المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رئيس وزراء مصر الجديد .. رجل صامت سر نجاحه تحالف الكفاءة والحظ



المهدى
07-16-2004, 02:05 PM
القاهرة: مصباح قطب

الدكتور أحمد نظيف، رئيس الحكومة المصرية الجديد، واحد من بين نحو 350 أستاذا ومدرسا ومدرسا مساعدا، متخصصين في هندسة الحواسب والاتصالات. وأقل القليل منهم هم أولئك الذين تخرجوا في جامعات كندية، شأن نظيف الذي تخرج في كلية الهندسة بجامعة «ماكجيل» بمونتريال، عاصمة القسم الفرنسي «كيبيك» في كندا. وهي ذات الكلية التي تخرج فيها وفي نفس الوقت تقريبا، الدكتور ابراهيم سليمان (وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية في الحكومةالجديدة) الذي يحتل هذا الموقع منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق د.عاطف صدقي.

ومن المصادفات أن الدكتور نظيف ولد في الإسكندرية، حيث كانت كلية الهندسة في جامعتها، هي أول كلية في مصر تضيف إلى مناهجها «هندسة الحواسب»، وان كان نظيف قد تخرج من هندسة القاهرة.

ومن المصادفات أيضا، أن نظيف ولد في يوليو(تموز) 1952 وفي المدينة التي كانت جامعتها أول جهة تعلن تأييدها لثورة يوليو، في الوقت الذي لم يعهد أحد في رئيس الحكومة الجديد أي ميل نحو يوليو ومبادئها. وتزداد المفارقة غرابة إذا عرفنا أن والد الدكتور نظيف، الذي توفي منذ وقت قصير، كان ضابطا برتبة لواء في القوات البحرية المصرية. لكن ذلك لم يورث الابن أي رغبة في الارتباط بالمؤسسة العسكرية، مكتفيا فيما يبدو بما ورثه من تربية وتعليم، وسيارة أميركية حمراء اللون «كابورليه» 8 سلندر كانت حديث الاسكندرية في زمانها.

ويمثل نظيف الجيل الثالث في مصر من أساتذة الحواسب والاتصالات. فهناك أولا جيل د. نعيم أبوطالب (محافظ الاسكندرية والوزير الراحل) ومعه الراحل أيضا د. يحيى الحكيم وهما من جامعة الاسكندرية. يأتي بعدهما جيل الدكتور أديب الغنيمي، مؤسس شبكة المجلس الأعلى للجامعات، أول شبكة معلومات مصرية، والحاصل على جائزة الدولة التقديرية. والدكتور أحمد كمال عزيز، الحائز على ذات الجائزة. والدكتور فتحي صالح مندوب مصر السابق في اليونسكو. والدكتورعثمان لطفي، المستشار الثقافي الاسبق لمصر في باريس، والذي تولى لفترة قصيرة الشركة المصرية للاتصالات، في عهد الوزير السابق، المخضرم المهندس سليمان متولي.

والغرائب كثيرة في مسيرة د. نظيف. فعند تأسيس مركز معلومات مجلس الوزراء، كمركز يقدم بالأساس معلومات «مدققة» للجهات الدولية المانحة والمنظمات مثل البنك والصندوق الدوليين وهيئة التنمية الدولية، اسندت قيادته إلى رجل ذي أصول عسكرية، هو د. هشام الشريف، الذي تخرج في الكلية الفنية العسكرية، ثم عمل بالتدريس بالجامعة الاميركية.

وكان اختياره لهذا الموقع نابعا من مراعاة عدم اشتعال المنافسة على لقب «مستر كمبيوتر ايجيبت» بين الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، الذي انشئ منذ عهد عبد الناصر لخدمة الجيش والسلطة التنفيذية معلوماتيا، ويرأسه عسكري طوال الوقت، وبين مركز المعلومات البازغ. ومنذ البداية عمل بالمركز فريق من متخصصي نظم المعلومات والاتصالات والحواسب، من بينهم د. رأفت رضوان «نظم»، الذي يرأس المركز حاليا، والدكتور أحمد نظيف، والدكتور جمال علي، الذي انتقل لاحقا ليعمل، مع آخرين، مستشارا للدكتور نظيف بعد توليه وزارة الاتصالات ومسؤولا عن اعتماد هندسة البرمجيات.

وقد توقع كثيرون في وقت مبكر، ان يكون د. هشام الشريف، وزير اتصالات أو رئيسا، يوما ما، لحكومة مصر، على اعتبار، انه يمثل أحد الحلول المثلى لاستمرار حضور العسكريين على ساحة السلطة. فهو ضابط وشاب وخبير في حقل يقود قاطرة النمو في العالم حاليا. وتكنوقراط بما هو استاذ جامعة. وذهب كتاب صادر في يوليو 1999 (أي قبل تولي د. عاطف عبيد رئاسة الحكومة بقليل) الى ان الموجات الثلاث، التي طبعت السلطة التنفيذية في مصر، وهي:

الحقوقيون في العهد الليبرالي، والاقتصاديون في عهدي ناصر والسادات، واساتذة ادارة الاعمال في عهد مبارك (بصرف النظر عن حجم حصتهم في الحكومة)، ومنهم د. عاطف عبيد، ستنتهي بتسليم الراية الى خبراء تكنولوجيا المعلومات. وذكر الكتاب الذي كان عنوانه «عصر الماركتنج أو زمن الدكتور عاطف عبيد» أن كل ما يحتاجه هؤلاء لتسلم زمام الحكم، سواء زمام الحكومة، أو تسلم السلطة بمعنى احتلال مركز القوة ونقطة الجذب المعنوي، هو القدرة على انتاج خطاب شعبي يستطيع الهيمنة على أدمغة الناس. مثلما فعل علم ادارة الأعمال والتسويق (الماركتنج) في وقت من الاوقات.

