المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطاب مسجَّل لغاندي قبل أشهر من اغتياله... في أيدٍ أمينة!



لمياء
07-10-2008, 06:44 AM
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2008/07/10/68536_mahatmagandhi_small.jpg


شانكار فيدانتام - واشنطن بوست


يظن ملايين الناس حول العالم أنهم سمعوا المهاتما غاندي يتكلم بالإنكليزية، لكن ذلك كان صوت الممثل بن كنزلي الذي أدى دور غاندي في الفيلم الشهير من إخراج ريتشارد أنتبورو عام 1982.

قلة قليلة من الناطقين بالإنكليزية سمعت غاندي يتحدث مباشرة، فلم يُسجَّل صوته وهو يتكلم الإنكليزية إلا في مناسبتين فحسب، حسبما يؤكد حفيده وكاتب سيرته الذاتية رجمهان غاندي. سُجِّل الخطاب الأول، الذي تناول مسائل دينية، في الثلاثينيات. أما الثاني فسُجِّل في
2 أبريل (نيسان) عام 1947، ويتمتع بأهمية تاريخية كبرى، لأن غاندي ألقاه قبل أشهر قليلة من اغتياله.

طوال عقود، ظل الخطاب الثاني مفقوداً، لكن قبل بضعة أعوام، أعدت شركة إيطالية للهواتف الخلوية إعلاناً استخدمت فيه مقاطع منه، ويتوافر بعض أجزائه على شبكة الإنترنت.

عُثر أخيراً على نُسخة مسجلة من الخطاب في وسط مدينة واشنطن، حفظها جون كوسغروف، رئيس سابق لنادي الصحافة الوطني الأميركي، بعناية طوال 60 عاماً. حصل كوسغروف على النسخة من ألفرد واغ، صحافي سجل الخطاب في نيودلهي وصنع منه أربع نسخ تحتوي صوت غاندي، فضلاً عن تعليق واغ على كلمات قائد استقلال الهند. اكتشف كوسغروف أهمية التسجيل خلال لقائه صدفة رجمهان غاندي، عندما حضر الكاتب إلى نادي الصحافة في الربيع الماضي ليروِّج لسيرته الذاتية الجديدة.

لهجة

ألقى غاندي خطابه بلهجة غير منتظمة تُظهر أنه رجل مسن فَقَدَ معظم أسنانه. تناول فيه المفاهيم نفسها التي رددها دائماً، ألا وهي أهمية عدم اللجوء إلى العنف، التخلص من النظام الطبقي في المجتمع الهندي، التآخي بين الهندوس والمسلمين في جنوب آسيا، وعالم موحد ضد العنف والاستغلال.

قال غاندي في خطابه: «سألني صديقي أمس عما إذا كنت أؤمن بعالم موحد، طبعاً أؤمن، وأنى لي ألا أفعل؟ يمكنكم أن تعيدوا نشر الرسالة الآن في عصر الديمقراطية هذا، في عصر صحوة أفقر الفقراء».

فضّل غاندي مخاطبة الجماهير الهندية بلغتها. غالباً ما كان يستخدم اللغة الهندية، مع أن لغته الأم هي الغوجاراتية. ألقى الخطاب أمام تجمُّع من القادة الآسيويين، خاطبهم بالإنكليزية لأنها اللغة المشتركة بينهم.

يُعتبر الخطاب مؤثراً جداً، ليس لأننا نعرف الآن أن غاندي ألقاه قبل 10 أشهر تقريباً من موته فحسب، بل بسبب أمر لا يعبّر عنه علانية. ألقاه بعد يوم من إطلاقه إحدى مبادراته السياسية الأكثر جرأة.

أقلية مسلمة

في الأول من أبريل (نيسان) عام 1947، اقترح غاندي تعيين محمد علي جناح، قائد الأقلية المسلمة في الهند ومن أشدّ المطالبين بتشكيل دولة جديدة تُدعى باكستان، أول رئيس وزراء في الهند الموحدة. لا شك في أن الاقتراح مذهل، فهو يشبه الدعوة التي وجهها أبراهام لينكولن إلى جيفرسون ديفيس، رئيس الولايات الكونفدرالية الأميركية، ليكون رئيس الولايات المتحدة ليتفادى مآسي الحرب الأهلية.

