المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عرض كتاب الحج للشهيد الدكتور علي شريعتي بقلم محمد ثابت توفيق



الدكتور عادل رضا
09-03-2004, 12:31 AM
علي شريعتي:
الحج.. صور وتفسيرات أدبية

عرض-محمد ثابت توفيق

--------------------------------------------------------------------------------

وُلد د. علي محمد تقي شريعتي في قرية "مزينان" عام 1933م التابعة لمدينة "مشهد" الإيرانية التي تلقى فيها تعليمه الأولي والثانوي، ثم التحق بكلية الآداب بها عام 1955م، ليُرشح لبعثة لفرنسا عام 1959 لدراسة علم الأديان وعلم الاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع هذا عن تاريخه العلمي، أما حياته فلقد عمل بالتدريس منذ كان عمره 18 عامًا قبل التحاقه بالجامعة، اعتقل مرتين أثناء دراسته بالكلية، ثم بعد عودته من فرنسا، حيث أسس عام 1969م حسينية الإرشاد لتربية الشباب، وعند إغلاقها عام 1973م اعتقل هو ووالده لمدة عام ونصف، خرج بعدها ليجد جميع سُبل الحياة مسدودة أمامه في طهران، فسافر إلى لندن، فلم يبقَ شهرًا حتى اغتيل عام 1977م في ظروف غامضة..

الكتاب..
إن الاهتمام بهذا الكتاب، وبترجمته من الفارسية – لغته الأصلية- إلى الإنجليزية. ثم من الإنجليزية -حيث نشر تحت اسم Hajj – وقام بترجمته Beazania Ali & Najlo Denny إلى العربية بمعرفة دار الأسماء وبمراجعة وتقديم أبو الحسن إبراهيم، فذلك لأنه لم يقف حيال الحج كمناسك فسَّرتها كتب الفقه، وأفاضت، بل تعداها إلى تصوير الرحلة بقلم ينبض أدبًا دراميًّا راقياً باسطًا كل أسلحته من معرفة بالإسلام، دراية بالفقه، استيعاب للتاريخ في سبيل استجلاء حقيقة الحج، والوصول إلى مخرج بتلك الحقيقة من أزمة المسلمين بل العالم الحالية..

إذا دخلنا إلى عالم الكتاب بصورة أكثر دقة، فالترجمة العربية تقع في مائتي صفحة تقريبًا من الحجم الكبير، تقارب فصول الكتاب ثلاثين فصلاً، يمكن تقسيمها هنا إلى ثلاثة أبواب:

1- ما قبل الحج

2- رحلة الحج من بدايتها لنهايتها.

3- ما بعد العيد: الدروس المستفادة في حياة الفرد والأمة

1- ما قبل الحج

قبل خروجك للحج ينبهك المؤلف أنك بطل عرض شيق، فيه الأشخاص، الموضوع، الديكور، الملابس، المكياج، كل هذا يعرضه د. شريعتي في أسلوب رمزي، فهناك الله ليس كمثله شيء، إسماعيل من قبله إبراهيم، هاجر، الكعبة، الإحرام، التقصير، والبطل في العرض أنت، ينبغي أن تقرر لماذا خرجت للحج؟، فإنك إن تفعل بحكم العادة، فلقد ساعدت أعداء دينك عليك وعليه، يجب أن تعرف أنك تخرج من مألوف دنياك-حياتك التي تعودتها من عمل ومنزل، مال وشهوات، ساعدت عليه حضارة الغرب المادية، إلى الله وحده، متجردًا من كل شيء، دافعًا كل ديونك ، تاركًا مالك وأهلك، بل ثيابك؛ لتأتي إليه وحدك بثياب أقرب للكفن قائلاً : "إنا لله وإنا إليه راجعون".

ود. شريعتي حين ينبهك لبداية الرحلة معه يعلمك أنك متمتع بالعمرة والحج معًا، وفيها من ميقات بلدك، ثم من مكة مع دخولك الميقات اعترف بأن "كل شيء هالك إلا وجهه" وأنك ما إلا واحدًا من البشر ضعيفًا أمام ربك.

2- رحلة الحج

مع النية أنت قد بدأت الرحلة "اختر وظيفة جديدة، وقبلة جديدة، وروحًا جديدًا" ص37. وحينما تصلي عند الميقات يعلمك د. شريعتي أنك الآن كإبراهيم – عليه السلام- استحضر ذلك..استغفر، وما دمت قد بدأت الرحلة فعليك محظورات "محظورات الإحرام" يذكرك د. شريعتي أنها ليست في ظاهرها الذي ينبغي عليك التزامها من عدم الحلق، الاقتراب من النساء، أو إيذاء أي كائن، بل أيضًا عمِّق إحساسك بأنك حوصلة في صدر طائر في سرب، بأنك ذرة جُسيم يتقرب من المجال الممغنط -الكعبة، حين تطوف أنت قطرة في النهر الأبيض، نهر البشر النُقاة حول الكعبة معادلة من الدوام.. الطواف.. الانتظار لا تتوقف، ولا تتعب فإن ما تفعله عظيم لدرجة أن د.شريعتي بعد كل هذا التفسير يقول: "هذا هو فهمي فقط، ولكنها ليست كل المعاني" ص59، استشعر ساعتها ضعف هاجر ووليدها في عمق الصحراء تركهما إبراهيم - عليه السلام -، علَّ الله يستجيب لك كما استجاب لهما، عند مقام إبراهيم - عليه السلام - الذي هو عبارة عن أثر قدميه على الحجر، توقف فإنك ستصلي، تذكر "ونفس وما سواها * فألهما فجورها وتقواها".

