المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أم لثلاثة أطفال تصمم مواقع الإنترنت بعد أن علمت نفسها بنفسها



المهدى
07-06-2004, 09:20 AM
أبناؤها الصغار يصونون شبكة الكومبيوتر المنزلية

عدد قليل نسبيا من مواقع الإنترنت العربية استطاع الثبات والاستمرار، لأن ذلك ارتبط بتقديمه محتوى ومتميز ومفيد وملتزم. ومن الطبيعي أن نتوقع أن أصحاب هذه المواقع سيكونون إما من الشركات، أو أفرادا من الشباب الذين لديهم الوقت الكافي للاهتمام بهذه المواقع وخدمتها باستمرار، ولكن أن تكون هناك مواقع ذات مستوى مرموق فكرة وتصميما، تقدم خدمات مجانية للآلاف من زوارها يوميا، بدون أن يكون لها مردود مادي كاف لتغطية ولو جزء بسيط من تكاليف الاستضافة، ومع ذلك تبقى مستمرة فهو أمر غير معتاد وإن كان ممكنا، لكن ما قد يثير الدهشة والاهتمام أن تكون صاحبة هذه المواقع أما لشباب مراهقين، اعتمدت على نفسها لتعلم تصميم المواقع.

هذه السيدة هي هناء الرملي، صاحبة موقع «هناء نت ـ التواصل الإنساني الأسمى» المعروف www.hanaa.net، وهو من اوائل المواقع العربية التي ظهرت على الإنترنت والمتخصص ببطاقات التهاني العربية، وعمره الآن قارب على الخمس سنوات، والثاني موقع فنان الكاريكاتير الراحل ناجي العلي .www.najialali.net هذه السيدة يشغلها الآن اهتمام جديد، هو استخدام خبرتها لمساعدة الشباب وأسرهم للتخلص من المفاهيم السلبية التي ارتبطت بالإنترنت واستخدام الكومبيوتر، وتعلم كيف يمكنهم الاستفادة منها بشكل إيجابي.

* كيف بدأت علاقتك بالكومبيوتر والإنترنت؟
ـ حبي للكومبيوتر، كان حبا من أول لغة برمجة، وليس من أول نظرة كما يقولون، حيث تعلمتها من دون أن أرى الكومبيوتر. وكان ذلك من خلال مادة البرمجة بلغة الفورتران التي درستها أثناء دراستي الجامعية للحصول على بكالوريوس الهندسة المدنية. أما استخدام الكومبيوتر فقد جمعتني به دورات تدريبية وتعليم وتدريب ذاتي، لمجموعة كبيرة من البرامج. وحين بدأت بشائر الإنترنت تصلنا منذ أكثر من عشر سنوات، كنت أقرأ عنها بلهفة، واتطلع لها وكأنها طوق نجاة لي، كوني مهندسة لي أحلام أكبر وأوسع من حدود جدران المنزل، وتتجاوز مسؤوليات الأم وربة البيت لمسؤوليات أكبر. ومع الوقت أصبحت مصممة مواقع ومصممة غرافيك، ورسامة كاريكاتير في مجال الكمبيوتر والإنترنت، حيث عملت فترة في «شبكة نسيج» كرسامة وكاتبة خواطر ساخرة في مجال الكمبيوتر والإنترنت، كما أن لدي خبرة جيدة في مجال التربية وعلم النفس.

* هناك الكثيرات من النساء اللاتي يحملن شهادات في مجالات تقنية غيرك، لكنك كنت من القليلات اللاتي بادرن بشكل مبكر إلى تأسيس مواقع لك على الإنترنت، مازلت تحافظين عليها على الرغم من أنك لا تحققين فوائد مالية من ورائها، فما السر نحو انجذابك لعالم الإنترنت؟

ـ أؤمن بأن الحياة مراحل ولكل مرحلة نوع خاص من الانتاج: الاول كان الانتاج التعليمي وحصولي على شهادة جامعية بلا برواز، و لقب مهندسة بلا وظيفة. والثانية الانتاج الأمومي وحصولي على أربع شهادات ميلاد لأطفالي، منحتني أجمل لقب تتمناه كل فتاة وهو «ماما»، الذي يحول الصخب جمالاً وعذوبة والعذاب متعةً وعطاء. والثالثة مرحلة الإنتاج الإلكتروني أو التقني، التي انتجت خلالها عدة مواقع على الإنترنت، منحني زوارها تقديرهم ومحبتهم وألقاب كثيرة في غاية الروعة، تغمرني بالفرح وتدفعني لأحافظ على شرفها، وتقيني من لكمات الإحباط المباغتة لاصحاب المواقع، التي تؤدي بهم إلى دوامات اليأس والاكتئاب.

