المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصراع على الفنوذ بين ايران و امريكا - د. سعيد الشهابي



أبومرتضى
07-28-2004, 03:10 PM
العراق ساحة مفتوحة للصراع علي النفوذ بين امريكا وايران
2004/07/28

د. سعيد الشهابي
اخذ الصراع الامريكي الايراني منحي غريبا في السنوات الثلاث الماضية، وتحول من صراع ايديولوجي محض الي صراع شامل علي المصالح والنفوذ في مناطق جغرافية تتجاوز الشرق الاوسط. كما تحول الصراع من حالة عداء نفسي أضفت الحالة الثورية الايرانية عليه سياقات ايديولوجية في اغلب الاحيان، الي حرب باردة بين الطرفين، تتجدد مصاديقها بتجدد مواقع الصراع وجغرافيته وظرفيته.
وثمة ملاحظة اخري ان الصراع، اذا ما اتخذ منحي امنيا او عسكريا فانه يحدث في الاعم الاغلب علي اراضي الغير، فتتحول الحالة العدائية الي حرب بالوكالة تخوضها اطراف ثالثة. وبالرغم من الاختلاف الواقعي في حجم التسلح بين الاتحاد السوفييتي في اوج قوته، وايران في الوقت الحاضر، فقد اصبحت الجمهورية الاسلامية ليس مصدر ازعاج لواشنطن فحسب، بل مصدر تهديد لنفوذها، ومنافسا حقيقيا في المواقع التي بذلت الولايات المتحدة ثمنا باهضا لتكريس النفوذ فيها. وبهذا اصبح الوضع خطيرا جدا، لان العملاق الامريكي يبدو ورقيا في بعض الاحيان، وهو يواجه الضربات التي تستهدفه من حيث لا يعلم او يعي. كما يبدو هذا العملاق في حالات اخري، منهكا بدفع فواتير الحروب والصراعات، بينما تناصفه ايران في العائدات السياسية المتوخاة من ذلك الانفاق. ولذلك يطرح معارضو الرئيس الامريكي وسياساته من الامريكيين، تساؤلات جدية حول جدوي الانفاق علي الحرب الاخيرة في العراق، اذ تجاوزت فاتورتها الـ 175 مليار دولار بدون ان تتمخض عنها ظروف اكثر امنا، وبدون ان تحسم الحرب ضد الارهاب تماما. يضاف الي ذلك ان هذا الانفاق الهائل علي الحرب، صاحبته خسارات سياسية كبيرة من بينها التوتر في العلاقات بين واشنطن وعواصم الدول الحليفة في اوروبا، وكذلك في الشرق الاوسط ومنها الرياض، الامر الذي ادركته واشنطن مؤخرا، وسعت لاحتواء آثاره السلبية بشكل او آخر، ولكن ربما اصبح الوقت متأخرا. وجاء التقرير الاستخباراتي الاخير لفحص ظروف الحوادث الارهابية التي حدثت في 11 ايلول (سبتمبر) 2001، محاولا رأب التصدعات الخطيرة في العلاقات الامريكية - السعودية واثارة احتمال دور ايراني في تلك الاعمال، الامر الذي اعتبرته بريطانيا نوعا من الخيال المفرط، وبادر وزير خارجيتها لنفي ذلك الاحتمال جملة وتفصيلا.