طرح غاندي فكرته الأساسية أمام اللورد لويس مونتباتن، آخر حاكم بريطاني على الهند. لكن مونتباتن كان عُزل من منصبه عندما ألقى غاندي خطابه. ذكر فيه أنه سيطلب من حزب الكونغرس ذي الغالبية الهندوسية أن يتخلى عن السلطة التي كان على وشك أن يتسلمها بعد عقود من النضال.

حيَّر العرض جناح، حسبما ذكر مونتباتن في روايته عن هذا الحوار. لكن زملاء غاندي في حزب الكونغرس شعروا بالخوف، وبعد أيام قليلة من الخطاب، رفضوا الخطة، فانقسمت الهند ووُلدت دولة باكستان في أغسطس (آب) عام 1947. قُتل ملايين الأشخاص أو شردوا في عملية الإنفصال التي شهدتها شبه القارة هذه. كذلك اندلعت حروب بين الهند وباكستان في العقود التي تلت، وأصبح هذا الصراع بين هاتين الدولتين الآسيويتين الجنوبيتين الأخطر في العالم بعدما أعلنتا تطويرهما أسلحة نووية قبل 10 سنوات.

على الرغم من نجاح غاندي في إقناع البريطانيين بالمغادرة، أساءت أفكاره عن التآخي في المجتمع إلى الكثير من المواطنين الهندوس، الذين رفضوا رفضاً قاطعاً الأقلية المسلمة في الهند. عندما سجَّل ألفرد واغ هذا الخطاب الذي ألقاه غاندي في شهر أبريل (نيسان)، كانت رياح التأجج العاطفي، التي أدت إلى مؤامرة اغتياله، تعصف بقوة. في 31 يناير (كانون الثاني) عام 1948، أطلق متطرف هندوسي ثلاث رصاصات إلى صدر غاندي في اجتماع ديني عام في نيودلهي.

اعتبر العالم المثل العليا التي احتواها خطاب غاندي، فضلاً عن أفكاره المبتكرة عن المحبة وعدم اللجوء إلى العنف، مجرد فرضيات.

ألزم غاندي نفسه والمحيطين به بمطالب صارمة، وقلما حاول التقرب من الناس بترديد الكلمات التي يريدون سماعها.

قال غاندي في الخطاب الذي ألقاه في أبريل (نيسان) عام 1947: «تشوهت المسيحية عندما انتشرت في الغرب»، وكان يشير على الأرجح إلى أعمال العنف في الحرب العالمية الثانية التي انتهت لتوِّها، فضلاً عن موجة العداء للسامية التي أدت إلى المحرقة النازية. أضاف: «يفتقر الغرب اليوم إلى الحكمة، ويسعى بدأب وراء زيادة عدد القنابل الذرية، لأن كثرة هذه القنابل تعني الدمار التام، ولا أقصد دمار الغرب فحسب، بل دمار العالم، كما لو أن نبوءة الكتاب المقدس ستتم وسنشهد طوفاناً شاملاً».

صراعات طائفية

لم يغب الخوف من أعمال العنف عن ذهن غاندي يوماً. نشبت موجتان من الصراعات الطائفية في الهند في الأشهر التي سبقت خطابه. وقعت الأولى في إقليم البنغال حيث قتل المسلمون الهندوس، وبعد أسابيع، رد الهندوس في بيهار على المسلمين، وسرعان ما ارتفعت حصيلة القتلى إلى الآلاف.

لم يعتبر غاندي حمامات الدم تلك مجرد عقبات سياسية، بل أيضاً إخفاقات شخصية. تعكس الأخطاء في المجال العام «أخطاء شخصية» في نظر غاندي، لذلك بدأ يعاقب نفسه.

في الأشهر التي سبقت خطابه، صار ينهض من نومه في الرابعة صباحاً وأحياناً في الثانية فجراً ليصلي. كان آنذاك في السابعة السبعين من عمره، حتى إنه قام برحلة سيراً على الأقدام بين القرى التي ارتُكبت فيها المجازر في البنغال، فزار نحو 48 قرية في 48 يوماً. وإذا طُلب منه أن يتكلم بإسم الغالبية الساحقة من الشعب التي تعيش في الفقر في الهند، كان يرد بأن عليه أن يعيش هو أولاً في فقر مدقع ليتمكن من التكلم بإسمهم.