وصممت عدة مواقع تقدم خدمات مجانية للآلاف من زوارها يوميا، بدون أن يكون لها مردود مادي كاف لتغطية ولو جزء بسيط من تكاليف الاستضافة. وأبقى وتبقى المواقع ما بقي لي من أمل أن يأتي اليوم الذي تتقدم شركة ما لرعايته، أو يصبح لإعلانات الإنترنت مكانة وقناعة لدى الشركات. وتتوالى مراحل الانتاج لادخل مرحلة الانتاج الأدبي، حيث أقوم باعداد كتاب نحو تواصل إنساني أسمى عبر الإنترنت، ويلقي الضوء على العلاقات الإنسانية عبر الإنترنت في مجتمعنا العربي من تعارف وصداقة وحب وزواج بسلبياتها وإيجابياتها.

* هل يمكنك التوفيق بين هوايتك التي تتطلب الكثير من الجهد والمتابعة، وبين بيتك وأسرتك؟
ـ حين تتوفر الإرادة يتوفر الوقت، ويصبح لكل دقيقة قيمتها ولكل جهد معنى وهدف، مسؤوليات الأمومة والأسرة والبيت كبيرة ولا تنتهي، والأم التي تتمكن من تحقيق أي نجاح لنفسها خارج نطاق بيتها في نظري «سوبرأم» أو «سوبرومان».

يرددون أن تنظيم الوقت هو الأساس لكني أصر على أن تنظيم الجهد والوقت معاً هو سر أي انجاز وأي نجاح، فعلى سبيل المثال، عملي على جهازالكومبيوتر لمدة تتجاوز الساعة، يتطلب تركيز ذهني وجلوس طويل وتحديق بالشاشة ينجم عنه صداع في الرأس وشد عضلي والام في العمود الفقري وزغللة وحرقة في العيون. أدركت هذه المعادلة فطرياً ووجدت الحل تلقائياً، بأن اقسم جهدي بالتناوب ساعة جلوس للعمل يقابلها ساعة أو أقل من الجهد العضلي الذي يحتاجه العمل المنزلي، وبهذا أمنح ذهني استرخاء فكريا وجسمي تمرينات رياضية وعيوني الراحة.

والمطبخ بالنسبة لي هو بمثابة شجرة التفاح لنيوتن وحوض الاستحمام لأرخميدس، حيث تتدفق الأفكار إلى ذهني بغزارة مع تقطيع الخضار ورائحة تحمير اللحم والدجاج وطبخ أنواع المقلوبة والمحاشي. صحيح أن بعضاً من هذه الأفكار تتبدد وتتلاشى بغمرة الانشغالات والمسؤوليات لكنها ومن كثرتها يبقى منها ما يبقى ويتحقق منها ما يتحقق.

وكما نظمت جهدي ووقتي نظمت كذلك جهد ووقت أبنائي، كل بحسب ميوله ومواهبه وما منحه الله من قدرات، أدخلتهم معي لعبة التعلم الذاتي والتدريب، حيث نتسابق من يتعلم أكثر ويعلم البقية ما توصل له من معلومات، بأسلوب شيق وممتع، من كتاب متخصص أو من أحد المواقع التعليمية على الإنترنت أو من التجربة الشخصية، حتى لايمر الاسبوع إلا ونكون قد عرفنا ميزات البرنامج و طريقة استخدامه. كما ألحقتهم بدورات متخصصة ومتنوعة فمن تركيب وصيانة الكومبيوتر، إلى انشاء الشبكات، والبرمجة بعدة لغات.

ودورات أخرى في برامج «مايكروميديا فلاش» و«أدوبي بريمير»، حيث أنهم تقدموا علي بمراحل وأصبحوا هم من يعلموني ومن يعاونوني ومن يقوموا بأعمال الصيانة لشبكة الكومبيوترات المنزلية التي لدينا. مما يضفي على حياتنا وعلاقتنا أجواء جميلة من الصداقة والتفاهم والتعاون.