وبالنظر الي المواقع التي استهدفتها الولايات المتحدة عسكريا في السنوات الاخيرة تتضح مصاديق الحقائق المذكورة. وفي مقدمة هذه المواقع افغانستان والعراق، تليها السودان. وفي جميع هذه البلدان اصبح الصراع علي النفوذ بين واشنطن وطهران حقيقة مكشوفة، وان الصراع مستمر بدون ان يحسم لصالح واشنطن التي خاضت الحروب وانفقت مئات المليارات. وهناك مواقع أخري أقل سخونة في الوقت الحاضر من حيث التدخل الامريكي العسكري المباشر مثل لبنان وفلسطين والبوسنة والصومال ومصر. وفي هذه ا لمواقع، لا يبدو الصراع علي النفوذ أقل اثارة، كما لا تبدو الولايات المتحدة أكثر نصيبا في مجال النفوذ من الجمهورية الاسلامية. وقد بدأت جبهة المحافظون الجدد التي مارست التنظير للدور الامريكي في العالم، في التصدع التدريجي في ضوء التجربة الامريكية في العراق. ففي العريضة التي وقعها في 1997 مجموعة من اساطنة هذه الجبهة، دعي هؤلاء المحافظون الي هيمنة امريكية مطلقة في العالم عبر دور جديد يعتمد التدخل العسكري المباشر، معتقدين ان بالامكان فرض النموذج الامريكي علي العالم من خلال القوة العسكرية وممارسة سياسات الهيمنة غير المحدودة. هذه الجبهة تشهد اليوم تصدعات غير قليلة نظرا للاخفاقات الامريكية في العراق. تتجلي هذه الاخفاقات في مجال الامن والمصداقية (حتي بات اغلب العراقيين يعارضون استمرار الاحتلال) وفي مجال حقوق الانسان حيث تلطخت سمعة امريكا بشكل كبير. كان من بين الموقعين علي تلك العريضة دونالد رامسفلد وبول وولفويتز وريتشارد بيرل ومنظرهم الشهير فرانسيس فوكوياما مؤلف كتاب نهاية التاريخ والرجل الأخير . من بين هؤلاء انسحب ريتشارد بيرل وفوكوياما الذي قال الاسبوع الماضي انه لن يصوت لجورج بوش في الانتخابات الرئاسية المقبلة الذي أضعف مصداقية نظريته التي طرحها في الكتاب والتي تكرس مقولة الانتصار الحاسم لنظام الديمقراطية الليبرالية خصوصا بعد سقوط حائط برلين وانتهاء الاتحاد السوفييتي. اما رامسفلد فقد تمت محاكمته علي مستوي الرأي العام الامريكي والعالمي، وأصبح عبئا علي ادارة جورج بوش، وأعلن تحمله مسؤولية اساءة معاملة العراقيين ومعتقلي غوانتنامو. وقد اعترفت وزارة الدفاع الامريكية بحصول اكثر من تسعين حالة مؤكدة اشتملت علي سوء معاملة المعتقلين، الامر الذي يعتبر فضيحة اخلاقية وسياسية كبيرة للدولة التي تمتلك اكبر قوة عسكرية في العالم. وقد بدأت بدفع فاتورة ذلك الا خفاق: فرفض المجتمع الدولي استثناء الولايات المتحدة من سلطة المحكمة الجنائية الدولية، ووقف العالم في الجمعية العمومية للامم المتحدة ليقروا قرارا ضد اسرائيل بسبب الجدار العازل، ووقفت امريكا بمفردها تدافع عن ذلك الجدار. واذا كان سقوط جدار برلين لحظة انتصار سياسي وايديولوجي للولايات المتحدة فقد اصبح الجدار الاسرائيلي عنوانا لخسارة سياسية وايديولوجية لها.
بدأت الولايات المتحدة مشروعها لبسط الهيمنة علي العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في 1989 ووفر لها صدام حسين فرصة لتكريس ذلك التوجه باجتياحه الكويت، والحرب اللاحقة التي خرجت منها الولايات المتحدة بمظهر المنتصر الذي لا ينازع او ينافس. وهنا اكتفت ايران بالمراقبة، وربما الحياد الايجابي. فلم تدخل الحرب الي جانب قوات التحالف، ولم تدعم صدام حسين مباشرة. فحققت بذلك عددا من الانجازات: اولها كسب الاحترام الدولي بسبب موقفها العاقل، وثانيها عدم تورطها في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، وثالثها حصولها علي تنازلات عراقية بخصوص الحدود وتحديد المسؤول عن الحرب العراقية - الايرانية، ورابعها كسب المعركة الاخلاقية بفتح حدودها للدواء والطعام للشعب العراقي، وخامسها، احراج منظمة مجاهدي خلق التي اصبحت في موقف حرج جدا بين دعم صدام حسين الذي آواها ودعمها، او دعم الولايات المتحدة التي تحارب ذلك النظام. لقد حققت ايران من تلك الحرب انجازات كثيرة بالاضافة الي ما ذكر، ومن ذلك