المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أول حديث مع والديّ التوأمين المصريين بعد فصل رأسيهما بعملية كلفت مليوني دولار



مجاهدون
10-27-2003, 11:52 AM
الوالدان يحدّثان «الشرق الأوسط» عن طفليهما وعن سكان قريتهما التي تعاني في الصعيد من حالة انفصال روحي بين السكان

لندن: كمال قبيسي

قالت والدة التوأمين المصريين، أحمد ومحمد، إنها شعرت منذ أول أيام حملها بهما قبل عامين و3 أشهر، أن شيئا يشبه قريتنا «الحمر والجعافرة» بالصعيد، حل في بطني . ثم ضحكت صباح أبو الوفاء عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط» أمس من دالاس، وهي تدلي بأول حديث الى وسيلة اعلامية عن عملية الفصل التي وحّدت قريتها الصغيرة بالصعيد. كذلك تحدثت «الشرق الأوسط» الى زوجها ابراهيم محمد ابراهيم، أو الرجل الذي اعترف بأنه يميّز أحد الابنين عن الآخر، والمنذهل بأميركا وبتكاليف عملية الفصل التي زادت على مليوني دولار، وهو الذي بالكاد يصل راتبه الى 25 دولارا كحارس في مدرسة ابتدائية بقريته البعيدة في الصعيد الجنوبي من مصر 800 كيلومتر عن القاهرة.

والقرية واحدة، لكنها تعاني من انفصال روحي بين أهلها منذ زمن بعيد «فنحن أبناء الحمر، لا نتزوج أبدا بنات الجعافرة، ولا يتزوج أبناؤهم من بناتنا. صحيح القرية واحدة، ولكن بشعبين، وكنا نتمنى دائما أن يأتي أحدهم ليفصلنا نهائيا، ولم نفلح، لذلك بقينا كفئتين في قرية باسمين» وفق تعبير الوالد الذي لم يكن يعلم أن خبر نجاح فصل توأميه قبل أسبوعين طوى القارات ووصل عبر الفضائيات الى الحمر والجعافرة، فوحّد أهلها، وقامت النسوة باطلاق الزغاريد على الطريقة المصرية، وحدث ما يشبه الكرنفالات حين وزع عمدتها أحمد ثابت جويدات الشربات على الذين راحوا يسهرون في بيوت بعضهم وفي 3 مقاه وحيدة، بل وفي الساحة الرئيسية للقرية التي وحدتها عملية فصل طبية أميركية لتوأمين وجعلت أهلها ينسون ما كان بين أسلافهم في الزمن القديم «فنحن الحمر، متحدرون من هنود لونهم كان أحمر حين جاؤوا مع الرومان، كما يقولون.

أما هؤلاء الجعافرة فجاءوا مع قبائل، لا ندري من أين هي تماما، لكنهم أقاموا بمنطقة واحدة، والكل أطلق عليها اسمه، فكادت تحدث مجازر، حتى اتفقوا على اطلاق الاسمين معا عليها، لكنها في حياتها كلها لم تكن في حال وحدة.. دائما كنا ملتصقين ومنفصلين» كما قال الوالد ابراهيم، 32 سنة، وقالته أيضا زوجته التي تصغره بحوالي 7 سنوات.
ويقيم الأبوان الآن مع ابن لهما صغير، اسمه أحمد وعمره 5 أعوام، في شقة تابعة للمركز الطبي في دالاس. أما ابنتهما الكبرى، أسماء، البالغة من العمر 7 سنوات، فبقيت في منزل جدها في الحمر والجعافرة، لتتابع عامها الدراسي الأبتدائي الأول لكنها مشغولة البال دائما، ويا روحي ده دايما بتسأل عنهم وفق ما تقول والدتها أم محمود.

