدر، هو غصن من الدوحة الصدرية، هذه الدوحة التي اتصل عطاؤها وموّنت الأمة بالزعماء والقادة الدينيين والسياسيين، يقول جدنا الأعلى الإمام السيد حسن الصدر رضوان الله تعالى عليه: «ليس بيني وبين جدي موسى بن جعفر إلاّ مجتهد عادل أو ورع فاضل» وحين تفتش في المواريث يندر أن تجد خطاً بيانياً متصاعداً متواصل الحلقات والأمجاد كهذا الخط الذي يربط الشهيد الصدر بأجداده الطاهرين من الأئمّة الهداة من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم:

من هاشم في ذراها وهي صاعدة***الى السماء تميت الناس بالحسد

قوم أبى الله إلاّ أن تكون لهم***مكارم الدين والدنيا بلا أمد

هو تحديداً نجل آية الله السيد محمد صادق الصدر، الذي هو النجل الثاني للمرحوم آية الله العظمى السيد محمد مهدي الصدر الإبن الاكبر لمرجع عصره الإمام آية الله العظمى السيد اسماعيل الصدر، وكانت إطلالته قصة استثنائية، لقد كان أبواه قد وصلا الى ما يشبه مرحلة اليأس من الإنجاب، فكان أن تشرّفا بأداء فريضة الحج، وحينما عرجا على المدينة المنورة للتشرف بزيارة الرسول «ص» اكثرا من التوسّل برسول الله «ص» في أن يرزقهما الله ولداً صالحاً، بعد هذا المخاض الصعب وبعد هذه المعاناة المرة التي عاشاها، وكانت النتيجة أن رجعا من الحج وفي يوم المولد النبوي الشريف في السابع عشر من ربيع الأول سنة 1362 للهجرة ولد هذا الطاهر ابن الطاهرين، ولذلك اختار له أبوه هذا الإسم، أسماه محمداً، وفي تقديري إنّ الاحاطة بمثل هذه الخلفيات كفيلة بإيجاد الحصانة والضمانة للكثيرين ممن لم يعرفوا حقيقة هذا العملاق، من يتمثل هذه الحقائق ويدركها منذ أن أطلّ على سطح هذا الكوكب يدرك أنّ هناك عناية ربانية رافقت هذا الإنسان العظيم منذ لحظاته الأولى، منذ ولادته رضوان الله تعالى عليه.

فهو إذن يتصاعد في ضمن عمود فريد من الأنساب، وأنا أطلقت عليه هذا الوصف قلت «الشهيد الصدر الثاني وريث الأمجاد وجامع الأضداد»، هذا عن الجانب الوراثي وأمّا عن الجانب البيئي فقد ولد وعاش في كنف جده لأمه شيخ الفقهاء في عصره الإمام آية الله العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين، الذي يعد بحق واحداً من رموز مدرسة أهل البيت لا في جانب الفقاهة والتحقيق فحسب بل في كل الجوانب العرفانية والأخلاقية، الشهيد ولد سنة 1362 هـ، وقد توفي جده سنة 1370 هـ، معنى ذلك أنّه عاش ثمانية أعوام في كنف جده الشيخ آل ياسين. [2]

وعاش في هذا البيت الطاهر وفي كنف ذلك الأب الطاهر الذي ورث منه خصائصه الأخلاقية، العادة في النجف أنه حينما يدخل عالم من العلماء الى اي مجلس من مجالس الفاتحة التي تقام إن كان مجتهداً أو كان إمام جماعة، قارئ القرآن يقول رحم الله من قرأ الفاتحة، في إشارة الى الموجودين في المجلس بأنّ عالماً كبيراً قد دخل المجلس أو أنّ إماماً من أئمة الجماعة قد حلّ بين ظهرانيهم، ويحاول بعض المتنطعين ان يقدموا من الهبات والعطايا لقراء القرآن في النجف ما يحملهم على أن ينوهوا بدخولهم الى المجالس وإن كانوا ليسوا ممن يستحقون ذلك، أمّا آية الله المرحوم السيد محمد صادق الصدر فإنّه كان ينهى وكان يوصي قرّاء القرآن ويقول لهم «أنا لا أريد أحدكم أن ينطق بهذه الكلمات حينما أدخل الى مجلس من المجالس، إنّ ذلك يؤلمني وأنا أكره هذه الحالة، وأنا اتوسل اليكم بأن تتركوا ذلك»، في اشارة واضحة الى طهره وزهده في هذه البهارج، والى أنّه بعيد عن مسرح الأضواء، لذلك مثلاً تجدون أنّ هناك اصراراً شديداً مورس عليه لكي يقبل أن يكون إمام جامعة النجف الدينية، ولعلكم تسمعون هذا لأول مرة أنّ السيد الخوئي رحمه الله حينما اشترى ارضاً وأراد أن يبنيها مدرسة دينية لابدّ له أن يسجل العقار باسم رجل عراقي، سجّل قطعة الارض التي اشتراها وأوقفها فيما بعد لتكون مدرسة دينية باسم آية الله المرحوم السيد محمد صادق الصدر، يعني اختاره من بين كل الموجودين في الحوزة ليسجل هذا العقار الثمين باسمه، هذه مسألة لها دلالتها.