حدوث تحول كبير في موقف دول مجلس التعاون التي دعمت العراق في الحرب الاولي، اذ اصبحت تخطب ود ايران وهي تواجه غضبا عربيا واسلاميا بسبب استدعائها القوات الامريكية لشن الحرب ضد العراق. ثم جاءت تعقيدات القضية الافغانية التي لعبت واشنطن في صنعها دورا محوريا، بدعمها مجموعة طالبان للصعود الي حكم افغانستان. وادت تطورات ذلك الي نتائج لم تعتقد واشنطن انها ستصل الي ما وصلت اليه. كان واضحا في البداية ان ايران هي الخاسر الاقليمي الاكبر من تلك التطورات، حيث تصاعد العداء بين الطالبان وايران الي مستويات خطيرة، وكادت تقع مواجهات بينهما، خصوصا بعد قتل الدبلوماسيين الايرانيين علي ايدي قوات طالبان. وما هي الا بضع سنوات حتي تطورت الامور لغير صالح الولايات المتحدة، وليدخل تنظيم القاعدة حلبة الصراع من اوسع ابوابه. ويتواصل التوتر ليبلغ ذروته بتفجيرات 11 سبتمبر قبل ثلاثة اعوام، التي اعقبتها الحرب الامريكية التي اسقطت نظام طالبان. وهنا تقف ايران مراقبة الوضع، لتكون اكبر المستفيدين من الحرب الامريكية التي اسقطت نظام طالبان. واشنطن تشعر بالألم الشديد وهي تري الحضور الايراني في افغانستان، وهو حضور طبيعي من وجهة نظر الايرانيين والمجموعات الافغانية التي تشعر ان ذلك الحضور له فوائده المادية والثقافية التي لا تستطيع الولايات المتحدة توفيرها.
العراق ساحة اخري لصراع النفوذ بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية، وهو صراع لا تستطيع واشنطن حسمه لصالحها، مهما حاولت. وبرغم تعدد اللاعبين في الساحة العراقية من غير العراقيين، فان الصراع الحقيقي علي النفوذ هو بين الولايات المتحدة وايران. فليس سرا القول بان الولايات المتحدة خاضت حربا ضد نظام صدام حسين، الذي كانت ايران تعتبره رأس الحربة ضد نظامها منذ تأسيسه. الولايات المتحدة تعلم ان اسقاط صدام حسين يعتبر انتصارا للموقف الايراني، ولكن لم يكن امامها خيار آخر، تماما كما كان الوضع مع نظام طالبان. تقول الانباء ان ايران اعادت ترسيم حدودها مع العراق في الايام الاولي بعد سقوط نظام صدام حسين، واسترجعت مناطق حدودية كانت عاجزة عن استرجاعها من قبل. ولم تستطع الولايات المتحدة منعها. وقد مارست ايران دورها بحنكة كبيرة، ففتحت علاقاتها مع كافة الاطراف الفاعلة في العراق، ولم تقتصر علي الشيعة فحسب. بل تتمتع اليوم بعلاقات عمل مع الاكراد، ومع مجموعات من السنة، بالاضافة الي علاقاتها مع اغلب المجموعات الشيعية بدرجات متفاوتة. والتصريحات التي اطلقت الاسبوع الماضي ضد ايران لم تكن سوي من وزراء في الحكومة المؤقتة تقول ايران انهم يتحركون بتوجيهات امريكية. فالوجود الايراني حاضر في اغلب مناطق العراق، الامر الذي يزعج الامريكيين كثيرا ولكنهم غير قادرين علي منعه. وثمة اعتقاد بان ذلك الحضور متعدد الابعاد والاشكال، فهو حضور ديني وسياسي وامني، وعسكري بصور مختلفة، لا تظهر كلها بدرجة واحدة من الوضوح. وهذا الحضور قائم وفق سياسات حكومية احيانا، وبمبادرات من جهات نافذة غير حكومية احيانا اخري. ولكنه وجود معقد ومتداخل، ويصعب علي الامريكيين منعه، وبالتالي فهم يشعرون بالمرارة والتوتر ولا يعرفون كيف يتعاطون معه بشكل فاعل. وربما ادركت واشنطن ان الوجود الايراني في العراق امر لا يستطيع احد ان يمنعه، بل ربما كان مطلوبا في بعض الاحيان لتحقيق الاستقرار. فمثلا، عندما حدثت الازمة مع السيد مقتدي الصدر، حاولت الولايات المتحدة منع المبادرة الايرانية الاولي، ولكن سحب فتيل الازمة لم يتم في النهاية الا من خلال دور ايراني غير مباشر. الامر المؤكد ان الايرانيين لا يريدون ان يكون الوجود الامريكي في العراق حقيقة دائمة، لان ذلك الوجود، فيما لو استمر بالشكل الذي كانت واشنطن تسعي لتحقيقه، سيكون تهديدا خطيرا للامن القومي الايراني. وبالتالي اصبح واضحا ان الاستراتيجية الايرانية تهدف لجعل الوجود الامريكي مكلفا لواشنطن، لكي لا تفكر في استهداف ايران في المستقبل.