وذكر الوالد أنه وقع اقرارا لمستشفى ميديكال دالاس تحمل فيه كامل المسؤولية عن العملية الجراحية للتوأمين المقيمين بعد فصلهما الآن في الغرفتين 7 و8 بالطابق الخامس، حيث وحدات العناية الفائقة بالمستشفى الأميركي الشهير. لكنه يقول إنه مطمئن، لأن التكاليف تأتي من التبرعات. وهو مطمئن أكثر منذ الأول من أمس، حين رأى طفليه لأول مرة يلتقيان بعد الفصل، فنظر بعضهما الى الآخر، مع أن أحدهما، وهو أحمد، مر بفترة حرجة منذ 4 أيام، فأعادوه الى جهاز التنفس الصناعي بعد أن رفع عنه منذ أسبوع لثلاث ساعات بالمركز الذي تم فيه فصلهما بعملية معقدة استغرقت 34 ساعة وتفرّغ لها بالتناوب فريق من 60 متخصصا، بينهم 15 جراحا من المكسيك وسنغافورة والولايات المتحدة وغيرها، اضافة الى 3 جراحين مصريين: رئيس وحدة جراحة الأطفال حديثي الولادة الدكتور ناصر عبد العال، والدكتور أحمد طارق، اضافة الى مدرس جراحة الأطفال بمستشفى القصر العيني، الدكتور ممدوح أبو الحسن، ومعهم جاءت الممرضتان نجلاء محمود ووفاء بدير من مستشفى أبو الريش الذي استمد اسمه من حي يقع فيه بالقاهرة، ويعتبر أقدم مركز لجراحة الأطفال في مصر والمنطقة العربية.

وطبقا لمعلومات بثها المركز الطبي الأميركي فان أحمد كان بصحة جيدة عندما فصلوا عنه الجهاز، حتى أنه جلس على كرسي وابتسم لوالده أبو محمود، لكن التهابا في الحنجرة جعل تنفسه صعبا، وهو واحد من مضاعفات بسيطة لجهاز التنفس الصناعي ولا يؤثر على تعافي الجهاز العصبي عادة. أما محمد، الذي أبعد عنه الجهاز، فاستعاد الحركة في النصف الأيمن من جسمه الذي ظل ضعيفا منذ عاد الى معظم وعيه قبل أسبوع. ولم تصدر عن المستشفى بعد تفاصيل عن الوضع العقلي للطفلين، وهو المهم، لأن التيقن مما اذا كانا قد تعرضا لتلف بالمخ نتج عن الجراحة التي اشترك فيها 5 جراحي أعصاب وتم خلالها فصل مخيهما وأوعية دموية مشتركة كانت تغذي الدماغين، بحيث أصبح لكل مخ مغذياته الدموية الخاصة سيستغرق أسابيع عدة للتأكد وفق ما قاله بالهاتف مع «الشرق الأوسط» أمس الدكتور ممدوح أبو الحسن، المعروف، أكبر جراحي الأطفال في مصر، برغم أن عمره 36 عاما، لكنه سبق أن نجح بفصل توأمين ملتصقي البطن والصدر منذ 8 سنوات بالقاهرة، حيث تخرج بجراحة الأطفال في 1990 من جامعة القصر العيني.

وذكر الدكتور ممدوح من المستشفى بدالاس أن جمعية خيرية هي التي تجمع التبرعات لتغطية التكاليف، اضافة الى تبرعات يجمعها مسجد في المدينة استطاع تأمين 60 ألف دولار حتى الآن فيما جمعت الجمعية 130 ألف دولار. أما المستشفى، حيث سيخضع الطفلان لعمليات تجميل لازالة تشوهات العملية الأولى، فلا تريد شيئا لها من المال كما قال.
وشرح الدكتور ممدوح، الذي رافق حالة التوأمين منذ كان عمرهما 4 أشهر وهما في مستشفى أبو الريش بالقاهرة، أن الخطر ما زال يحدق نوعا ما لكنه خطر طبيعي بعد هذا النوع من العمليات، لكن المرحلة ليست حرجة، فأحدهما تحسنت حالته، والثاني في تحسن، ونحتاج لأسبوعين لنتأكد من أن كل شيء سار على ما يرام مؤكدا أن العملية التي خضعا لها لم تضرب الرقم القياسي بطول الوقت كما أشيع فقد أجريت لتوأمين بسنغافورة عملية قبل عامين استمرت 90 ساعة، أي تقريبا 4 أيام بحسب معلوماته.

وروى الدكتور ممدوح، المتزوج من طبيبة عيون ويملك ويدير عيادة خاصة أيضا في القاهرة، اضافة الى عمله بمستشفى أبو الريش ومستشفى والقصر العيني، أن الفريق الطبي في دالاس قام بتصوير جميع مراحل العملية التي خضع لها التوأمان، بحيث أصبحت وثيقة طبية مهمة ومسجلة على أشرطة فيديو. وذكر أنهما قد يضطران للبقاء 3 أشهر في المركز الطبي بدالاس، ومن بعدها 3 أشهر خارجه بالولايات المتحدة على الأقل، ثم يمكنهما العودة.
لكن الوالد ابراهيم يقول إنه لم يكن راضيا عن تصوير طفليه خلال عملية الفصل، ولا عن تصويرهما يوم الأول من أمس بالكاميرات العادية، من دون أن يشرح الأسباب «الا اذا كانت لازالة الشكوك بأنهما ليسا على قيد الحياة». وقال إن شعوره الآن مختلف، فقد بات يرى أن ما حدث «لم يكن من عمل الأطباء أبدا، بل معجزة آلهية» وفق تعبيره.