يتحدث غاندي في خطابه هذا عن إحدى أدنى الطبقات وأفقرها في الهند، قائلاً: «إذا أردت أن ترى الهند على حقيقتها، إبحث عنها في كوخ للبانغي، في منزل متواضع يسكنه أفراد من طبقة البانغي. ثمة 700 ألف من تلك القرى، حسبما يخبرنا المؤرخون الإنكليز، وبعض المدن هنا وهناك. لا تحتوي القرى السبعمئة ألف 70 مليون نسمة، بل تضم نحو 400 مليون».

تجذر إنكار غاندي لذاته وتجواله في الريف الفقير في فلسفته السياسية. اعتقد أن السبب الرئيس الذي يدفع الناس إلى العنف هو خوفهم من الآخرين، من المجهول، من خسارتهم ممتلكاتهم وثروتهم، ومن الموت. فالخوف هو أصل الفساد والجشع.

يعتبر غاندي أن القضاء على الخوف يكون بالتخلي عن الأمور العزيزة على قلب المرء. عندما تتخلى عن ممتلكاتك، لا تخشى اللصوص. لذلك وهب معظم مقتنياته، حتى إنه تخلى عن الروابط العاطفية التي تجمعه بعائلته وأصدقائه. شكل زهده بالطعام والنوم والعلاقات طريقة ليظهر أن حاجة الجسد المادي والحياة بحد ذاتها ليستا بالأمر المهم. فضلاً عن رفضه اللجوء إلى العنف، شكلت الشجاعة محوراً أساسياً في رسالته. خلال جولته على القرى لوقف الصراع الطائفي، على سبيل المثال، سعى إلى النزول عند مضيفين مسلمين خلال استراحاته الليلية، ليبرهن لإخوانه الهندوس أن معظم المسلمين يريدون العيش بسلام.

عندما هاجم الهندوس المسلمين في إقليم بيهار، أغضب غاندي الهندوس الثائرين حين طلب من رؤساء الأقاليم حماية المسلمين، وحذر زملاءه في حزب الكونغرس من العواقب السياسية الوخيمة في حال لم يحموا الأقليات.

أدرك محاورو غاندي أنه كان صادقاً، ففي حياته اليومية أظهر بكل وضوح أنه يبدّي قيمه ومبادئه على حياته.

صُدق غاندي هو ما منح كلماته التي ألقاها في أبريل (نيسان) عام 1947 القوة والتأثير. صحيح أن قادة كثراً يعبرون عن آرائهم بفصاحة أكبر، لكن كلمات غاندي جاءت مقنعة وملزمة، لأنه أدرك أنه من القلائل الذين يعنون حقاً ما يقولونه.

بما أن فظائع المحرقة النازية وقنبلة هيروشيما ما زالت حية في ذهنه، راح يتحدث عن إيجاد وسيلة لمساعدة الغرب في التخلي عن العنف.

قال غاندي للحضور: «ما أريدكم أن تدركوه، إذا استطعتم، هو أن رسالة الشرق، رسالة آسيا، لا يمكن أن تُفهم من وجهة نظر أوروبية أو غربية، ولا بتقليد التوتر الغربي أو البارود الغربي أو القنبلة الذرية الغربية».

أضاف: «إذا أردتم أن تنقلوا مجدداً رسالة إلى الغرب، يجب أن تكون رسالة محبة، رسالة صدق. ينبغي أن تكون هنالك هزيمة...»، عند هذه المرحلة، لا تعود كلمات غاندي مسموعة بسبب ارتفاع أصوات التصفيق والتهليل.

كما جرت العادة، يوقف غاندي التصفيق قائلاً: «أرجوكم! أرجوكم! أرجوكم! سيؤثر ذلك سلباً في خطابي وفي فهمكم لما أقول. أريد أن أمسَّ قلوبكم، لا أريد أن أحظى بتصفيقكم. لتصفق قلوبكم بانسجام مع ما أقوله. عندئذٍ أكون، حسبما اعتقد، قد أتممت عملي».

استمعوا إلى التسجيل الكامل لخطاب المهاتما غاندي وشاهدوا مقابلة مسجلة مع حفيده وواضع سيرته الذاتية رجمهان غاندي على الموقع الإلكتروني shingtonpost.com/style.