في الاسابيع الاخيرة قيل الكثير عن وجود تفكير امريكي باستهداف ايران فيما لو فاز جورج بوش في الانتخابات الرئاسية. هذا التفكير قد يكون موجودا، ولكن الايرانيين يعتقدون انه غير ممكن التنفيذ في ظل التجربة الامريكية المرة في العراق من حيث التكلفة البشرية والسياسية والمالية. ويصعب علي اي رئيس آخر اقناع الرأي العام الامريكي بالموافقة علي شن حرب ضد ايران التي لن تقتصر المواجهة فيها علي النظام، بل مع الشعب الايراني عموما. ومحاولات واشنطن ممارسة الضغوط غير المحدودة علي ايران من خلال المنظمات والدول، لم تنفعها كثيرا. فقد حاولت استهداف ايران بفتح ملفها النووي عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكنها لم تحقق كثيرا، بل ربما انقلبت القضية ضدها. فهناك اليوم ضغوط متصاعدة علي الوكالة للتعاطي مع الملف النووي الاسرائيلي، واجبار الكيان الصهيوني علي توقيع اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية والسماح للوكالة بتفتيش المنشآت النووية الاسرائيلية. كما خسرت الولايات المتحدة معركتها مع المحكمة الجنائية الدولية، ورفض العالم استثناءها من طائلة المحكمة، وذلك بعد الكشف عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان في سجون افغانستان وغوانتنامو والعراق. ولم تستطع واشنطن اقناع اي من حلفائها بتبني اجندتها ازاء ايران، حتي الاتحاد الاوروبي الذي يعتبر ان التعاطي مع ايران ضمن ضوابط اللعبة الدولية افضل من استهدافها وفق ما تريده الولايات المتحدة.
هذه الحقائق تكشف بعض جوانب الصراع بين واشنطن وطهران علي النفوذ، سواء في العراق ام في غيره، وهو صراع مرشح للاستمرار، ولا يمكن حسمه بالقوة العسكرية لانه ليس قائما علي اساس المواجهات الامنية والعسكرية، بل له ابعاد ثقافية وفكرية عميقة. ويمكن القول ان بؤرة الصراع الساخنة في مرحلة ما بعد العراق ستكون علي محور واشنطن ـ طهران، وهو صراع سيكون مريرا ومزعجا لكلا الطرفين، ولا يمكن حسمه بسهولة. هذا لا يعني ان حربا وشيكة ستقع، بل ربما كانت الحرب هي الاحتمال الابعد لتجسيد ذلك الصراع، في ضوء التداعيات الكبيرة للحرب في العراق علي الولايات المتحدة، اقليميا ودوليا، وحتي أمريكيا. وسواء اعيد انتخاب جورج بوش، ام نجح جون كيري في الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة، فســــوف يبقي الملف الايراني مفتوحا، لتتكرر تجربة الحرب الباردة مجددا. وكما كانت كوريا وفيتنام وكوبا ساحات مداخل ومحطات للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، يمكن القول ان افغانستان والبوسنة وكوسوفو والعراق، اصبحت مداخل لحرب باردة بين واشنطن وطهران، برغم المفارقة الكبري في الامكانات العسكرية بين الجانبين.
9
QPT4

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2004\07\07-28\qpt4.htm&storytitle=ffالعراق%20ساحة%20مفتوحة%20للصراع%20علي %20النفوذ%20بين%20امريكا%20وايرانfff