وأذكر أنّي زرت المرحوم السيد الخوئي مرة وكان السيد محمد صادق الصدر حاضراً فبدأ السيد الخوئي بنقل قصة عجيبة ترتبط بمسألة الوراثة والبيئة التي نتحدث عنها الآن، قال: حدّثني المرحوم السيد حيدر الصدر، والسيد حيدر الصدر هو واحد من كبار علمائنا المحققين وهو والد آية الله السيد اسماعيل الصدر ووالد الإمام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، يقول السيد الخوئي قال لي السيد حيدر الصدر رحمة الله عليهم جميعاً، أنا لا أطرد بعوضة إن جاءت تريد ان تمتص دمي مخافة أن تنتقل وتذهب لتمتص دم ولد من أولادي، فالتفت اليه المرحوم السيد محمد صادق الصدر رضوان الله تعالى عليه وقال وأنا كذلك، رغم أنه لا يملك إلاّ ولداً واحداً وهو الشهيد السيد محمد الصدر، لا يطرد بعوضة عن جسمه خشية أن تذهب وتمتص دم ولده فهو يفضل أن يتحمل هذا الأذى ويبعده عن ابنه، في مثل هذا الجو فتح الشهيد المظلوم آية الله السيد محمد الصدر عينيه، يعني في جو مضمخ بالعلم والتقوى وأشذاء العرفان والطهر والقداسة.

مسألة البعد عن البهرجة والأضواء ومسألة كراهية المزايدة الاجتماعية أمر موروث بشكل واضح في أوساط الأسرة، وسجلت أنا هذا في كتابي «أخلاق العلماء» لأنّها قضية ذات دلالة بليغة، جده الأعلى جد الشهيد محمد الصدر الأعلى الإمام السيد اسماعيل الصدر كبير المراجع في عصره سكن فترة من الزمن في كربلاء، وأنتم تعلمون أنّ كربلاء هي مقصد للملايين من المؤمنين من كل انحاء العالم، خاصة فيما يطلق عليه بالزيارات المخصوصة كزيارة عرفة مثلاً أو ليلة النصف من شعبان، وحينما يأتي الزائرون من أماكن عديدة من داخل العراق وخارج العراق، يجدون في أنفسهم شوقاً ورغبة لأن يصلوا على الأقل فرضاً أو فرضين وراء هذا المرجع العظيم الذي يقلدونه، وكان الصحن الحسيني مطوقاً بالمصلين، وكانت الصلاة صلاة المغرب والعشاء، والناس بانتظار السيد اسماعيل الصدر لكي يصلي بهم، لم يأت السيد حتى دبّ الخوف والوجل في نفوس الناس، لاحتمال أن يكون هناك حادث معين تعرض له السيد، فما كان من نجله الأكبر المرحوم السيد محمد مهدي الصدر إلاّ أن ذهب الى دار أبيه وهي قريبة من الصحن الحسيني الشريف ليرى جلية الأمر، حينما ذهب وجد أنّ السيد بكمال الصحة والسلامة والعافية، إذن ما الذي منعك يا سيدنا من المجيء للصلاة بالناس إماماً؟ قال: صعدت الى سطح الدار وحانت مني التفاتة فوجدت أنّ الصحن الحسيني قد امتلأ بالرؤوس وأنا إنسان، خشيت على نفسي أنّي اذا جئت والناس بهذا الحجم وبهذه الكثافة وبهذه الجموع الموجودة في الصحن الشريف خشيت على نفسي أن يتسرب شيء من الغرور أو شيء من العجب الى نفسي فآثرت البقاء هذه الليلة في داري على أن اصلي منفرداً وأترك الصلاة إماماً خشية على هذه الذات من ذرة من ذرات التلوث بعجب أو كبرياء أو غرور أو أنانية، عجيب.

