المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما بين الحوزة الساكتة والحوزة الناطقة والحوزة الصاخبة



سيد مرحوم
10-23-2003, 02:17 AM
ما بين الحوزة الساكتة والحوزة الناطقة والحوزة الصاخبة

إعادة نشر مع إضافة
كتابات - ضياء الشكرجي

d-alsh@web.de


كتبت هذه المقالة في 11/05/2003 أي بأسبوع واحد قبل سفري الأول إلى العراق، أو بشهر بعد سقوط النظام في 09/04/2003. وجدت أن أعيد نشرها، مع بعض الإضافات التي سأميزها باللون الأزرق.



لست بصدد التعرض للتيار الذي اتخذ من مفردة «الحوزة الناطقة» شعارا له عـُرف به، بحيث متى ما استـُخدم هذا المصطلح أو عنوان «الحوزة الشريفة» على نحو التبني، عَلِمَ المستمع أو القارئ من المستخدِم للمصطلح انتماء المستخدِم له إلى ذلك التيار، إذا كان الاستخدام - كما قلت - على نحو التبني.



أقول بقطع النظر عن مصاديق هذا المصطلح وعن تقييمي شخصيا لهذا التيار ومؤسسه (رضوان الله عليه)، أريد أن أتناول المصطلحات المنسوبة كعناوين أو نعوت إلى الحوزة العلمية، وأحاول أن أتناول المفاهيم التي تختزنها بعض هذه العناوين، وسأذكر المصطلحات المقرونة بالمرجعية كما تلك المقرون بالحوزة للعلاقة الواضحة بينهما.



«المرجعية الرشيدة»: مصطلح استخدمه الشهيد الصدر (رض) وعنى بالمصطلح المرجعية المغيِّرة الإصلاحية المتصدية لقضايا وهموم المجتمع في مقابل الحوزة المحافظة التقليدية.



«الحوزة الناطقة»: مصطلح استخدمه الشهيد الصدر الثاني (رض) وعنى به أيضا ولكن على نحو آخر الحوزة المتصدية لقضايا وهموم المجتمع في مقابل «الحوزة الساكتة» أي اللامبالية بالشأن الاجتماعي والسياسي والمستغرقة في الهموم والمشاكل التقليدية الخاصة للحوزة، المتعلقة بالدرس ورعاية شؤون طلبة الحوزة واستلام الحقوق والإجابة على الاستفتاءات الشرعية الشخصية غالبا وفض النزاعات وغير ذلك.



أريد أن أتناول مفهوميْ «الحوزة الناطقة» و«الحوزة الساكتة» كمفهومين، ولا يعنيني ما يقصد به أصحاب المصطلحين من مصاديق على الساحة، ولا يعنيني تفسيرهم وفهمهم لهما، وكم يكون مصيبا أو مجانبا للصواب، مع احترامي لكل رأي.



لو سـُئِلنا هل ينبغي للحوزة أن تكون «حوزة ناطقة» أم «حوزة ساكتة»، يكون الجواب، بقطع النظر عن الظروف الموضوعية، أي كما يقال بالمصطلح الفقهي بالعنوان الأولي، أن النطق من غير شك هو أفضل من السكوت. وإذا علمنا أن المقصود بالسكوت هو عدم الاكتراث بما يجري في المجتمع وعدم الالتفات إلى هموم وآلام وآمال الأمة، فيكون السكوت مرفوضا ومدانا بشكل قاطع.



ولكن السكوت قد يكون في بعض الأحيان مطلوبا، وذلك – على سبيل المثال لا الحصر - في الحالات التالية:



1. في حال التقية إذا اسـُتخدِمت التقية وفقا للمعايير الصحيحية والموازنة الدقيقة، بتشخيص أن ضرر ما يترتب على المخاطرة بالكلام فعلا أكبر بكثير مما يـُنتظـَر من نفع يمكن أن يترتب على النطق والكلام، وليس كتبرير لللاموقف واللامبالاة أو الموقف المتخاذل.

2. عندما تتطلب الحكمة أن يختار المرء السكوت لعدم وجود آذان صاغية تعي ما يقول وتتفاعل مع ما يطرح.

3. عندما يكون السكوت سكوتا عما ليس للساكت به من علم، وهذا السكوت هو ألف مرة خير من الكلام فيما لا علم له به، كتصدي الكثير من طلبة العلم والحوزويين للشأن السياسي من غير أدنى ثقافة ووعي وخبرة سياسية.
4. عندما يكون الكلام ليس على نحو النطق بل على نحو الصخب الذي يـُربك الواقع، وعندها يكون الكلام عما يمكن أن نسميه بـ «الحوزة الصاخبة».



إذن نحن نحتاج حقا إلى «حوزة ناطقة» ..