وقال إن مشكلته الكبرى بعد فصل التوأمين هو حياتهما مستقبلا «فأنا انسان متواضع ماديا، وإن لم يساعدني أحد فسيعيشان بائسين تقريبا، فهما لن يكونا طبيعيين على ما أعتقد، ولا أدري كيف سأتصرف. أنا شفت العذاب، وليس معي ولا حتى ثمن التذكرة لأرجع.. صحيح المستشفى تحملت التكاليف، ولكني قلق على المستقبل، ولا أدري ما أفعل» وفق ما قال بكلمات صعيدية يصعب فهمها بسهولة.
* ماذا فعل محمد وأحمد عندما اجتمعا الى بعضهما لأول مرة بعد الانفصال؟
ـ بدأ الواحد منهما يبكي، ويبكي معه الآخر، فامتعضت.
* وبعدها؟
ـ بعدها فرحت لرؤيتهما يضحكان، لكنهما لا يستطيعان الكلام.. كنت قلقا لأنهم أخبروني بالمستشفى أنهما قد يبديان معاديين لبعضهما، لكني لم ألحظ ذلك، ورأيتهما سعيدين.

* تعرفان اليك؟
ـ أكيد. كانا ينظران اليّ والى والدتهما ويضحكان.
* ستعودون الى الحمر والجعافرة، أم ستبقون بأميركا؟
ـ سنعود الى الحمر طبعا.
* ماذا ستشتغل وحالتك المالية صعبة، ألا تحلم بمشروع تقوم به هناك؟
- أنا من دوشة العملية لم أحلم. أنا ما اعرفش الأحلام. أنا محروم من الأحلام.. ربنا سبحانه وتعالى فكفك الحال، بس ما فيش أحلام بدون رسمال، ما اعرفش أعمل إيه.

* ألن تنجبا أولادا بعد؟
ـ خلاص، ما فيش أولاد، الله يساعد.
* يقولون إنك تحب محمدا أكثر من أحمد، هل هذا صحيح يا أبو محمود ? ـ أنا تعاطفت مع محمد لأن صحته كانت أسوأ.. شوف قدرة ربنا، فقد استيقظ قبل أخيه وتحسنت حالته قبله أيضا.
* لماذا تحبه أكثر من أحمد؟
ـ لا أحبه أكثر، بل أميّزه.
* ما السبب؟
ـ ما اعرفش، ده شعور من ربنا.
* زوجتك أيضا تميّزه؟
ـ لا، بل تحبهما زي بعض.. اسألها.

وروت أم محمود، التي لا تعمل سوى ست بيت بالحمر والجعافرة، إنها لا تميّز أحدا ولا تفرق بين طفليها، وسعيدة أنها رأتهما معا يوم الأول من أمس، وأنها تكلمت معهما «بس ما بيردوش عليّ، بيبكوا وبيضحكوا.. أنا حملت بيهم وتعبت».
* أنت من الحمر أو من الجعافرة؟
ـ من الحمر، وابراهيم من الحمر.. إحنا ما نتزوج منهم، إحنا لوحدينا والجعافرة لوحديهم.
* عمدة القرية وزع الشربات على الأهالي، هل تعرفين بذلك؟
ـ ما كنتش عارفة.. ربنا يخللي العمدة، ده ابن حلال، ودايما يريد الخير للبلد.
* هل كان حملك طبيعيا يا أم محمود؟
ـ أول ما شعرت بحالة غير طبيعية، حتى النوم. ما كنت أنام على ظهري، وتوجعت جدا.

* كيف كنت تنامين؟
ـ على جنبي اليمين.. دنا من أول الطريق عرفت الولادة مش طبيعية.. تعذبت وتألمت، وربنا يبعدها عن كل الناس.. الحمد لله بقوا كويسين دلوقت.
ثم أدمعت عينا أم محمود، من شيء ما على ما يبدو، وكذلك بدا زوجها ابراهيم متهدجا ببعض الكلمات وهو يتحدث عن طفليه التوأمين، وبدا وهو يتحدث في بعض الأحيان أيضا وكأنه منبهر بأميركا وما يراه فيها، لذلك لفظ كلمة «دوشة العملية» مرات ومرات، لكنه كرر دائما كلمة الحمر كاسم لقريته، ولم يقل أبدا إنها الحمر والجعافرة.