هذه القصة من يقف عليها يعلم لماذا كان يرفض الشهيد السيد محمد الصدر أن يعطي يده لأحد لكي يقبلها، لماذا؟ اقرأوا التعليل، يقول: من يعطي يده للتقبيل، ويرغب بهذا المعنى، ربما يفتح باباً لتضخيم الذات والأنانية والكبرياء في نفسه وبالتالي فإنّ هذا المنفذ الشيطاني سيعرضه الى كثير من الويلات، فكان لا يسمح لأحد بهذا الأمر، ويقول: «اليوم قد ترون أنّ هذا أمر شاذ ـ يعني مرجع من المراجع لا يسمح للمؤمنين الذين يحبونه بتقبيل يده ـ ولكنه يقول: أأمل أنّ هذه النظرة ستكون في قابل الأيام هي القاعدة العامة، يعني يأمل أنّه يصلح الحوزة ويربيها الى الدرجة التي تصل الى هذه القفزة النوعية التي يريدها للحوزة، طبعاً على ذكر تقبيل اليد، الإمام الشهيد الصدر الأول له فتوى متميزة في هذا الباب، يقول: (تقبيل اليد حرام، يستثنى من ذلك إستثناءان، الإستثناء الأول تقبيل يدي الوالدين، والإستثناء الثاني اليد التي يراد بها يد رسول الله «ص»)، حتى هذا السماح الفقهي رفضه الشهيد العظيم السيد الصدر خشية أن يتسرب الى ذاته شيء من أشياء العجب أو الغرور، هذه صفات يندر أن نجدها في الرجال، بالعكس تشهد بعض الحوزات وبعض الأماكن المقدسة أنّ عبيد الدنيا قد يجندون جنوداً يصطفون وراءهم لتقبيل أيديهم أو لرفع عقائرهم بالصلاة على محمّد وآل محمّد إذا دخلوا المجالس، الى كثير من المؤامرات والمواضعات التي يحيط الكثير منكم بها علماً.

وفي سنّ مبكرة تحديداً في الحادية عشرة من عمره أصر ابوه قدس الله نفسه على أن ينخرط في الحوزة العلمية ويضع العمامة فوق مفرقه ويتزيى بزي آبائه وأجداده، إحدى عشرة سنة فقط، وهو من أوائل من جمع بين الدراستين الدراسة الحوزوية والدراسة المنهجية، لأنّه هذه الدورة الشهيرة من دورات كلية الفقه التي أسسها العلم المجاهد آية الله المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر أعلى الله مقامه، هذه الدورة لعلها كانت الدورة الاولى التي تخرج فيها الشيخ الوائلي والمرحوم السيد مصطفى جمال الدين في هذه الدورة نفسها تخرج الشهيد المرحوم السيد محمد الصدر، فجمع بين لونين من الدراسة، الدراسة التي أقرب ما تكون الى الدراسة الأكاديمية المنهجية، ودراسة الحوزة العلمية بمراحلها الثلاث، مرحلة المقدمات ومرحلة السطوح ومرحلة البحث الخارج.

والظاهرة الملفتة أنّ الكثير من العلماء بعد أن يعلو شأنه ويحتل مرتبة مرموقة في العلم وفي المكانة الاجتماعية يأنف أو يرفض أن يسمي اساتذته لأن الفارق بينه وبينهم كبير حينئذ، هذه الظاهرة نجدها بشكل معكوس في شخصية هذا العظيم، نجده يذكر إنساناً ليس من أهل العلم أصلاً، ليس من العلماء أصلاً، يقول: «تأثرت ببعض نظراته العرفانية» عبدالزهراء القرعاوي، ثم يذكر من درّسه الإنجليزية في كلية الفقه ويسمي أبسط اساتذته يعني حتى الذي درسه علم النفس مثلاً أو علم الاجتماع يذكره وجميع الاساتذة الذين درسوه في كلية الفقه ينص عليهم واحداً واحداً، يذكر أنه درس البلاغة عند السيد طالب الرفاعي مثلاً، يعني هذه المسألة بالذات اذا دلت على شيء فانما تدل على الواقعية والموضوعية بدرجة عالية، وتدل على أنه حقيقة زاهد بالرتوش وزاهد بكل هذه العناوين وإلاّ لما ذكرهم، ذكر أشخاصاً هو أشمخ منهم مكانة وأكثر منهم علماً.

ماذا نعني بجامع الأضداد؟ المفردات التي ذكرت في المنهج كنا نريد أن نتحدث عنها ولكن الوقت ضاق عن تغطيتها فنقتصر على هذا المحور الأخير وهو «جامع الأضداد»، نحن قرأنا ما قاله صفي الدين الحلي في امير المؤمنين سلام الله عليه، ماذا قال؟ قال:

جمعت في صفاتك الأضداد***ولهذا عزت لك الأنداد

كيف؟ ما هي هذه الأضداد؟ يذكر جملة من الصفات التي هي صفات متضادة ولكنها اجتمعت في شخصية أمير المؤمنين، أنا أذكر بمقدار ما يسمح به الوقت بعض هذه الصفات، من يجد السيد محمداً الصدر يجد شخصاً وادعاً هادئاً غارقاً في بحر من العرفان، عادة اولئك الذين يغرقون في بحر العرفان يكونون بعيدين عن المجتمع وبعيدين عن الناس، بعيدين عن تعاطي الشؤون الاجتماعية والسياسية فضلاً عن أن تكون لهم القيادة الميدانية للمجتمع وللأمة، عادة هكذا، أنا شهدت المرحوم آية الله السيد محمد صادق الصدر والد الشهيد وهو يلتمس الامام الشهيد الصدر الأول في أن يبذل مساعيه الحميدة لحمل الشهيد السيد محمد الصدر على التقليل من تهجده الليلي «كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون»، والده كان يخشى عليه، إذا كان يقضي الليل بالعبادة ويقضي النهار بالدراسة والتدريس يخشى عليه ان يهلك يخشى عليه أن يموت وهو ليس له إلاّ هذا الولد، الذي يغرق في بحر العرفان عادة لا يحمل مهمات صعبة ولا يمارس أدواراً قيادية تاريخية بهذا الحجم، ولكن هذا الرجل الذي يتراءى اليك أنّك اذا رأيته قد تحكم عليه بأنّه ملك في ثوب إنسان هو الى الروح الملائكية أقرب منه الى الروح البشرية مع ذلك ينهض بما لم ينهض به مرجع من مراجعنا العظام على الإطلاق.

لم يشهد تاريخ المرجعية في العراق أنّ مرجعاً أخذ من قلوب الناس هذا المأخذ أو استطاع ان يحرك الشارع بهذا العمق وبهذا التأثير، طبعاً أنا قرأت في مستهل الحديث هذه الآية المباركة (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً)، الطاغوت والحاسدون والسطحيون الذين لم يستطيعوا ان يتلمسوا أبعاد هذه الخطة العظيمة التي رسمها هذا المرجع العظيم ناهيك عن قوى الكفر والاستكبار التي بقيت تتفرج على ما يجري في العراق ولم تنبس ببت شفة حتى تأكدت من مصرعه ومصرع ولديه، كان بمقدورها أن تفعل الكثير ولكنها بقيت صامتة، بقيت متفرجة وهنا ألفت الأنظار إلى مسألة، بماذا تفسرون قتل الطاغوت للشهيد الصدر مع ولديه الشابين العالمين المجاهدين السيدين مصطفى ومؤمل؟ تأملوا قليلاً، إنّ قتل الشهيد الصدر مع ولديه يكشف عن عمق ما أدخله الشهيد الصدر من رعب على قلب صدام وقلب سلطته فأراد الانتقام، أراد التشفّي من موقع الحقد، وليست هذه هي المرّة الأولى، فهو حينما قتل الامام الشهيد الصدر الأوّل قتل معه شقيقته، رائدة النهضة النسوية في العراق العالمة المظلومة المجاهدة الشهيدة بنت الهدى، وهذه الظاهرة تكررت مع الشهيد الصدر الثاني حينما قتل وضرج معه ولداه بدم الشهادة في منحى ثأري وانتقامي من هذا المرجع العظيم.

ثم المسألة الاخرى العجيبة أنّ الإمام الشهيد الصدر الأول السيد محمد باقر في أوج توهجه وإقبال الأمة عليه كان يبحث عن مقبرة له في النجف، والشهيد الصدر الثاني وهو في أوج تألقه وإمساكه بالزمام القيادي للجماهير وللأمة، كان يوصي أصحابه ويقول لهم «جهّزوا أنفسكم، جهّزوا أكفانكم، اقتربتم من الشهادة» هذا العمل لم يكن لدنيا ولم يكن لذات ولم يكن لجاه عريض ولم يكن لمجد شخصي ولم يكن لمجد أسري، إنّما كان لله وكان من أجل الإسلام، وكان من أجل المستضعفين، وكان من أجل المحرومين، وكان من أجل المظلومين، ولذلك احتل الشهيد الصدر من قلب الجماهير ومن قلب الأمّة هذا البعد:

على الصدر والشبلين منّا تحية***ستبقى ليوم الحشر لاهبة الجمر

وإن بنيه الصيد زمجر عزمهم***لهيباً على الطاغي إلى ساعة النصر

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكم من الأوفياء لدماء الشهداء وأن يجعل النصر والخلاص لشعبنا الممتحن بالجزار والحصار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] نُقلتْ من آلة التسجيل، حيث لم تكن مكتوبة.

[2] حينما توفي الشيخ آل ياسين أرخ وفاته شيخ الخطباء والأدباء الشيخ محمد علي اليعقوبي وقال:

رزية الدين جلت في ابي حسن***وأبنته رجال العلم والدين

أم الكتاب وياسين بكت جزعاً***أرخ لفقد الرضا من آل ياسين