لا إلى «حوزة ساكتة».

لكننا لا نحتاج إلى «حوزة صاخبة».

وكما لا نحتاج إلى «حوزة ناطقة بغير علم» ..

والمقصود هنا لا العلم بالمعارف الحوزوية بل العلم بما يجري الكلام به كالشأن السياسي.

ولا نحتاج إلى «حوزة ناطقة بغير حكمة» ..

والحكمة غير العلم النظري المحض.

ولا نحتاج إلى «حوزة ناطقة بغير وعي» ..

والوعي هو الآخر شيء آخر.

ولا نحتاج إلى «حوزة ناطقة بغير تقوى» ..

لا سيما ما أسميه بتقوى السياسة التي هي من أشد أنواع التقوى.


إذا كان السياسي يسيء إلى السياسة عندما يمارسها بغير صدق أو بغير علم، فإن عالم الدين أو الحوزوي عندما يمارس السياسة من غير صدق وتقوى وأخلاق وصدق، سيسيء إلى السياسة كذلك، ولكنه سيسيء أكثر إلى الدين، إلى المـُثــُـل، إلى القـِـيَم، فتكون هذه المثـل ضحية ممارسته ونطقه، فيفقد الناس ثقتهم لا بالسياسة فقط، بل بالدين والمتدينين، وبكل القيم والمثل والأخلاق. عندها نقول يا ليته بقي في عداد «الساكتين»، بدلا من أن يكون من «الناطقين» بغير علم، أو من «الناطقين» بغير وعي، أو من «الناطقين» بغير حكمة، من «الناطقين» بغير تقوى .. بغير دين، نعم النطاقين بغير دين، إذ أن يكون الإنسان صاحب دين، هو أن يعيش روح وجوهر الدين لا شكله وقالبه ومظهره.

وأنقل هنا ما كتبته في هامش إحدى صفحات كتابي الذي أعده الآن للطبع قبل أن أغادر بعون الله تعالى في الأيام القريبة المقبلة صوب العراق؛ فكتبت:



لعلنا نعطي الحق لجاسم المطير وغيره من الذين يتحفظون من تدخل رجل الدين في السياسة، إذا ما نزلنا من رحاب التنظير إلى أرض الواقع، ولاحظنا هذا الواقع بدقة وموضوعية، فنجد عندئذ أن وجود عالم دين يملك وعي السياسة، وثقافة السياسة، وتجربة السياسة، وتقوى السياسة، تمثل حالة نادرة جدا في الواقع. ولكن كون الديمقراطية لا تملك صلاحية منع من لا تتوفر فيه الشروط المذكورة آنفا من التدخل في الشأن السياسي، باعتبار أن هذا التدخل يمثل حقا من حقوق المواطنة التي تلتزم الديمقراطية بحمايته دون استـثـناءات، ولذا لا نملك حق منع هؤلاء من التدخل في السياسة، كما يطالب الكثير من العلمانيون، بل وكثير من الإسلاميين، مع الفارق في منطلقات كل من الفريقين في ذلك التحفظ وهذه المطالبة. لكن يمكن أن يقال وبحق أن هناك فرقا بين أن يتدخل المواطن العادي غير المؤهل في الشأن السياسي، أو يتدخل رجل الدين غير المؤهل فيه، وذلك من خلال أن هناك في عمق شعور المواطن العادي – لا سيما المتدين – حالة من القداسة والشرعية يرى أنها تلازم رجل الدين، وكذلك تلازم مواقفه وتصريحاته السياسية، مما يجعل هذا المواطن ينقاد للموقف السياسي الصادر من رجل الدين، ويسلم بصحة التصريح السياسي منه، لشبهة أن ذلك يمثـل حالة من الإلزام الشرعي له (أي للمواطن المتدين). إننا نحتاج إلى جهد فوق العادة، يحتاج هو الآخر إلى زمن طويل، من أجل خلق وعي جديد في الجماهير المتدينة، أو الموالية للإسلام، تميز به بين الأشياء بدقة. من هنا لو كان بالإمكان إصدار فتوى حرمة تدخل رجل الدين في السياسة، إلا من كان متقيا بالحد الأدنى، ويملك اختصاصا في الشأن السياسي بالحد الأدنى، لعملنا على استصدار مثل هذه الفتوى. ولكن الأمر غاية في التعقيد، كما هو مع الكثير من تعقيدات الواقع، وتأثيرات هذه التعقيدات على مسار التحول الديمقراطي في العراق، مما يحتاج إلى جهد وجهاد وعناء وصبر ونـَـفـَس طويل وطويــــــــــل جدا.



كتبت ونشرت لأول مرة في 11/05/2003

أعيدت قرائتها ونقحت وأعيد نشرها في 21/10/2003