وأشار الكتاب تحديدا الى د. هشام الشريف. وأوضح أن أساتذة إدارة الأعمال، يحاولون إطالة فترة هيمنتهم المعنوية بالتمحك في تكنولوجيا المعلومات. غير ان ذلك لن يدوم طويلا، لكن تشاء المقادير أن يقع خلاف بين د. كمال الجنزوري، في أيامه الأخيرة، وبين د. هشام الشريف، بسبب سفر الأخير في رحلة الى الخارج بصحبة عمرو موسى، وزير الخارجية وقتذاك، دون استئذان رئيس الوزراء. فيتطور الخلاف بسرعة، مع عوامل أخرى ليفضي إلى إزاحة د. الشريف عن موقعه، دون أي مساندة فعلية من د. عبيد وزير قطاع الأعمال وقتذاك، والمشرف على الفريق الذي أسس مركز معلومات مجلس الوزراء، باستثناء قليل من المواساة، انطلاقا من أن «كلنا في الهم شرق» حيث كان عبيد نفسه على خلاف دائم مع الجنزوري.

وقد خدمت هذه العملية د. نظيف أيضا كما يتبدى الآن، خاصة أن الشريف ونظيف ينتميان الى ذات التخصص. بعد ذلك واصل الحظ اصراره على العمل كحليف للدكتور احمد نظيف. اذ لم يحدث في مصر أن تبوأ مسؤول معلوماتي موقعا قياديا، سوى في حالة واحدة، هي حالة د. بهاء حلمي، الذي عمل بالحرب الالكترونية في 1973، وخبيرا بالحاسب الآلي في رئاسة الجمهورية، ومسؤولا عن الحاسب الآلي في بنك مصر. ثم تولى قيادة هذا البنك لعدة سنوات الى أن تركه في بداية العام الماضي. وأيضا بسبب عدم الارتياح المتبادل بينه وبين رئيس الحكومة، د.عبيد، المخول الاشراف على الجهاز المصرفي وتعيين قياداته.

سبق ذلك محاولة أخرى لتعيين أشهر خبير معلوماتي عربي هو الدكتور مهندس نبيل علي، رئيسا لشركة مصر للطيران، بعد ان كان يعمل مسؤولا عن حاسبها الآلي. لكنه رفض اعتزازا «بجهازه» كما اعتاد ان يقول لاصدقائه. وهو يعمل الآن كخبير حر وصاحب مكتب، بعد أن عمل طويلا مع شركة «صخر».

وسط هذا التراث المتحفظ . وفي بلد تعد مؤشرات على نصيب الفرد من أجهزة الحاسب، والتليفونات الأرضية والمحمولة، وفرص الدخول الى شبكة المعلومات، متواضعة للغاية، اذا قيست مثلا بدولة مثل الامارات العربية، ... وفي بلد لن يأكل ابناؤه أجهزة الكمبيوتر، لاشباع فقرهم (كما روي عن رئيس أكبر شركة وساطة مالية في مصر، في أول تعليق له، على تكليف نظيف برئاسة الحكومة في هذا البلد، يتم ولأول مرة في العالم، اختيار رئيس وزراء من خبراء المعلوماتية والاتصالات. فإلى أي مدى سينجح هذا الاختيار؟، هذا ما حارت فيه الأفهام المصرية. وربما تطول حيرتها بعض الشيء، ولنلاحظ هنا أن د. عبيد نفسه بدأ حياته السياسية كوزير بالتبشير بوادي سيليكون مصري في الاسماعيلية (شرق القاهرة) لكن المشروع لم ير النور أبدا.

فالدكتور نظيف هو في رأي الكثيرين الرجل الوحيد الذي اختار بمحض إرادته أن يقول إنه تلميذ عبيد. وإنه يفخر بذلك، مع انه يعلم ان حكومة عبيد، كانت محل سخط المصريين بكافة طوائفهم لأسباب متباينة، مما دعا صناع القرار الى التغيير ، رغم اقتناعهم بمقدرة عبيد وملاءمته للمرحلة.

والدكتور نظيف هو من اختار دائما الوقوف على الأطراف، اطراف السياسة، اطراف المناقشات في مجلس الوزراء السابق، التي قيل انه لم يتدخل فيها إلا اذا وردت سيرة مراكز المعلومات وعملياتها. أو حدث خلاف بين الأطراف في مجلس الوزراء المصري حول أولوية التحديات المصرية، وهل هي التي تأتي من الخارج أو الداخل. وهذه الأطراف التي تصل لحد التملق الجماهيري بامتطاء لغة: سنعمل على ايجاد فرص عمل وخفض الأسعار وتحسين معيشة الأغلبية، ومراعاة محدودي الدخل والاهتمام بالبعد الاجتماعي...إلخ.

لقد رأيت نظيف ذات مرة، وهو وزير، يدلف الى الصلاة متأخرا قليلا، ليلحق بأطراف الحصير الممدود في الشارع، ومعه صبي، ليقضي فرض الله، ثم ينصرف سريعا دون أن يلاحظه أحد. وللدكتور نظيف ابنان تخرجا من قسم اتصالات هندسة القاهرة، ويعمل أحدهما (شريف) في شركة كبيرة تمثل شركة اميركية معروفة، وما زال الثاني ينتظر فرصة العمل المناسبة.