3- الحج الأكبر

في اليوم التاسع من ذي الحجة يبدأ الحج الأكبر ولكن لماذا تترك أيها الحاج الكعبة وتكون في أي مكان: الشارع، الفندق ألست تركت أهلك لأجل الله – تعالى-، لقد كانت نقطة الوصول وليست النهاية، وجهتك لتصل إلى ما هو اشد قداسة إلى عرفات، إنك هنا حيث المشرق بعرفات، مكان التقاء آدم وحواء، بعد خطيئتهما في الجنة، لم يلتقيا في جنة الأرض عرفة، بل معنى الحب اللازم –أولا قبل المعرفة- الذي بدونه تنتهي الحضارة رغم بزوغها، وإلا انظر لحضارة الغرب. تقف… ترى مكان إلقاء الرسول صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع، الطريق ثابت وآمن وعليك أن تتحرك، في طريقك لمنى ومكة، ينمو بداخلك الشعور، احرص عليه، المشعر الحرام يساوي الليل يساوي دقة الشعور، منزلة بين العلم والإيمان بين عرفات ومنى، لماذا لا تنتظر الصباح، هي حكمة؛ كي تكون المجاهد الذي يتسلَّح بالخفاء لإبراز الحق ليلة العاشر من ذي الحجة، يصور د.شريعتي الخيام فوق الجبل.. القمر المشع، آلاف البشر صاروا ملايين اليوم –على سطح الجبل كن مع الله فقط، هدف حياتك؛ لأجله اجمع سبعين حصاة، لا مجال لرشوة أو تفاهم تحتاجهم في منى، وعليك أن تطيع الأوامر، تحرَّك حتى هناك، فلسوف تشرق شمس منى، كذا يرى الكاتب ص 113.

4- المعركة

لا تدخل منى قبل طلوع شمس يوم العاشر، المعركة مع الشيطان، رجمه بالجمرات جمعتها من المشعر، العيد قبل الرجم، إنها البشارة في الإسلام، لا للفرد، بل الأمة حينما يطع "ونريد أن نمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" في جبهة القتال أرمِ الجمرات لديك ثلاثة شياطين على طول طريق الملك، بينهم مائة متر، اضرب الثالث، تهزمهم جميعًا، لو استشعرت جيدًا أنك إبراهيم الخليل ولا بد لك من "إسماعيل ص122"، أو القربان مرحلة إبراهيم مطلق الحرية في التسليم، سنفصل فيها.

التضحية:

إنك وقد أديت المناسك لا بد أنك استشعرت العظمة البالغة، لا بد لك من قربان، لقد وُهِب إبراهيم عليه السلام إسماعيل على كبر، يفيض د.شريعتي في وصف ذلك: ما صدَّق رزق به -بعد كبر، ومن هاجر، بعد أن نجا في الصغر، القربان أن يذبحه، أمر إلهي، عليك كحاج أن تنتبه، اختار إبراهيم ثلاثة أيام وسوس الشيطان له بأن القائل في الرؤيا هو الشيطان، جاءت ثانية واضحة، الرؤيا، يرى المؤلف أن الإنسان لا يعرف الحقيقة كاملة؛ لذا يختبر الله ضعف إبراهيم إنك تذبح كبشك في هذا المكان، لكي تذكر أنه رمز لكل شهواتك، إنك تضحي بدنيا، تتعرض للاختبار كما تعرض له إبراهيم من أجل الأسمى: الجنة.

5- الأصنام الثلاثة في منى:

نمضي مع رحلة الحج قاربنا النهاية- عبر رؤية د.شريعتي الذي يرى أيضًا أن الأصنام الثلاثة تساوي التثليث في كل العقائد الفاسدة و الأقانيم الثلاثة المسيحية الأب والأم والروح القدس، كذلك في الفارسية كلها تقود للشرك الذي هو نظام قائم على مادية ذات بناء فوقي هدفه إفساد الإنسان ووعيه الذاتي ، ويتوغل د.شريعتي في محاولة معرفة دلالة كل صنم؛ فالأول ربما كان الحكم ممثلا في شخص فرعون، الثاني المال: قارون، الثالث النفاق، وهو مع ذلك التعمق والإيغال يعترف بأنه كالذي يصب ماء النهر في إناء.

وهكذا يعود فيذكرك وأنت بين شعاب الجبال أن تذكر العهد الذي قطعته على نفسك مع رحلة الحج كي تعود الإنسان.

6- العيد

لماذا تقضي العيد في منى على بعد حجر من مكة، فلقد أديت أمانة الحج، وهزمت الشيطان، تبقى كي تتأمل، وكأن المؤلف يشير إلى أن رحلة التأمل ينبغي أن تبقى معك وأنت حاج.

يجمل – أخيرًا- المؤلف الحج في ألفاظ ثلاث:

التصوف : يبدأ في منى ولا يعبر إلى غيرها.

الفلسفة : تأتي المشعر ولا تبلغ منى.

الإسلام : يبدأ معك حين تحج في رحلة مليئة بالحركة والمسئولية.. واللقاءات المدهشة مع الله ثم الشيطان.

الدكتور عادل رضا
09-03-2004, 01:06 AM
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=2056