* لديك أولاد في سن المراهقة، كيف تضمنين استخدامهم للإنترنت بالشكل السليم؟
ـ تربية المراهقين وتوجيههم يكون بالشكل الأمثل حينما تسود الصداقة والمحبة وبالتالي الصراحة والتفاهم في علاقتهم بوالديهم، أسلوبي في توجيه أبنائي هو إرشادهم إلى الطريقة المثالية للاستفادة من الإنترنت، وتوعيتهم بفوائد الإنترنت وما تفتحه من آفاق وما تقدمه من خدمات، وكنت لهم النموذج والمثل. حين تعلم الأبناء الإيجابيات والفوائد وتدلهم على الاستفادة المثلى منها، فهذا كفيل بأن يتمكنوا من اكتشاف السلبيات وتحديدها وبالتالي النفور منها و تحاشيها أينما كانوا وتواجدوا أثناء إبحارهم في الإنترنت. ويبقى حب المغامرة والاستكشاف وخوض التجارب الذي يتملكهم لا حدود له، لا يمكن تقييده ووضع قوانين له.

ولحمايتهم من عواقبها، غرست بهم أخلاقيات وسلوكيات الإنترنت، خصوصاً في تواصلهم مع الغرباء في مواقع الدردشة «التشات» من خلال غرف الحوار و«ماسنجر» ومنتديات الحوار.
نعم للإنترنت أخلاقيات وسلوكيات خاصة بها، أصبح من الواجب أن نزرعها في نفوسهم وعقلهم، إضافة لما زرعنا في نفوس أبنائنا من أخلاقيات وقيم ومباديء تجنبهم من الخطأ والمخاطر. وكوني أم لطفلة صغيرة لم تتجاوز بعد العاشرة من العمر تستخدم الكومبيوتر وتتصفح مواقعها المحببة، وتحادث صديقاتها من أقاربنا الموجودين في بلاد مختلفة في العالم.

علاقة الحب والصداقة التي تجمعني بها تجعلها تعطيني أرقامها السرية الخاص ببريدها الإلكتروني و«ماسنجر»، وتشركني بالحديث على «ماسنجر» مع صديقاتها واقاربنا، كذلك أبحث لها عن مواقع للأطفال مشوقة، واضعها في قائمة مواقعها المفضلة، وتجدها مفاجأة سارة لها، تتصفح الموقع وتحدثني ما قرأت به من قصص وما مارست به من ألعاب ومسابقات ذكاء طفولية، والأمر الذي يشغلها في بداية الإجازة الصيفية المقبلة، هو تصميم موقع خاص بها على الإنترنت، يضم مجموعة قصصها وقصائدها على حد قولها، حيث أنها هاوية كتابة قصص وشعر.

* كيف ترين تقبل النساء العربيات للتقنية ودرجة معرفتهن لها؟
ـ قبل أكثر من شهر ألقيت محاضرة في العاصمة الأردنية عمان، بعنوان «الإنترنت بوابة المرأة العربية نحو العالم»، بدعوة من المعهد الدولي لتضامن النساء، حيث لاقت تلك المحاضرة صدى جميلا من الحضور، ومعظمهم من النساء، وقد كانوا من مختلف الأعمار ومختلف التخصصات. منهم من كان له معرفة لا بأس بها في الإنترنت ولكن باستخدام محدود جداً، ومنهم أمهات لمراهقين وأطفال يستخدمون الإنترنت فقط لغرض التعارف وتكوين الصداقات عبر غرف الدردشة، غير مدركين ما للإنترنت من إيجابيات وسلبيات. كما وجدت في عيونهم أحلاماً صغيرة قد بدات تتشكل، كل واحدة بحسب تخصصها بدأت تفكر باستثمار علمها وخبرتها من خلال الإنترنت.

ما لفت انتباهي من خلال تواصلي مع الناس أن اكثر السيدات نفوراً من الكومبيوتر والإنترنت كن زوجات لرجال يعملون في شركات متخصصة بالتقنية. وكنت استغرب واتسائل كيف وصلن لهذا الشعور من النفور والكراهية، فتتكرر على مسمعي نفس الإجابة وهي أنهن حاولن أن يتعلمن من أزواجهن في البداية، وبذلن جهداً في ذلك، لكن بدل من أن يتعلمن ولو القليل، اخذن موقف الكره والنفور من الكومبيوتر والإنترنت. وأتساءل: هل افترض حسن نية، بأن عدم القدرة على ايصال المعلومة بأسلوب مشوق وممتع ليتلقاها الطرف الآخر بسهولة ويسر، هي السبب؟ أم افترض سوء النية بأن السبب هو أن البعض يحب أن يحتكر العلم لنفسه، ويضع نفسه داخل إطار الخبير العالم الذي لا يضاهيه أحد؟

وسألني دكتور جامعي كان من ضمن الحضور: كيف لنا أن نحب الكومبيوتر؟ وأيده محام ذو مركز مرموق وآخر صحافي بجريدة كبرى، اجمعوا على نفورهم وكرههم الشديد للكومبيوتر، مع أنهم يستخدمونه في عملهم بأقل قدر ممكن، بل يحاولون تحاشي استخدامه، وهم لا يدركون أنهم كانوا ضحية أستاذ فاشل أو مدرب ممل. كنت أفكر بتوفر هذا الأستاذ المثالي في كل قاعة تدريب للكومبيوتر أينما كانت، سواء مركز تدريب أم جامعة أم مدرسة، أستاذ لا يلتزم بسطور في كتاب متخصص، بل يتبع ما يحتاجه المتدرب بشكل مباشر وسلس مبتعداً عن التعقيد، ومراعياً الرهبة الأولى لديه نحو هذا الجهاز، وآخذ بعين الاعتبار كل متدرب بحسب مستوى ثقافته وعمره، وهو ما يتفق تماما مع ما أشرت إليه عندما كتبت مقالتك «مطلوب عمرو خالد تقني» قبل سنتين.

* مع خبرتك الطويلة، هل فكرتي بأن تقومي بنشاط عام يستفيد منه الجمهور بشكل عام والنساء والأمهات بشكل خاص؟
ـ يتبادر لذهن الكثيرين بمجرد أن يسمعوا كلمة إنترنت بأمور مثل الدردشة وقصص الحب عبره بالإضافة إلى المواقع الخلاعية، والكثير من الأهالي، للأسف، يباهون بمثالية تربيتهم بدليل أنهم لم يدخلوا الإنترنت إلى بيوتهم لحرصهم على أبنائهم، وهناك غيرهم ممن أدخل الإنترنت بيته لكنه في الوقت نفسه يباهي بأنه لا يسمح لأبنائه باستخدام الإنترنت بشكل قاطع.

وهم لا يدركون أن مقاهي الإنترنت تعج بالمراهقين سراً عن الأهل، حتى أن أكثر مقاهي الإنترنت ازدحاماً هي الأقرب إلى المدارس حيث تزدحم أثناء الدوام المدرسي بالطلبة الهاربين من فوق أسوار المدرسة، ليقفزوا إلى دهاليز الإنترنت وأزقتها التي تعج بالسيئات، والدردشة مع الغرباء، من دون أن يعرفوا السلوكيات المتبعة فيها، أو أن يعرفوا كيف يمكنهم تمييز الصالح من الطالح فيها. هذا كله دفعني وبقوة لكي أعمل على أن يكون لي دور فعال، انطلاقاً من خبرتي الطويلة في الإنترنت، وذلك بالتوعية بأهمية الإنترنت للجميع، والآفاق الواسعة التي تفتحها لمن يتقن استخدامها بالأسلوب الأمثل، وغرس أخلاقيات وسلوكيات الإنترنت في نفوس وعقول أولادنا وبناتنا، التي تحميهم من الوقوع في الخطأ وتجنبهم مخاطر الإنترنت.

ومن بين ما سأستخدمه كتابي الذي ذكرته في البداية، وإقامة محاضرات متخصصة للشباب المراهقين وأخرى للأهالي، وغيرها العديد من الأساليب والأفكار التي أدرسها في الوقت الحالي لتدخل مرحلة التطبيق في القريب العاجل بإذن الله. وهذا كله هو مجهود ذاتي نابع مني، كوني أبحث عن المثالية لحياتنا ومجتمعنا وأتطلع نحو مجتمع إنترنتي عربي نقي طاهر خالٍِ من العفن والفساد، الذي بدأ يتسلل إلى عقولهم وقلوبهم والذي لو وقفنا تجاهه صامتين، سنقرأ الفاتحة على قيمنا وعاداتنا وأخلاقنا في نفوس أولادنا وبناتنا.